♦ الملخص:
زوج يشكو مِن كذب زوجته المستمر، وافتعالها بعض المشاكل مع ابنه مِن زوجته الأولى، ولا يدري ماذا يفعل معها؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا رجلٌ في الأربعين من عمري، تزوجتُ زوجتي الثانية منذ أربع سنوات، ولديَّ طفل مِن زوجتي الأولى؛ وقد انفصلتُ عن زوجتي الأولى بسبب مشكلات اجتماعية ومادية.
تأثرتُ نفسيًّا بعد انفِصالي، وحاولتُ أن أقفَ مجددًا على قدمي، والحمد الله اجتزتُ تلك المرحلة، وارتبطتُ مرة أخرى، ولكن هذه المرة كان الاختيار عن طريق الأهل من بلدي الأصلي.
مشكلتي ظهرت حين رأيتُ لدى زوجتي كثيرًا من التعقيدات؛ فقد تعوَّدَتْ على الكذب خوفًا من أبيها، واكتشفتُ أنها تدخن في الخفاء!
تحدثتُ معها أكثر مِن مرة بخصوص هذا الأمر، وحاولتُ إقناعها بألا تكذب؛ لأن الحياة الزوجية يَجب أن تَنبني على الصدق، لكن دون جدوى، فكلُّ فترة أكتَشِف كذبة جديدة.
قامتْ زوجتي بافتعال بعض المشاكل مع طفلي ووالدته، خاصَّة بعدما انتقلت الحضانة إليَّ، لكني حاولتُ أن أتماشى مع تفكيرها، واتبعتُ معها أسلوب النِّقاش وتبيان الحق مِن الباطل، وهي كانتْ تقتنع في ذلك الحين لكنها ترجع إلى تصرُّفاتها السيئة مرة لأخرى، وهي للأمانة تقوم بخدمة طفلي والتدريس له، إلا أن عادة الكذب هذه تهدم كل محاسنها في نظري.
لا أعرف إلى متى سأصبر على هذا الحال؟ وإلى متى سأتحمل؟ فأنا لا أريد أن تسيرَ حياتي بهذا الشكل، ولا أريد تَكرار تجربة الانفصال، خاصة أن طفلي معي.
أريد أن أتحمَّلها وأن أحبها لذاتها، وليس لمصلحةٍ معينة، فهل يمكن للزوج أن يعيشَ مع زوجته بدون حب لمجرَّد أن هناك رحمةً بينهما؟ أنا أشفق عليها أحيانًا، لكني لا أستطيع أن أجزم بحبها.
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نشكركم على تواصلكم معنا، وثقتكم في موقع الاستشارات بشبكة الألوكة.
سأبدأ معك من آخر عبارة قلتها: "هل يمكن للزوج أن يعيشَ مع زوجته بدون حبٍّ لمجرد أنَّ هناك رحمة بينهما"؟
والجواب ليس بنعم أو لا؛ حيث يمكن أن يعيشَ الزوج مع زوجةٍ يكرهها، لكنه لا يستطيع تركها لظروفٍ تُجبره على ذلك، كما أنه يمكن أن يتركها رغم حبه لها لظروفٍ تُجبره على ذلك أيضًا!
لكن في الوضع الطبيعي قد جَعَلَ اللهُ بين الزوجين مودةً ورحمةً؛ فالمودَّةُ تعبير عميقٌ عن الحب بين الزوجين، فإن عُدمت المودةُ بقيت الرحمة كعلقة تُمسك الرابطة الزوجية، وهذا المعنى أشارتْ إليه الآية القرآنية بوضوح فقال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].
وللطاهر بن عاشور تفسيرٌ بديعٌ على هذه الآية؛ حيث قال فيها: "هذه آية ثانية فيها عِظَةٌ وتذكير بنظام الناس العام، وهو نظامُ الازدواج، وكينونة العائلة، وأساس التناسُل، وهو نظامٌ عجيب جَعَلَهُ اللهُ مرتكزًا في الجبلَّة لا يشذ عنه إلا الشُّذَّاذ.
وهي آية تنطوي على عدة آيات؛ منها: أن جعل للإنسان ناموسَ التناسل، وأن جعل تناسله بالتزاوج، ولم يجعله كتناسل النبات من نفسه، وأن جعل أزواج الإنسان مِن صنفه ولم يجعلها من صنفٍ آخر؛ لأن التأنس لا يَحصل بصنفٍ مخالف، وأن جعَل في ذلك التزاوج أنسًا بين الزوجين ولم يجعله تزاوجًا عنيفًا أو مهلكًا كتزاوج الضفادع، وأن جعل بين كل زوجَين مودَّةً ومحبة، فالزوجانِ يكونان من قبل التزاوج مُتجاهلين فيُصبحان بعد التزاوج متحابَّين، وأن جعل بينهما رحمةً؛ فهما قبل التزاوج لا عاطفة بينهما، فيُصبحان بعده متراحمَين كرحمة الأبوة والأمومة، ولأجل ما ينطوي عليه هذا الدليل ويتبعه من النِّعم والدلائل جعلت هذه الآية آياتٍ عدة في قوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾، وهذه الآية كائنة في خَلق جوهر الصنفين من الإنسان: صنف الذكَر، وصنف الأنثى، وإيداع نظام الإقبال بينهما في جِبِلّتهما؛ وذلك من الذاتيات النسبية بين الصنفين، وقد أدمج في الاعتبار بهذه الآية امتِنانٌ بنعمة في هذه الآية أشار إليها قوله: ﴿ لَكُمْ ﴾؛ أي: لأجل نفعكم" ا. هـ.
أما مشكلتكَ تحديدًا مع زوجتك الجديدة فهي (الكذب): إن صفة الكذب لها وسائل تربوية يمكن علاجها بها، وليس من بينها (الطلاق)، وما موضوع الكذب في قصة التدخين إلا جزءٌ مِن هذا السلوك الذي كانت له أسبابه التربوية في قصة حياتها مع أبيها، فربما تعرضتْ للضغط والتهديد وعدم الشعور بالأمان، فكان هذا أحد الأسباب التي جَعَلَتْها تلجأ للكذب تفاديًا للعقاب، ثم صارتْ صفةً لها بعد ذلك، والآن مطلوب منك أن تُحسنَ التعامل مع هذه الصفة، فتبدأ بإشعارها بالأمان أولًا، وأنك لا تقصد العقاب أو الفراق، وإنما مجرد العلاج بداعي المودة والحب، وليس بداعي الشفقة والرحمة! وعندما تأنس هذا منك ستفتح لك قلبها لتتمكَّن من إجراء الإصلاح المناسب لشخصيتها.
ولا تنسَ مدحها بمَحاسنها التي تُحسنها؛ مِن عناية بولدك وتدريسه، والقيام بشؤونك، وهذه مصالح ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار عند التقييم.
نسأل الله تعالى أن يشرح صدرك، وأن ييسِّر أمرك
والله الموفِّق
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك