في الصيف الماضي كنت أسافر بسيارتي متوجها إلى مدينة الصويرة، كنت أحتاج للوقود، فتوقفت عند محطة وقود ذات مظهر عادي، لكنها كانت مزدحمة بصورة غير عادية.
خلال خمسة دقائق عرفت سبب تمتع محطة الوقود تلك بهذه الشعبية. فبعد ملء خزان السيارة بالوقود، وإلقاء نظرة على مستوى الماء والزيت بالمحرك، وتنظيف زجاج السيارة الأمامي، اقترب العامل مني وقال: »من فضلك سيدي، تقدم بالسيارة قليلا حتى أتمكن من قياس الهواء في العجلات ». وبالفعل قام بضبط الهواء بالعجلات بخفة مهنية، وهو الأمر الذي لا أراه إلا في محطة من بين كل مائة محطة وقود.
لقد ساهمت هذه الخدمة الإضافية البسيطة في تحسين قيادتي للسيارة وجعلت تلك المحطة عالقة بذهني. وأصبحت بعدها في كل سفرياتي إلى مدينة الصويرة أتوقف في تلك المحطة. وفي كل مرة كنت أتلقى خدمة إضافية عمّا كنت أتوقع.
في المرة الأولى التي توقفت فيها بالمحطة كان من الممكن أن يفكر عامل المحطة مع نفسه قائلا: »هذا الرجل من خارج المنطقة، من المستبعد أن يعود ثانية إلى هنا، لماذا أقدم له أكثر من الخدمة المعتادة؟ إنه مجرد زبون عابر ». لكنه لم يفكر على هذا النحو، بل قدم الخدمة أولاً، ولهذا السبب كانت المحطة مليئة على الدوام بالزبائن في الوقت الذي تبدو فيه محطات أخرى مهجورة والتي لم أكن لأذهب إليها حتى لو كان نوع الوقود بها أفضل أو أرخص ثمنا.
كان الفرق في الخدمة وكان من الواضح أن الخدمة الجيدة تؤدي لأرباح جيدة. حين قام عامل المحطة في زيارتي الأولى بتلك الخدمات الإضافية البسيطة، زرع وقتها بذور المال وقدم الخدمة أولاً، وسيأتي المال من تلقاء نفسه لاحقاً، هذا ما يحدث دائما. ولذلك فأنا غالبا ما أنصح كل من حولي أن المال نتيجة لم نقوم به من أعمال وليس الهدف وراء ما نقوم به.
إن النادل الذي يركز على تقديم أفضل خدمة ممكنة لا يقلق أبدا بخصوص تلقي إكرامية جيدة أو « البقشيش المحترم »، فهو متأكد أن هذه الطريقة جد فعالة. لكن ذلك النادل الذي يغفل عن ملء كؤوس الماء الفارغة مرددا مع نفسه « والله لا عمرتهوم، هادوا مكايعطيوش البوربوار » فمن الطبيعي أنه لن يتلقى أي إكرامية.
إن الكاتبة أو السكريتيرة التي تحرص على ترتيب الملفات بشكل جميل وتنفيذ مهماتها في أسرع وقت أكثر مما يتوقع مديرها، سرعان ما ستجد أثر ذلك في راتبها الشهري. أما السكرتيرة التي تفكر بطريقة « مالي أنا نزيد على راسي تمارا، على ديك زوج ريالات لي كايعطيوني » فستظل على هذا الراتب الهزيل على الدوام.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
28-10-2015
