ألقت نظرة أخيرة على منزلها ثم مضت ..
لحظات الوداع قصار...
كانت تعلم هذا...
لكن هل كانت تتصور يوما ً أن تشيع منزلها الذي عاشت فيه بضعا ً وعشرون عاما ً بنظرة أخيرة وحيدة ثم تتركه للمجرمين كي يقتلعوه من جذوره ...
لقد حملت معها أساورها وحليها وما تبقى من نقود ...
والاهم من هذا كله دفاتر بالية تحكي عن الوطن المفقود والأمل الموعود ....
ولكن حجارة المنزل لا يمكن حملها ...
ذكريات أيام قضتها وشهور عايشتها أشياء لا تحمل ولا ترى انما تحس في هذا المنزل عاشت مع أبو ياسر فك الله قيده ..
وخبرته
وعاشرته
وأحبته
وأنجبت منه ياسر
وفي هذا المنزل تربى ياسر
وعاش طفلته البريئة
ربما ليست طفولة كاملة
ليست كباقي جيله في أي مكان
طفولة منقوصة بدون حرية أو سيادة أو رغد من العيش
طفولة تنغصها ذكريات الاحتلال ومرارة الهجرة وأحزان الماضي و المستقبل ...
لكنها كانت طفولة وحسب
وفي هذا المنزل كبر ياسر
ومعه كبرت أحلامه
كان شاعرا يعشق القراءة ويدمن الكتابة
وفي هذا المنزل صار يحلم
سيكتب عن الحب
عن الجمال
عن فلسطين
عن القضية
سيكتب عن مشاعره وأحلامه وطموحاته
سيكتب أشياء و أشياء و أشياء
عن التاريخ سيكتب ولأجل فلسطين سينقش نفسه حروفا وأشعارا...
كان يغنى بكل ما يراه ويسمعه .... وكان الروح المرحة التي تبعث الدفء في كل مكان وأي مكان لكن الرياح لا تأتي دائما ً بما تشتهي السفن
لقد صودرت أحلامه ووأدت قبل أن تولد...
ففي ليلة غاب فيها القمر جاء سارقي الأحلام ...
فاختطفوا والده... وقتلوا أولاد عمه وعاثوا في البلد فسادا...
وانقلب السحر على الساحر
ولأول مرة في حياته رمى ياسر القلم , وأمسك البندقية
وقاتل وقتل حتى استشهد....
اخذوا منها زوجها وقتلوا ولدها
وهاهم يقتلعون المنزل...
تمضي في طرقها والمنزل يصغر من ورائها والجرافة التي تقترب منها تكبر حتى تبتلع عالمها كله....
لكن لا لم يبقى لديها ما تخسره
تستدير نحو المنزل وتهرول
تجلس على عتبته تحتضن أحلامها....
افعلوا ما شئتم...
اقتلوني ...
ادفنوني تحت هذا المنزل ...
أخذتم كل ما تريدون
سرقتم كل شيء
لكن لن تجبروني على الرحيل...
أنا باقية
أنا جزء من هذا المنزل
أنا الجدار الخامس من جدرانه
التي نحتها الزمن
أنا جزء من تكوينه وهويته
أنا حجرة أخرى وبوابة لزمن آخر
أنا هي المنزل والتاريخ والهوية
أنا الذكريات
ومنزلي يستنجد بي كي لا يسقط
أنا باقية
فإن أردتم أن تهدموه
فاكسروني أولا ً
إن استطعتم.....................
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك