بسم الله الرحمن الرحيم
" كلمة في رجل الدعوة "
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
فقد تعرفت على أبي محمد صالح الحمودي من خلال أشرطته ومسموعاته ، وكان يعجبني فيه حرصه على الدعوة ووضوح منهجه، وصدق ينبعث من بين ثنايا حروفه ، وحكم وأمثال كثيرة ينطق بها توضح لك معاني مهمة بيسر وسهولة .
وكنت ألتقيه في بعض المجالس بشكل عابر ، وكانت نفسي تحدثني بضرورة التعرف على هذا الرجل المسكون ) بحب الدعوة حد الهيام لأقبس من تجربته وأستثير العزم الساكن والهم الخامد في قلبي ، حول الدعوة التي يحبها الله ويرفع مقام أصحابها ، وأهلها هم حاملوا رايات الأنبياء بين الأمم .
لم أكن أعلم ما يخبؤه لي القدر في حج عام 1436 حيث يسر الله لي الحج مع مخيمات الراجحي ، وكان مخيمنا يتميز بأنه يرعى ثلاث مجموعات :
1- طلاب المنح من الجامعة الإسلامية الذين لم يسبق لهم الحج .
2- الشباب التائبين من مدينة جدة ومنطقة القصيم .
3- العمالة المصرية التي تستقدمها وزارة الحج لخدمة الحجيج قبل موسم الحج وتكرم بالحج مع حملة الراجحي بالشراكة مع الوزارة .
عندما دخلت الخيمة المخصصة للجنة الثقافية فوجئت بالشيخ صالح ماثلًا أمام عيني ، وكانت المفاجأة التي لم أحسب لها حسابًا ، ولم أتخيل وقوعها .
كانت فرصتي لأطلع على خبايا هذه الشخصية الفذة وأقبس من أنوار همتها .
باختصار كان الشيخ صالح " رجل دعوة " بكل معاني هذه الكلمة ، فهو رجل دعوة في همته وهمه وتفكيره ، لا شيء يشغل باله مثلها .
ورجل دعوة في كلامه وحديثه فإذا أردت أن تبهجه وتفرحه فتحدث عن الدعوة أو أسأله عنها لترى سيلًا من المواقف والقصص يتحدر من فم هذا الموفق المحب للدعوة بشكل لا يخطر على بال أحد .
وهو رجل دعوة في عمله وحياته ، لا يتحرك إلا إلى لقاء دعوي ، ولا يسافر إلا لأجل الدعوة ولا يقوم إلا لها ولا يقعد إلا لأجلها ، مواعيده كلها دعوية ، وإذا أردت أن يوافق لك على موعد أو يجيب دعوة لغداء فاذكر له أن فيها فرصة دعوية .
حتى الحج يسخره للدعوة يدعو الحجاج ويزور مخيماتهم ويجالسهم بنية الدعوة ، بل يبقى في مكة بعد الحج ليستثمر وجود الحجيج في دعوتهم .
وكان يقول لي : بدلًا من أن تذهب لمصر ها هي مصر قد جاءتك وأناخت عندك لتسمع منك ، وتغنم دعوتها .
وكان يتردد على الحجاج المصريين الذين كانوا معنا في المخيم ، فإذا جاءنا قال والبسمة تعلو محياه : جئتكم من القاهرة حيث تحلق حولي المئات يستمعون ويسألون ، والله لو كنت في مصر ما وجدتهم بأحسن حالا منهم الآن ، حيث إنهم فارغون من كل عمل مهيأون للسماع قريبون للاستجابة ، ثم يقول لي : لا تضيع الفرصة يا شيخ محمد .
وهو أيضا رجل دعوة في بعث همم طلاب العلم واحتوائهم ليكونوا ضمن صفوف الدعاة ويبلغوا ما عندهم من العلم وما أوتوا من الآيات والحجج .
عندما تعاشر هذا الرجل الموفق لا تخطئ عينك ولا أذنك أمورًا منها :
1- ابتسامة لا تفارق محياه في يسر ولا عسر ولا منشط ولا مكره ، ولا ليل ولا نهار .
2- درر من معين الحكمة تفيض من لسانه من غير تكلف بل إنك تستمع إليه بضع دقائق وهو ينقلك من حكمة إلى حكمة ، ومن جملة محبوكة إلى أخرى أكثر حبكًا ، لا أدري هل هو يحفظها أو يجريها الله على لسانه كأنها عناوين محاضرات أو من نوع الأمثال السائرة ، يقول مثلا :
" ما فيها اطمئنان يا إخوان إلا بذكر الواحد الديان "
" اللي ما ينفع تركه أنفع " . ونظائرها كثير في كلامه رحمه الله .
3- التفاؤل العجيب بهداية الخلق وانتفاعهم بما يلقى إليهم من الحكمة وما يقدم لهم من جهد دعوي، وإن بدا الأمر على خلاف ذلك، وهذا عنصر مهم في مرابطة الإنسان في ميدان الدعوة وصبره على لأوائها .
4- صبره على دعوة الناس وجلَده في بذل الخير لهم من غير انتظار لشكر أو بحث عن محمدة .
5- عفة لسانه عن ذكر الناس بسوء وخصوصًا من الدعاة والمشايخ والجماعات والجمعيات ، فالجميع لا يذكرون إلا بخير ، ولا يتحدث عنهم إلا بخير ما يخرج منهم ، وقد جرت عادة بعض الدعاة بنقد المناهج والمواقف للنظراء من الدعاة ، لكن أبا محمد أرفع قدرًا من أن تقع عينه على قذاة في دعوة أخ من إخوانه فضلا من أن يذكرها أو يطير بها فرحًا .
6- بعث الهمم واستثارتها للعمل الدعوي ، فلا يكاد يجلس مع أحد من طلبة العلم أو الدعاة في مجالسه الخاصة إلا سمعته يقول لهم بلسان المحب المشفق : "الله الله يا إخوان في دعوة الناس وإنقاذهم، الناس بحاجة إلى ما عندكم فلا تبخلوا عليهم ، لا تجعلوهم خصماءكم يوم القيامة" ، فتقوم من مجلسه وبطاريتك مشحونة من الهم الدعوي خصوصًا وأن الذي يدعوك لذلك قد ظهر عليه ما يدعوك إليه ، فلا تملك إلا الاستجابة .
7- البساطة في شأنه كله والبعد عن التكلف حتى في الدعوة ، تسمع كلامًا سهلًا سمحًا واضحًا لا غموض فيه ولا تكلف ، ولا يمكن أن يطرح أمرًا يختلف الناس عليه ، فهو كالمؤذن قد وقف على منارة مسجد يقول بأعلى صوته : حي على الدين الحق ، حي على الخير والطهر والنقاء والصفاء ، تعال
وا إلى الحياة الطيبة والسعادة العاجلة .
8- التواضع الجم واللين وتوطئة الكنف للكبير والصغير والغني والفقير ومن يعرف ومن لا يعرف .
9- البعد عن التصنيف الذي أضر بالساحة الدعوية وأفسد القلوب وباعد بين الأحبة ، وهو نفخة إبليس ونزغة الشيطان وفرحة العدو وقاصمة الظهر .
فلا تسمع في قاموس كلمات أبي محمد كلمة من مثل "إخواني أو سلفي أو تبليغي" أو غير ذلك من العبارات التي تفرق ولا تجمع وتضر ولا تنفع وتسوء ولا تسر .
10 - الاحترافية الهائلة في طرائق الدعوة والحكمة العالية في تقديمها وبذلها للناس بحسب الأشخاص والمواقف والمواقع ، وإذا طلبت من الشيخ صالح أن يتحدث في مكان أو على جمع فلست بحاجة إلى تعريفه بالجالسين أو تحذيره من بعض الأمور فهو يتلمس حاجة من يستمعون إليه ويدخل إليهم من الباب الذي يحبون ولن يخلي حديثه من طرفة أو قصة ، ويصرّف القول تصريفًا حسنًا ويلون الخطاب ترغيبًا وترهيبًا ، فلا يمل السامع ولا يجرح المستمع .
" تلك عشرة كاملة " وهي بعض مما قبسته من أحوال هذا الداعية الموفق فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وآجره بكل كلمة خير قالها أو موعظة قدمها أو شاب اهتدى به أو كافر أسلم على يده .
كتبه :
محمد بن عبد العزيز الخضيري
1437/3/5 .
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك