5- الفهم طريق الحفظ
تدبر القرآن الكريم من أعظم مقاصد القرآن الكريم وأهداف نزوله قال تعالى: +كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ" [ص:29]
قال الشنقيطي أنزل الله هذا الكتاب، معظماً نفسه، بصيغة الجمع، وأنه كتاب مبارك وأن من حكم إنزاله،أن يتدبر الناس آياته، أي يتفهموها ويتعقلوها ويمعنوا النظر فيها، حتى يفهموا مافيها من أنواع الهدى(1).
وتدبر الآيات وفهمها من أعظم ما يعين على الحفظ، ومعرفة وجه ارتباط بعضها ببعض، لذلك فإنه ينبغي على الحافظ أن يقرأ تفسير بعض الآيات والسور التي يحفظها، وعليه أن يكون حاضر الذهن عند القراءة، ليستطيع أن يربط بين الآيات، ويلاحظ ارتباط المعنى.
ويجب عدم الاعتماد في الحفظ على الفهم وحده للآيات بل يجب أنيكون الترديد للآيات هو الأساس، وذلك حتى ينطلق اللسان بالقراءة وإن شت الذهنأحياناً عن المعنى وأما من اعتمد على الفهم وحده فإنه ينسى كثيراً، وينقطع في القراءة بمجرد شتات ذهنه، خاصة عند القراءة الطويلة.
قال الإمام النووي: ثبت في صحيح مسلم- رحمه الله- عن تميم الداري t قال: قال r: (( الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ؟ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ )) مسلم .
قال العلماء رحمهم الله: النصيحة لكتاب الله تعالى هي الإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله، ولا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله الخلق بأسرهم، ثم تعظيمه وتلاوته حق التلاوة، وتحسينها، والخشوع عندها، وإقامة حروفه في التلاوة وأن يذبَّ، عنه لتأويل المحرفين وتعرض الطاغين، وأن يصدِّق بما فيه، ويقف مع أحكامه ويتفهم علومه، وأمثاله، ويعتبر بمواعظه، ويتفكر في عجائبه ويعمل بمحكمه، ويسلم لمتشابهه، ويبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه، وينشر علومه . اهـ(1) .
ومن الكتب الميسرة المعاصرة المباركة التي نفع الله بها خلق كثير تفسير السعدي ، وزبدة التفاسير للعلامة الأشقر فيهما خير كثير ، فيكمن للحافظ أن يتناول تفسير الآيات قبل حفظها .
6- تقسيم النص القرآني إلى وحدات
وهذا يعني تقطيع الآيات بحسب المعنى، وهو أن يتضمن كل مقطع، معنى معين أو فكرة معينة، يستطيع من خلالها أن يتتبع المعنى، كأن يفصل بين آيات الرحمة والعذاب، والجنة والنار، وقصة، وأخرى ، وهذه المهارة لها علاقة بتنمية ملكة معرفة الوقف والابتداء ، فعن أَبِي بَكْرَةَt أَنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلام قَالَ: يَا مُحَمَّدُ اقْرَأْ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، قَالَ مِيكَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلام: اسْتَزِدْهُ؟ فَاسْتَزَادَهُ، قَالَ: اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ، ؟ قَالَ مِيكَائِيلُ: اسْتَزِدْهُ، فَاسْتَزَادَهُ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، قَالَ: كُلٌّ شَافٍ كَافٍ، مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ، أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ.(1)
قال الحافظ أبو عمرو: فهذا تعليم التام من رسول الله r عن جبريل عليه السلام، إذ ظاهره دالُّ على أنه ينبغي أن يقطع على الآية التي فيها ذكر النار والعقاب، وتفصل عمَّا بعدها، إذا كان بعدها ذِكْر الجنة والثـواب، وكذلك نحو قوله عز وجل:
] فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[ البقرة: 275، هنا الوقف، ولا يجوز أن يوصل ذلك بقوله تعالى: ]وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ[ويقطع على ذلك، وتختمُ به الآيــة .اهـ المكتفى: ص/ 133- 134 .
وأما تقسيم السورة ذات الموضوع الواحد كقصة يوسف عليه السلام، فهي وإن كانت تدور حول موضوع كلي واحد وهو (يوسف عليه السلام) إلا أن هذه السورة يمكن أن تقسم بحسب الأحداث، والمواقف التي تعرض لها نبي الله يوسف عليه السلام، كرؤية يوسف عليه السلام التي قصها على أبيه، وإلقاءه في الجب، …………… وهكذا، فيكون لدى الحافظ بصيرة بالوحدات الجزئية، وفكرة كل مقطع، فالبنيان لا يبنى كتلة واحدة، وإنما من خلال قطع يوضع بعضها فوق بعض .
ويمكن تحديد نسبة الحفظ كل يوم فمثلا يحدد عشر آيات كل يوم أو صفحة أو حزب أو ربع حزب أو أكثر أو أقل كل حسب استطاعته .
7- الحفظ المتقن للمقطع اليومي
لا تجاوز مقررك اليومي حتى تجيد حفظه تماماً، وذلك ليثبت في الذهن ومما يعين على ذلك أن تجعله شغلك طيلة الليل والنهار، وذلك بقراءته في الصلاة، وخاصة قيام الليل، وكذلك أثناء ركوب السيارة، أو عند الذهاب إلى جهة معنية، بتكراره بصفة مستمرة حتى تصل إلى أعلى درجة في الحفظ لهذا المقطع، لأن بمثابة بنيان تبني عليه، فالذي يبني بنيان تعداده ثلاثة طوابق يجب عليه أن يعد أساسًا يتحمل ثلاثة طوابق، والذي يعد بنيان تعداد طوابقه عشرة طوابق يجب عليه أن يعد أساسًا يتحمل عشرة طوابق، فما بالك بالقرآن الكريم الذي يتكون من ثلاثين جزء، مع وجود الكثير من المواضع المتشابهة.
8- عدم تجاوز سورة حتى يربط أولها بآخرها
بعد تمام حفظ سورة من سور القرآن لا ينبغي للحافظ أن ينتقل إلى سورة أخرى إلا بعد إتمام حفظها تماماً , وربط أولها بآخرها , وأن يجري لسانه بها بسهولة و يسر، ودون عناء فكر وكد في تذكر الآيات، ومتابعة القراءة .
ويجب أن يكون الحفظ كالماء , حتى لو شتت ذهنه عن متابعة المعاني أحياناً، فإنه يسترسل من حفظه، ويضع لنفسه ضوابط بأن يعيد الربع إذا زاد عدد الأخطاء عن خطأين، ثم يتحدى بأن يعيد الجزء إذا أخطأ فيه أكثر من خطأين، ثم يتحدى أكثر بأن يعيد الجزء بكامله لو أخطأ فيه خطأ واحد، ليصل بذلك إلى أعلى درجة ممكنة من الحفظ.
إن وصول الحافظ إلى مثل ذلك الإتقان يزيد من ثقته بنفسه، ويصقل موهبة الحفظ لديه، ويشعر بإجادة تامة لحفظه، مما يدفعه إلى مواصلة حفظ باقي القرآن الكريم
* * *
9- التكرار مع التغني
ينبغي أن يكون التكرار مع التغني، وذلكلدفع السآمة أولاً، وليثبت الحفظ ثانياً. وذلك أن التغني بإيقاع محبب إلى السمعيساعد على الحفظ، ويعود اللسان على نغمة معينة فتتعرف بذلك على الخطأ رأساً عندما يختل وزن القراءة والنغمة المعتادة للآية، فيشعر القارئ أن لسانه لا يطاوعه عند الخطأ، وأن النغمة اختلت فيعاود التذكر، هذا.
إلى جانب أن التغني سنة نص عليها النبي × عند قراءة القرآن الكريم، لا يجوز مخالفتها.
عن أبي هريرة t قَالَ: قال r: (( مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوتِ يتغنَّى بالقرءان يَجْهَرُ بِه )) متفق عليه، البخاري/5023، مسلم/792 .
وعن أبي هريرة t قَالَ: قال r: (( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ)) رواه البخاري/7527، يَتَغَنَّ: يحسِّن صوته .
وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِr : (( زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ، فإنَّ الصَّوتَ الحسنَ يزيدُ القرآنَ حُسنًا)) الحاكم، وانظر صحيح الجامع/3581،
وعن الْبَرَاء رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقْرَأُ ]وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ[ فِي الْعِشَاءِ وَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ أَوْ قِرَاءةً " متفق عليه، البخاري/769،مسلم/464 .
قَالَ الإِمَامُ النَّووي رَحِمَهُ اللهُ: " أجمع العلماء رضي الله عنهم مِن السلف والخلف من الصحابة والتابعين، ومَنْ بعدهم مِنَ علماء الأمصار أئمة المسلمين على استحباب تحسين الصوت بالقرءان، وأقوالهم وأفعالهم مشهورة نهاية الشهرة، فنحن مستغنون عن نقل شيء من أفرادها، ودلائل هذا من حديث رسول الله r مستفيضة عند العامة والخاصة .
وقال رَحِمَهُ اللهُ: يستحب تحسين الصوت بالقراءة وتزيينها، ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن أفرَط حتى زاد حرفًا أو أخفاه فهو حرام . اهـ(1) .
10- التسميع والمراجعة الدائمة
ينبغي على حافظ القرآن أن يكون له ورد دائم أقله جزء كل يوم وأكثره عشرة أجزاء لقوله × ((لا يفقه القرآن في أقل من ثلاث))روا ه أو داود،
وهو إشارة إلى حرص الرسول صلى الله علي وسلم على عدم العجلة أثناء القراءة لما لها من أثر سلبي على القراءة حيث ضياع الفهم والتدبر الذي هو من أعظم مقاصد نزول القرآن الكريم
وقوله × : ((إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعلقة, إن عاهد عليها أمسكها , وإن أطلقها ذهبت))
وهو إشارة إلى سهولة النسيان وذهاب الحفظ إلا بالمعاهدة والمراجعة المستمرة ، وبهذه الرعاية المستمرة يستمر الحفظ ويثبت.
يتبع