الإنسان مخلوق من مخلوقات الله عز وجل:
خلق الله السماوات والأرض وما بينهما لحكمة يعلمها فيقول الله عز وجل في كتابه العزيز: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾ [الدخان: 38]، ويقول تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون: 115، 116]، فالله سبحانه وتعالى لم يخلق الخلق من غير فائدة أو حكمة.
ومن المخلوقات التي خلقها الله هي الإنسان الذي خلقه في أحسن تكوين وتقويم وميزه بالعقل وكرمه وفضله على باقي الموجودات، بل جعل كل ما في الكون مسخرًا لخدمته، فالأرض جُعلت سهلة ميسرة منبسطة لكي يسهل العيش فيها وهي تحوي كنوز ومعادن كثيرة للانتفاع بها، ورزقه من الطيبات وسخر البر والبحر له.
بعث الرسل وأنزل الكتب لتعليم الإنسان وتهذيبه وهدايته، وحثه على العلم والفهم والتدبر والتفكر ونبذ التقليد والإيمان الأعمى لكي يصل الإنسان بعقله للمعرفة والقناعة بأن لهذا الكون خالق، وهذا الخالق هو الواحد الأحد الفرد الصمد، السيد لهذا الكون، المستحق للعبادة وحده، الرازق لخلقه، الذي لا يقبل من أحد أن يُشرك به وأن يدعو غيره.
فكيف يُطلب الرزق من غيره وهو الرازق وبيده خزائن السماوات والأرض، وكيف نعبد غيره وهو يُقيم الأدلة والبراهين العقلية على أنه هو الخالق، وهو الأول والآخر، وهو الذي يمسك السماء حتى لا تقع على الأرض، وجعل في الأرض رواسي لتثبيتها من أن تتحرك بنا يختل توازنها، وفوق كل ذلك وما أعطى، خلق الجنة لتكون مكافئة على عبادته وعلى عمل الخير، وخلق النار لتكون جزاء للكافر على كفره وجحوده.
يتكون الإنسان من البدن ومن الروح أو النفس، خُلِقَ البدن في أول الخلق من التراب والماء فيقول تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5]، ويقول تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ﴾ [الحجر: 26]، و﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ﴾ [الرحمن: 14]، ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30] إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي تدل على العناصر المادية التي خلق منها جسد الإنسان.
أما النفس عند العلماء فتعرف بأنها الجوهر البُخاري اللطيف الحامل لقوة الحياة والحس والحركة الإرادية وسماها الحكيم: الروح الحيوانية فهو جوهر مشرق للبدن، فعند الموت ينقطع ضوؤه عن ظاهر البدن وباطنه، وأما في وقت النوم فينقطع عن ظاهر البدن دون باطنه، فثبت أن النوم والموت من جنس واحد؛ لأن الموت هو الانقطاع الكلي والنوم هو الانقطاع الناقص [التعريفات، للجرجاني، ص 204]، يقول الله تعالى: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الزمر: 42].
فالنفس عند العلماء جوهر لطيف عكس المادة التي صنع منها البدن، وبذلك يكون الإنسان مزيج من المادة الثقيلة التي صنع منها جسده والمادة الخفيفة اللطيفة التي صنعت منها نفسه، وبذلك تكون شخصية الإنسان مركبة من توازن هذين العنصرين فإذا طغى جانب المادة الثقيلة على شخصه أخلد إلى شهوات الجسد وحيوانيته، وإذا سما وأرتقى طغى الجانب المشرق والخلاق عليه وسمت روحه وعلا.
ويبقى السؤال الأزلي هل الشر أو المعصية من الإنسان أم من الشيطان؟
خلق الله الإنسان وأعطاه العقل والقدرة على التمييز بين الخير والشر ومنحه القوة والإرادة على اختيار الأصلح فيقول تعالى: ﴿ وَنَفۡسٍ وَمَا سَوَّىٰهَا * فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا ﴾ [الشمس: الآيات 7 ـ 8]، وبين له الطريق ووضح معالمه ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد - الآية 10]، وبالتالي فأن مسؤلية الإختيار تقع على عاتق الإنسان ولا نفع من التهرب والإنكار والتنصل من الأفعال، فكل واحد يتحمل مسؤلية اختياره وعاقبة الطريق الذي سار فيه، ﴿ قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا * وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ﴾ [الشمس: الآيات 9ـ 10]. لكن أحيانًا يخطأ الإنسان ويقع في الزلل والأثم فكيف يعرف أن هذه المعصية أو الذنب كانت من نفسه أم من الشيطان؟
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله: [إن وقفت النفس عند معصية بعينها وكلما أبعدها الإنسان تلح عليه فهذا هو ما تريده النفس من الإنسان حيث تطلب معصية بعينها، أما نزغ الشيطان فهو أن ينتقل الشيطان من معصية إلى أخرى محاولًا غواية الإنسان، إن وجده رافضًا لمعصية ما انتقل بالغواية إلى غيرها؛ لأن الشيطان يريد الإنسان عاصيًا على أي لون، فالمهم أن يعصي فقط لذلك يحاول أن يدخل الإنسان من نقطة ضعفه فإن وجده قويًا في ناحية اتجه إلى أخرى].
فالشيطان لا يركز على معصية بعينها إنما همه إضلال الإنسان وإغوائه وإيقاعه في كل المعاصي، فإذا أيس من إيقاعنا في معصية معينة لجأ إلى أخرى وهكذا، أما النفس إذا أرادت شيئًا فهي تلح في طلبه وتسعى للحصول عليه بكل السبل متغافلة أحيانًا عن الموانع، وإذا علقت في موضوع لن تتركه حتى تصل إلى نهايته.
صفات النفوس في القرآن الكريم:
الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وهو أعلم به وهو خير وأصدق من نتعرف منه على صفات النفوس عامة ونفس الكافر ونفس المؤمن خاصة، ويخبرنا تعالى عن علمه وإحاطته بالنفس الإنسانية بقوله: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ [ق: 16]، ولقد حدثنا القرآن الكريم عن عدة نوعيات من النفوس منها النفس الأمارة التي تأمر صاحبها بالفواحش والمساوىء ويدل عليها قوله تعالى: ﴿ وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [يوسف: 53]، فهي نفس توسوس لصاحبها فعل الأعمال القبيحة من غير خشية من العواقب ومن غير خوف أو حياء.
والنوع الثاني: النفس اللوامة وهي تلوم صاحبها وتؤنبه وتعاتبه وتلح عليه بالرجوع عن الخطأ إذا وقع فيه نتيجة الغفلة وقلة الوعي وتحثه للتكفير عن المعصية، وقد أقسم بها الله سبحانه وتعالى بقوله: ﴿ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ [سورة القيامة - الآية 2]، فهذه النفس تكون رقيقة مرهفة تندم أشد الندم على التقصير والخطأ، ولها أثر في شخص الإنسان حتى لا نبالغ إذا قلنا بأنها تقتل صاحبها من الحزن والندم إذا وقع في الخطيئة أو سبب الأذى للأخرين، ويظل خائفًا مترقبًا يدعو الله، وقد تتحول هذه النفس إلى سوط لجلد الذات وتجعل الشخص أسير وحبيس الخطيئة التي وقع فيها.
أما النفس المتحسرة فهي نفس الكافر حين يرى العذاب فيندم ندمًا شديدًا على ما بدر منه وما فات، ويتمنى العودة إلى الحياة لإصلاح ما مضى، ولكن هيهات فقد إنقضى الأجل وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون ويكذبون، وأنى لهم الرجوع وقد قامت القيامة والناس محشورون ليوم لا راد له، ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان:27].
ويعرف العلماء رحمهم الله هذه النفوس بما يلي:
النفس الأمارة: هي التي تميل إلى الطبيعة البدنية وتأمر باللذات والشهوات الحسية وتجذب القلب إلى الجهة السفلية، فهي مأوى الشرور ومنبع الأخلاق الذميمة.
النفس اللوامة: هي التي تنورت بنور القلب قدر ما تنبهت به عن سِنة الغفلة كلما صدرت عنها سيئة بحكم جبلتها الظلمانية أخذت تلوم نفسها وتتوب عنها.
النفس المطمئنة: هي التي تم تنورها بنور القلب حتى انخلعت عن صفاتها الذميمة وتخلقت بالأخلاق الحميدة [معجم التعريفات، الجرجاني، ص 204].
النفوس عامة - نفوس عامة البشر- تتصف بما يلي:
أولًا: الميل أو الجنوح للشرك: أكثر النفوس ترتاح وتميل إلى أن تشرك مع الله إلهًا أخر مع علمها أن الله هو خالق السموات والأرض، وهو الرازق والذي يحيي ويميت، وقد يكون ذلك بسبب الجهل أو محدودية التفكير، يقول تعالى: ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [يوسف: الآية 103]، ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾[يوسف: الآية 106]، ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾ [الأنعام: الآية 116]، ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ - الآية 13].
ثانيًا: حب الدنيا وزينتها: وهي من الصفات التي تتساوى فيها النفوس، فقِلَ من نجد من لا يبتغي بعمله كسب المزيد من عرض الحياة الدنيا وزينتها من مال وجاه وولد، ﴿ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [القصص: 79].
ثالثًا: البخل والشح: لقوله تعالى: ﴿ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ﴾ [النساء: 128]، وقال المفسرون رحمهم الله: وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ أي جُبلت النفوس على الشح وهو عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحق الذي له، وهو من الصفات الذميمة هو والبخل لقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [آل عمران: 180]، ﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 37]. ﴿ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا ﴾ [الإسراء: 100].
رابعًا: الهلع والجزع ومنع الخير: ومن صفات الإنسان الضجر وقلة الصبر والخوف خاصة عند تحول النعمة عنه وتبدل حاله، وفي حال أصابته النعمة فهو سريع المنع للخير إلاّ الذين إستثناهم الله تعالى في الآيات الكريمة التالية:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾ [سورة المعارج: الآيات 19 ـ 35].
ومن الصفات الخاصة بالكافرين الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر هي اتخاذهم المخلوق إلهًا ومساواته برب العالمين مع علمهم بأن الله هو رب الكون وخالقه: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [الزمر: الآية 45]، ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [الأعراف: 138]، وهؤلاء من فرط جهلهم وإنكارهم عدموا إنسانيتهم ووصلوا إلى مرتبة الحيوانية: ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 44].
ومن صفات الكافرين الملاصقة لهم والتي تتكرر منهم في كل عصر وحين هي السخرية والإستهزاء برسل الله عليهم الصلاة والسلام والاستهزاء بالمؤمنين، وهذا حال نبي الله نوح صلى الله عليه وسلم مع قومه: ﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴾ [هود: 38].
ولقد استهزءوا بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم بقصد الانتقاص منه وبث الشك في نفسه واحراجه وتحطيم مكانته وكسر نفسه واتهموه بالجنون والشعر والأخذ من الكتب السابقة، ولكن الله عز وجل كان يدافع عنه وينزل الآيات لتسليته وتثبيته والتخفيف عنه مما يلاقي مبينًا له بأن ذلك دأب القوم الكافرين مع كل الرسل والأنبياء: ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ﴾ [الرعد: 32]، وهذا فعلهم وديدنهم مع رسل الله جميعًا ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الأنبياء: 41].
فالاستهزاء سلاح نفسي يستخدمه الذين في قلوبهم مرض للطعن بالمؤمنين؛ بقصد الإحراج وإرغام المقابل على الإنسحاب من الساحة وهو أسلوب غير نظيف يدل على دناءة وحقارة الشخص وإفلاسه عن المواجهة والمحاورة والمناقشة بأسلوب شريف ومحترم، لذلك يلجأ إلى هذا الأسلوب الصبياني والرخيص لتحقيق الغلبة والنصر على الخصم:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المطففين: الآيات 29 - 36].
وعلى العكس من ذلك النفس المؤمنة فهي نفس مطمئنة عارفة بالله تؤدي ما عليها من واجبات وحقوق نحو الآخرين، لا تظلم، لا تشرك بالله، استقامت على منهج الله وسارت في الطريق المرسوم بصبر وثبات وثقة وهؤلاء هم السعداء.
الألوكة
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك