المفردات: (النذر) الإنذارات والتحذيرات على لسان موسى وهارون، (بآياتنا)؛ أي: حججنا التسع، وهي: العصا، واليد، السنين، والطمس، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، (فأخذناهم) فأهلكناهم، والأَخْذُ: الأسر للقتل، ويسمى الأسير: الأخيذ، (عزيز) قوي غالب، (مقتدر) قادر لا يعجزه شيء، (خير) أقوى وأشد وأعظم مكانةً في الدنيا، (براءة) أمن وعهد بالنجاة وعدم المؤاخذة، (الزبر) الكتب الإلهية، (جميع) أي: جماعة مجتمع أمرنا، فكلنا يد واحدة، (منتصر) لا نرام ولا نضام ولا نغلب، (سيهزم) سيدحر، (الدبر) هو هنا اسم جنس، وهو كناية عن الهزيمة والقهر، فكأنهم يمكِّنُونَ أعداءَهم من أدبارِهم ليضربوها، (أدهى) أعظم داهية وبلية، والداهية: الأمر الفظيع الذي لا يُهتدى إلى الخلاص منه، (أمر) أشد مرارة، (يُسحبون) يُجرون، (مس سقر) إصابة جهنم، وسقر مشتق من: سقرته الشمس أو النار؛ أي: لوحته بمعنى غيرت جلده ولونه من ملاقاة حرها أو أحمته، (بقدر)؛ أي: بتقدير، والقدر: اسم لما صدر مقدرًا عن فعل القادر، يقال: قدرتُ الشيء وقدرته بالتخفيف والتثقيل بمعنى واحد، (واحدة)؛ أي: كلمة واحدة هي (كُنْ)، (لمح) اللمح النظر بالعجلة، يقال: لمحه إذا أبصره بنظر خفيف، (أشياعكم) أشباهكم في الكفر، (الزبر) جمع زبور وهو الكتاب؛ يعني: ديوان الحفظة، (مستطر) مكتتب مسطور في اللوح، يقال: سطره واستطره إذا كتبه، فهُما بمعنى واحد، (جنات) بساتين، (نَهَر) بفتحتين وهي اللغة العالية، وهي أفصح من (نَهْر) بفتح النون وسكون الهاء، وقد أريد به الجنس أي: أنهار، يعني من ماء غير آسن، ومن لبن لم يتغَيَّرْ طعمه، ومن عسل مصفًّى، ومن خمر لذة للشاربين، (مقعد) مجلس، (صدق)؛ أي: حق لا لغو فيه ولا تأثيم، (مليك) عزيز الملك تام السلطان.
التراكيب: قوله: (ولقد جاء آل فرعون النذر) إنما صَدَّرَ القصةَ بالتوكيدِ القسمي؛ لإبرازِ كمالِ الاعتناء بشأنها لغاية عظم ما فيها من الآيات، وإنما اكتفى بذكر آل فرعون للعلم بأن نفسه أولى بذلك، وقوله: (كذبوا بآياتنا كلها) استئناف بياني، كأنه قيل: فماذا فعل آل فرعون حينئذ؟ فقيل: كذبوا بآياتنا كلها، والفاء في قوله: (فأخذناهم) مفيدة للسببية، والاستفهام في قوله: (أكفاركم خير من أولئكم) للتبكيت، والضمير في (أكفاركم) لقريش، والإشارةُ للأمم الهالكة المعدودة من قوم نوح إلى فرعون، (وأم) في قوله: (أم لكم براءة في الزبر) منقطعة بمعنى (بل)، والهمزة المفيدة للتبكيت، والإضرابُ فيه انتقاليٌّ من التبكيتِ بما ذُكِرَ أولًا إلى التبكيتِ بما ذُكِرَ ثانيًا، وقوله: (أم يقولون نحن جميع منتصر) أم فيه منقطعة بمعنى (بل)، والهمزة التي للتبكيت أيضًا، والإضراب فيه كذلك للانتقال من التبكيت المذكور إلى وجه آخر من التبكيت، والالتفات على قراءة الجمهور للإيذان باقتضاء حالهم للإعراض عنهم، وإسقاطهم عن رتبة الخطاب، وإنما لم يقل: "جميع منتصرون"، بل قال: (جميع منتصر) على الإفراد باعتبار لفظ جميع، و(بل) في قوله: (بل الساعة موعدهم) للانتقال من تهديدهم بعذاب فظيع إلى تهديدهم بعذاب أدهى وأَمَرّ، وإنما وضع الظاهر موضع الضمير في قوله: (والساعة أدهى) بدل وهي أدهى لزيادة تهويلها، وقوله: (إن المجرمين) استئناف لبيان أحوال الكافرين، وقوله: (يوم يسحبون) معمول لقول مقدر تقديره: "يقال لهم: ذوقوا مس سقر، يوم يسحبون"، ويجوز أن يكون منصوبًا بما يفهم من قوله: (في ضلال وسُعر)؛ أي: كائنون في ضلال وسُعُر يوم يجرون، وسقر ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث، وقوله: (إنا كلَّ شيء خلقناه بقدر) على قراءة الجمهور بنصب (كل) وهو منصوب بفعل محذوف يُفَسِّره المذكور بعده، والباء في قوله: (بقدر) للملابسة، وأما على قراءة الرفع فهو مبتدأ، وخبره (خلقناه)، والمبتدأ وخبره في محل رفع خبر إن، وعلى هذا فكلٌّ من قراءة الرفع والنصب يثبت القدر الذي يجب الإيمان به، والتقدير على قراءة النصب: "إنا خلقنا كل شيء خلقناه حالة كونه متلبسًا بتقديرنا"، والتقدير على قراءة الرفع: "إنا كل شيء مخلوق لنا حالة كونه متلبسًا بتقديرنا".
وقوله: (إن المتقين في جنات ونهر) استئناف لبيان حسن حال المؤمنين عقيب بيان سوء حال الكافرين على سبيل الترهيب والترغيب، وقوله: (في مقعد صدق) في محل رفع خبر ثانٍ لإن، والإضافة في (مقعد صدق) من إضافة الموصوف إلى صفته، وقوله: (عند مليك مقتدر) في محل رفع خبر ثالث لإن، ومن تَمَّتْ له هذه الخصالُ فقد كَمُلَتْ له الآمالُ.
المعنى الإجمالي: والله لقد أتى قومَ فرعون الإنذاراتُ والتحذيراتُ على لسان موسى هارون، لم يصدِّقوا بالخوارق التسع جميعها، فأهلكناهم إهلاكَ قويٍّ غالبٍ قادرٍ لا يعجزه شيءٌ. أكفاركم يا قريش أقوى وأشد وأعظم مكانةً في الدنيا من هؤلاء المكذبين المذكورين الذين دمرناهم؟ بل ألكم عهد بالنجاة في الكتب الإلهية؟ بل أيقولون: نحن يد واحدة لا نُرام ولا نضام ولا نُغْلَب؟! ستُدحر جماعتُكم، ويضرب المسلمون ظهوركم، يعني: يوم بدر.
بل لكم الويلُ يوم القيامة، ولعذاب القيامة أعظمُ داهيةً وبليةً وأشدُّ مرارةً، إن المشركين في حيرة وجنون أو نيران متقدة يوم يجرون في النارِ على وجوههم، يقال لهم: اختبروا طعم إصابة سقر وأحسوا بها وقاسوا حرها، إنا أوجدنا كل شيء أوجدناه بتقدير منَّا وعلم سابق لوجوده، وما أمرنا لشيء نريد إيجاده إلا كلمة واحدة كإشارة بالعين في السرعة وهي: كن فيكون، ووالله لقد دمرنا أشباهكم وأمثالكم في التكذيب، فهل من مُتَّعِظٍ مَوجُودٍ؟ وكلُّ شيءٍ يعمله هؤلاء مكتوبٌ في كتب الحفظة، وكل صغير وكبير من العمل مكتتب في اللوح المحفوظ.
إن الذين يخافونَ الله فيتخذون لأنفسهم وقاية من عذابه بطاعته، في بساتين وأنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغيَّرْ طعمُه، ومعه عسل مصفى، ومن خمر لذة للشاربين، إنهم في مجلس صدق وحق لا لغو فيه ولا تأثيم، إنهم لدى عزيز الملك تام السلطان قد كَمُلَتْ لهم الطيبات بفضل الله تعالى.
ما ترشد إليه الآيات: 1- تكذيبُ آلِ فرعون بجميع الآيات. 2- تدميرُهم تدميرًا شنيعًا بسبب هذا التكذيب. 3- ليستْ قريش أشدَّ قوةً من هؤلاء الهالكين. 4- وليس لهم عهدٌ بالنجاة في الكتب الإلهية. 5- تهديدُهم بعذابٍ آجلٍ هو أشد وأفظع. 6- تهديدُهم بعذابٍ عاجل لا بد منه. 7- المخلوقات جميعًا بتقدير الله عز وجل. 8- لا يصعبُ على الله إيجادٌ ولا إعدام. 9- أفعال العباد جميعًا مدونة محفوظة. 10- سعادةُ المتقين وتمامُ نعمةِ الله عليهم.
الألوكة
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك