خطبة الوداع ألقاها الرسول صلى الله عليه وسلم في التاسع من ذي الحجّة سنة 10 ذي الحجة، في حجة الوداع يوم عرفة من جبل عرفات ( جبل الرّحمة) وهي آخر خطبة ألقاها عليه الصلاة والسلام،و قد نزل فيه الوحي مبشّرا أنّه {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} المائدة-ظ£- . حضرها جمع غفير من المسلمين نحو 125 ألف من الصحابة .
نص الخطبة :
" الحمدُ لله نحمدُهُ وَنَسْتَعِينُه، ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَتُوبُ إليه، ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أنْفُسِنا ومِنْ سيّئآتِ أعْمَالِنَا مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضَلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ . وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحْده لا شريك له، وأنّ محمداً عبدُه ورسولُه. أوصيكُم عبادَ الله بتقوى الله،وأحثّكم على طاعته! وأستفتح بالذي هو خير.
أَمَّا بعد، أيّهَا النّاس، اسْمَعُوا منّي أُبّينْ لَكُمْ، فَإنّيَ لاَ أَدْرِي، لعَليّ لاَ أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامي هَذَا، في مَوْقِفي هذا، أَيُهَا النَّاس، إنّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ[1] عَليكُمْ حَرَامٌ إلى أنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، كَحُرمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا[2] في شَهْرِكُمْ هَذَا[3] في بَلَدِكُم هَذَا وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت ، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانةٌ فليؤُدِّها إلى مَنْ ائْتمَنَهُ عَلَيها، وإن ربا الجاهلية موضوع[4] ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ، و قضى الله أنه لا ربا ، وإن ربا عمي العباس بن عبد المطلب موضوع كله وإن دماء الجاهلية موضوعة[5] وإن أول دمائكم أضع دم عامر ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية ،وإن مآثر الجاهلية[6] موضوعة غير السدانة[7] والسقاية[8] والعمد[9] قَوَدٌ[10] ، وشبه العمد[11] ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير فمن ازداد فهو من الجاهلية.
أما بعد أيها الناس فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به بما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم أيها الناس ï´؟ إِنَّمَا النَّسِيءُ[12] زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا[13] عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ï´¾ إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض[14] وï´؟ إِنَ عِدَّةَ الشهور عند اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً ï´¾ منها أربعة حرم ثلاثة متوالية ورجب مضر ، الذي بين جمادى وشعبان.
أما بعد أيها الناس ، إن لِنسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حقاً، ولَكُمْ عَلَيْهِنّ حقّ، لَكُمْ عَليِنّ ألا يُوطْئنَ فُرُشَكُمْ غيرَكم[15] وَلا يُدْخِلْنَ أحَداً تكرَهُونَهُ بيوتَكُمْ، ولا يأتينَ بِفَاحِشَة فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح[16] فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف واستوصوا بالنساء خيرا ، فإنهن عندكم عوان[17] لا يملكن لأنفسهن شيئا ، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله فاعقلوا أيها الناس قولي ، أَيهَا النّاسُ، إنّما المُؤمِنُونَ إخْوةٌ ، فَلاَ يَحِلُّ لامْرِىءٍ مَالُ أَخيهِ إلاّ عَنْ طيبِ نفْسٍ منهُ، أَلاَ هَلْ بلّغْتُ، اللّهُم اشْهَدْ، فلا تَرْجِعُنّ بَعْدِي كُفاراً يَضرِبُ بَعْضُكُمْ رقابَ بَعْض فَإنّي قَدْ تَركْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذتمْ بِهِ لَمْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، كِتَابَ اللهِ وَ سُنَّة نَبيّه ، أَلاَ هَلْ بلّغتُ، اللّهمّ اشْهَدْ.
أيها النّاسُ إن رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وإنّ أَبَاكُمْ واحِدٌ ، كُلكُّمْ لآدمَ وآدمُ من تُراب، إن أَكرمُكُمْ عندَ اللهِ أتْقَاكُمْ وليس لعربيّ فَضْلٌ على عجميّ إلاّ بالتّقْوىَ، أَلاَ هَلْ بلَّغْتُ، اللّهُمّ اشهد" قَالُوا: نَعَمْ قَال: فلْيُبَلِّغِ الشاهدُ الغائبَ
أيّها النّاس، إنَّ اللَّهَ قد قسّمَ لِكلِّ وارثٍ نصيبَهُ منَ الميراث، و لا يجوزُ لوارثٍ وصيَّةٌ ولا تجوز وصيّة في أكثر من الثلث ،والولدُ للفراشِ وللعاهرِ الحجر[18]، ومنِ ادَّعى إلى غيرِ أبيه، أو تولَّى غيرَ مواليه، فعليْهِ لعنةُ اللَّهِ والملائِكةِ والنَّاسِ أجمعين، لا يقبلُ الله منْهُ صرفا ولا عدلا[19] ،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته."
-الأحاديث مثبوتة في الصحيحين وكتب السّنن-
شرح بعض عبارات الخطبة :
[1]أعراضكم: العرض موضع المدح والذم في الإنسان ويُطلق على الشّرف.
[2]يومكم هذا : يوم عرفة التّاسع من ذي الحجّة.
[3]شهركم هذا: ذو الحجّة
[4]ربا الجاهلية موضوع: باطل ومتروك.
[5]دماء الجاهلية موضوعة: ساقطة لا أثر فيها.
[6]مآثر الجاهلية: عادات وتقاليد ومفاخر الجاهلية.
[7]السّدانة: خدمة بيت الله.
[8]السّقاية: سقاية زمزم.
[9]العمد: القتل المتعمّد.
[10]قَوَد: مجازاة القاتل بالقتل .
[11]شبه العمد: هو الاعتداء الذي يؤدي إلى الموت
[12]النسي: تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر كما كانت الجاهلية تفعله من تأخير حرمة محرّم إذا دخل وهم في شهر قتال إلى شهر صفر .
[13]ليواطئوا: ليوافقوا بتحليل وتحريم آخر بدله.
[14]و إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السموات والأرض: فقد حجّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الشهر المخصّص للحجّ، وهو ذو الحجّة،بعدما كان العرب يجعلون حجّهم كل عامين في شهر معيّن فيحجّون في ذي الحجّة عامين وفي محرّم عامين وهكذا...
[15]لكم أن لا يواطئن فرشهم غيركم:لا تأذن الزوجة بالدخول عليها أحدا يكره الزّوج دخوله .
[16]غير مُبرح: غير شديد.
[17]عوان: العاني هو الأسير؛ وهو كل من ذلّ و استكان وخضع، والمعنى تعينوهنّ
[18]الولد للفراش وللعاهر الحجر : أي أنّ الولد منسوب للزّوجين، وللزّاني الحد وهو الرّمي بالحجارة ،وله الخيبة.
[19]لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً: صرفاً: الفريضة /
عدلاً: النّافلة.
تحليل الخطبة:
هذه الخطبة ذات أهمّية كبرى،لم يسمع مثلها في طولها ولِما اشتملت عليه من الشّرائع والهدى، والذي ذكرناه آنفا هو جلّ فقراتها ، وعلى المسلم/ة إذا قرأها/تها أن يتوقّف عند كل فقرة منها فإنّها كواكب هدي تضيء المسلم الدّجى.
هذه الخطبة النّبوية هي عبارة عن توصيات ووداع، لخّص الرسول صلى الله عليه وسلّم فيها تعاليم الاسلام ونظامه في كلمات جامعة وموعظة مختصرة
فراح يخاطب في سفوح عرفات الأجيال والتاريخ بعد ما أدّى ما حمّله ربّه من الأمانة و الجهاد.
ويمكن تحليل خطابه العظيم هذا كما يلي:
â†گالاستفتاح : بدأ النبي صلى الله عليه وسلم خطبته بحمد الله والثّناء عليه ( خطبة الحاجة) من أجل تهيئة المتلقى لقبول ما يسمع
â†گحرمة الدّماء والأعراض: إذ أعلن النّبي عن حقوق المسلم ، وأنّه محرّم الدم والمال والعرض؛ حيث شبّه حرمتها بحرمة الزّمان و المكان أي مكّة وشهر ذي الحجّة.
{أَيُهَا النَّاس، إنّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليكُمْ حَرَامٌ إلى أنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، كَحُرمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في شَهْرِ كُمْ هَذَا في بَلَدِكُم هَذَا}
â†گأداء الأمانة وحرمة الظلم و الرّبا : ( وكل عادات الجاهلية )؛فكلّ ذلك قد بطل أمره ومات اعتباره فهو اليوم جيفةً منتّنة غيّبتها شريعة الله في باطن الأرض و تحت الأقدام .
كما حثّ النبي صلى الله عليه وسلّم على أداء الأمانة لبيان عظمتها في الاسلام، ووضع كل الأموال التي استفادها النّاس من الرّبا.
{فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانةٌ فليؤُدِّها إلى مَنْ ائْتمَنَهُ عَلَيها، وإن كل ربا موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}
â†گالتحذير من الشيطان: لأنه سبب نشر العداوة بين الناس وإبعادهم عن دين الحق
{الناس فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه}
â†گالوصيّة بالنساء خيرا: أعلن الرسول عن حقوق المرأة ،وأمر بالاعتراف بها ، وكذا أمر بحسن المعاشرة و إعطائهنّ حقوقهنّ كاملة بغير ظلم.
فقد ثبّت الاسلام للمرأة حقوقها وحفظ كرامتها من قبل ولا يزال الرسول عليه الصلاة والسّلام يوصي بها حتّى توفّاه الله ،لكي يقضي على تقاليد الجاهلية بشأن المرأة نهائيا .
â†گالإشارة إلى أساس التّفاضل - الوحدة الإنسانية-: فالنّاس كلهم من أب واحد، وأساس التّفاضل بينهم هو طاعتهم للّه وتقواهم له وليس في الحسب والنّسب ، فهذا الخطاب كان بمثابة رسالة حضارية مفتوحة وموجّهة للعالم أجمع كيفما كانت ألوان النّاس ،ألسنتهم وأجناسهم
{إن رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وإنّ أَبَاكُمْ واحِدٌ ، كُلكُّمْ لآدمَ وآدمُ من تُراب، إن أَكرمُكُمْ عندَ اللهِ أتْقَاكُمْ وليس لعربيّ فَضْلٌ على عجميّ إلاّ بالتّقْوىَ}
â†گذكر بعض مسائل الميراث، الوصيّة، والنّسب: حيث أمر بالالتزام فيها وعدم مخالفته لما وجّهنا إليه بشأن هذه الأمور ، بتحريم الوصيّة للوارث، وتقرير قانون التوارث كما ورد في القرآن الكريم
{ إنَّ اللَّهَ قد قسّمَ لِكلِّ وارثٍ نصيبَهُ منَ الميراث، و لا يجوزُ لوارثٍ وصيَّةٌ ولا تجوز وصيّة في أكثر من الثلث}
وحرمة التّبني والانتساب إلى غير موالي
{ومنِ ادَّعى إلى غيرِ أبيه، أو تولَّى غيرَ مواليه، فعليْهِ لعنةُ اللَّهِ والملائِكةِ والنَّاسِ أجمعين...}
الأحكام والتوجيهات التي تضمنتها الخطبة:
1_حرمة الدماء والأموال والأعراض.
2_حرمة الرّبا والظّلم.
3_وجوب أداء الأمانة.
4_وجوب التّمسّك بالكتاب والسّنّة.
5_مخالفة الشيطان والحذر من كيده.
6_إلغاء شعائر الجاهلية و تقاليدها.
7_بيان مكانة المرأة في الإسلام،والتّذكير بحقوقها،والارشاد الى حسن معاملتها.
8_الاهتمام بحقوق الزّوجيّة.
9_عالمية رسالة الإسلام بمخاطبة الناس جميعا.
10_الإشارة إلى مسألة الخلق(السماء،الارض،الزمان)
ليحُثّ الناس على التّفكّر والتّأمّل في خلق اللّه.
11_استحسان الاسلام لبعض العادات الحسنة في الجاهلية،كالسّدانة السّقاية لما فيها من تعظيم للبيت وخدمة الحجّاج.
12_مشروعية القصاص والدّيّة في الإسلام.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه
اسمح لي ابدي اعجابي بقلمك
وتميزك واسلوبك الراقي وتالقك
الله يعطيكم الف عافية على الطرح الرائع
وننتظر القادم بشوق
دمتم بووود
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه اسمح لي ابدي اعجابي بقلمك وتميزك واسلوبك الراقي وتالقك الله يعطيكم الف عافية على الطرح الرائع وننتظر القادم بشوق دمتم بووود
شكرا لك على هذا المرور الرائع
ولا حرمنا الله من طلتك
وبارك الله فيك