1- إباحة الجماع والأكل والشرب ليالي الصيام حتى طلوع الفجر، وقد كانوا قبل ذلك إذا نام الإنسان، أو صلى العشاء حرم عليه الجماع والأكل والشرب، إلى غروب الشمس، من اليوم التالي، فنسخ الله- عز وجل- ذلك رحمة بعباده، وتخفيفًا عنهم؛ لقوله تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ﴾.
ومفهوم هذا أن ذلك كان قبل نزول الآية حرامًا عليهم، وعلى هذا دلت الأحاديث في سبب نزول الآية، وهذا من نسخ القرآن للسنة.
2- أن كلًّا من الزوجين لباس وستر للآخر يحصنه ويعفه؛ لقوله تعالى: ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾.
وهذا يدل على فضل الزواج ونعمة الله- عز وجل- على العباد بمشروعيته.
3- إثبات العلة والحكمة في أحكام الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾، فأحل الله- عز وجل- جماع الزوجات ليالي الصيام لهذه العلة.
4- علم الله- عز وجل- بأحوال وأعمال العباد، وما يحصل منهم من خيانة للأنفس، وغير ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ ﴾.
6- إثبات صفتي التوبة والعفو لله- عز وجل- وتوبته- عز وجل- وعفوه عما حصل من المؤمنين من خيانة لأنفسهم بالجماع، أو الأكل والشرب بعد صلاة العشاء، أو بعد النوم قبلها؛ لقوله تعالى: ﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ ﴾.
7- امتنان الله- عز وجل- على المؤمنين بالتخفيف عنهم، بإباحة الجماع والأكل والشرب ليالي الصيام إلى طلوع الفجر، وتأكيد نسخ المنع من ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ﴾.
8- إثبات النسخ إلى الأخف، وأنه من توبة الله- عز وجل- على عباده؛ لقوله تعالى: ﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ ﴾؛ كما قال تعالى في نسخ وجوب الصدقة بين يدي المناجاة: ﴿ أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ﴾ [المجادلة: 13]، وقال تعالى في نسخ قيام الليل: ﴿ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ [المزمل: 20].
9- أن للزوج مباشرة زوجته والتمتع بما شاء منها على أي حال؛ لقوله تعالى: ﴿ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ﴾ عدا الوطء في الدبر، وفي كل حال عدا حال الحيض والنفاس والصيام والاعتكاف والإحرام.
10- ينبغي للزوجين عند الجماع استحضار وطلب المقاصد الشريفة للنكاح من تكثير النسل، وتحصين النفس والعفة، ونحو ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾.
11- أن الإنسان يؤجر على جماع أهله، لما في ذلك من تحصين نفسه وتحصين أهله، والتمتع بما أباح الله، مما يقي بتوفيق الله من الوقوع في المحرم.
12- في إباحة الجماع إلى طلوع الفجر دليل على صحة صوم من أصبح جنبًا، وعلى هذا دلت السنة.
كما في حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنها قالتا: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبًا من جماع، من غير احتلام، ثم يغتسل ويصوم» وفي حديث أم سلمة: «ثم يفطر ولا يقضي»[1].
وأما ما روي من الآثار من أن الصيام لا يصح ممن أصبح جنبًا، فهي آثار ضعيفة.
ومثل الجنب الحائض أو النفساء إذا طهرت قبل الفجر صح صومها، وإن لم تغتسل إلا بعد الفجر.
13- في قوله تعالى: ﴿ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ﴾، دليل على أن من أكل أو شرب أو جامع شاكًّا في طلوع الفجر فلا شيء عليه؛ لأنه لم يتبين طلوع الفجر، والأصل بقاء الليل، حتى ولو تبين له بعد ذلك أن ذلك وقع منه بعد طلوع الفجر.
14- وجوب إتمام الصيام إلى الليل، وأن الصيام هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، ونحو ذلك من طلوع الفجر إلى إقبال الليل وغروب الشمس؛ لقوله تعالى: ﴿ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾.
15- في قوله تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾، إشارة إلى استحباب تأخير السحور، وتعجيل الفطر، كما دلت على ذلك السنة.
16- في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ دليل على أن من أكل أو شرب أو جامع شاكًّا في غروب الشمس ودخول الليل، فعليه القضاء؛ لأن الأصل بقاء النهار.
17- كراهة الوصال، أو تحريمه؛ لقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾.
19- أن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد، وأنه يصح في كل مسجد تقام فيه صلاة الجماعة من المساجد الثلاثة وغيرها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ والأفضل أن يكون في مسجد تقام فيه الجمعة حتى لا يحتاج للخروج إليها.
20- النهي عن الجماع ومقدماته حال الاعتكاف، وأنه مبطل للاعتكاف؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾.
21- الإشارة إلى فضل الاعتكاف في رمضان، وبخاصة في العشر الأواخر منه، كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل، وأن مما يستحب للمعتكف في غير رمضان الصيام لذكر الله- عز وجل- الاعتكاف في نهاية أحكام الصوم.
22- تعظيم الله- عز وجل- لحدوده، وأوامره ونواهيه؛ لقوله تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ﴾ بالإشارة إليها بإشارة البعيد.
23- أن ما شرعه الله- عز وجل- من أحكام الصيام والاعتكاف في هذه الآيات هو من حدود الله- عز وجل- أي: من أوامره التي لا يجوز تجاوزها ولا تعديها، ونواهيه التي لا يجوز الاقتراب منها؛ لقوله تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾.
24- إقامة الحجة على الناس، وإيضاح المحجة لهم، ببيان الله- عز وجل- آياته الشرعية في سائر أحكام الملة، كما بين لهم في هذه الآيات أحكام الصيام والاعتكاف؛ لأجل أن يتقوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لقوله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾.
25- أن الغاية من إرسال الرسل، وإنزال الكتب، وبيان الآيات الشرعية والكونية هي تقوى الله عز وجل.
[1] سبق تخريجهما.
الألوكة
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك