استغلال أوقات الفراغ في رمضان
دائمًا ما تكون ساعات العمل في شهر
رمضان المبارك أقلَّ من المعتاد عن غيره في باقي الأيام؛ نظرًا للتخفيف من الإجهاد والتعب الذي يتعرض له الكثيرون إذا داوَموا على العمل لعدد ساعات طويلة أثناء نهار رمضان، مما يؤدِّي إلى خلق
أوقات فراغ كثيرة عند الرجال والنساء أيضًا اللاتي يَمكثْن بالبيت طوال اليوم دون بذل أي مجهود يُذكر، وللأسف الشديد يتمُّ إهدار هذا الوقت في أمور لا يوجد منها أية منافع على الإطلاق؛ حيث ما يفعله الكثيرون هو الخلود للنوم، أو مشاهدة برامج "التليفزيون" لحين انطلاق مدفع الإفطار، وهذا بالتأكيد ليس الهدف من الشهر العظيم؛ لأن الله عز وجل يقول: ﴿
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].
وينبغي أن نُحسن
استغلال هذا الشهر الطيب المبارك في مُضاعفة الحسنات ورفع الدرجات عند الله عز وجل؛ حتى لا ينالنا سخط الله تبارك وتعالى؛ فقد ورد في "
صحيح البخاري" رحمه الله عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحَّة والفراغ))؛ والمعنى: أن الصحة والفراغ فرصتان نادرتان في عمر الإنسان، ينبغي أنْ يعمرهما بأنواع العمل الصالح، وطلب جليل المصالح، وهجر الذنوب والقبائح، فإن ذلك هو المَتجَر الرابح، أما مَن ضيعهما فلم يعمرهما بطاعة الله، أو شغلهما بمعصية الله، فذلك قد أضاع رأس ماله، وتحمل آثام الذنوب بمعصية علام الغيوب، فأشقى نفسه في حاله ومآله، وإنما تبيَّن له الغبن يوم التغابن، حين يظهر له أنه باع سعادة الأبد بشهوة عارضة، وهوى جامح، نهايتهما إلى نكد وشَقاوة الأبد، فيندم حيث لا ينفع الندم.
ومن الأمور التي قد نقوم بإنجازها خلال أوقات الفراغ في هذا الشهر:
ينبغي أن يكون هنالك وقت إضافي لتدريب المهارات الإنسانية وتطويرها؛ كالرياضة فهي مطلوبة للجميع، ولكن رياضة البدن يجب أن تتكامل مع رياضة الفكر والروح، لا بد من صداقة مع الملعب والمكتبة في آنٍ واحد، وإلا فماذا تفيد العضلات النافرة مع العقول الضامرة؟ وهل تنفع قوة الجسد مع سذاجة العقل والتفكير؟
والفنون يُمكن أن تسد مسدًّا في هذا الباب، فنظم الشعر مثلاً يمكن أن يَصقل مواهب الكثيرين ويملأ أوقاتهم، وقد كان الشافعي على علوِّ قدره يشتغل به، وهو القائل:
فلولا الشِّعر بالعلماء يُزري ♦♦♦ لكنتُ اليوم أشعرَ مِن لبيدِ
وكذلك الخط والرسم، ونحو ذلك من الفنون الجميلة، والمشاركة بالجمعيات العلمية، أو الخيرية، أو أصدقاء المرضى، أو الكشافة، أو الجوالة، أو الأندية الرياضية، والثقافية، يمكن أن تساعد المرء على التخلص من
الفراغ والمساهمة في إعمار الحياة الاجتماعية.
والتردد على المجالس العامة للعلم والأدب، وحضور المحاضرات العامة والأمسيات الثقافية له دور كبير في تثقيف الإنسان، وزيادة وعيه وتخليصه من الفراغ.
والاشتراك بالمجلات العلمية والأدبية ومتابعتها يُسهم في القضاء على مشكلة الفراغ، وحبذا لو وجدت مكتبة منزلية فيها كتاب من كل فن أو تخصُّص، وأن تحتوي على الكتب المسموعة بواسطة الأشرطة المسجلة، فقد يحب الإنسان مرات أن يسمَعَ لا أن يقرأ.
والأهم من كل ما سبق: اتخاذ الصديق الصالح الذي يقع عليه دور كبير في التشجيع والعون في القيام بمختلف النشاطات الإيجابية التي مِن شأنها ملء
أوقات الفراغ وعدم إهدارها فيما لا ينفع.
ولنحذر كل الحذر من إضاعة
أوقات الفراغ في اللهو والمجون ومتابعة بعض الفضائيات المنحلَّة، فإن هذا قتل للوقت، وهدم للخلُق، وضياع للعمر بلا طائل، وقد يقود إلى الفساد والإفساد، والجريمة والعقاب والعياذ بالله تعالى.
الالوكة
« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
10-06-2016
