المكتبة الثقافية العامةمكتبة منتديات الحقلة / كتب إكترونية – جميع الإختصاصات – كتب أسلاميه – كتب علميه – تاريخيه – كتب ادبية – شعر – كتب عالميه – قصص مترجمة
يعتقد الباحث العراقي المغترب الدكتور هادي حسن حمودي أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلاّ بما صلح به أولها، بمعنى أننا إن أردنا التطور الحقيقي فعلينا أن نجمع إلى فروض العصر الحديث فهم القرآن الكريم كما فهمه المسلمون الأوائل وهم يتلقونه من فم النبي، عليه الصلاة والسلام، بعيدا عن الأثقال التي وضعها الناس عليه، تفرقا وصراعات طوائف.
ومن هنا جاء كتابه الجديد "النبي إبراهيم، عليه السلام، من مشارف الشك إلى مشارق اليقين" الصادر قبل بضعة أسابيع عن دار الكتب العلمية في بيروت، في حوالي ثلاثمائة صفحة، ليرسم ضلعا آخر من أضلاع مشروعه الفكري الحضاري الكبير "التنوير القرآني – الندوة القرآنية". هذا المشروع الذي يشهد حاليا تسجيل "مؤسسة التنوير القرآني" في المملكة المتحدة، متضمنا الدراسات ذات العلاقة بفهم القرآن بناء على المنطلق المذكور في مفتتح مقالنا هذا.
ويذكر أن من المؤلفات التي أصدرها المؤلف الدكتور هادي مِمّا له علاقة بهذا المشروع: كتاب "حوار الأديان، وحدة المبادئ العامة والقواعد الكلية". و"تأملات في أسئلة القرآن الكريم" و"موسوعة معاني ألفاظ القرآن الكريم" و"تفسير أحمد بن فارس – 395 للهجرة" و"معاني القرآن حسب تسلسل النزول" و"معاني القرآن حسب ترتيب المصحف" و"الإسلام والأزمنة الحديثة" المترقب صدوره قريبا. وسبق لنا أن تحدثنا عن كل هذه المؤلفات وغيرها في صفحات جريدة العرب الدولية، وموقع العرب أون لاين، ومواضع أخرى، فلا ضرورة هنا للحديث عنها.
يبني السيد المؤلف كتابه "النبي إبراهيم من مشارف الشك إلى مشارق اليقين" على دراسة تحليلية للآية 124 من سورة البقرة: "وإذ ابتلَى إبراهيمَ ربُّه بكلماتٍ فأتَمّهنّ قال إنّي جاعلُك للنّاس إماما. قال: ومِنْ ذريّتي؟ قال: لا ينال عهدي الظّالمين"
ولم يكن اختياره لهذه الآية اعتباطيا، بل لأنّها، من وجهة نظره، تكشف، في كلماتها البالغ عددها تسع عشرة كلمة، عن الأثر الباقي لدين النّبيّ إبراهيم في القرآن، مِمّا يكذّب الأساطير التي أُلحقت به، من جهة، ويمثّل، من جهة أُخرى، مجموعة من مفاهيم القرآن فيما يتعلّق بالإنسان في شؤون حياته المتنوّعة والمتعدّدة، كالابتلاء وكيفيّة التعامل معه وصولا للنجاح فيه والنجاة من شدّته.. والأمّة وكيفيّة بنائها..
ولفظة الإمام الواردة في الآية ومعناها.. والأمن والإيمان والعلاقة بينهما.. والعهد والوفاء به.. والعدل والظّلم وحدود كلٍّ منهما. إضافة إلى احتوائها على ألفاظ تفتح أمام المتدبّر لها آفاقا من التفكير الـمُوصِل إلى أشياء جديدة في مسائل الحياة نفسها، وكذلك في قضايا العلوم اللّغويّة والتاريخيّة، كلفظة إذ، وإبراهيم، والربّ، والكلمات، والإتمام، والجَعْل، والذُّرّيّة.
وكان من طبيعة هذا المنهج الذي نهجه السيد المؤلف أن قادته ألفاظ هذه الآية إلى مفاهيم أخرى، ذات علاقة بها. كقصّة الخلق، انطلاقا من "كلمات" التي جاءت أيضا في قصّة خلق آدم "فتلقّى آدمُ من ربّه كلمات" و"جاعلك" التي وردت في قصّة الخلق بلفظ "جاعلٌ" وهكذا في الألفاظ الأخرى، بناء على المنهج الذي اتّبعه في البحث، مما ورد تفصيله في المقدّمة، إضافة إلى ما أكّد عليه من أنّ دراسته هذه تُعنَى بالقضايا اللفظيّة والدلاليّة، مرتكزة على الأصوات اللّغويّة المعبّرة بلفظها المحدّد عن المعاني المقصودة، بحيث تنطبق تلك الألفاظ على معانيها ودلالاتها من غير بَواقٍ.
فكلّ صوتٍ لغويٍّ، حركة كان أم حرفا، وسواء كان الحرف بسيطا أم مركّبا، هو ذاته معنَى، بجرسه وبلفظه، إذ لا فصل عند الدكتور هادي بين اللفظ ومعناه. فإذا ما قيل إنّ هذا اللفظ دالّ على معنَى كذا، فإنّ ذلك للتوضيح فحسب، ومن هذه القاعدة انطلق في تحديد المفاهيم الملحوظة في الآية آنفة الذِّكْر. وهو ذاته المنهج الذي اتبعه في دراساته القرآنية كافة.
إنّ اتّباع هذه الطّريقة المنبثقة من نظرة علميّة للّغة، بعدم الفصل بين جرس اللّفظ ودلالته، يساعدنا على فهم أكثر علميّة وموضوعيّة للغة التنزيل العزيز، بحيث يمكن للمسلمين المعاصرين الاستفادة منه لاستخلاص الأسس اللازمة لتطورهم الذي يفرضه العصر الحديث، بناء على أكثر ما جاء في تراثهم أصالة وعلمية عسانا نتجنب الفتن والتعصب والطائفية البغيضة والاضطهاد لحرية الفكر باسم الدين، تارة، وباسم الإيديولوجيات، تارة أخرى، والأطماع المتصارعة تارات أخرى.
ومن هنا ينتقل المؤلف إلى تقرير حقيقة لا جدال فيها أنّ القرآن الكريم استنقذ الأنبياءَ، ومنهم النبي إبراهيم، عليه السلام، من مهاوي الأساطير والخرافات التي خلقتها أوهام البشر وخيالاتهم، وما تزيّدوا فيه من قصص وحكايات وروايات نسبت إليهم مرذول الصفات وقبيح السلوك.
وإذا كان المسلمون الأوائل قد رفضوا قبول تلك القصص الخرافية والروايات الأسطورية، فإنّ الخيال البشري سرعان ما عاد إلى الفاعليّة والتأثير في معارف النّاس لأسباب شتّى تضاعفت بمرور الزمن، وخاصة منذ استكان الناس إلى تلك المرويات بفعل الجهل والتخلّف وبدء سقوط حضارة المسلمين، منذ أواخر القرن الرابع للهجرة.
ولم يعد من المستغرب أن يتواصل شيء كثير من تلك الأساطير والخرافات فيما كتبه جمعٌ من المسلمين أنفسهم، من قدامى ومعاصرين، عن القرآن الكريم، على ما هو واضح في مؤلفات عديدة منها: قصص القرآن، لمحمد أحمد جاد المولى وعلي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم والسيد شحاتة، وذلك بفعل الأثر الذي تركه القصاصون والرواة الذين لم يفرّقوا بين نصّ موثّق وصادق هو القرآن الكريم، وتزيدات وردت على ألسنة جَهَلة الرواة والقصّاصين انبثاقا مِمّا نُقل لهم عن التوراة وغيرها. وإذا كان للقدامى بعض العُذر فيما كتبوه فليس ثمّة عُذر للمعاصرين أن يسيروا بذلك الدرب، ويسلكوا ذلك الطريق.
ونظرا لحرصه على استجلاء الصور الحقيقية للأنبياء فإن الدكتور هادي حسن حمودي يؤكد على أنّه ليس من اشتراطات النبوّة أنّ مواقف كلّ نبيّ ظهر على وجه الأرض هي المواقف النّهائية التي على الجميع الخضوع لها، اللّهمّ إلاّ إذا كانت وحيا، وما عدا الوحي فهم بشر، ويمثل على ذلك بما جاء في قصّة إبراهيم الخليل أنّه وعد أباه بالاستغفار ولكنّ اللّه نهاه عن ذلك. وكذا ما قام به النبي موسى من قتل أحد أتباع فرعون بغير أمر من الله، وما فعله النبي يونس حين "ذهب مغاضبا فظنّ أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إلهَ إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين" "سورة الأنبياء 87" والرسول الكريم، حين نزل منزلا في بدر غيّره بعد أن أبان له بعض أصحابه أنّه ليس بالمنزل الأفضل لقتال القوم. ولو كان الله قد أمره أن ينزل بذلك المنزل لَما جاز له أن ينتقل منه.
وهذه حقيقة واقعة، فالأنبياء موجّهون ومرشدون ومبلّغون لرسالات ربّهم، وحسب الحديث النبوي "الناس أدرى بشؤون دنياهم" ومن هنا جاء موقف الرسول، عليه الصلاة والسلام، من شيوخ العرب ورؤسائهم حين دعاهم إلى الإسلام فقد أقرّهم على ما تحت أيديهم، بعد أن دخلوا الإسلام، بل انه حين دعاهم للاسلام وعدهم، إن هم استجابوا لدعوته، أن يظلوا يحكمون كما كانوا سابقا، مع مراعاة مبادئ الدين الجديد.
وتوضّح هذه الحقيقة رسائلُه إلى حكام زمانه وشيوخه، كرسالته إلى جيفر وعبد ابنَي الجلندى في عُمان حيث نصّ فيها على: "وإنّكما إن أقررتما بالإسلام ولّيتُكما". ويقول في كتابه إلى المنذر بن ساوى عامل كسرى على البحرين: "فاسلمْ تسلمْ يجعل اللّه لك ما تحت يدك". والى الحارث بن أبي شمر الغساني: "فإنّي أدعوك إلى أن تؤمن باللّه وحده لا شريك له، يبقى لك مُلكك".. وهكذا مع الآخرين من حكّام كانوا يسمّون ملوكا في أرجاء الجزيرة العربيّة وأطرافها. ولهذا اختلف نبيّ عن نبيّ في مدى السلطة التي توفّرت له، والمدى الذي مارس فيه سلطته.
هذا.. وثمة موضوعات عديدة متشابكة في الكتاب، بحيث إنّ عرضنا له لا يغني عن مطالعته وإقامة حوار علمي جدّيّ مع القضايا التي يثيرها.
سعيد أحمد - شكرا
أتمنى الاطلاع على الكتاب قريبا فالظاهر أنه حديث الصدور بما لا تضيق به الصدور. الذي لفت نظري حديثه عن دور الأنبياء، عليهم السلام، على غير المشهور عند عوام الناس. شكرا للدكتور أحمد نعمة ولموقع العرب أون لاين. سعيد أحمد
عبد السلام أحمد - ما هو؟
ما هو التنوير القرآني؟ يبدو هو منهج جديد لفهم القرآن. ولكن من المسؤول عنه؟ وما هي تفاصيله؟ وشكرا عبد السلام أحمد
مدحت كريدي - أتمنى
مشروع التنوير القرآني؟ عنوان مغري أتمنى أن يكون بعيدا عما يسمى اليوم بالإسلام السياسي، وأن لا تكون له علاقة بالتحزبات السياسية باسم الإسلام أو الطوائف. والحقيقة أنا معجب بما ورد في الكتاب من الرفض العلمي للأساطير التي روتها التوراة عن الأنبياء ومنهم النبي إبراهيم. مدحت كريدي
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك