سأل أحد الاخوة عن آية في سورة الكهف
قال الله تعالى (الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكرى)
فكيف تذكر العين؟
فكان الجواب بمعونة الله
العين تدكر وذكرها قد يكون أبلغ من اللسان
وبالعين تتحقق عبادة عظيمة يغفل عنها كثير من الناس وهي عبادة النظر والتفكر في خلق الله وتقليب البصر في ملكوت السماوات والأرض
(( الذين يذكرون الله قياما و قعودا و على جنوبهم و يتفكرون في خلق السماوات والأرض)
والتفكر بالعقل ولا طريق له الا العين
فجمعت الآية بين الذكر باللسان والتفكر بالبصر
وقبل هذه الآية قال تعالى (ان في خلق السماوات و الأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب))
والتفكر لا يكون الا بادمان البصر وامعان النظر
((قل انظروا ماذا في السموات والأرض ))
وبالنطر في آيات الله الكونية وبالتأمل في بديع صنعه وتنوع خلقه , يتبصر العبد بصفات الخالق و يتعرف على قدرته و يشاهد ملكه وجبروته , وكلما تأمل وتمعن ودقق النظر في الخلق كلما تعرف على الخالق و صفاته
(أفلم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنيناها و ..) ((ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا...))
وقال (( يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ)
ولا يدهب العبد بعيدا (( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ))
وفي آية الكهف السالفة ((الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا ))
فمعلوم أن القرآن الذي هو ذكر بل هو أفضل الذكر وأعظمه , لا تكون تلاوته من المصحف الا بالعين والكفار كانوا محجوبين عن هذا فقد كانوا لا يبصرون وأيضا كانوا لا يستطيعون سمعا والمقصود هو السمع الذي ينتفعون به والبصر الذي ينفذ الى بصائرهم
( أفأنت تسمع الصم أوتهدي العمي عن ضلالتهم ) ( صم بكم عمي فهم لا يبصرون ))
وان كانت أعينهم مفتوحة ويرون الأشياء على حقيقتها , لكن الحق لا يرونه ولا ينتفعون بقراءة القرآن ولا بسماعه لأن على قلوبهم أقفالها , وتراهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون كما قال المولى لنبيه عليه السلام
لذلك أمر الله تعالى نبيه في هذه السورة , سورة الكهف , قبل هده الآية
(( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ))
فأمره بحبس النفس مع هؤلاء الفقراء المؤمنين الذين يذكرون الله وأن يبقى معهم وأن يقصر بصره عليهم لا يتعداهم الى غيرهم من المترفين أهل الدنيا
فمجرد النظر الى هؤلاء تنفتح له أبواب الدنيا و زينتها وزهرتها
فاذا تتبعهم البصر تبعه الفلب , لأن القلب يتبع البصر وهو مفتاحه والطريق اليه
وقال تعالى ( ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا))
وفي كلمة (تمدن) دلالة على أن العين تتبع الزينة حتى وكأنها امتدت اليها ووصلتها واتبعتها أينما دهبت وتحركت فيتعلق القلب بها ويتمنى ويهوى ويغتر بها حتى تهلكه وترديه
((فلا تعجبك أوالهم ولا أولادهم )
والنهي عن الاعجاب نهي عن مداومة النظر اليهم , واذا أعجب بهم المرء دخل الى قلبه تعظيمهم
ولا يسد هذا الباب الا بالصد عن ادمان النظر اليهم نظرة الاعجاب والتقدير
فالبصر كالسمع , هو مفتاح للخير والمغنم كما هو مفتاح للشر والمأثم
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك