وهناك تكريم خاص لمن آمن وصدق المرسلين، لكن يحرم منه الكفار: ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ﴾ [الحج: 18]، ﴿ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 124].
أعظم تكريم للإنسان:
نجده في أول نداء قرآني للإنسان ليعبد ربه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾ [البقرة: 21]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ ﴾ [النساء: 1].
ميز الله الإنسان بأنه يفرق بين الحلال والحرام:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ [البقرة: 168]، فما نسمع عنه اليوم من شذوذ جنسي وإباحية فجة انحراف عن الفطرة الإنسانية، ولا يمكن أن يكون هذا حق من حقوق الإنسان!
والقرآن عندما يأمر ببرِّ الوالدين، يوجه خطابه للإنسان في ثلاثة مواطن:
﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ ﴾ [لقمان: 14].
والمعنى يكفي أن تكون إنسانًا لتكون بارًّا بوالديك، فإن لم يفعل، فقد انحدر عن درجة الإنسانية لدركة الشيطانية، لا أقول للبهيمية... لأن البهيمة ربما تراعي من يُحسن إليها، وقد رأينا فيديو لقطة تتمرغ في تراب قبر لفتاة كانت تحسن إليها في حياتها، هذا هو الحيوان البهيم عنده إحساس جعله لا ينسى من أحسن إليه يومًا ما؛ فالإنسان أولى بهذا؛ فكيف لو كان مسلمًا يرجو ثواب طاعته، ويخشى عقاب معصيته؟ ((لا يدخل الجنة عاق)).
وقد قرن الله ثلاثًا بثلاث؛ منها: قرن الشكر له سبحانه بالشكر للوالدين: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]، فمن شكر لله، ولم يشكر لوالديه، لم يُقبل منه؛ كما قال ابن عباس.
خصَّ الله الإنسان بالنظر والتفكر والتذكر:
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ﴾ [عبس: 24، 25].
فإن غفل عن ذلك، انحط لدرجة الأنعام التي لم تخاطب بالتكاليف: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ... أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾ [الأعراف: 179].
الإنسان والعلم:
﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 5]، ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 3، 4]، ولا شك أنه مسؤول عن هذا العلم: ((لن تزول قدم عبد يوم القيامة، حتى يُسأل عن أربع؛ ومنها: وعن علمه ماذا عمل به)).
فالإنسان الغربي الذي شق بعلمه البحار، وسيَّر في الجو الأقمار، إن لم يدله علمه على الواحد الغفار، فلا خير فيه، بل هو أضل من الحمار، وأحقر من الفأر، إن لم يرشده علمه إلى خالقه ومولاه؛ فقد أضله هواه، وغرَّه الشيطان؛ فيتوجه إليه كل لوم وذم وعتاب للإنسان في القرآن: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾ [الانفطار: 6].
حيث إنه لم يَصُن الأمانة التي تحملها: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾ [الأحزاب: 72].
حيث إنه لم يفِ بالعهد الذي أُخذ عليه في عالم الذر: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ... ﴾ [الأعراف: 172].
حيث إنه لم يشكر؛ فصار ظلومًا جهولًا: ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ... إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 243]، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 165]، ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ [العلق: 6، 7]، إن لم يعظم شرع الله صار الإنسان سفيهًا: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ... ﴾ [البقرة: 142].
مع ما ينتظره في اليوم الآخر من نار يصبح وقودًا لها: ﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 24]، ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6].
أما إن دلَّه وأرشده علمه للتعرف الله؛ فشهد له بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة، ولقرآنه بالعظمة؛ استحق بذلك كل ثناء وعطاء: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 207].
وصار من خير أمة تتشرف بالشهادة على الناس: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [البقرة: 143].
ثم هو يوم القيامة في جنات النعيم المقيم، فيما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ... ﴾ [محمد: 15]، ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22، 23].
متى يستحق الإنسان التكريم الخاص في الدنيا والآخرة؟
1- إن استجاب للنداءات الخمس لبني آدم في القرآن:
﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف: 26].