يعد الباعث الحقيقي للأمن النفسي في حياة الإنسان وفي شتى مجالات الحياة القرآن الكريم الذي اختاره الله سبحانه وتعالى ليكون شفاء لكل الأمراض والاسقام التي تعتري بني الإنسان ومن سائر الضغوطات النفسية والنوازع التي تجتاح هذا الإنسان المخلوق الضعيف في حياته حتى مماته. لقد كان القرآن الكريم ولايزال هو المعين الذي لا ينضب والهداية التي لا تنقطع ابداً بانقطاع أو موت إنسان من بني البشر.
لقد ارشدنا القرآن إلى سمات النفس الإنسانية فكما للنفس الإنسانية صفات وأوصاف توصف بها فإن تربية النفس وتهذيبها تؤدي إلى ترقي النفس من درجة إلى درجة.
وفي كل ذلك نجد أمن تلك النفس في آيات القرآن الكريم ومعانيها وحدها دون غيره.عن أثر القرآن في الأمن النفسي أكدت ناهد عبدالعال الخراشي الباحثة في العلوم الإسلامية إن الأمن النفسي هو الشعور بالهدوء، والسكينة، وسلامة الروح، وأن يحيطك الاطمئنان في كل لحظة وفي كل جانب من جوانب حياتك.
النفس الإنسانية
وما بين علم النفس الحديث وعلم النفس الإسلامي قالت الخراشي:
هناك تساؤل يطرح نفسه هو : لماذا تعجز المجتمعات الحديثة ـ بالرغم مما لديها من تطور هائل في التكنولوجيا وفي جميع وسائل الحياة ـ عن أن تخلق مجتمعاً آمناً ؟ لقد حدث هذا بناء على خطأ النظرية الغربية لدراسة علم النفس الإنسانية والحياة الإنسانية بمعزل عن الله ..... بعيداً عن الدين، فانحدرت الفضائل، وضاعت القيم والأخلاق. ونتبين ذلك من خلال هذه المقارنة بين علم النفس الحديث وعلم النفس الإسلامي.
عنصر المقارنةعلم النفس الحديث وعلم النفس الإسلامي والإحساس بالذنب ومرض وعلامة صحة والتوبة ونقص وموقف علم تدل على فطرة سوية والندم والتعقيد.
موقف إيجابي يدل على فطرة سوية أدركت الله وعرفت أنه دائماً مع الحق والخير والعدل وقمع الشهوات هوشاهد على سلامة النفس واقتدارها والصبر على المكاره. كما أن موقف العلم والحال والعمل وجهاد النفس يدل على الصحة النفسية والقدرة على تحمل الابتلاءات والوسواس والخواطر ونفث من اللاشعور وحديث النفس إلى النفس
يرى الدين أن النفس من الممكن أن تكون محلاً لمخاطبة الملائكة أو وسوسة الشياطين و تغير النفس.
وأضافت الخراشي: لا يرى علم النفس بإمكانية تبديل النفس أو تغيرها لأن النفس تأخذ النهائي في السنوات الخمس الأولى من الطفولة ويبقى للطبيب النفسي إخراج المكبوت إلى الوعي أما الدين فيقول بإمكانية النفس وتغييرها جوهرياً وإمكانية إخراجها من البهيمية إلى أنوار الحضرة الإلهية ومن حضيض الشهوات إلى ذروة الكمالات الخلقية والطيبة.
فالتخاذل والسلبية والقوة والإيجابية والأمر بالصفح والعدوان وغريزة التحطيم والهدم، والطاقة الشهوانية دوافع رئيسية في الإنسان يقول الدين إن الإنسان فطر حراً مختاراً بين النوازع السالبة والموجبة ويختار ما يشاء بين طريق الخير وطريق الشر والإنسان مستودع للشهوات والرغبات والحاجات يرى الدين أنه إذا كان الله قد أودع في الإنسان بعض الشهوات، فإنه سبحانه أيضاً وهبه عقلاً راشداً، وقلباً واعياً، وروحاً من لدنه تعالى، فإذا وقع الإنسان في الإثم فعليه أن يبادر بالتوبة، والتوبة والندم، والندم موقف إيجابي.ولقد بدأت تظهر حديثاً اتجاهات بعض علماء النفس في العصر الحديث تنادي بأهمية الدين في علاج الأمراض النفسية، وترى أن في الإيمان بالله قوة خارقة تمد الإنسان بطاقة روحية تعينه على تحمل مشاق الحياة، وتجنبه القلق الذي يتعرض له كثير من الناس الذين يعيشون في هذا العصر الحديث، هذا العصر الذي تغلب عليه الحياة المادية ...
وحول أقوال علماء النفس في العصر الحديث، وما جاء به القرآن الكريم والسنة الشريفة عن علاج القلق منذ 1400 عام: قالت الباحثة في العلوم الإسلامية:
يقول وليم جيمس (عالم النفس الأمريكي): إن أعظم علاج للقلق هو الإيمان.
قال الله تعالى : "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ "
و يرى بريل (المحلل النفسي): المرء المتدين لا يعاني قط مرضاً نفسياً.
قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) وذكر نهري لينك(العالم الأمريكي) في كتابه (العودة إلى الإيمان): الذين يترددون على دور العبادة يتمتعون بشخصية أقوى وأفضل ممن لا دين لهم، ولا يقومون بالعبادة.
قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ).
وقال عز من قائل: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ). بينما يقول د. أليكس كاريل، في كتابه (دع القلق وأبدأ الحياة) : إن أولئك الذين لا يعرفون كيف يتخلصون من القلق، يموتون صغار السن.
وهكذا يتضح أن القرآن الكريم قد سبق علماء النفس عندما أوضح لنا أهمية الإيمان في تحقيق الأمن النفسي، لأنه : يزيد من ثقة الإنسان بنفسه. ويزيد من قدرته على الصبر وتحمل مشاق الحياة.ويبعث الأمن والطمأنينة في النفس، ويغمر الإنسان الشعور بالسعادة. تحقيق الأمن
وتضيف الخراشي: وكان لابد كي نحقق الأمن النفسي أن نتعرف على النفس الإنسانية معرفة شاملة واسعة تحيطنا علماً بكل جوانبها ومراحلها وأطوارها وآفاتها، والمعالجة الإسلامية لها، والأمراض النفسية التي تتعرض لها، وما تمر به هذه النفس من أحوال وأحاسيس ومشاعر. سينقلها هذا إلى المحور الرابع الذي يبين إعجاز القرآن الكريم في العناية بالنفس الإنسانية.
فهذا إعجاز القرآن الكريم في العناية بالنفس الإنسانية: فلقد عني القرآن الكريم عناية شاملة بالنفس الإنسانية بحيث أنه لم يترك زاوية من الزوايا أو جانباً من الجوانب إلا وتعرض لها، فلقد تناول نفوس الناس وقلوبهم، وعرف أنه هنا يكمن سر قوة الإنسان، فالإصلاح يبدأ منها وينتهي إليها، ولذلك فإن عناية القرآن الكريم بالنفس كانت من الشمول والاستيعاب بما يمنح الإنسان معرفة صحيحة بالنفس ـ وقاية وعلاجاً ـ دون حساب طاقة أخرى. وهذا وجه الإعجاز والروعة في عناية القرآن الكريم بالنفس الإنسانية.. إذ أنها عناية لم تترك زاوية من زوايا النفس .. أنه خالق النفس الإنسانية العليم بأسرارها وخفاياها.. إنها عناية من : (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) ، (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ )وترجع عناية القرآن الكريم بالنفس الإنسانية إلى أن الإنسان ذاته هو المقصود بالهداية والإرشاد والتوجيه والإصلاح، فإذا ما أريد أن يصل إلى ما له وما عليه، فلابد أن يستكشف نفسه لتتضح له سائر جوانبها ونوازعها، حتى يكون على بصيرة منها وعلى مقدرة من ضبط وتقويم سلوكها. سمات النفس
ولقد أرشدنا القرآن الكريم، إلى سمات النفس الإنسانية، فكما للنفس الإنسانية صفات وأوصاف توصف بها، وهي ما فطر عليه الإنسان، فإن تربية النفس وتهذيبها يؤدي إلى ترقي النفس من درجة إلى درجة، ومن منزلة إلى منزلة، ومن مقام إلى مقام. وفي كل مرحلة من هذه المراحل تصف النفس بسمة معينة تعرف بها، وهذه السمات هي ما يجب أن يسعى إليها الإنسان حتى يحظى برضا الله ومحبته، وهذا لا يأتي إلا بعمل الإنسان وبسعيه ومجاهدته.
وبصفة عامة، تقسم درجات النفس وأحوالها ومقاماتها إلى أقسام سبعة هي : النفس الأمارة والنفس اللوامة والنفس الملهمة والنفس المطمئنة والنفس الراضية والنفس المرضية والنفس الكاملة .
ونجد أنه أثناء هذه الرحلة الطويلة.. رحلة صعود النفس في السلم الروحي .. تعالج النفس شيئاً فشيئاً من آفاتها ونقائصها وعثراتها. وجدير بالذكر أنه لا يمكن الفصل مطلقاً بين حال النفس الأمارة وحال النفس المطمئنة، فالنفس واحدة ولكن أحوالها متعددة، وسماتها متباينة.. ومقاماتها مختلفة، وهي تحوي الفضيلة والرذيلة.. الخير والشر .. الشرك والتوحيد.. النور والظلام. والإنسان يحوي طبيعة النفس الأمارة بالسوء التي تسير وفق هواها ويقودها طمعها ولذاتها وشهواتها، كما تحوي النفس طبيعة خيرة نورانية تبحث عن الحقيقة وتنشد معرفتها. وهناك صراع دائم بين النفس الأمارة وبين النفس المطمئنة في الإنسان، فأصعب شيء على النفس المطمئنة أن تتخلص من براثن الشيطان، ومن هوى النفس الأمارة، فلو علمت النفس الأمارة أن عملها إنما هو طاعة لله لنجت من العذاب والعقاب، ولكن النفس الأمارة والشيطان يقفا لها بالمرصاد فلا يدعا لها عملاً واحداً من أعمال الخير والطاعة يصل إلى الله تعالى : ولذلك يقول بعض العارفين: (إن عملاً واحداً، خالصاً لله، إذا وصل إليه تعالى لكنت فرحت بالموت كفرح الغائب الذي يعود إلى أهله).
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك