بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثامنا: التكليف للجميع:
كلا من الإنس والجن مكلف بدليل "وما خلقت
الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين"وبهذا التكليف ينفك
الجن عن عالم الملائكةآ؛ لأن عالم الملائكة غير مكلفين "لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" أما الإنس والجن فكلاهما مكلف، فمن آمن منهم واهتدى كان مآله الجنة، ومن تكبر منهم وعصى وطغى ورد على الله كلامه، كان مآله النار، ولهذا قال الله - تعالى -عن الحور العين"فلم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان"وهذا فيه دلالة على أن الإنس والجن سيدخل الجنة إذا أطاع الله.
تاسعاً: مؤمني الجن:
النبي - صلى الله عليه وسلم - أكرمه الله - تعالى - بأن ختم الله به الرسالات وأتم به النبوات، وأنزل عليه آخر الكتب السماوية الذي هو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والجن كما مرّ معنا أنهم مخلوقون من نار، ومع ذلك لما رزق بعضهم الإيمان رزق التأثرَ بالقرآن، ولما ذهب نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام فرده أهلها فرجع حزينا مكلوما - عليه الصلاة والسلام -، رجع من الطائف متجها إلى مكة حتى وصل إلى واد نخلة فوقف - عليه الصلاة والسلام - يصلي يناجي ربه- تبارك وتعالى -ويدعوه"اللهم أنت ربي ورب المستضعفين في الحديث المعروف"فأخذ يصلي ويقرأ القرآن - عليه الصلاة والسلام -، فاجتمعت
الجن الطائفة التي كانت متوجهة إلى وادي نخلة، تنظر لماذا أغلقت في وجهها أبوابَ السماء قال الله"وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا"فوقفوا يستمعون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى تكالب بعضهم على بعض، يقول الله - تعالى -مصورا لذلك المشهد العظيم"وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا"فالداعي هنا هو نبينا - صلى الله عليه وسلم -، والذين كادوا يكونون عليه لبدا هم الجن، فاستمعوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن يشعر بوجودهم - عليه الصلاة والسلام -، فلما انصرفوا أخبر الله - تعالى -نبيه بالذي كان، قال الله - تعالى -"قل أوحي إلي أنه استمع نفر من
الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فأمنا به ولن نشركَ بربنا أحدا"ولهذا سميت السورة باسهم، ثم ذكر الله - تعالى -الأمر تفصيلا في سورة الأحقاف فقال جل شأنه: "وإذ صرفنا إليك نفرا من
الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم" وهذا فيه إشارة إلى أن أولئك
الجن كانوا من اليهود، وأنهم قالوا"أنزل من بعد موسى"ولم يذكروا عيسى - عليه الصلاة والسلام -، وموسى إنما بعث لليهود.
عاشرا: مدح الله للجن:
مدح الله - تعالى -
الجن لأنهم كانوا ذوي أدب مع كلام الله - تعالى -، وهذا دل عليه القرآن الكريم في موضعين:
الأول: روى الترمذي بسند حسن من حديث جابر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ على مؤمني
الجن سورة الرحمن وفيه يتكرر قول الله - جل وعلا -"فبأي آلاء ربكما تكذبان"فلما قرأها النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصحابة قال لهم: ألا تجيبوني كما أجابني إخوانكم من الجن.. ؟ قالوا ماذا أجابوا يا رسول الله؟ قال كانوا يقولون: ولا بأيٍ, من آلاء ربنا نكذب"..