إن الذي يتصفح
القرآن يجد فيه من المواعظ والعبر الكثير من الآيات الناطقة بذلك , ولكن يلاحظ في بعض الآيات أن غالب النداء موجه للمؤمنين حيث يناديهم بنداء الإيمان وذلك من كثرة عناية الله بهم , فالله إما يبشرهم بالجنة أو يخوفهم من النار وأهلها أو يحذرهم من أهل الكفر والنفاق أو يوجههم للعمل الصالح , ومن البشارة لأهل الإيمان أن قال تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة(82) .
وهناك آيات كثيرة كذلك تصف المنافقين وتذم تصرفاتهم بل أفرد اهع لهم سورة خاصة بهم وسماها باسمهم , وقال تعالى في بعض ذكرهم (وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) التوبة(68) , وتعريف النفاق أن تأتي الكفار بوجه والمؤمنين بوجه أخر للمخادعة , قال تعالى (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ ) البقرة (14) , فمن يلعب هذه اللعبة الخبيثة فهو من صنف المنافقين والعياذ بالله .
إن اليهود والنصارى أنصارا لبعضهم البعض على أهل الإيمان وقد وطنوا أنفسهم ليكونوا أعداء للمؤمنين , قال تعالى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ) المائدة(82) , ولا يرى اليهود والنصارى الجنة إلا حكرا عليهم فلن يدخلها غيرهم بزعمهم , قال تعالى (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) البقرة (111) , ويكفي من ذنوب النصارى التي يستحقون عليها أن يقذفوا في النار أنهم ينسبون الولد لله , تعالى الله عن ذلك القول , قال تعالى (وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) البقرة (116) .
إن كل من يعادي أهل الإيمان هو عدو لله يجب الحذر منه ولو كان واحدا من أهلنا وقرابتنا ولو كان أحد أبنائنا , قال تعالى (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) المجادلة (22), فالإيمان يقتضي المباعدة بين المؤمنين وبين كل من يحمل لهم العداوة والبغضاء , فلا يقدم المؤمن أحدا على أهل دينه وملته لمجرد أنه قدم له خدمة في موقف من المواقف أو أهدى له هدية في مناسبة يحبها , فلا بأس أن تكافئ من صنع لك معروفا أو أهدى لك هدية , ولكن لا يقدم على الدين وأهل الإيمان وهو لا يزال يحاد الله ورسوله .
إن الحياة الدنيا على هذه الأرض هي حياة مختلطة بين الكافر والمسلم , فنحن نعيش معهم سويا على هذه الأرض في أماكن متفرقة ليبتلي الله بعضنا ببعض لفترة من الزمن ثم يأتي يوم المفارقة والمفاصلة ليذهب كل منهم إلى حيث وعد الله , فالذي بيننا وبينهم أن نعيش بالعدل وحسن الجوار وترك التعدي والظلم على أحد , قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) المائدة(8), وعلينا أن نترك المحاسبة لله فهو الذي يحكم بين العباد ويفصل بينهم ولن يظلم ربك أحدا , قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) الحج (17) .
أخي المسلم لا تلتفت لدعوات التآخي بين المؤمنين والكفار والمنافقين فإن الله لم يأمرك بالتآخي مع أحد إلا مع صنف واحد وهم أهل الإيمان , قال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الفتح (10) , فمهما حصل بين المؤمنين من خلاف يجب الإصلاح بينهم ولا يزال يقع الخلاف بين الأخوة ثم يزول بفضل الله ثم بفضل المصلحين, إن الكافر لن يرضى عنك مهما تنازلت لهم ولن يطمئن لك حتى تنخلع كاملا من دينك , قال تعالى (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) البقرة (120).
هذا بعض ما
فهمت من كتاب الله ومن تبصر فيه وتفرغ لدراسته سيتعلم منه الكثير والكثير , فعلى المؤمن أن يحفظ إيمانه ولا يعيش متذبذب بين المنافقين والكفار بسبب مواقف أو تصرفات أعجبته منهم , إن الجنة ثمينة جدا ولن تنتفع بإيمانك إلا إذا أقبلت على الله بقلب راسخ بالإيمان سليم من النفاق والهوى فلا تفرط في إيمانك ولو خالفك أقرب الناس إليك فلن تحاسب إلا عن نفسك , إنما هي أعمالك وستجزى بها , وفق الله الجميع للنجاة من النار ودخول الجنة مع الأبرار ... والحمد لله رب العالمين .