يــا الله يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن : إذا اضطرب البحر ، وهاج الموج ،
وهبت الريح ، نادى أصحاب السفينة : يا الله. إذا ضل الحادي في الصحراء ومال الركب عن الطريق ،
وحارت القافلة في السير ، نادوا : يا الله. إذا وقعت المصيبة ، وحلت النكبة وجثمت الكارثة
نادى المصاب المنكوب : يا الله. إذا أوصدت الأبواب أمام الطالبين ، وأسدلت الستور في وجوه السائلين ، صاحوا : يا الله .
إذا بارت الحيل وضاقت السبل وانتهت الآمال وتقطعت الحبال ، نادوا : يا الله. إذا ضاقت عليك الأرض
بما رحبت وضاقت عليك نفسك بما حملت ، فاهتف: يا الله. إليه يصعد الكلم الطيب ، والدعاء الخالص
، والهاتف الصادق ، والدمع البريء ، والتفجع الواله . إليه تمد الأكف في الأسحار ، والأيادي في الحاجات ،
والأعين في الملمات ، والأسئلة في الحوادث.
كن سعيدا - الإيمان والعمل الصالح هما سر حياتك الطيبة ، فاحرص عليهما .
اطلب العلم والمعرفة ، وعليك بالقراءة فإنها تذهب الهم . - جدد التوبة واهجر
المعاصي ؛ لأنها تنغص عليك الحياة . - عليك بقراءة القرآن متدبرا ،وأكثر من ذكر الله دائما .
- أحسن إلى الناس بأنواع الإحسان ينشرح صدرك . - كن شجاعا لا وجلا خائفا ،
فالشجاع منشرح الصدر . - طهر قلبك من الحسد والحقد والدغل والغش وكل مرض .
- اترك فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة والأكل والنوم . - انهمك في عمل
مثمر تنس همومك وأحزانك .
- عش في حدود يومك وانس الماضي والمستقبل . - انظر إلى من هو دونك في
الصورة والرزق والعافية ونحوها . - قدر أسوأ الاحتمال ثم تعامل معه لو وقع . - لا
تطاوع ذهنك في الذهاب وراء الخيالات المخيفة والأفكار السيئة . - لا تغضب ، واصبر
واكظم واحلم وسامح ؛ فالعمر قصير .
تتوقع زوال النعم وحلول النقم ، بل على الله توكل . - أعط المشكلة حجمها الطبيعي
ولا تضخم الحوادث . - تخلص من عقدة المؤامرة وانتظار المكاره . - بسط الحياة
واهجر الترف ، ففضول العيش شغل ، ورفاهية الجسم عذاب للروح . - قارن بين
النعم التي عندك والمصائب التي حلت بك لتجد الأرباح أعظم من الخسائر.
- الأقوال السيئة التي قيلت فيك لن تضرك ، بل تضر صاحبها فلا تفكر فيها . - صحح
تفكيرك ، ففكر في النعم والنجاح والفضيلة . - لا تنتظر شكرا من أحد ، فليس لك
على أحد حق ، وافعل الإحسان لوجه الله فحسب . - حدد مشروعا نافعا لك ، وفكر
فيه وتشاغل به لتنسى همومك . - احسم عملك في الحال ولا تؤخر عمل اليوم إلى غد .
فكر واشكر المعنى : أن تذكر نعم الله عليك فإذا هي تغمرك من فوقك ومن تحت
قدميك وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها . صحة في بدن ، أمن في وطن ، غذاء
وكساء ، وهواء وماء ، لديك الدنيا وأنت ما تشعر ، تملك الحياة وأنت لا تعلم وأسبغ
عليكم نعمه ظاهرة وباطنة. عندك عينان ، ولسان وشفتان ، ويدان ورجلان
﴿ فبأي آلاء ربكما تكذبان ﴾
إن إعطاء الذهن مساحة أوسع للتفكير في المستقبل وفتح كتاب الغيب ثم الاكتواء
بالمزعجات المتوقعة ممقوت شرعا ؛ لأنه طول أمل ، وهو مذموم عقلا ؛ لأنه مصارعة
للظل. إن كثيرا من هذا العالم يتوقع في مستقبله الجوع العري والمرض والفقر
والمصائب ، وهذا كله من مقررات مدارس الشيطان { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم
بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا } .
لن تهدأ أعصابك وتسكن بلابل نفسك ، وتذهب وساوس صدرك حتى تؤمن بالقضاء
والقدر ، جف القلم بما أنت لاق فلا تذهب نفسك حسرات ، لا تظن أنه كان بوسعك
إيقاف الجدار أن ينهار ، وحبس الماء أن ينسكب ، ومنع الريح أن تهب ، وحفظ الزجاج
أن ينكسر ، هذا ليس بصحيح على رغمي ورغمك ، وسوف يقع المقدور ، وينفذالقضاء
ويحل المكتوب { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } .
إن عمر الدنيا قصير وكنزها حقير ، والآخرة خير وأبقى فمن أصيب هنا كوفئ هناك ،
ومن تعب هنا ارتاح هناك ، أما المتعلقون بالدنيا العاشقون لها الراكنون إليها ، فأشد
ما على قلوبهم فوت حظوظهم منها وتنغيص راحتهم فيها لأنهم يريدونها وحدها
فلذلك تعظم عليهم المصائب وتكبر عندهم النكبات ؛ لأنهم ينظرون تحت أقدامهم فلا
يرون إلا الدنيا الفانية الزهيدة الرخيصة.
الإيمان هو الحياة الأشقياء بكل معاني الشقاء هم المفلسون من كنوز الإيمان ، ومن
رصيد اليقين ، فهم أبدا في تعاسة وغضب ومهانة وذلة ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن
له معيشة ضنكا . لا يسعد النفس ويزكيها ويطهرها ويفرحها ويذهب غمها وهمها
وقلقها إلا الإيمان بالله رب العالمين ، لا طعم للحياة أصلا إلا بالإيمان .
لا عجب أن يرتاح الذاكرون ، فهذا هو الأصل الأصيل ، لكن العجب العجاب كيف يعيش
الغافلون عن ذكره ﴿ أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون ﴾ . يا من شكى الأرق ،
وبكى من الألم ، وتفجع من الحوادث ، ورمته الخطوب ، هيا اهتف باسمه المقدس ،
{ هل تعلم له سميا } .
اقبل الحياة كما هي حال الدنيا منغصة اللذات ، كثيرة التبعات ، جاهمة المحيا ، كثيرة
التلون ، مزجت بالكدر ، وخلطت بالنكد ، وأنت منها في كبد . ولن تجد والدا أو زوجة ،
أو صديقا ، أو نبيلا ، ولا مسكنا ولا وظيفة إلا وفيه ما يكدر ، وعنده ما يسوء أحيانا ،
فأطفئ حر شره ببرد خيره ، لتنجو رأسا برأس ، والجروح قصاص .
تعز بأهل البلاء تلفت يمنة ويسرة ، فهل ترى إلا مبتلى ؟ وهل تشاهد إلا منكوبا في
كل دار نائحة ، وعلى كل خد دمع ، وفي كل واد بنو سعد . كم من المصائب ، وكم من
الصابرين ، فلست أنت وحدك المصاب ، بل مصابك أنت بالنسبة لغيرك قليل ، كم من
مريض على سريره من أعوام ، يتقلب ذات اليمين وذات الشمال ، يئن من الألم ، ويصيح من السقم .
كم من محبوس مرت به سنوات ما رأى الشمس بعينه ، وما عرف غير زنزانته .
كم من رجل وامرأة فقدا فلذات أكبادهما في ميعة الشباب وريعان
العمر . كم من مكروب ومدين ومصاب ومنكوب .
الصلاة .. الصلاة { يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة } إذا داهمك الخوف
وطوقك الحزن ، وأخذ الهم بتلابيبك ، فقم حالا إلى الصلاة ، تثب لك روحك ، وتطمئن
نفسك ، إن الصلاة كفيلة – بأذن الله باجتياح مستعمرات الأحزان والغموم ، ومطاردة
فلول الاكتئاب . كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال : (( أرحنا بالصلاة يا
بلال )) فكانت قرة عينه وسعادته وبهجته .
من أعظم النعم لو كنا نعقل – هذه الصلوات الخمس كل يوم وليلة كفارة لذنوبنا ،
رفعة لدرجاتنا عند ربنا ، ثم هي علاج عظيم لمآسينا ، ودواء ناجع لأمراضنا ، تسكب
في ضمائرنا مقادير زاكية من اليقين ، وتملأ جوانحنا بالرضا أما أولئك الذين جانبوا
المسجد ، وتركوا الصلاة ، فمن نكد إلى نكد ، ومن حزن إلى حزن ، ومن شقاء إلى
شقاء فتعسا لهم وأضل أعمالهم
حسبنا الله ونعم الوكيل تفويض الأمر إلى الله ، والتوكل عليه ، والثقة بوعده ، والرضا
بصنيعه وحسن الظن به ، وانتظار الفرج منه ؛ من أعظم ثمرات الإيمان ، وأجل صفات
المؤمنين ، وحينما يطمئن العبد إلى حسن العاقبة ، ويعتمد على ربه في كل شأنه
يجد الرعاية ، والولاية ، والكفاية ، والتأييد ، والنصرة . ﴾
لما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار قال : حسبنا الله ونعم الوكيل ، فجعلها الله
عليه بردا وسلاما ، ورسولنا صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما هددوا بجيوش الكفار
، وكتائب الوثنية قالوا : { حسبنا الله ونعم الوكيل {173} فانقلبوا بنعمة من الله
وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم } .
إن الانزواء في الغرفة الضيقة مع الفراغ القاتل طريق ناجح للانتحار ، وليست غرفتك
هي العالم ، ولست أنت كل الناس فلم الاستسلام أمام كتائب الأحزان ؟ ألا فاهتف
ببصرك وسمعك وقلبك : ﴿ انفروا خفافا وثقالا ﴾ ، تعال لتقرأ القرآن هنا بين الجداول
والخمائل ، بين الطيور وهي تتلو خطب الحب ، وبين الماء وهو يروي قصة وصوله من التل .
واصبر وما صبرك إلا بالله ، اصبر صبر واثق بالفرج ، عالم بحسن المصير ، طالب للأجر
، راغب في تكفير السيئات ، اصبر مهما ادلهمت الخطوب ، وأظلمت أمامك الدروب ،
فإن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وإن مع العسر يسرا .
لا تحمل الكرة الأرضية على رأسك نفر من الناس تدور في نفوسهم حرب عالمية ،
وهم على فرش النوم ، فإذا وضعت الحرب أوزارها غنموا قرحة المعدة ، وضغط الدم
والسكري . يحترقون مع الأحداث ، يغضبون من غلاء الأسعار ، يثورون لتأخر الأمطار ،
يضجون لانخفاض سعر العملة ، فهم في انزعاج دائم ، وقلق واصب
﴿ يحسبون كل صيحة عليهم ﴾ .
لا تحمل الكرة الأرضية على رأسك ، دع الأحداث على الأرض ولا تضعها في أمعائك .
إن بعض الناس عنده قلب كالإسفنجة يتشرب الشائعات والأراجيف ، ينزعج للتوافه ،
يهتز للواردات ، يضطرب لكل شيء ، وهذا القلب كفيل أن يحطم صاحبه ، وأن يهدم
كيان حامله .
لا تحطمك التوافه كم من مهموم سبب همه أمر حقير تافه لا يذكر !! . انظر إلى
المنافقين ، ما أسقط هممهم ،وما أبرد عزائمهم . هذه أقوالهم : ﴿ لا تنفروا في الحر
، ﴿ ائذن لي ولا تفتني بيوتنا عورة نخشى أن تصيبنا دآئرة ﴾ ،
﴿ ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ﴾ . يا لخيبة هذه المعاطس يا لتعاسة هذه النفوس .
الحزن ليس بمطلوب ، ولا مقصود ، ولا فيه فائدة ، وقد استعاذ منه النبي
فقال : (( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن )) فهو قرين الهم ، والفرق ، وإن كان
لما مضى أورثه الحزن ، وكلاهما مضعف للقلب عن السير ، مفتر للعزم .
الحزن تكدير للحياة وتنغيص للعيش ، وهو مصل سام للروح ، يورثها الفتور والنكد
والحيرة ، ويصيبها بوجوم قاتم متذبل أمام الجمال ، فتهوي عند الحسن ، وتنطفئ عند
مباهج الحياة ، فتحتسي كأس الشؤم والحسرة والألم .
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك