الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فقد كثرت التساؤلات حول المرأة وخروجها من بيتها وحكم الإسلام في ذلك، ولنا مع هذا الموضوع الوقفات التالية: الوقفة الأولى: الأصل العام: الأصل العام هو قرار المرأة في بيتها وعدم خروجها منه إلا لحاجة، قال تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا «الأحزاب: 32، 33». فقد أمر الله سبحانه وتعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنات بالقرار في البيت، فقال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ، والأمر يقتضي الوجوب،إذ أن القاعدة تقول: إن كل خطاب لأمهات المؤمنين نساء النبي صلى الله عليه وسلم فهو خطاب للمؤمنات ما لم يرد دليل على اختصاص أمهات المؤمنين بالحكم، وهذه الآية عامة تشمل أمهات المؤمنين ونساء المؤمنين، وذلك للآتي: أن هذا ما فهمه سلفنا الصالح، فقد قال القرطبي في تفسيره: «معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة». اهـ. الوقفة الثانية: المشروع من خروج المرأة: قلنا: إن الأصل العام هو قرار المرأة في بيتها وعدم خروجها منه إلا لحاجة، وهذه الحاجة قد تكون عامة بالمجتمع الإسلامي أو خاصة بالمرأة وليس الخروج للأسواق والأماكن العام حاجة طالما وجد من الرجال من يقوم بذلك.
على التفصيل الآتي: حاجة المجتمع إلى المرأة: فالمجتمع المسلم يحتاج إلى المرأة في العديد من المجالات التي لا يجوز للرجال الاطلاع على النساء فيها، ومثال ذلك احتياج المجتمع إلى الطبيبة المسلمة التي تقوم بتوقيع الكشف على النساء والممرضة المسلمة التي تقوم برعاية النساء المريضات حتى تمام شفائهن، كما يحتاج المجتمع إلى المدرِّسة المسلمة التي تقوم بالتدريس لفتيات المسلمين والقيام على شئونهن أثناء الدراسة، وذلك بدلاً من اطلاع الرجال على النساء وتدريسهن وما يحصل نتيجة ذلك من الفتن والبلايا التي تفشت في هذه الأيام. الوقفة الثالثة: غير المشروع من المرأة: هناك أعمال لا يجوز للمرأة أن تشغلها وذلك لنهي الشرع عن ذلك وإنما يشغلها الرجال، وهناك أعمال لا يجوز للمرأة شغلها لاشتمالها على محرم. أولاً: الأعمال التي لا يجوز للمرأة شغلها لنهي الشرع عن ذلك: ومنها رئاسة الدولة، فقد اتفق جمهور الفقهاء على عدم جواز تولي المرأة الإمارة، مستدلين على ذلك بأنه لما هلك كسرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استخلفوا ؟» قالوا: ابنته. فقال صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة». «رواه البخاري».ومنها تولي المرأة القضاء، وهو مذهب جمهور الفقهاء المالكية والشافعية، وقد استدلوا بأدلة منها الدليل السابق، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل....». «رواه أبو داود وصححه الألباني».قال الشوكاني: «وهو دليل على اشتراط كون القاضي رجلاً». اهـ. ثانيًا: الأعمال التي لا يجوز للمرأة شغلها لاشتمالها على محرم: ومثالها في البنوك الربوية أو في تقديم المطعومات والمشروبات المحرمة، وذلك لقوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ
«المائدة: 2»، والأعمال التي تنطوي على كشف المرأة عن مفاتنها مثل عارضات الأزياء، أو التي تنطوي على سفرها بغير محرم. الوقفة الرابعة: ضوابط الخروج للصلاة المرأة: يشترط لخروج المرأة للصلاة شروط وهي: 1 - إذن الزوج أو ولي أمرها: قال ابن قدامة رحمه الله: «وللزوج منعها من الخروج من منزله إلى مالها منه بد، سواء أرادت زيارة والديها أو عيادتهما أو حضورجنازة أحدهما، قال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة: «طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها». اهـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إن المرأة إذا خرجت من داره بغير إذنه فلا نفقة لها ولا كسوة». وقال: «لا يحل للزوجة أن تخرج من بيتها إلا بإذنه ولا يحل لأحد أن يأخذها إليه ويحبسها عن زوجها سواء كان ذلك لكونها مرضعًا أو لكونها قابلة أو غير ذلك من الصناعات، وإذا خرجت من بيت زوجها بغير إذنه كانت ناشزة عاصية لله ورسوله ومستحقة للعقوبة». اهـ. 2- الالتزام بالزي الشرعي: بشروطه الشرعية وهي: أ- أن يستوعب جميع البدن، ويدخل فيه الوجه والكفان، على الصحيح من أقوال العلماء. ب- ألا يكون زينة في نفسه؛ لقوله تعالى: وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ «النور: 31». جـ-
أن يكون صفيقًا لا يشف لقوله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما... ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا». «رواه مسلم». قال ابن عبد البر: «أراد صلى الله عليه وسلم النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر فهن كاسيات بالاسم، عاريات في الحقيقة». اهـ. د- أن يكون فضفاضًا غير ضيق حتى لا يصف شيئًا من جسمها.
هـ- ألا يكون مبخرًا مطيبًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية». «رواه الترمذي وحسنه الألباني». و- ألا يشبه لباس الرجل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل». «رواه أبو داود وصححه الألباني».
ز- ألا يكون لباس شهرة: فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه نارًا». «رواه أبو داود وحسنه الألباني». 3- أمن الفتنة في الطريق: فعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء». «رواه مسلم».والقاعدة تقول: «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح». وذكر أبو عمر في التمهيد أن عمر لما خطب عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل شرطت عليه أن لا يضربها ولا يمنعها من الحق ولا من الصلاة في المسجد النبوي، ثم شرطت ذلك على الزبير بن العوام - لما تزوجها بعد وفاة عمر - فتحيَّل عليها بأن كمَنَ لها لما خرجت إلى صلاة العشاء، فلما مرت به ضرب على عجيزتها - دون أن ترى من الذي ضربها فقد كان الظلام دامسًا، فلما رجعت قالت: إنا لله فسد الناس ! فلم تخرج بعد. اهـ.
فسبحان الله ! ماذا ستقول عاتكة إذا رأت ما يحدث في وسائل المواصلات من تلاحم وتزاحم النساء بالرجال الآن ؟! وهل يوجد في نساء المؤمنين الآن من تقول: إنا لله فسد الناس ولا تخرج من بيتها لعدم أمن الفتنة في الطريق؟! 4- عدم الاختلاط في العمل: ففي الصحيحين عن عقبة بن عامر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والدخول على النساء». فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمو الموت». والحمو: أخو الزوج ومن أشبهه من أقارب الزوج كابن العم ونحوه. وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم». قال ابن القيم رحمه الله: «ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة». اهـ. ونحن نشاهد ونقرأ عما ينشأ من العلاقات العاطفية بين الفتاة الموظفة وبين الرجل الموظف الذي يكون معها في غرفة واحدة وقد يكون متزوجًا وأبًا لعدد من الأولاد، وقد كثرت الشكوى من ذلك على صفحات الصحف، إذا أضفنا هذا إلى ما سبق أيقنا أنه لا داعي للإكثار من توظيف النساء في دوائر الدولة إلا تقليد الغربيين ومحاولة إثبات تقدمنا وتطورنا مما يرفع شأننا في نظرهم ! والواقع أن هذا التفكير ساذج يدعو إلى الاستغراب الشديد، فرقي الأمة واحترام الدول لها لا يكون بطرد الشباب من وظائف الدولة واحتلال الفتيات محلهم، وإنما يكون بمبلغ ما تصل إليه الأمة من وعي وما تتصف به من نشاط وما تطمح إليه من آمال وما تملكه من قوة». 5- خروج المرأة يعطلها عن رعايتها لبيتها: فقد ذكرنا من قبل أن المرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها فإذا عطل خروج المرأة عن بيتها يعطل رعايتها لبيتها و تفككت الأسرة وتشرد الأطفال، وانحلال المجتمع وانهياره، وهذه المفاسد الكبيرة تجعل عملها غير جائز.
6- ما هي الحاجة التي تخرج المرأة من بيتها.
القاعدة تقول: «الضرورة تقدر بقدرها». وكذا: الحاجة تنزل منزلة الضرورة، فإذا احتاجت المرأة لمساعدة زوجها أو للإنفاق على نفسها وأولادها خرجت للبحث عن لقمة العيش ثم إذا استطاع الزوج الإنفاق بعد ذلك أو وُجد من ينفق على المرأة فقد زالت الحاجة أو المصلحة وعليها العودة إلى بيتها وليس الخروج للأسواق والأماكن العام حاجة طالما وجد من يقوم بذلك.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك