عدد الضغطات : 9,176عدد الضغطات : 6,681عدد الضغطات : 6,399عدد الضغطات : 5,609
التميز خلال 24 ساعة
العضو المميز المراقب المميز المشرف المميز الموضوع المميز القسم المميز
قريبا
قريبا
قريبا

بقلم :
المنتدى الاسلامي العام

العودة   منتديات الحقلة > المنتدى الاسلامي > منتدى القرآن الكريم والتفسير

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: ذات مساء مساحه خاصه لكم (آخر رد :محمد الجابر)       :: مؤلم ... (آخر رد :محمد الجابر)       :: ...بم‘ـــآآآذآ تفــكــــر الآن ... (آخر رد :محمد الجابر)       :: لِ .. أَحَدُهُم ‘ ..| (آخر رد :محمد الجابر)       :: ضع بصمتك .. واترك أثراً ..~ (آخر رد :السموه)       :: وقع ولو بكلمه (آخر رد :السموه)       :: اللهم ... (آخر رد :السموه)       :: لـ نهتف : (يَآرَبْ )مساحة خاصه لكم لتناجون البارئ بماشئتم (آخر رد :السموه)       :: ثرثرة الواو (آخر رد :السموه)       :: دعاء اليوم ((متجدد بإذن الله)) (آخر رد :ابو يحيى)      


موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 02-07-2015   #1


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
 اوسمتي
الإتقان وسام ادارة المنتدى وسام صاحب الحضور الدائم العطاء الذهبي المسابقه الرمضانيه 2 
لوني المفضل : Cadetblue
التناسب بين الآيات والسور



الآيات, التناسب, بين, والصور

الآيات, التناسب, بين, والصور

أنوار قرآنية: المناسبات والصلات بين أسماء سور جزء الذاريات

التناسب الآيات والسور   التناسب الآيات والسور التناسب الآيات

عندما نأخذ أسماء سور جزء الذاريات سنجد بناء محكماً، وصلاتٍ عظيمة رائعة عجيبة، ونرى الارتباط والإحكام المتقن بين هذه السور، والتي توضح جزءاً من معنى قول الله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}(هود: 1)، كما أنه يظهر لنا بذلك خريطة هذا الجزء من القرآن، ومعها تتضح المفاهيم الرائعة العظيمة التي يريد الله سبحانه وتعالى أن نربي أنفسنا عليها أفراداً ومجتمعات مما تدخل معرفتها ضمن التدبر الذي هو غاية النزول القرآني كما قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}(ص: 29)، وقد تكون جزء الذاريات من سبع سور، فالأربع الأولى مقدمات تؤدي إلى الخامسة، والسادسة والسابعة، نتائج قائمة على معرفة الخامسة، فالخامسة وهي سورة الرحمن واسطة العقد في هذا الجزء المبارك العظيم.

السورة الأولى من هذا الجزء: سورة (الذاريات)

والذاريات هي الرياح التي تذرو التراب ذروا كما ورد عن علي وعمر وغيرهما، وحقيقَة الذرو رمي أشياء مجتمعة ترمى في الهواء لتقع على الأرض مثل الحب عند الزرعِ وَمِثْلَ الصُّوفِ، وَأَصْلُهُ ذَرْوُ الرِّيَاحِ التُّرَابَ فَشُبِّهَ بِهِ دَفْعُ الرِّيحِ قِطَعَ السَّحَابِ حَتَّى تَجْتَمِعَ فَتَصِيرَ سَحَابًا كَامِلًا، ومن ذلك قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} (الكهف: 45)، والرياح ضمن الظاهر الكونية التي لا يمكن للإنسان التحكم بل يرسلها الله تعالى للإنسان أو عليه كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}(الأعراف: 57)، {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا}(الروم: 48).

السورة الثانية: سورة (الطور)
والطور هو الجبل، وقد قيل بأنه جبل مخصوص وهو الذي ناجى فِيهِ الله تعالى موسى عليه السلام، وأنزل عليه فيه الألواح المشتملة على أصول شريعة التوراة، وقيل الطور اسم لكل جبل عظيم، والجبال أيضاً من الظواهر الكونية التي لا يستطيع الإنسان مشابهتها في عظمتها ورسوخها ووظيفتها، ولذا قال الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا}(النبأ: 6، 7).

السورة الثالثة: سورة (النجم)
والنجم هو الكوكب المعروف الموجود في السماء وهو عبارة عن كوكب مشتعل مليء بالطاقة الهائلة العظيمة، والنجوم مخلوقات عظيمة أنشأها الله وسخرها في نظام محكم، فيصغر الإنسان ويتضاءل عندما يراها أو يتفكر في أبعادها وعظمة خلقتها والطاقة التي تكتنزها، ولذا قال الله تعالى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ}(الأعراف: 54).

السورة الرابعة: سورة (القمر)
والقمر أيضا هو الكويكب المعروف الصغير التابع للكواكب الأكبر منه مثل القمر الذي يتبع كوكب الأرض، والسورة نزلت مبينة معجزة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حكم الله تعالى للكون ففي البخاري عن أنس رضِي الله عَنه قَال: سأل أهل مكةَ أن يريَهم آية فَأراهم انشقَاق القمر، وفيه عن ابن مسعود قَال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فرقَة فوق الجبل وفرقَة دونه، فقَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اشهدوا)).

الجامع بين السور الأربع:
هذه أربع سور كل سورة منها تدل على آية كونية هي معجزة عظيمة في ذاتها نراها أمام أعيننا، ونسأل كل الخلق: من الذي يمسكها ويسخرها في نظام؟ من الذي يتحكم بها ويغيرها؟ سواء كان ذلك متعلقاً بـ(الذاريات) أي الرياح أو بـ(الطور) أي الجبل أو بـ(النجم) أو بـ(القمر)؟
إنه الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال إبراهيم معرفاً الله تعالى بحكمه لمخلوقات الكون: {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}(البقرة: 258)، فقال النمرود لإبراهيم عليه السلام{أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} (البقرة: 258) عندها عرف إبراهيم عليه السلام أن هذا الإنسان ضعيف العقل إذ المقصود القدرة على حكم الكون، وليس أن يحكم على إنسان بالإعدام فيكون قد أماته، وعلى آخر بالعفو فيكون قد أحياه، لذا جابهه بأمر آخر أوضح في موضوع حكم الكون فقال: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ}(البقرة: 258) يعني هو الذي يتحكم بالكون ووضعها على هذا النظام، فإن أنت فعلاً تستطيع أن تضاهي الله في ملكه وحكمه فغير هذا النظام {فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ}(البقرة: 258) أي غير هذا النظام الكوني الموجود، {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(البقرة: 258).

فلتخسأ الحكماء عن عِظَمٍ له الأفلاك تسجد
من أنت يا رسطو ومن أفلاط قبلك يا مبلد
ومن ابن سينا حين قرر ما بنيت له وشيد
هل أنتم إلا الفرا ش رأى الشهاب وقد توقد
فدنا فأحرق نفسه ولو اهتدى رشداً لأبعد

وقد بين الله تعالى أن هذه المظاهر الكونية وغيرها تسجد لله خاشعة خاضعة فقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ} (الحج: 18).

السورة الخامسة: سورة (الرحمن)
والرحمن هو الاسم الأعظم بعد اسمه العلم الفرد (الله) سبحانه، والله يقرن بين الاسمين في كلامه العزيز، ومن ذلك قوله: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}(الإسراء: 110).

المناسبة والاتصال بين أسماء السور الأربع والسورة الخامسة:
الآيات الأربع التي سُميت بها السور الأربع الأولى من هذا الجزء المبارك تدل على الله سبحانه وتعالى بطريق البرهان المشاهد، ولذلك جاءت السورة الخامسة (الرحمن)، ووجه ارتباطها بأسماء السور السابقة واضح كأن الله تعالى يقول: ألا يكفيكم لتعرفوا الرحمن وعظمته وقدرته ورحمته بكم أنه:
سخر (الذاريات) أي الرياح وتحكم بها فمرة تكون لكم وتارة تكون عليكم؟
وسخر الجبال (الطور) وتحكم بها، والجبال مهما بلغ مكر أهل الأرض لا يستطيعون أن يزيلوها إزالة حقيقة تامة، ولذلك قال تعالى {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ}(إبراهيم: 46) أي: وما كان مكرهم لتزول منه الجبال في قراءة الجمهور.
وسخر (النجم) وسخر (القمر) وكلها آيات عظيمة وبراهين متجسدة مشاهدة تؤدي إلى الرحمن، فجاءت اسم سورة (الرحمن) نتيجة لتلك البراهين ولتثبت الإيمان، فكل الآيات الأربع تدل على ملك الله ورحمته بالخلق، ولذا كان من أبرز الحقائق التي قُرِّرت في سورة الرحمن حقيقتان:
الأولى: ضرورة الانتباه إلى آلائه العظيمة، والآلاء هي الآيات العجيبة التي تتضمن النعم وغيرها، وقد قُرِّرت هذه الحقيقة في السورة في صورة سؤال تكرر واحداً وثلاثين مرة في السورة تنبيهاً وإزعاجاً للعقل والحس والضمير والشعور، وإنكاراً على المعرضين والمجادلين والمعاندين فيقول الله تعالت عظمته في هذا السؤال: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }(الرحمن: 16).
الثانية: بقاء ملك -تعالت عظمته- بعد فناء الأكوان: وهذه الحقيقة قررها في سورة الرحمن فقال في بيان جميل مشرقٍ عظيم: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}(الرحمن: 26، 27)، وختم السورة بما يدل على ملكه وجلاله ورحمته وإكرامه {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}(الرحمن: 78)، وكأن الله تعالى يقول:

أنا الرحمــــــن فاطلبـــــــنــي تجـــدني ... فإن تطلب ســــواي فــــلا تجدني
تجدن أي أيـــــن تطلبـــــنــي عتيـــــداً ... قريبـــــاً منــــــك فاطلبني تجدني
تجدني في ســـــواد الليـــــل عبـــــــدي ... قريبا منـــــك فاطلبـــني تجـــدني
تجدنــي فـــي سجــــودك لـــي قريــــبا ... قريبا منــــــك فاطلبــــني تجدنـي
تجــــــــــــدني راحمــــاً براً رؤوفــــــاً ... أنا الرحمـــــــن فاطلبني تجدنــي

السورة السادسة: سورة (الواقعة)
وصِلَتُها بما قبلها: تظهر في أنه بعد أن رأى الإنسان البراهين الأربعة (الذاريات، والطور، والنجم، والقمر) وتفكر فيها فرآها معجزات ونعماً تدل على (الرحمن) فإما أن يؤمن به ويلتزم ما يسعده من طاعته وهديه، وإما أن يصر على ضلاله وكفره وغيه، فما هو حال الفريقين؟ وما هو مآلهم؟
الحال والمآل إما أن يكون أخروياً، وإما أن يكون دنيوياً:
فالواقع الأخروي بينته سورة (الواقعة) حيث بينت جزاء المؤمنين والمعرضين تفصيلاً، والواقعة هي الشيء العظيم الذي يقع، وهي أعظم حدث يقع في الكون {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ}(الواقعة: 1 - 3) تخفض أقواما وترفع أقواماً، فالكلام في سورة (الواقعة) عن الجزاء الأخروي سواء لمن آمن بالرحمن أو لمن كفر به، وقُسِّم الناس في ذلك إلى ثلاثة أقسام {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}(الواقعة: 7 - 10) اللهم اجعلنا من السابقين بفضلك ورحمتك.
وقُدِّم الواقع الأخروي على الواقع الدنيوي لأنه الأصل الباقي.

السورة السابعة: سورة (الحديد)
وأما الواقع الدنيوي للمؤمنين والكافرين فقد ظهر في سورة الحديد، وهي آخر سورة في هذا الجزء، والحديد إشارة الى القوة الدنيوية، ولذلك قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ}(الحديد: 25)، ومن البينات الذاريات والكون المنظور والكتاب المسطور، والبينات تعني البراهين والمعجزات، {وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}، فالحديد إشارة إلى القوة الدنيوية، ولذلك بعد الحديد مباشرة قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ}(الحديد: 25) في الآية نفسها. فما معنى هذا الكلام؟
الواقعة تشير إلى الآخرة، والحديد يشير إلى الدنيا، فـ(الواقعة) إشارة الى الجزاء الآخروي لمن ءامن بالرحمن أو لمن كفر به، و(الحديد) إشارة الى أن المسلمين ينبغي أن يمتلكوا القوة الرادعة التي يصدون فيها إجرام المجرمين وبغي الباغين، واعتداء المعتدين ولذلك قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ}(الحديد: 25)، فهذه معادلةٌ واضحة أي من ينصر الله فيعد العدة ويجهز القوة اللازمة بقدره ينصره الله، فالحديد إشارةٌ إلى القوة الحامية لمشروع الإيمان في الدنيا، كما هو إشارة الى شيء آخر وهو عدم الاكتفاء بانتظار الجزاء الأخروي بل إن السورة تدل على وجوب إعداد العدة للدفاع عن أنفسكم والدفاع عن الحق المبين.
وبذلك اتضح شيء من الترابط والإحكام بين هذه السور المباركة من كلام الملك الجليل القدوس السلام، ولم ننظر في هذه السور لأنها موجودة في هذا الجزء فالتجزيئ اجتهاد بشري، بل لتتابعها في القرآن بهذه الهيئة، وهذا التتابع توقيفي كما هو الراجح في موضوع ترتيب السور، واستنباط هذه التأملات من الأسماء لا يعني أن المواضيع التفصيلية التي ذُكرت في السور لم تتطرق إلى تفاصيل أخرى كما هو معلوم، نسأل الله -تعالت عظمته- حلاوة تلاوة القرآن، وحلاوة فهمه والعمل به وشفاعته.





ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك


الموضوع الأصلي: التناسب بين الآيات والسور || الكاتب: مصراوي || المصدر: منتديات الحقلة

منتديات الحقلة

منتديات الحقلة: منتديات عامة اسلامية ثقافية ادبية شعر خواطر اخبارية رياضية ترفيهية صحية اسرية كل مايتعلق بالمرأة والرجل والطفل وتهتم باخبار قرى الحقلة والقرى المجاوره لها





hgjkhsf fdk hgNdhj ,hgs,v hgjkhsf fdk




hgjkhsf fdk hgNdhj ,hgs,v hgjkhsf fdk hgjkhsf fdk hgNdhj ,hgs,v hgjkhsf fdk



 

قديم 02-07-2015   #2


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: التناسب بين الآيات والسور



ولن يتمنوه...ولا يتمنونه



جاء القرآن بأسلوب غاية في الروعة، وقمة في البيان، وكان للكلمات والأفعال والأساليب التي يختارها أهمية كبيرة في بيان مقصده، وتوضيح هدفه. فأنت واجد في العديد من آياته اختيار حرف مكان حرف، أو كلمة مكان أخرى، وأنت واجد أيضاً تقديماً لجملة في آية، وتأخيراً لها في أخرى، وما ذلك إلا لمعنى يراد تقريره، ومقصد يُبتغى بيانه.

وتمثيلاً لذلك نسوق الآيتين التاليتين:

الآية الأولى: قوله تعالى: {ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين} (البقرة:95).

الآية الثانية: قوله سبحانه: {ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين} (الجمعة:7).

فأنت تلحظ أن الآية الأولى: بدأت بحرف النفي (لن)، في حين أن الآية الثانية بدأت بحرف النفي (لا). فهل ثمة دلالة لكل حرف من هذين الحرفين؟

نستبق الجواب بالقول: إن التغيير في بناء الجملة القرآنية -وكذلك العربية- لا بد أن يكون لمعنى مراد، وغاية محددة؛ لأن بناء الجمل - حروفاً وكلمات - يحمل دلالة معينة، وهي وإن اشتبهت من حيث الجملة، إلا أنها تفترق عن بعضها في وظائفها الدلالية، وهذا ما نحاول بيانه من خلال الآيتين المشار إليهما أعلاه.

أجاب بعض العلماء عن الفرق بين أسلوب الآيتين بأن قال: إن استعمال (لن) لما يُظن حصوله، وهي آكد في النفي، وإن كان زمانه أقصر، وإن استعمال (لا) لما يُشك في حصوله، فقوله تعالى: {ولا يتمنونه أبدا}، جاء بعد حرف الشرط (إن) في قوله سبحانه: {إن زعمتم أنكم أولياء لله} (الجمعة:6)، كأنه قيل: متى زعموا ذلك في وقت من الأوقات، وقيل لهم: تمنوا الموت، فلا يتمنونه أبداً. ولما كان حرف الشرط (إن) لا يختص بوقت دون وقت، بل يعم جميع الأوقات، قوبل بحرف النفي (لا)؛ ليعم ما جُعل جواباً له.

ولما فات العموم في قوله تعالى: {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} (البقرة:94)؛ بسبب دخول (كان)؛ لكونها لا تدل على الحدث، بل تدخل على الجملة الاسمية، لتقرن مضمون الجملة بالزمان الماضي، كأنه قيل: إن كانت قد وجبت لكم الدار الآخرة عند الله فتمنوا الموت الآن. وكان حرف الشرط (إن) داخلاً على فعل أمده قريب (كان)، جاء في جوابه (لن)، فانتظم الخطاب في الآيتين.

وأجاب الرازي عن الفرق بين الآيتين بنحو آخر، فقال: إنه تعالى قال في آية سورة البقرة: {ولن يتمنوه أبدا} وقال في آية سورة الجمعة: {ولا يتمنونه أبدا} أنهم في آية البقرة، ادعوا أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس، وادعوا في سورة الجمعة أنهم أولياء لله من دون الناس، والله تعالى أبطل هذين الأمرين، بأنه لو كان كذلك لوجب أن يتمنوا الموت، والدعوى الأولى أعظم من الثانية؛ إذ السعادة القصوى هي الحصول في دار الثواب، وأما مرتبة الولاية فهي وإن كانت شريفة إلا أنها إنما تراد ليتوسل بها إلى الجنة، فلما كانت الدعوة الأولى أعظم، لا جرم بيَّن تعالى فساد قولهم بلفظ (لن)؛ لأنه أقوى الألفاظ النافية، ولما كانت الدعوى الثانية ليست في غاية العظمة، لا جرم اكتفى في إبطالها بلفظ (لا)؛ لأنه ليس في نهاية القوة في إفادة معنى النفي.

والأمر المهم هنا، أن القرآن الكريم - على عادته - ذكر في كل موضع ما يناسب الدعوى التي ادعاها يهود، وأبطل كلا الدعوتين بأقوى ما يكون به الإبطال من أسلوب. فتأمل عظمة بيان هذا الكتاب، وقوة أسلوبه في تبيان المراد.



 

قديم 02-07-2015   #3


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: التناسب بين الآيات والسور



التعقيبات القرآنية



تمثل التعقيبات التي ترد في خواتم الآيات القرآنية سمة بارزة من سمات الأسلوب القرآني، ووجهاً فائقاً من أوجه بلاغته؛ وذلك أنها تزيد معاني الآيات بياناً وإيضاحاً، فضلاً عن أثرها الإيقاعي في أُذن القارئ والسامع لكتاب الله العزيز.

أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: أملى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} إلى قوله: {خلقاً آخر}، قال معاذ: {فتبارك الله أحسن الخالقين}، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له معاذ: مما ضحكت يا رسول الله؟ قال: (بها خُتمت).

وقد روي عن الأصمعي أنه قال: كنت أقرأ: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم)، وبجنبي أعرابي، فقال: كلام مَن هذا؟ قلت: كلامُ الله، قال: ليس هذا كلام الله. فانتبهتُ، فقرأتُ: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم} (المائدة:38)، فقال: أصبتَ، هذا كلام الله. فقلت: أتقرأ القرآن؟ قال: لا، قلتُ: من أين علمت؟ قال: يا هذا! عَزَّ، فَحَكَم، فقطع، ولو غفر ورحم، لما قطع.

وذكر ابن عطية في "تفسيره"، أن كعب الأحبار لما أسلم كان يتعلم القرآن، فأقرأه الذي كان يعلمه: (فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله غفور رحيم)، فقال كعب: إني لأستنكر أن يكون هكذا، ومر بهما رجل، فقال كعب : كيف تقرأ هذه الآية؟ فقرأ الرجل: {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم} (البقرة:209)، فقال كعب: هكذا ينبغي.

والذي لا شك فيه، أن ختام الآية في القرآن دائم التناسق مع مبدئها، وظاهر التناغم مع مضمونها. ونحن نذكر أمثلة على ذلك توضح المراد، وتكشف هذا المَعْلَم القرآني.

أولاً: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد} (البقرة:267)، لما كان المقام مقاماً لطلب الإنفاق من الكسب الطيب، وكان سبحانه غنياً عن الطيب والخبيث من المال، فلا يقبل سبحانه الرديء من مال عبده، يُقدمه عبده لنفسه، فالله أحق من يُختَار له خِيارُ الأشياء وأنفَسُها؛ لأن قابل الرديء إما أن يقبله لحاجته إليه، والله غير محتاج لأحد، وإما أن نفسه غير كريمة ولا شريفة، والله هو الكريم الحميد، المستحق للحمد كله بداية ونهاية، فلا يقبل غير الطيب، لما كان ذلك كذلك، ناسب خَتْمُ الآية بقوله سبحانه: {غني حميد}. فالله غني عن الخبيث من مال عباده، فيخرجونه كصدقات! بينما هو سبحانه يحمد لهم الكسب الطيب، ويجزيهم عليه جزاء الراضي الشاكر. وهو الله الرازق الوهاب، يجزيهم عليه جزاء الحمد، وهو الذي أعطاهم إياه من قبل.

ثانياً: قوله سبحانه: {قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم} (البقرة:286)، لما كان المقام مقام تهديد لأولئك المتصدقين، الذين يُتْبعون ما أنفقوا منًّا وأذى، وهو أيضاً مقام إشعار لهم، بأن الكلام الطيب، والاعتذار الحسن مع العفو عمن أساء، خير من صدقاتهم تلك، بيَّن الله سبحانه أنه غني عن الصدقات، لن يناله منها شيء، وإنما النفع يعود عليهم، والله مع غناه الكامل حليم على المانِّ بالصدقات، حيث لم يوقع عليه العقوبة التي يستحقها لمنِّه، ولكنه تعالى حليم يصفح مع عطائه الواسع عمن يمنُّ بمال الله الذي استودعه إياه.

فالله سبحانه غني عن الصدقة المؤذية. حليم يعطي عباده الرزق فلا يشكرونه {وقليل من عبادي الشكور} (سبأ:13)، فلا يعجلهم بالعقاب، ولا يبادرهم بالإيذاء؛ وهو معطيهم كل شيء، معطيهم وجودهم ذاته قبل أن يعطيهم أي شيء - فليتعلم عباده من حلمه سبحانه، فلا يعجلوا بالأذى والغضب على من يعطونهم جزءاً مما أعطاه الله لهم . حين لا يروقهم منهم أمر، أو لا ينالهم منهم شكر.

ثالثاً: قوله عز وجل: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار} (إبراهيم:34)، وقوله سبحانه: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم} (النحل:18)، فقد خولف بين ختام آية سورة إبراهيم وختام آية سورة النحل؛ لأن آية إبراهيم جاءت في سياق وعيد وتهديدٍ عقب قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا} (إبراهيم:28)، فكان المناسب لها تسجيل ظلمهم وكفرهم بنعمة الله. أما آية سورة النحل فقد جاءت خطاباً للفريقين، كما كانت النعم المعدودة عليهم منتفعاً بها كلاهما.

ثم كان من اللطائف أن قوبل الوصفان اللذان في آية سورة إبراهيم: {لظلوم كفار} بوصفين في آية سورة النحل: {لغفور رحيم}، إشارة إلى أن تلك النعم كانت سبباً لظلم الإنسان وكفره، وهي سبب لغفران الله ورحمته. والأمر في ذلك معلق بعمل الإنسان.

رابعاً: أورد السيوطي في "إتقانه" قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم} (البقرة:29)، وقوله سبحانه: {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير} (آل عمران:29)، قال: فإن المتبادر إلى الذهن في آية البقرة الختم بـ (القدرة)، وفي آية آل عمران الختم بـ (العلم). والجواب أن آية البقرة لما تضمنت الإخبار عن خلق الأرض وما فيها على حسب حاجات أهلها ومنافعهم ومصالحهم وخلق السموات خلقاً مستوياً محكماً من غير تفاوت، والخالق على الوصف المذكور يجب أن يكون عالماً بما فعله كلياً وجزئياً مجملاً ومفصلاً، ناسب ختمها بصفة (العلم)، وآية آل عمران لما كانت في سياق الوعيد على موالاة الكفار، وكان التعبير بالعلم فيها كناية عن المجازاة بالعقاب والثواب ناسب ختمها بصفة (القدرة).

خامساً: قال الآلوسي عند تفسيره لقوله سبحانه: {ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} (النحل:11)، قال: حيث كان الاستدلال بما ذكر لاشتماله على أمر خفي محتاج إلى التفكر والتدبر لمن له نظر سديد ختم الآية بالتفكر.

والمتحصل، أن نهايات الآيات القرآنية متناسب مع سياقها، ومنسجم مع مضمونها، لا يشذ عن ذلك شيء من القرآن؛ ولذلك أنت تقرأ قوله سبحانه: {فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} (آل عمران:137)، وتقرأ قوله تعالى: {فانظر كيف كان عاقبة المجرمين} (الأعراف:84)، وتقرأ قوله سبحانه: {فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} (الأعراف:103)، وتقرأ قوله تعالى: {فانظر كيف كان عاقبة الظالمين} (يونس:39)، وتقرأ قوله عز وجل: {فانظر كيف كان عاقبة المنذرين} (يونس:73)، كل ذلك جاء بحسب سياق الآية ومضمونها، ولا معنى لهذا الاختلاف إلا ما تقدم بيانه.



 

قديم 02-07-2015   #4


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: التناسب بين الآيات والسور



وإذا ضربتم في الأرض...



موضوع الآية التي هي عنوان هذا المقال، قصر الصلاة في السفر عمومًا، وحال الخوف من فتنة العدو خصوصًا، وحديثنا فيها يدور حول مناسبتها لما قبلها وما بعدها من آيات؛ وفي ذلك نقرأ قوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} (النساء:101).

و(الضرب): هو السفر والسعي في الأرض، طلبًا لرزق، أو تحصيلاً لعلم، أو جهادًا لعدو، ونحو ذلك مما هو جائز أو مطلوب شرعًا. فجاءت الآية هنا صريحة في الترخيص في قصر الصلاة حال السفر، تخفيفًا على المؤمنين، ورفعًا للحرج عنهم.

وليس مقصودنا هنا الخوض في تفاصيل الأحكام الفقهية، المتعلقة بهذه الآية، وإنما وجهتنا هنا بيان مناسبة هذه الآية لما سبقها وما جاء بعدها من آيات، فنقول:

بعد الرجوع إلى الآيات السابقة لهذه الآية، يتبن لنا أن موضوع تلك الآيات الجهاد في سبيل الله، والهجرة من أرض الكفر إلى أرض الإيمان؛ فنحن نقرأ قبل هذه الآية، قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} (النساء:94) وقوله سبحانه: {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} (النساء:97) ونقرأ أيضًا قبل الآية مباشرة قوله عز وجل: {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} (النساء:100). فالقاسم المشترك الذي تدور حوله هذه الآيات، الخروج من الديار، والسعي في الأرض لسبب من الأسباب، ومفارقة حال الحضر، والدخول في حالة السفر.

ولما كان السفر والسعي في الأرض من مستلزمات الجهاد في سبيل الله غالبًا، بيَّن سبحانه أن الصلاة لا تسقط بعذر الجهاد، ولا بعذر الهجرة، ولا بغير ذلك من الأعذار، غير أنه سبحانه وتعالى بيَّن لنا - تخفيفًا على عباده، ورفعًا للحرج عنهم - مشروعية قصر الصلاة والتخفيف فيها، لما يلحق المكلف من مشقة وحرج في أدائها حال السفر على الصفة المطلوبة حال الحضر.

ومعلوم أن الضارب في الأرض، والساعي فيها، هو في أمسِّ الحاجة إلى الصلة الدائمة بربه وخالقه، إنه بحاجة إلى هذه الصلة التي تعينه على مشاقِّ سفره، ومصاعب أمره. والصلاة -كما لا يخفى- خير معوانٍ للمؤمن في درب الحياة الطويل؛ ألم يخاطب سبحانه عباده بقوله: {واستعينوا بالصبر والصلاة} (البقرة:45) أَوَ ليست الصلاة هي ملجأ المؤمن، وملاذه في كل ما يصيبه من همٍّ وغم، وبلاء ومحن، تصادفه في هذه الحياة.

فإذا كانت مكانة الصلاة في حياة المسلم على هذا النحو، كان من المناسب أن تذكر عند الحديث عن الهجرة في سبيل الله، وفي حال الالتحام مع العدو؛ إذ ما أحوج الخائف في الطريق إلى أن يطمئن قلبه بذكر الله. وما أحوج المهاجر من أرضه إلى أن يلتجىء إلى حمى الله. وما أحوج الساعي في الأرض إلى أن يطلب العون من الله، وكل ذلك طريقه الصلاة، التي هي صلة بين العبد وربه.

وإذا نظرنا إلى ما بعد قوله سبحانه: {وإذا ضربتم في الأرض} فسنجد تناسبًا أيضًا بين هذه الآية الكريمة وما تبعها من آيات؛ فنحن نقرأ بعد هذه الآية مباشرة آيات تتحدث عن مشروعية صلاة الخوف، وهي الصلاة التي تشرع حال الالتحام مع العدو، وعند اشتداد وقع المواجهة، يقول تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأتِ طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ودَّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم} (النساء:102)، فإذا كانت الآية السابقة لهذه الآية قد ذكرت مشروعية قصر الصلاة - القصر في عدد ركعاتها - حال الهجرة وخوف الفتنة؛ فإن هذه الآية قد جاءت لتبيِّن مشروعية صلاة من نوع خاص، إنها صلاة الخوف، تلك الصلاة التي تشرع حال المواجهة والالتحام مع العدو، فكان وجه التناسب بين الآيات في غاية الظهور والوضوح؛ فآية: {وإذا ضربتم في الأرض} تحدثت عن قصر الصلاة عمومًا، وهو قصرٌ في عدد ركعاتها - كما آشرنا آنفًا - في حين أن آية: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} تتحدث عن قصر الصلاة بوجه خاص، وهو حال المواجهة وقتال العدو، والقصر هنا -إضافة إلى أنه قصر في عدد ركعات الصلاة- هو قصر في هيئتها وكيفيتها، كما هو معلوم في موضعه من كتب أهل العلم.

فالصلاة الكاملة وَفَقَ الصفة التي شُرعت عليها -من قيام وركوع وسجود- قد تعوق المجاهد في سبيل الله عن مواجهة عدوه حال الالتحام والمواجهة، أو ربما لفتت إليه أنظار ذلك العدو فانتهز الفرصة للانقضاض عليه والنيل منه؛ ولما كان من الممكن كل ذلك، جاءت الرخصة في قصر الصلاة - عددًا أو كيفية - حال السفر عمومًا، وعند لقاء العدو على وجه أخص.

وبما تقدم، يظهر لنا وجه المناسبة بين الآية مدار البحث، وهي قوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} وما سبقها وتبعها من آيات، الأمر الذي يدل على الترابط المتين، والتناسق المحكم بين آيات الكتاب العزيز، وأن كل آية منه تشد من أزر أختها، وتأخذ بيدها لبيان المقصود والمراد من تنـزيلها.



 

قديم 02-07-2015   #5


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: التناسب بين الآيات والسور



المناسبة بين سورتي النساء والمائدة



إن المتأمل في سور القرآن الكريم وآياته، يجد أنها تطرق موضوعات شتى، الرابط بينها جميعًا هو هذا الهدف الأصيل الذي جاء القرآن لتحقيقه ألا وهو: إنشاء أمة، وإقامة دولة، وتنظيم مجتمع على أساس من عقيدة خاصة، وتصور معين، وبناء جديد .

ومتابعة لموضوع أوجه المناسبة بين سور القرآن الكريم، نخصص مقالنا التالي للحديث عن بعض أوجه المناسبة بين سورتي النساء والمائدة.

فمن أوجه المناسبة بين السورتين الكريمتين ما ذكره الإمام السيوطي رحمه الله: أن سورة النساء قد اشتملت على عدة عقود، بعضها صريح وبعضها ضمني غير صريح؛ فمما ذُكِر من العقود الصريحة عقود الأنكحة، وعقد الحلف، وعقد الأيمان، في قوله تعالى: {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} (النساء:33) وعقد المعاهدة والأمان في قوله سبحانه: {إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} (النساء:90) وقوله بعد ذلك: {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} (النساء:92).

ومن العقود الضمنية، عقد الوصية، والوديعة، والوكالة، والعارية، والإجارة، وغير ذلك من العقود الداخلة فى عموم قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} (النساء:58) فناسب أن يُعَقَّب الأمر بذلك بسورة مفتتحة بالأمر بالوفاء بالعقود، فكأنه قيل: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} (المائدة:1) التي فُرغ من ذكرها فى السورة التي تمت، فكان ذلك غاية في التلاحم والتناسق والارتباط.

ومن أوجه التناسب بين السورتين الكريمتين، تقديم سورة النساء وتأخير سورة المائدة؛ ووجه ذلك، أن أول سورة النساء افتتح بقوله تعالى: {يا أيها الناس} (النساء:1) وقد تكرر هذا الخطاب في مواضع من السورة نفسها، كقوله تعالى: {يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرًا لكم} (النساء:170) وقوله أيضًا: {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا} (النساء:174) وهذا خطاب عام أشبه بخطاب الكفار؛ في حين أن أول سورة المائدة بُدءت بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} (المائدة:1) وتكرر فيها الخطاب بذلك في مواضع؛ من ذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله} (المائدة:2) وقوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} (المائدة:6) وقوله: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم} (المائدة:11)، وهذا خطاب خاص أشبه بخطاب المؤمنين. وتقديم الخطاب العام أنسب، من تقديم الخاص.

ثم إن هاتين السورتين في التلازم والاتحاد، نظيرتا سورتي البقرة وآل عمران؛ فسورتا البقرة وآل عمران اتحدتا في تقرير الأصول من الوحدانية، والربوبية، والنبوة، ونحوها من العقائديات؛ وسورتا النساء والمائدة جاءتا بتقرير الفروع الحكمية، والأحكام التشريعية.

ولما وقع في سورة النساء، قوله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} (النساء:105) وكانت نازلة في قصة سارق، كما جاء في أسباب النزول، فقد فصَّل سبحانه في سورة المائدة أحكام السارقين والخائنين، فقال تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا} (المائدة:38) وأيضًا، لما ذكر سبحانه في سورة النساء أنه أنزل الكتاب إلى رسوله ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، ذكر في سورة المائدة آيات في الحكم بما أنزل الله، حتى بين الكفار، وكرر من لم يحكم بما أنزل الله، فقال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} (المائدة:44) {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} (المائدة:45) {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} (المائدة:47).

ومن أوجه الوفاق بين السورتين -فوق ما تقدم- أن سورة المائدة خُتمت ببيان صفة القدرة الإلهية؛ فقال تعالى: {لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير} (المائدة:120) في حين أن سورة النساء افتتحت بذلك؛ قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء} (النساء:1). وأيضًا فقد افتتحت سورة النساء ببدء الخلق، وختمت سورة المائدة بالمنتهى من البعث والجزاء؛ قال تعالى: {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم} (المائدة:109) {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} (المائدة:119) فكأنهما سورة واحدة اشتملت على الأحكام من المبدأ إلى المنتهى.

فانظر إلى هذا التناسق والتلازم بين هاتين السورتين، لتعرف عظمة هذا الكتاب الخالد؛ يقول تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} (ص:29).



 

قديم 02-07-2015   #6


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: التناسب بين الآيات والسور



المناسبة في قوله تعالى: إن في خلق السماوات والأرض




في آواخر سورة آل عمران جاء قوله تعالى: {ولله ملك السموات والأرض والله على كل شيء قدير * إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} (آل عمران:189-190).

وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي، فأتاه بلال يؤذنه بالصلاة، فرآه يبكي فقال: يا رسول الله، أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! فقال: يا بلال، أفلا أكون عبدًا شكورًا، ولقد أنزل الله عليَّ الليلة آية: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها) رواه ابن حبان في "صحيحه".

ثم من مناسبة هاتين الآيتين لما تقدمهما من آيات، أنَّ فيها رد على اليهود، الذين قالوا: {إن الله فقير ونحن أغنياء} (آل عمران:181) وفيها أيضًا بيان لهم ولسائر خلقه، بأنه سبحانه هو المدبر لهذا الكون، والمتصرف فيه، وَفْقَ إرادته ومشيئته؛ لا رادَّ لمشيئته وقضائه، ولا معقِّب لحكمه وإرادته، وأن الإغناء والإفقار إليه وحده، وبيده مقاليد الأمور كلها، لا شريك له في ذلك: {ألا له الخلق والأمر} (الأعراف:54).

فمعنى الآيات ومناسبتها لما سبق هو: تدبروا أيها الناس واعتبروا، فيما أنشأته فخلقته من السماوات والأرض لمعاشكم وأقواتكم وأرزاقكم، وفيما يتعاقب فيكم من ليل ونهار، تتصرفون في هذا لمعاشكم، وتسكنون في ذاك راحة لأجسادكم، إذ في ذلك كله مُعْتَبَرٌ ومُدَّكر وآيات وعظات. فمن كان منكم ذا لب وعقل، يعلم أن من نسبني إلى أني فقير وهو غني، كاذب مفتر، فإن ذلك كله بيدي، أقلِّبه وأصرِّفه، ولو أبطلت ذلك لهلكتم، فكيف يُنسب فَقْر إلى من كان بيده عيش من وما في السماوات والأرض ؟ بل كيف يكون غنيًا من كان رزقه بيد غيره، إذا شاء رزقه، وإذا شاء حَرَمه ؟ فاعتبروا يا أولي الألباب.

فالآيتان الكريمتان تقرير لما قبلهما من الآيات، تفيدان أن لله وحده السلطان القاهر في جميع العالم، يتصرف فيه كيف يشاء، وبالطريقة التي يشاء، ويختار ما يشاء، إيجادًا وإعدامًا، إحياءًا وإماتة، تعذيبًا وإثابة، وَفْق حكمة بالغة، وتقدير محكم.

ثم في هذه الآيات -علاوة على ما تقدم من الرد على اليهود ومن قال بقولهم- دليل على أن هذا الكون الواسع الشاسع كتاب مفتوح، يحمل بذاته دلائل الإيمان وآياته؛ وإشارة أيضًا إلى أن ثمة وراء هذا الكون قوة قاهرة تدبره بحكمة وانفراد، وتسيِّر أمره بانتظام واقتدار؛ وفيها كذلك ما يوحي بأن وراء هذه الحياة الدنيا حياة أخرى، غير هذه الحياة، وحسابًا وجزاء دونهما أي جزاء. لكن لا يدرك هذه الدلائل، ويقرأ هذه الآيات الكونية، ويرى هذه الحكمة الربانية، ويسمع هذه الإيحاءات إلا {أولوا الألباب} الذين فتح الله أبصارهم للهدى والإيمان به، وأنار بصائرهم لمعرفة الحق واتباعه؛ أما من سواهم من الناس، الذين لا يتفكرون بهذا الكتاب المفتوح، ويمرون بهذه الآيات الباهرة وهم عنها معرضون، فليس للهدى إليهم سبيل، ولا لمعرفة الحق إليهم مدرك!

وحاصل ما تقدم، أن في الآيتين الكريمتين إبطال لدعوى اليهود من أساسها، وتقرير لحقيقة هذا الوجود، وما بثَّ فيه سبحانه من مخلوقات، تدل على أنه هو الأول والآخر، وأنه هو القابض والباسط، وأنه هو المغني والمفقر، وأنه على كل شيء قدير، وتعالى الله عن كل قول يناقض ذلك ويخالفه.

هذا هو التصور الإسلامي الصحيح لخالق هذا الكون، ولا تصور سواه، وهو التصور الذي تقر به الفِطَر السليمة، ولا تقبل بسواه من التصورات والمعتقدات.



 

قديم 02-07-2015   #7


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: التناسب بين الآيات والسور



المناسبة بين سورتي البقرة وآل عمران



روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اقرؤوا الزهراوين: البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صوافّ، تحاجَّان عن أصحابهما) ففي هذا الحديث، وغيره من الأحاديث الواردة في حق هاتين السورتين، ما يدل على ترابط وتناسب وتلازم بين هاتين السورتين الكريمتين، نطلع عليه من خلال ما وقفنا عليه من أقوال لأهل العلم في هذا الصدد.

فمن أوجه المناسبات بين السورتين، إضافة لتسميتهما بالزهراوين، أنهما افتتحتا بذكر الكتاب - وهو القرآن - فجاء في سورة البقرة مجملاً في قوله تعالى: {ذلك الكتاب لا ريب فيه} بينما جاء ذكر الكتاب في سورة آل عمران مؤكِّدًا ومفصِّلاً لما في البقرة، قال تعالى: {نزل عليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه} (آل عمران:3).

ومن وجوه المناسبات بين السورتين، ما رواه أصحاب السنن إلا النسائي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} (البقرة:163) وفاتحة آل عمران: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} (آل عمران:2) فقد اشتملت السورتان الكريمتان على اسم الله الأعظم، الذي إذا دُعي به أجاب.

ولما كانت سورة البقرة قد عالجات شبهات اليهود وادعاءاتهم بشيء من البسط والتفصيل، وتعرضت لشبهات النصارى على وجه الإجمال؛ جاءت -بالمقابل- سورة آل عمران تواجه وتعالج شبهات النصارى بشي من التفصيل، وبخاصة ما يتعلق منها بـ عيسى عليه السلام، وما يتعلق بعقيدة التوحيد الخالص، كما جاء به دين الإسلام. وتصحح لهم ما أصاب عقائدهم من انحراف وخلط وتشويه. وتدعوهم إلى الحق الواحد الذي تضمنته كتبهم الصحيحة التي جاء القرآن بتصديقها؛ مع إشارات وتقريعات لليهود، وتحذيرات للمسلمين من دسائس أهل الكتاب.

وقد قال أصحاب كتب أسباب النزول: إن الآيات الأُوَل من سورة آل عمران نزلت في وفد نجران، وكانوا يدينون بالنصرانية، وكانوا من أصدق قبائل العرب تمسكًا بدين المسيح عليه السلام.

وذكر الإمام السيوطي بناء على قاعدته، أن كل سورة تالية شارحة لمجمل ما جاء في السورة قبلها، العديد من أوجه المناسبات، نختار منها الأوجه التالية:

- أنه سبحانه ذكر في سورة البقرة إنزال الكتاب مجملاً، في قوله: {ذلك الكتاب} (البقرة:2) بينما ذكره في سورة آل عمران مفصلاً، قال تعالى: {منه آيات محكمات هنَّ أم الكتاب وأُخَرُ متشابهات} (آل عمران:7).

- جاء في سورة البقرة قوله سبحانه: {وما أُنزل من قبلك} (البقرة:4) مجملاً، في حين جاء في سورة آل عمران مفصلاً، قال تعالى: {وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس} (آل عمران:4) فصرح هنا بذكر الإنجيل؛ لأن السورة خطاب للنصارى، ولم يقع التصريح بالإنجيل في سورة البقرة، وإنما صرح فيها بذكر التوراة خاصة؛ لأنها خطاب لليهود.

- أنه تعالى ذكر الشهداء في سورة البقرة على وجه الإجمال، فقال تعالى: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات} (البقرة:154) بينما فصَّل القول في أحوالهم، وما صاروا إليه في سورة آل عمران، فقال سبحانه: {بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يستبشرون بنعمة من الله وفضل} (آل عمران:169-171).

- أنه سبحانه افتتح سورة البقرة بقصة آدم وخلقه من تراب، دون أب ولا أم؛ وذكر فى سورة آل عمران نظيره فى الخلق من غير أب وهو عيسى عليه السلام؛ ولذلك ضَرَب له المثل بـ آدم. قالوا: وقد اختصت سورة البقرة بذكر آدم عليه السلام؛ لأنها أول السور، وهو أول فى الوجود وسابق؛ ولأنها الأصل، وهذه كالفرع والتتمة لها، فاختصت بالأغرب، ولأنها خطاب لليهود الذين قالوا في مريم عليها السلام ما قالوا، وأنكروا وجود ولد بلا أب؛ ففُوتحوا بقصة آدم؛ لتثبت فى أذهانهم، فلا تأتى قصة عيسى عليه السلام، إلا وقد ذُكِر عندهم ما يشهد لها من جنسها، ولأن قصة عيسى عليه السلام قيست على قصة آدم، والمقيس عليه لا بد وأن يكون معلومًا، لتتم الحجة بالقياس، فكانت قصة آدم، والسورة التى هي فيها، جديرة بالتقديم.

- ومما يقوي المناسبة والتلازم بين السورتين الكريمتين، أن خاتمة سورة آل عمران جاءت مناسبة لفاتحة سورة البقرة؛ وبيان ذلك أن سورة البقرة افتتحت بذكر المتقين، وأنهم هم المفلحون، بينما خُتمت سورة آل عمران بقوله تعالى: {واتقوا الله لعلكم تفلحون} (آل عمران:200) وأيضًا افتتحت سورة البقرة بقوله سبحانه: {والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} (البقرة:4) وختمت سورة آل عمران بقوله سبحانه: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم} (آل عمران:199).

وقد ورد أن يهود لما نزل قول الله جلَّ وعلا: {من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا} (البقرة:245) قالوا: يا محمد، افتقر ربك يسأل عباده القرض، فنزل ردُّ الله عليهم: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء} (آل عمران:181) وهذا مما يقوي التلازم بين السورتين أيضًا.

وقريب منه، أنه وقع فى سورة البقرة، حكاية قول إبراهيم عليه السلام: {ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك} (البقرة:129) ووقع في سورة آل عمران قوله سبحانه: {لقد مَنَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم} (آل عمران:164) والتلازم بين الآيتين هنا في غاية الظهور.

ولا شك أن وراء ما ذكرنا من مناسبات بين السورتين، أمورًا أُخر، لكن حسبنا ما أتينا عليه من أوجه المناسبات، كدلالة على التلازم والتناسب بين سور القرآن الكريم، والذي يدل قبل هذا على أن القرآن الكريم تنزيل من رب العالمين.



 

قديم 02-07-2015   #8


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: التناسب بين الآيات والسور



ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه...أو كالذي مر على قرية



الآيتان الكريمتان -عنوان المقال- وردتا في سياق الاستدلال العقلي والعملي على وجود الخالق سبحانه وتعالى؛ إذ بيَّنتا وأكدتا أنه سبحانه هو المتصرف الأول والأخير في خلقه، وأنه لا أحد من خلقه يملك لنفسه - ومن باب أولى لغيره - نفعًا ولا ضرًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا. فالأمر إليه من قبلُ ومن بعدُ، كما أخبر عن نفسه سبحانه بقوله: {لله الأمر من قبل ومن بعد} (الروم:4) وقال أيضًا: {ألا له الخلق والأمر} (الأعراف:54).

في الآية الأولى نقرأ قوله تعالى: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإنا الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب فبهت الذي كفر} (البقرة:258) هذه المحاجَّة التي جرت بين إبراهيم عليه السلام، وبين ذاك الملك الذي ادعى القدرة على الخلق والإيجاد، والإماتة والإعدام، فطلب منه إبراهيم دليلاً على دعواه، بأن يأتيَ بالشمس من المغرب، خلافًا لما جرت عليه السنن الكونية، فلم يستطع لذلك جوابًا، وأُسقط في يده؛ وأقام عليه إبراهيم الحجة البالغة، مبينًا له أن ما ادعاه في دعواه، ليس له فيه من الأمر شيء، بل ذلك لله وحده، لا ينازعه في ذلك أحد من خلقه مهما أوتي من قدرة وسلطة ومكانة.

ثم تأتي الآية الثانية، وهي قوله تعالى: {أو كالذي مر على قرية} (البقرة:259) تأكيدًا وتوكيدًا لسابقتها، لتبين أن أمر الحياة والموت ليس شأنًا من شوؤن العباد، ولا خاصية من خواصهم، بل مرجع ذلك لله وحده، لا شريك له في ذلك، ولا منازع له في حكمه وأمره.

وقد وضَّحت الآية الثانية تلك الحقيقة بمثال حسي لا يختلف في حقيقته ومضمونه عن المثال في الآية السابقة؛ فقوله سبحانه: {أو كالذي مرَّ على قرية} نظير الذي عنى بقوله سبحانه: {ألم تر إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربه} ففي كلا المثالين تعجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده، من أمر من يدعي خاصة من خصائص الألوهية والربوبية، وفيهما تبيان أن سر الحياة والموت هو من أمر الله وحده، وليس لأحد غيره في ذلك من شيء.

وقد قال أهل التفسير هنا: قوله سبحانه: {أو كالذي مر على قرية} عطف على قوله تعالى: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه} وإنما عطف قوله: {أو كالذي مرَّ على قرية} على قوله: {ألم ترَّ إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربه} وإن اختلف لفظاهما، لتشابه معنييهما؛ لأن قوله: {ألم تر إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربه} بمعنى: هل رأيت، يا محمد، كالذي حاج إبراهيم في ربه؟ ثم عطف عليه بقوله: {أو كالذي مر على قرية} قالوا: لأن من شأن العرب العطف بالكلام على معنى نظير له قد تقدمه، وإن خالف لفظُه لفظَه.

ثم ليس ثمة فائدة هنا من الخوض في الخلاف الذي ذكره بعض المفسرين حول اسم ذلك الملك الذي حاجَّ إبراهيم في ربه، ولا في اسم ذلك الشخص الذي مرَّ على تلك القرية الخاوية على عروشها؛ إذ ليس في ذكر شيء من هذا كبير فائدة، ولو كان فيه فائدة لذكره القرآن، ولَمَا سكت عنه، وإذ لم يذكره دلَّ على أن المقصود من ذلك هو أمر أهم، ومقصد أولى بالاعتبار والالتفات إليه.

ثم إن هاتين الآيتين تقرران -إلى جانب حقيقة الموت والحياة وردهما إلى الله سبحانه- حقيقة ثانية، وهي حقيقة طلاقة المشيئة، التي يُعنى القرآن عناية فائقة بتقريرها في قلوب المؤمنين، لتتعلق بالله مباشرة، من وراء الأسباب الظاهرة، والمقدمات المنظورة. فالله تعالى فعَّال لما يريد. ولهذا ختمت الآية الأولى بقوله تعالى: {والله لا يهدي القوم الظالمين} وهذا كقوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} (القصص:56). وكذلك خُتمت الآية الثانية، بقول ذاك الرجل الذي مرت به التجربة: {أعلم أن الله على كل شيء قدير} فكانت خاتمة الآيتين تقريرًا لحقيقة المشيئة الإلهية، وأنها مشيئة خاصة به سبحانه وتعالى، دون أن يعني ذلك سلب الحرية عن الإنسان بحال.



 

قديم 02-07-2015   #9


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: التناسب بين الآيات والسور



سورة الفاتحة: موقعها ومناسباتها



لسورة الفاتحة مكانة مميزة في كتاب الله المجيد، إذ هي فاتحة ذلك الكتاب، وهي (أم القرآن) وهي (أم الكتاب) وهي (الأساس) ولها غير ذلك من الأسماء التي سُميت بها، والتي تدل على مكانة هذه السورة بين سور القرآن الكريم؛ حيث جمعت في آياتها السبع مقاصد القرآن وكلياته.

وفي مقالنا هذا، نطالع بعضًا مما جاء في فضل هذه السورة الكريمة، وموقعها من سور القرآن الكريم، وما ذكره أهل العلم من مناسبات بين آياتها، مستفتحين مقالنا بهذا الحديث:

روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل؛ فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال : {الرحمن الرحيم} قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مالك يوم الدين} قال: مجدني عبدي، وقال مرة: فوَّض إلي عبدي، فإذا قال: {إياك نعبد وإياك نستعين} قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل؛ فإذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل).

والمراد بـ ( الصلاة ) في الحديث -كما قال شرَّاحه- سورة الفاتحة، سُميت بذلك لأن الصلاة لا تصح إلا بها؛ والمراد: قسمتها من جهة المعنى، لأن نصفها الأول: تحميد لله تعالى، وتمجيد وثناء عليه، وتفويض إليه، والنصف الثاني: سؤال وطلب، وتضرع وافتقار.

ثم قال بعض أهل العلم: أشير في (الفاتحة) إلى جميع النعم، فإنها -أي النِعَم- ترجع إلى إيجاد وإبقاء في الحياة الدنيا، وإلى إيجاد وإبقاء في الحياة الآخرة؛ أما إيجاد الدنيا، فيدل عليه قوله سبحانه: {الحمد لله رب العالمين} فإن الإخراج من العدم إلى الوجود أعظم تربية، وأما إبقاء الدنيا، فيدل عليه قوله تعالى: {الرحمن الرحيم} أي: المنعم بجلائل النعم ودقائقها التي بها البقاء؛ وأما إيجاد الآخرة، فيدل عليه قوله سبحانه: {مالك يوم الدين} وهذا ظاهر، وأما إبقاء الآخرة، فيدل عليه قوله تعالى: {إياك نعبد} إلى آخر السورة، فإن منافع ذلك تعود إلى الآخرة.

وقالوا أيضًا: وكانت سورة الفاتحة (أم القرآن) لأن القرآن جميعه مفصَّل من مجملها؛ فالآيات الثلاث الأُول، شاملة لكل معنى تضمنته الأسماء الحسنى، والصفات العلى؛ فكل ما في القرآن من ذلك، فهو مفصَّل من جوامعها، والآيات الثلاث الأُخر، شاملة لكل ما يحيط بأمر الخَلْق...فكل ما في القرآن فهو تفصيل لما جاء مجملاً فيها.

وقريب من هذا قولهم: وجميع ما في القرآن تفصيل لما أجملته الفاتحة، فإنها بُنيت على إجمال ما يحويه القرآن مفصَّلاً، فإنها واقعة في مطلع التنـزيل، والبلاغة فيه: أن يتضمن ما سيق الكلام لأجله.

وقد أخرج البيهقي في "شعب الإيمان" عن الحسن البصري أنه قال: "إن الله أودع علوم الكتب السابقة في القرآن، ثم أودع علوم القرآن في المفصَّل، ثم أودع علوم المفصل في الفاتحة، فمن عَلِم تفسيرها، كان كمن عَلِم تفسير جميع الكتب المنـزلة".

ورغم تعدد أقوال أهل العلم فيما اشتملت عليه هذه السورة من علوم ومقاصد وحِكَم، بَيْدَ أن كلمتهم قد أجمعت على شمول هذه السورة لكل ما جاء في القرآن، واحتوائها لمقاصد الشريعة في الدنيا والآخرة، ومن هنا كانت فاتحةً لهذا الكتاب، وعنوانًا عامًا يدل على ما جاء فيه من تفصيل وتبيين؛ وبهذا يظهر وجه المناسبة في تصدير هذه السورة لباقي سور القرآن.

ويُسعفنا في هذا المقام، نَقْلُ بعضٍ مما ذكره ابن القيم حول هذه السورة الكريمة، قال رحمه الله: "اشتملت هذه السورة على أمهات المطالب العالية أتمَّ اشتمال؛ فاشتملت على التعريف بالمعبود بثلاثة أسماء: مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها، ومدارها عليها؛ هي: الله، الرب، الرحمن؛ وبُنيت السورة على الإلهية، والربوبية، والرحمة...والحمد يتضمن الأمور الثلاثة، فهو المحمود في إلهيته، وربوبيته، ورحمته. وتضمنت السورة إثبات المعاد، وجزاء العباد بأعمالهم، وتفرد الرب سبحانه بالحكم إذ ذاك بين الخلائق، وكون حُكْمُه بالعدل. وتضمنت إثبات النبوات. وتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة؛ توحيد العلم والاعتقاد، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية. واشتملت على شفاء القلوب، وشفاء الأبدان؛ فإن مدار اعتلال القلوب وأسقامها على أصلين: فساد العلم، وفساد القصد، ويترتب عليهما داءان قاتلان، وهما: الضلال والغضب؛ فالضلال نتيجة فساد العلم، والغضب نتيجة فساد القصد، وهذان المرضان هما ملاك أمراض القلوب جميعها. والتحقُّق بـ {إياك نعبد وإياك نستعين} علمًا ومعرفة، وعملاً وحالاً، يتضمن الشفاء من فساد القلب والقصد. واشتملت السورة على الرد على جميع المبطلين من أهل الملل والنِّحَل، والرد على أهل البدع والضلال".

ولابن القيم في هذا المقام كلام قيِّم، يمكن الرجوع إليه في كتابه (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين).



 

قديم 02-07-2015   #10


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: التناسب بين الآيات والسور



المناسبة بين سورتي المائدة والأنعام



سورة المائدة سورة مدنية، وسورة الأنعام سورة مكية، وقد يُظن أنه ليس ثمة تناسب بين السورتين الكريمتين، إذ إحداهما مدنية والأخرى مكية، وقد قرر كثير من أهل العلم، أن ثمة فارقًا واضحًا بين موضوعات سور القرآن المكي، وموضوعات سور القرآن المدني.

ومع هذا، فقد ذكر بعض أهل العلم بعض وجوه المناسبات بين السورتين الكريمتين، نحاول في مقالنا هذا أن نستجلي هذه الوجوه، اعتمادًا على ما ذكره أصحاب هذا الشأن، فنقول:

- خُتمت سورة المائدة بإثبات سلطان الله تعالى الكامل، وقدرته الشاملة، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء؛ إذ قال سبحانه: {لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير} (المائدة:120) وافتتحت سورة الأنعام ببيان السبب في كمال سلطانه، والمظهر الأعظم لكمال قدرته، وهو خلق السموات والأرض، وخلق الإنسان؛ فإن هذا من أسباب السلطان الكامل على السموات والأرض ومن فيهن، وهو مظهر كامل لكمال قدرته سبحانه، وهو قوله تعالى: {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض} (الأنعام:1).

- لما ذكر سبحانه في آخر المائدة قدرته على سبيل الإجمال، فقال: {لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير} افتتح سورة الأنعام بشرح ذلك الإجمال وتفصيله؛ فبدأ سبحانه بذكر أنه خلق السماوات والأرض {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض} ثم فصَّل في هذا الخلق فقال: {وجعل الظلمات والنور} (الأنعام:1) وهذا بعض ما تضمنه قوله تعالى: {وما فيهن} في آخر سورة المائدة.

- ثم ذكر تعالى أنه خلق النوع الإنساني، وقضى له أجلاً آخر للبعث، وأنه أنشأ القرون قرناً بعد قرن، فقال: {هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون} (الأنعام:2)، وهذا تفصيل آخر لقدرته سبحانه.

- ثم قال سبحانه: {قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله} (الأنعام:12) فأثبت لنفسه سبحانه ملك جميع ما في السموات والأرض، وهذا يشمل الحيز المكاني، ثم قال: {وله ما سكن في الليل والنهار} (الأنعام:13)، فأثبت له تعالى ملك الأزمنة والأوقات، وهذا يشمل الحيز الزماني.

- ثم ذكر سبحانه في سورة الأنعام خلق سائر الحيوان من الدواب والطير، ثم خلق النوم، واليقظة، والموت والحياة، وذكر خلق الشمس والقمر والنجوم، وفلق الإصباح، وفلق الحب والنوى، وإنزال الماء، وإخراج النبات والثمار بأنواعها، وإنشاء جنات معروشات، وغير معروشات، وبيَّن تعالى أنه جعل الأنعام حمولة وفرشًا. وكل ذلك تفصيل لملكه سبحانه، وبيان لقدرته تعالى، التي أجمل القول فيها في سورة المائدة.

- ثم لما كان المقصود من هذه السورة بيان الخلق والملك، فقد أكثر سبحانه فيها من ذكر الرب، الذي هو بمعنى المالك والخالق والمنشئ، كما في قوله سبحانه: {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء} (الأنعام:102) وقوله: {قد جاءكم بصائر من ربكم} (الأنعام:103)، واقتصر فيها على ما يتعلق بذلك من بدء الخلق بكل أنواعه وصفاته.

- فقد جمعت هذه السورة جميع المخلوقات بأسرها، وما يتعلق بها، وما يرجع إليها، وفصلت ما أجمل في قوله تعالى: {لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير} (المائدة:120).

- ثم تضمنت السورة العديد من الوصايا، وهي كلها متعلقة بالمعاش، والقوام الدنيوي، وهذا تفصيل لمقتضيات الخلق.

- وأشارت سورة الأنعام إلى أشراط الساعة والبعث، قال تعالى: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك } (الأنعام:158) وهذا أيضًا تفصيل لما أُجمل في سورة المائدة، في قوله: {لله ملك السموات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير} ومشاكلة لما ورد في أواخر سورة المائدة، من قوله تعالى: {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم} (المائدة:109).

- ومن وجوه المناسبة بين السورتين، أنه سبحانه لما ذكر في سورة المائدة، قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا} (المائدة:87) ثم ذكر بعد ذلك، قوله: {ما جعل الله من بحيرة} (المائدة:103) فأخبر عن الكفار أنهم حرموا أشياء مما رزقهم الله، افتراء على الله، وكان القصد بذلك تحذير المؤمنين أن يحرموا شيئًا مما أحل الله، فيشابهوا بذلك الكفار في صنيعهم، وكان ذكر ذلك على سبيل الإيجاز، نقول: لما ذكر سبحانه ذلك في سورة المائدة، ساق في سورة الأنعام تفصيلاً ما حرمه الكفار في صنيعهم؛ فأتى به على الوجه الأبين، والنمط الأكمل، ثم جادلهم فيه، وأقام الدلائل على بطلانه، وعارضهم وناقضهم إلى غير ذلك مما فصلته السورة في هذا الشأن؛ فمن ذلك قوله تعالى: {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرمًا على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنـزير فإنه رجس أو فسقًا أُهلَّ لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم } (الأنعام:145) وقوله أيضًا: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظُفُر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون} (الأنعام:146) وقوله كذلك: {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا} (الأنعام:139).

- ومن وجوه المناسبات أيضًا بين السورتين، أن سورة المائدة اختتمت بفصل القضاء، قال تعالى: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} (المائدة:119)، وسورة الأنعام افتتحت بالحمد، قال تعالى: {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض} وهما متلازمان، كما قال سبحانه: {وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} (الزمر:75).

- ثم يضاف إلى ما تقدم، أنه لما كان قطب سورة الأنعام دائرًا على إثبات الخالق ودلائل التوحيد، ناسب ذلك ما جاء في سورة المائدة من إبطال ألوهية عيسى عليه الصلاة والسلام، وتوبيخ الكفرة على اعتقادهم الفاسد وافترائهم الباطل.

وبما ذكرناه من وجوه، يتضح قوة المناسبة بين السورتين الكريمتين، ويتأكد بذلك البيان أيضًا، أن سور القرآن الكريم يبيِّن بعضها بعضًا، ويفصِّل بعضها ما أُجمل في بعض، وصدق الله القائل: {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} (هود:1).




 

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الآيات, التناسب, بين, والصور


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
هل التصوير والصور محرم ابو يحيى المنتدى الاسلامي العام 1 26-07-2014 08:26 PM
تسريحة انيقة وبسيطة بالخطوات والصور بروق المحبه منتدى عالم المرأة 7 30-11-2012 05:03 PM
دراسة: التناسب بين وزن الكُلْية ووزن المريض يعزز فرص نجاح زراعتها Ghupir JR منتدى الصحة 4 16-07-2012 01:26 AM
نصائح مهمة جدا للحامل بالشرح والصور ابو يحيى منتدى الصحة 11 10-04-2012 10:12 PM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 09:24 AM

أقسام المنتدى

الاقسام العامة | المنتدى الاسلامي العام | المنتدى العام | منتدى الترحيب والتهاني | الاقسام الرياضية والترفيهية | العاب ومسابقات | الافلام ومقاطع الفيديو | منتدى الرياضة المتنوعة | الاقسام التقنية | الكمبيوتر وبرامجه | الجوالات والاتصالات | الفلاش والفوتوشوب والتصميم | منتدى التربية والتعليم | قسم خدمات الطالب | تعليم البنين والبنات | ملتقــــى الأعضـــــاء (خاص باعضاء المنتدى) | المرحله المتوسطه | منتدى الحقلة الخاص (حقلاويات) | منتدى الاخبار المحلية والعالمية | اخبار وشـؤون قرى الحقلة | اخبار منطقة جازان | الاقسام الأدبية والثقافية | الخواطر وعذب الكلام | منتدى الشعر | عالم القصة والروايات | اخبار الوظائف | منتديات الصحة والمجتمع | منتدى الصحة | منتدى الأسرة | منتدى السيارات | منتدى اللغة الانجليزية | منتدى الحوار والنقاشات | منتدى التراث والشعبيات والحكم والامثال | منتدى التعليم العام | منتدى السفر والسياحة | الثقافه العامه | منتدى تطوير الذات | كرسي الإعتراف | منتدى عالم المرأة | عالم الطفل | المطبخ الشامل | منتدى التصاميم والديكور المنزلي | المكتبة الثقافية العامة | شعراء وشاعرات المنتدى | مول الحقلة للمنتجات | الخيمة الرمضانية | المـرحلـة الابتدائيـة | استراحة وملتقى الاعضاء | المرحله الثانويه | الصور المتنوعة والغرائب والعجائب | المنتدى الاسلامي | منتدى القرآن الكريم والتفسير | سير نبي الرحمة واهم الشخصيات الإسلامية | قصص الرسل والانبياء | قسم الصوتيات والفلاشات الاسلاميه | اخبار مركز القفل | منتدى الابحاث والاستشارات التربوية والفكرية | افلام الانمي | صور ومقاطع فيديو حقلاويات | البلاك بيري / الآيفون / الجالكسي | بوح المشاعر وسطوة القلم(يمنع المنقول ) | مناسك الحج والعمرة | منتدى | ارشيف مسابقات المنتدى | منتدى الحديث والسنة النبوية الشريفة | المنتدى الاقتصادي | منتدى عالم الرجل | اعلانات الزواج ومناسبات منتديات الحقلة | تراث منطقـة جــــازان | كرة القدم السعوديه | منتدى الرياضة | كرة القدم العربيه والعالمية | ديـوان الشـاعـر عمـرين محمـد عريشي | ديـــوان الشــاعـر عـبدة حكمـي | يوميات اعضاء منتديات الحقلة | تصاميم الاعضاء | دروس الفوتوشوب | ارشيف الخيمة الرمضانية ومناسك الحج والعمرة الاعوام السابقة | منتدى الاخبار | نبض اقلام المنتدى | ديـــوان الشــاعـر علـي الـدحيمــي | الاستشارات الطبية | الترحيب بالاعضاء الجدد | قسم الاشغال الايدويه | قسم الاشغال اليدويه | مجلة الحقله الالكترونيه | حصريات مطبخ الحقله | ديوان الشاعر ابوطراد |



Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Ramdan √ BY: ! Omani ! © 2012
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Forum Modifications Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع المواضيع والمُشاركات المطروحه في منتديات الحقلة تُعبّر عن ثقافة كاتبها ووجهة نظره , ولا تُمثل وجهة نظر الإدارة , حيث أن إدارة المنتدى لا تتحمل أدنى مسؤولية عن أي طرح يتم نشره في المنتدى

This Forum used Arshfny Mod by islam servant