المكتبة الثقافية العامةمكتبة منتديات الحقلة / كتب إكترونية – جميع الإختصاصات – كتب أسلاميه – كتب علميه – تاريخيه – كتب ادبية – شعر – كتب عالميه – قصص مترجمة
وبصرف النظر عن صحة حديث جازان أو ضعفه فلسنا هنا بصدد ترجيح هذا الجانب أو ذاك إذ أن ما يهمنا هو البعد التاريخي للاسم جازان ، حيث تشير الدراسة إلى أن الحديث رغم رأي المحدثين فيه ، فإنه محل إهتمام أوائل علماء الحديث وأكثرهم شهرة كالإمام يحي بن آدم ، وابن مندة وابن حجر . وكذلك رجاله ما زالوا موضع اهتمام مؤلفي كتب الجرح والتعديل والتراجم : كصاحب المجروحين ، وصاحب الميزان .
القرن الثالث :
حفظ لنا أحد الحفاظ الكبار المتحرين من أهل هذا القرن حديثاً آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء فيه لفظ جازان فقد ذكر ابن سعد ( ت 230هـ ) في طبقاته الكبرى عن أستاذة محمد بن عمر ( ت 207 ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لثلاثة نفر من بني عبس : ( اتقوا الله حيث كنتم فلن يلتكم من أعمالكم شيئاً ولو كنتم بضمد وجازان .. ) وكان ابن سعد على علاقة .. بالإمام أحمد بن حنبل ( ت241هـ ) ، إذ كان يوجه رحمه الله في كل جمعة برجل إلى ابن سعد يأخذ منه جزأين من حديث الواقدي فينظر فيهما إلى الجمعة الأخرى ثم يرددهما ويأخذ غيرهما مع اختلاف الإمام أحمد رحمه الله مع ابن سعد فيما ذهب إليه الخليفة المأمون عبد الله بن هارون ( ت 218هـ ) .. إذا صحت رواية هذا الاختلاف .
القرن الرابع :
لم يدم تفرد الوادي باسم ( جازان ) طويلاً ، إذ طالعتنا مصادر القرن الرابع باسم جازان ضمن المدن التهامية ، كما طالعتنا بجازان كأحد روس البحر الأحمر مما يلي جزيرة العرب ، إلى جانب شهرته كأحد الأودية الكبيرة في الجزيرة العربية .
فها هو الهمـداني يصف جازان ضمن أودية الجزيرة العربية فيقول في صفته .. ( .. وأولها مما يصالي حرض وادي تعشر ثم وادي الحيد ثم وادي الملحة ثم وادي لية ثم خلب ثمن بعد خلب وادي جازان وووادي ضمد ومآتيهما من غيلان جبل بني رازح ابن خولان .. ) .
وربما قصد بالباحة عظم ماء البحر وعمقه مما يلي هذا الرأس وما ينتج عنه من أمواج متلاطمة وخطر كامن جعله أحد الرؤوس المتعالمة بالخطر والصعوبة ، وربما قصد المعنيين في آن واحد .
وفي إشارة لم يسبقه أحد إليها ذكر أن جازان أيضاً من مدن تهامة إذ يقول : ( .. ثم الساعد من أرض حكم بن سعد قرية لحكم والسقيفتان قرية لحكم على وادي خُلب ـ ويكون بها وبالساعد اشراف حكم بنو عبد الجد ثم الهجر قرية ضمد وجازان وفي بلد حكم قرى كثيرة … )
ربما اعتبر هذا النص أقدم إشارة عن العمران في وادي جازان ويفهم منه ومن تعليق محقق كتاب صفة جزيرة العرب : ( أنها جازان القديمة ، والتي تقوم على الطرف الشمالي الغربي لحرة طويلة تسمى محلياً بـ ( المراح ) تشرف بطرفها الشمالي العدوة الجنوبية لوادي جازان وبه عرفت وتبعد عن البحر إلى الشرق منه بـ 45كيلاً تقريباً .
اشتهرت فيما بعد القرن الرابع بقلعتها الحصينة الثريا وسورها الذي انفردت به عما سواها من مدن الاقليم ، وعرفت بالدرب ، وبدرب النجا ولكن شهرتها : جازان ، وأطلالها ماثلة للعيان إلى اليوم .
والذي عليه المتاخرون إن المدينة كانت معروفة منذ القرن السابع فحسب لأنهم يرون أقدم إشارة عنها تلك التي وردت في شعر ابن هتيمل ( القرن السابع ) ثم تبعتها إشارات متأخرة إلى القرن العاشر كما في شعر الجراح بن شاجر الذروي ، وقنبر الضمدي ، يضاف إلى ذلك كونها عاصمة المخلاف السليماني أثناء حكم الأشراف الغوانم وأبناء عمومتهم آل قطب الدين ( 628ـ803هـ ) ، ( 803ـ943هـ ) .
وبمقابلة اتجاه الهمداني ومحقق كتابه محمد الأكوع بما عليه أولئك نجد أن الفارق حوالي ثلاثة قرون ، بيد أنه لا تعارض بين الاتجاهين إذا عرفنا أن اتجاههم مبيناً على أبيات أبن هتميل وهي تقرر فقط وجود المدينة في عصره ، مما يبقى تاريخ نشأتها غير محدود بعصر الشاعر ، وربما كان العقيلي أقرب المتأخرين إلى الاتجاه الأول ، حيث ألمح إلى امكانية وجود مدينة جازان قبل عصر ابن هتيمل . وتمعن فيها كتبه تعليقاً على ما ورد في العقد المفصل في هذا الجانب . إذ كتب : " ومن كل ما تقدم يعرف أن مدينة جازان الأعلى وقلعتها التاريخية موجودة من قبل القرن السابع الهجري " .
وإذا صح ما ذهب إليه صـاحب كتاب الصفة ومحققه فربما كـانت جـازان في عصر الهمداني وما قبله ضمن نفوذ حكام محليين يتبعون لبني حكم بن عبد الجد ، لأن جازان إجمـالاً من بلاد حكم كما تشير عبارته : " … وجازان وفي حكم قرى كثير " .
ومنذ معرفة مدينة جازان وعلى إختلاف الآراء في تاريخ معرفتها ، لم يعد المقصود بلفظ جازان الوادي فحسب ، مثلهما كان الأمر قبل معرفتها ، إلا لدى مؤرخين لم يطلعوا عليها رغم تأخر عصرهم كالفيروزابادى ( ت 817هـ ) .
واستقر مفهوم جازان على هذا النحو في الدلالة على الوادي والمدينة القديمة والرأس في البحر حتى مطلع القرن العاشر حيث حملت لنا المصادر مسمى لم نعرف له من قبل سمياً ، دُوِّن في كتابات ذلك القرن وما بعده جنباً إلى جنب مع جازان الوادي وجازان المدينة ذلك هو بندر جازان .
هذا إلى جانب بقاء المسمى التاريخي ( المخلاف السليماني ) بدلالته التاريخية والسياسية على كامل منطقة جازان الحالية ومناطق أخرى اندرجت تحت دلالة المسمى شمالاً وجنوباً منذ وحدة المخلافين على النحو السابق بيانه .
القرن العاشر : بندر جازان
البندر لفظ فارسي معناه مرسى السفن ومنه بندر جدة ـ بندر الليث ـ بندر جازان ـ بندر الحديدة ـ بندر عدن .
ربما اعتبر هذا اللفظ " بندر جازان " أقدم إشارة صريحة عن المدينة الواقعة على مصب وادي جازان من الناحية الجنوبية في الرأس المذكور في صفة الهمداني .
ولقد تعدد ما حفظته لنا المصادر اللغوية من مفردات تدل على المواقع السكانية الساحلية المستقرة كالمرسى والساحل والثغر والفرضة والمرفأ ففي المرسى قال تعالى : (( وقال أركبوا فيها باسم الله مجرها ومراسها إن ربي لغفور رحيم )) .
ومنه قول ابن المجاور ( ق السابع هـ ) عن الشُعيبة ـ جنوب جدة ـ وهو " هو مرسى قديم ولا شك قبل جدة " .
وعن الساحل : قال الهمداني في وصف جدة : " ومضى إلى جدة ساحل مكة "
وعن الثغر قال في المعجم الوسيط : وهو المدينة على شاطئ البحر
والفرضة : من البحر : محط السفن
والمرفأ : ومنه قولهم رفأ السفينة أي أدناها من الشط
إلا أنني لم أجد في ما اطلعت عليه من مصادر ما قبل القرن العاشر ما يشير صراحة إلى جازان هذه ، لا باللفظ الأول ( المولد ) ولا بأي من المفردات العربية المذكورة .
أما إشارة العقيلي إلى وجود فرضة جازان قبل التاريخ المشار إليه ، فرغم إختلافه مع السباعي في القصة التي استشهد بها العقيلي ، نجدنا نميل لموافقته على إعتبار أن تأخر ذيوع الفرضة إلى القرن العاشر ربما يرجع لصغرها قبل القرن المذكور ، فلم تنل من اهتمام المؤرخين ما نالته جازان عاصمة المخلاف في ذلك القرن وما قبله .
ويدعم ميلنا هذا إغفال ابن المجاور ذكر هذه الفرضة رغم تفصيله الحديث عن فرسان المقابلة لمصب وادي جازان حتى عندما حدد موقع تلك الجزر بقوله :
" بين دهلك وحلي " وكان الأجدر أن يقول بين دهلك وفرضة جازان ، او نحو ذلك ـ لقرب فرضة جازان من فرسان مقارنة بحلي .
إلا أن يكون لم يسمع بفرضة جازان أن لعدم ذيوعها مثلا ، أو أن ظهورها تأخر إلى ما بعد عصره .
وحتى النهر والي (917 ـ 990هـ ) أقدم من ذكر بندر جازان إنما هو في ذلك يعكس إهتمام الدولة العثمانية ( 699 ـ 1337هـ ) بالمدن الساحلية والشواطئ العربية وبخاصة شواطئ البحر الأحمر ، ذلك الاهتمام الذي ورثه العثمانيون عن أسلافهم المماليك ( 648 ـ 922هـ ) وصراعهم مع البرتغاليين في البحر الأحمر والمحيط الهندي .
وربما أن العثمانين هم الذي نقلوا لفظ " البندر " إلى البلاد العربية . ويتقوى استناجنا هذا بتزامن بداية تداول هذا اللفظ مع دخولهم إلى بلاد الشام ومصر والحجاز والمخلاف السليماني وجنوب الجزيرة العربية وكان دخولهم إلى المخلاف السليماني عام 946هـ .
وربما كان استعمالهم للفظ ( البندر ) لتميز جازان الساحلية عن جازان الداخلية عاصمة القطبين لاستمرار جازان الداخلية على مسرح الأحداث السياسية والعسكرية بعد دخولهم إلى المخلاف .
القرن الرابع عشر :
مقاطعة جازان ( 1349هـ )
منطقة جازان الإدارية :
رغم الاهتمام العثماني بالمدن الساحلية نجد أن ذلك الاهتمام يتفاوت من مدينة إلى أخرى .
وربما لذلك لم تحظ " بندر جازان ، بما حظيت به المدن الساحلية الكبرى كبندر جدة مثلاُ .
حتى الدول المحلية التي قامت في المخلاف السليماني بعد دخول العثمانين إلى المنطقة انصرفت إلى المدن الداخلية تتخذ منها عواصم لها وتزيد في الاهتمام بها .
كدولة الشريف أحمد بن غالب ( 1102 ـ 1105هـ ) وعاصمته أبو عريش وجازان ( القديمة ) .
ودولة آل خيرات ( 1141ـ إلى ما بعد 1284هـ ) وعاصمتهم أبو عريش ودولة الأدارسة ( 1326 ـ 1349هـ ) وعاصمتهم صبياء مما جعل بندر جازان محدود الأهمية ، لا تتجاوز أهميته كمرسى لوادي جازان وأن بنى بعض أمراء تلك الدولة قلاعاً فيه .
وظل بندر جازان كذلك حتى دخلت المنطقة تحت الحماية السعودية بموجب معاهدة مكة عام 1345هـ بين الملك عبد العزيز آل سعود والإمام الحسن الادريسي .
ثم تم ضمها إلى مقاطعات " مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها " على أثر برقية رفعها الإمام الإدريسي للملك عبد العزيز آل سعود عام 1349هـ / 1930م وبذلك عادت جازان وما حولها جزءاً من البلاد السعودية . كما كانت في الدور الأول من الدولة السعودية .
وكـانت إطلالة العهد السعـودي على هذه المدينة بخـاصة بداءاً بمعاهدة مكة المكرمة تمثل لآمال غافية في مستقبل هذه المدينة السـاحلية . إذا أدرك آل سعود مكـانة المدينة وقدروا موقعها وأهميتها المرموقة فاتخذوها مركزاً لحاميتهم ومقراً لأول مندوب لهم الأمير صالح عبد الواحد " وكان مقر ابن عبد الواحد بجـازان البحر .
وبعد ثورة الأدارسة وفرارهم إلى الجبال اليمنية في أواخر عام 1351هـ شهدت المنطقة انتعاشاً لم يسبق له مثيل وبخاصة في مجال التنظيم الإداري والعمراني فأصبحت العاصمة الإدارية لعموم المنطقة .
الخـلاصة :
" جـازان " الاسم الذي عُرف منذ القرن الأول الهجري وما زال ذائع الصيت عبر القرون المتعاقبة حتى هذا العصر ابتداء " بجازان الوادي " ومن أسمه أخُذ اسم العاصمة القديمة ، جازان الداخلية . كما أخُذ من اسمه أيضاً اسم المرسي الذي أصبح فيما بعد العاصمة الإدارية للحكم السعودي في المنطقة على نحو ما سبق تفصيله ، ربما لذلك حل " جازان " اسماً عاماً لما يسمى حتى منتصف القرن الرابع عشر الهجري بـ " المخلاف السليماني " .ومنذ ذلك التاريخ غدت منطقة جازان لؤلؤة ثمينة ضمن أربع عشر لؤلؤة نضدها الملك عبد العزيز آل سعود في عقد عربي إسلامي أصيل وافق على تسميته : المملكة العربية السعودية
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك