أمر في الآيات السابقة بالإيمان باطنًا بما أنزل الله والتصديق به، ثم أمَرَ في هذه الآية بالعمل ظاهرًا بمقتضى الإيمان بإقامة شعائر الإسلام الظاهرة، والتي أعظَمُها وأهمها الصلاة والزكاة.
والمراد بالصلاة هنا ما يشمل الفرائض والنوافل، والأمرُ للوجوب بالنسبة للفرائض؛ لأن الصلاة أعظمُ أركان الإسلام بعد الشهادتين، فهي الركن الثاني بعدهما، وهي عمود الإسلام.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاةُ، فمن ترَكَها فقد كفر))[1].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن بين الرجل وبين الشرك أو الكفر تركَ الصلاة))[2].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((أُمِرتُ أن أُقاتِلَ الناس حتى يشهدوا أنْ لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّ الإسلام، وحسابُهم على الله))[3].
﴿ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾؛ أي: وأَعطُوا الزكاةَ أهلَها، وهم الأصناف الثمانية، طيبةً بها نفوسُكم، بلا مَنٍّ ولا أذى.
﴿ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾؛ أي: وصَّلوا مع المصلِّين المسلمين، وعبَّر عن الصلاة بالركوع؛ لأنه من أعظم أركان الصلاة، وموضع تعظيم الرب، قال صلى الله عليه وسلم: ((فأما الركوع، فعظِّموا فيه الرب))[4].
وهو تأكيد للأمر بالصلاة، وبيان لمعناها؛ لأن لليهود صلاةً لا ركوع فيها، قال تعالى: ﴿ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [آل عمران: 43].
وقد استدل بعض أهل العلم بالآية على وجوب صلاة الجماعة في المساجد.
2) تذكير بني إسرائيل بنعمة الله تعالى عليهم؛ لأن تذكُّر النعم أدْعى لقبول الحق؛ ولهذا فالتذكير بالنعمة من وسائل الدعوة إلى الله تعالى؛ لقوله تعالى: ﴿ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 40].
3) فضل الله ومِنَّتُه على بني إسرائيل في إنعامه عليهم بالنعم التي لا تحصى؛ لقوله تعالى: ﴿ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ﴾، ونعمة مفرد مضاف إلى معرفة يفيد عمومَ نعم الله، وأن النعمة على الآباء والسلف نعمة على الأبناء والخلف.
4) إثبات وتأكيد أن المنعم الحقيقيَّ بجميع النعم هو الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ﴾.
5) وجوب الوفاء بعهد الله، وأن مَن وفى بعهد الله وفى اللهُ بعهده؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ [البقرة: 40]، فمن وفى بعهد الله بالإيمان بالله وطاعته، وفى اللهُ بعهده بالثواب والجزاء العظيم، ومفهوم هذا أن مَن لم يَفِ بعهد الله فإنه لا يستحق ما وعد الله به، بل يعاقَب.
6) أن الجزاء من جنس العمل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾.
7) وجوب الرهبة والخوف من الله وحده؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [البقرة: 40].
8) إيجاب الإيمان بالقرآن على بني إسرائيل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ ﴾ [البقرة: 41].
9) إثبات علوِّ الله تعالى على خلقه؛ لقوله تعالى: ﴿ أَنْزَلْتُ ﴾، والإنزال يكون من أعلى إلى أسفل.
10) إثبات أن القرآن منزَّلٌ من عند الله غير مخلوق، والرد على القائلين بخلق القرآن؛ لقوله تعالى: ﴿ أَنْزَلْتُ ﴾.
11) تصديق القرآن للتوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب السماوية السابقة، فهو مبين أنها حق وصدق، وهو مصداق ما أخبرتْ به؛ لقوله تعالى: ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ ﴾.
12) في بيان أن القرآن مصدِّق لما معهم إغراءٌ وترغيب لبني إسرائيل بالإيمان به وتصديقه.
13) نهي بني إسرائيل أن يكونوا أول كافر به؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ﴾ [البقرة: 41]، وفي هذا نهيٌ لهم عن المبادرة إلى الكفر به في الحال التي كان ينبغي أن يكونوا أول من يؤمن به، كما أن فيه إشارةً إلى أنهم سيكونون من أول من يكفر، وهكذا فعلوا.
14) نهي بني إسرائيل عن الاشتراء بآيات الله والإيمان بها وتصديقها ثمنًا قليلًا في الدنيا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾ [البقرة: 41]، وهذا نهي لهم ولغيرهم.
15) أن كل ما استبدل واستعيض به عن الإيمان بآيات الله فهو قليل، ولو كان ذلك الدنيا بحذافيرها؛ لقوله تعالى: ﴿ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾.
19) أن كتمان الحق مع العلم به أشدُّ وأعظم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 42]؛ لأن الجاهل قد يُعذَر.
20) وجوب إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وأنهما من أعظم العبادات، فالصلاة أعظم العبادات البدنية فيها الإحسان في عبادة الله تعالى، والزكاة أعظم العبادات المالية فيها الإحسان إلى عباد الله؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 43].
21) وجوب الجمع بين الإيمان والإسلام، بين الأعمال الباطنة والظاهرة، بين أعمال القلوب والجوارح.
22) تأكيد وجوب الصلاة ووجوبها جماعة مع المصلِّين في المساجد؛ لقوله تعالى: ﴿ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43].
23) عظم مكانة الركوع من الصلاة؛ لهذا عبر عنها بالركوع في قوله تعالى: ﴿ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾؛ أي: صلُّوا مع المصلين.
[1] أخرجه النسائي في الصلاة (463)، والترمذي في الإيمان (2621)، وابن ماجه في إقامة الصلاة (1079) من حديث بريدة رضي الله عنه، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب".
[2] أخرجه مسلم في الإيمان (82)، وأبو داود في السنة (4678)، والترمذي في الإيمان (2618)، وابن ماجه في إقامة الصلاة (1078) من حديث جابر رضي الله عنه.
[3] أخرجه البخاري في الإيمان (25)، ومسلم في الإيمان (22) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
[4] أخرجه مسلم في الصلاة (479)، وأبو داود في الصلاة (876)، والنسائي في التطبيق (1045)، وابن ماجه في تعبير الرؤيا (3899) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
الألوكة
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك