عدد الضغطات : 9,099عدد الضغطات : 6,596عدد الضغطات : 6,318عدد الضغطات : 5,538
التميز خلال 24 ساعة
العضو المميز المراقب المميز المشرف المميز الموضوع المميز القسم المميز
قريبا
قريبا
قريبا

بقلم :
المنتدى الاسلامي العام

العودة   منتديات الحقلة > المنتدى الاسلامي > منتدى القرآن الكريم والتفسير

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: الوجه الاخر لرجل الأعمال سعد التميمي (آخر رد :عميد القوم)       :: احذروا سوء الظن (آخر رد :ابو طراد)       :: من فوائد وفضائل الذكر (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: هل تريد نخلة في الجنة (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: وانت في مفترق الطرق تذكر... (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: غلط يقع فيه بعض المصلين (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: علماء الأزهر (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: رائعة جداً (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: ايمانيات (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: رحله العمر (آخر رد :فاطمة صلاح)      


موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 20-03-2019   #1


طالبة العلم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1561
 تاريخ التسجيل :  20 - 06 - 2014
 أخر زيارة : 15-06-2023 (11:13 AM)
 المشاركات : 24,997 [ + ]
 التقييم :  17
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
 اوسمتي
وسام العطاء وسام صاحب الحضور الدائم العطاء الذهبي المسابقه الرمضانيه عطاء بلاحدود 
لوني المفضل : Green
تأملات في حديث يوسف - عليه السلام - عن فضل الله



الله, السماء, تأملات, يحدث, يوسف, عليه, عن, في, فضل

الله, السماء, تأملات, يحدث, يوسف, عليه, عن, في, فضل

تأملات في حديث يوسف - عليه السلام - عن فضل الله

قصة نبي الله يوسف عليه السلام من أحسن القصص؛ كما قال الحق سبحانه في مطلع سورة يوسف: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ [يوسف: 3]، وذلك لِما اشتملت عليه تلكم القصة من أحداث عظيمة ومواقف عجيبة، ومنعطفات كثيرة، وتقلبات في الأحوال والظروف والمآلات، وكان محور هذه السورة يدور رحاه حول حياة نبي الله يوسف عليه السلام الذي أعطاه الله شطر الحسن واصطفاه بالنبوة، وميَّزه بالحكمة والتأويل، وجمَّله بالصبر والرضا، وابتلاه بأنواع البلايا منذ صباه، وتقلَّب في بطون المحن طويلًا، بِيع واشتُري، دخل السجن مظلومًا، ولبث فيه بضع سنين، حتى وصل إلى بيت العز والملك والسيادة، ودرج فيه عزيزًا مكرمًا؛ كل تلك الأحداث صيرت قصة يوسف عليه السلام منتجعًا معنويًّا وارف الظلال، ومنتزهًا روحيًّا وفكريًّا وإيمانيًّا لكل من أراد أن يغترف من معين العبر والعظات، ويسيح في أرجاء التدبر والمعرفة: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف: 111].

من يتأمل في مجريات قصة يوسف، يلحَظ أن حديث نبي الله يوسف عليه السلام كان حديثًا مقتضبًا في مواضع معينة، تميز حديثه بتركيز شديد على جوانب محددة من مجمل القصة القرآنية، ورغم هذا الاقتضاب في حديثه في سياقات القصة وأحداثها، فإنني وجدت أمرًا لافتًا وعجيبًا جدًّا في كلامه المقتضب الوجيز، تكرر بجلاء ووضوح، وأخذ حيزًا من اهتمامه عليه السلام، إنه لا يكاد يمر على موقف من المواقف إلا ويعلن فضل الله عليه، وينسب كل خير ونعمة ورفعة وعافية وفضل إلى الله جل وعلا، مدهش أن يشغل هذا الموضوع الإيماني قلب يوسف عليه السلام، بل لا يكاد يفتر عن تذكير الآخرين من حوله به، ليس بفضل الله عليه فحسب، بل يذكِّر بفضل الله على الناس أيضًا، رغم صعوبة المواقف التي مرَّ بها، والعواصف المقلقة التي عاش في خِضَمِّها.

لقد كان هذا الحديث المذكِّر بفضل الله حاضرًا في أقواله بشكل واضح، يدعو للتأمل، رغم ما وقعت عليه من نوازل ومصائب، ورغم السنوات التي قضاها خلف أسوار السجن، والمؤامرات التي حيكت له واستهدفت حياته، ورغم وصوله بعد ذلك إلى السيادة وإدارة أموال البلاد، إلا أنه كان شديد الحرص في كل تلكم المواطن على نسبة الفضل إلى الله وحده، وكأنه يقول: إن كل الخيرات والبركات من اللطيف الخبير ذي النعم، وكل البلايا والمحن فيها من الأفضال الإلهية والمواهب الربانية ما يجب أن نحمَده عليها ونُثني عليه بها، فهو المحمود في كل الأحوال، وإليه يرجع الأمر كله، يا لها من نفسٍ مؤمنة عرفت حق ربها وعرَفت نفسها.

تعالوا إلى حديثه الشيق الأخَّاذ في قصته، وقبل أن ندلف إلى حديث يوسف عليه السلام، أدهشني موقف تربوي عظيم من والده نبي الله يعقوب عليه السلام فيها لفتة تربوية رائعة في تربية الأبناء على التعلق بالله، وأن الفضل والخير والاصطفاء من الله وحده لا شريك له، حين أخبر يعقوب ابنه يوسف باجتباء الله له وتعليمه تأويل الأحاديث، وأن الله سيتمُّ نعمته عليه وعلى آل يعقوب، كما أتمها على أبويه وأجداده إبراهيم وإسحاق عليهما السلام: ﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [يوسف: 6]، لم تكن هذه التوجيهات الأبوية من نبي لنبي لتغيب عنه؛ فشكلت كل هذه التوجيهات واللمحات شخصية مؤمنة بربها واثقة بخالقها، ونفسًا رضية مطمئنة عرَفت فضل خالقها ولطفه وكرمه وجُوده، فتحرك بذلك وجدان ولسان الابن النبي عليه السلام، وفي ذلك عبرة للمربين.

أول نسبةٍ للفضل إلى الله تعالى جاءت على لسان يوسف عليه السلام، حين وقع في الحبس مظلومًا بعد مكيدة امرأة العزيز، وانتقل على إثرها من بيت العز والشرف والسؤدد إلى الحبس، فكان يتحدث مع من حوله ويسامرهم، ويدعوهم إلى الإيمان بالله جل وعلا، ولَمَّا عرفوا أنه يؤوِّل الرؤى والمنامات، جاءه فتيان يحملان رؤييْن مختلفتين يطلبان منه نبأ تأويلهما واصفين إياه بقولهما: ﴿ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 36]، وبعد أن استمع يوسف عليه السلام لمنامهما، وعدهما بتأويل رؤياهما، ولكنه نبَّههم إلى أمر مهم: ﴿ قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي [يوسف: 37]؛ أي: إن تأويلي لرؤياكما منحة إلهية وهبة ربانية محضة، لم يكن ذلك بجهدي وفكري وقوة حدسي، بل التأويل محض تعليم الله لي، فنسب الفضل إلى الله جل وعلا في التأويل، وكان ذلك تمهيدًا لدعوة الفتيين إلى الله تعالى، وتوطئة لتعريفهم بالله المتفضل العظيم الذي علمه ومكَّنه، ولكم أن تتأملوا وقع هذه المقدمة في نفوس الفتيين وهما متشوفان لسماع تأويل رؤياهما، ثم قال موضحًا موقفه: ﴿ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ [يوسف: 37- 38].

لم يكتف يوسف عليه السلام بتوضيح موقفه من نبذ الشرك وأهله، واتباعه ملة آبائه في التوحيد والإيمان بالله، لم يكتفِ بذلك، بل عقَّب على كلامه بقوله: ﴿ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ [يوسف: 38]؛ أي: إن إيماننا واتباعنا للحق من فضل الله وتوفيقه، يا لروعة هذه النسبة إلى الله، ويا لجمال ولطافة هذا التواضع النبوي الكريم، فإيمانه بالله واتباعه لدين الحق، وتركه لملة أهل الكفر والضلال، لم يكن لشيء اختص به أو لجهده وسعيه، بل هو من فضل الله عليه، وليس عليه فحسب، بل على الناس جميعًا.

وفي هذا الحديث اليوسفي درس عظيم في الإخلاص، وعدم رؤية الذات، فكيف يُعجب المرء بعمل أو مشروع أو أي منجز يرائي أو يسمِّع به، والله هو المتفضل به، وليس للعبد فيه فضل ومنَّة، وفيه درس آخر للعالم والمربي، وكل من يخدم المسلمين وينفعهم - أن تكون نسبة الفضل إلى الله حاضرة في قلبه، وعلى لسان حاله ومقاله، فكل علم تُتقنه، أو مهارة تُحسنها، أو تخصُّص تُبدع فيه، أو مشروع خير قام على يديك، كل ذلك من فضل الله عليك، وكل طاعة أو استقامة على منهج الحق، هو من توفيق الله لك، وليس بمحض سعيك أو اجتهادك، ثم لكم أن تتخيَّلوا أن يتردد هذا الحديث عن فضل الله على ألسنة العلماء والأساتذة في المدارس والمساجد، ودور العلم والمشتغلين بخدمة الناس ونفعهم، أي انطباع وأي أثر سوف يتركه في نفوسهم، ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون.

وتمضي فصول قصة يوسف عليه السلام، وتتعاقب الأحداث حتى يصبح الفتى يوسف الذي كاد له إخوته ورموه في الجُّب؛ ليكسبوا وُدَّ أبيهم، وتعرض بعدها لحياة الرقِّ والعبودية، ثم انتقل إلى بيت العز والملك، وبعده إلى ظلمة السجن، ليخرج منها إلى حياة التمكين، ويجعله الملك من خواصه وخلَّص معاونيه، ويتقلد مسؤولية خزائن الأرض، يتبوأ منها حيث يشاء، وتمضي الأيام حتى تحين لحظة دخول إخوة يوسف عليه، وهو في أُبَّهة السيادة وهم الذين فعلوا به ما فعلوا، وانقطعت الأخبار، ومُحيت الآثار، وتوارت السنون خلف ذكرياتها، لتأتي لحظة اللقاء وقلب يوسف عليه السلام وحده الذي يضطرب ويتذكر، ويسترجع شريط الأيام، فقد عرفهم يوسف ولم يعرفه إخوته، وبعد خطة محكمة وضعها يوسف عليه السلام للتعامل مع إخوته، أتى بشقيقه بنيامين، وقام بحيلة ليُبقيه عنده، حتى وصل الخبر الصادم إلى أبيهم المتوجس خيفةً يعقوب عليه السلام، حتى ابيضت عيناه من الحزن، بعد كل ذلك تأتي لحظة التعارف والندم، تلك اللحظة التي جمع الله فيها بين يوسف وإخوته من بعد أحداث عجيبة، وكانت اللحظة التاريخية قد ارتسمت في سؤال يوسف عليه السلام: ﴿ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 89، 90]، تأملوا في قوله: ﴿ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا [يوسف: 90]، في هذه المناسبة العائلية النادرة، والدهشة والذكريات وصفحات الماضي، تدور في مخيلة الجميع، في هذه المناسبة بعد أن عرَّف بنفسه وبأخيه، يعلنها مدوية: (قد منَّ الله علينا)! إنه الاعتراف والإقرار بفضل الله ومِنته أن جمع الشتيتين، ولَمَّ شمل هذه الأسرة التي فرَّقها الكيد والحسد، لقد نسي يوسف عليه السلام كل الذكريات السوداء، واستحضر منَّة الله التي لم تغب عنه طرفةَ عين، مؤكدًا أن تقوى الله والصبر هما مفتاح الفرج وبهما تتنزل البركات.

في حياتك الكثير من المحطات التي تقف عندها متأملًا وتأخذ بمجامع قلبك؛ خصام مع أقارب وذوي رحم يمتد سنوات، ثم تلتقون على مائدة الحب والصفاء، أيام بلاء عصيبة تأخذك بعيدًا، ثم فجأة يزول البلاء وتحيط بك الرحمات والخيرات، مرض يفاجئك أو يصيب أحد أبنائك، فتهتم وتغتم لذلك، ثم يزول بقدرة الله، أزمة مالية تعصف بك وبمدخراتك، ثم تنقشع بفضل الله، ويخضرُّ مؤشر الفزع والقلق، في كل هذه اللحظات والمواقف هل تذكرت فضل الله عليك بأن أولاك ورحمك وهداك ووقاك؟! إنها المنزلة التي لا تغيب عن ذوي الإيمان والرشاد، إنها النفوس المؤمنة الذاكرة التي عرَفت فضل ربها في كل سكناتها وحركاتها.

وفي مشهد آخر من مشاهد اللقاء الأخوي بعد طول انقطاع، تأتي الشهادة المدوية من إخوة يوسف والاعتذار الصريح عما صنعوا به قائلين: ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف: 91، 92]، لقد ظلمناك وأخطأنا في حقِّك، وهنا لم يعاتب يوسف إخوته على صنيعهم، ولم يوبِّخهم بل عفا عنهم مباشرة، مخففًا على إخوته وطأة الاعتذار والاعتراف بالخطأ، قائلًا: ﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، ولم يقل: غفرت لكم، بل نسب المغفرة لله؛ لأنه أرحم الراحمين!

وتتوالى فصول قصة يوسف عليه السلام، ويحين موعد تحقق الحلم ووقوع الرؤيا عيانًا في مشهد الاجتماع العائلي وبعد سنوات طويلة من التشتت والتمزق، يلتئم جسد العائلة المباركة، فيلتقي يعقوب بابنيه بعد طول فراق، ويلتقي يوسف بإخوته وبأبويه، يا لروعة هذا المشهد، تصوَّروا كيف يعانقون وكيف يبتسمون ويتساءلون؟ أي عائلة هذه التي لَمَّ الله شملها؟ وأي شفاء وراحة وأنس لقلب هذا الشيخ يعقوب عليه السلام وهو يعانق يوسف وأخاه؟ أي قرة عين هذه التي أعادت بصره بعد أن عمي من كثرة البكاء على يوسف؟ وتتحقق الرؤيا التي رآها يوسف في طفولته، فيرفع أبويه على كرسي الملك، ويخر له إخوته سجدًا؛ سجود تشريف لا سجود عبادة، وفي هذه الأثناء تكلم يوسف عليه السلام: ﴿ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا [يوسف: 100]، فالفضل له ومنه وهو صاحب الإنعام، وبفضله تتحقق الأحلام، ولم يكتفِ بذلك، بل أخذ يوسف يعدِّد نعم الله عليه وعلى إخوته في هذا المشهد العاطفي المزلزل للأفئدة المدرِّ للمآقي، ويقول: ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي [يوسف: 100].

يتحدث يوسف عليه السلام عن إحسان الله في خروجه من السجن، ولم يلتفت إلى الأسباب، فلم يذكر الرؤى التي أوَّلها لصاحبيه في السجن، وكانت سببًا في وصول خبره لعزيز مصر، ولم يتذكر صاحبه الذي قال له: ﴿ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ [يوسف: 42]، ولم يتذكر الملك الذي أطلق سراحه، ولا امرأة العزيز، ولا أي سبب من الأسباب؛ بل تذكر إحسان الله إليه في إخراجه من السجن، وفي الإتيان بوالديه وإخوته بعد أن نزغ الشيطان بينه وبين إخوته، ولاحظ كيف اختصر وصفَ المكيدة العظمى في حقه بقوله: ﴿ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي، فاعتبر كل ما حصل له بسبب النزغ الشيطاني رغم اعترافهم بخطئهم: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [يوسف: 100]، لطيف في أقداره، لطيف فيما يعطي، لطيف فيما يمنع، فهو سبحانه يجري الأمور وَفق سلسة الأحداث والوقائع؛ لتتحقق بها المصالحُ، وتندفع بها المفاسد، فكل ما وقع ليوسف عليه السلام من المحن والابتلاءات، وما جرى عليه من الأمور التي تكرهها النفوس، كان مآلها إلى رحمة وصلاح ولقاء وفوز وسعادة، وإن بدت في بعض فصولها أنه شرٌّ ومحنة ورزية.

وفي مشهد الختام واكتمال الفصول، وبعد تحقق الحلم وزوال الضُرِّ، وحصول المأمول، وبعد التئام شمل أسرة يوسف عليه السلام، يختتم المشهد العاطفي بدعاء وابتهال يحمل كل معاني التذلل والانكسار بين يدي الله، فرحًا بفضله ومنته، وينسب الفضل إلى ربه من جديد، وكأن الحكاية قد انتهت والقصص قد رويت والذكريات قد قُصَّت: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف: 101].

تأملوا كيف يعدِّد نعم ربه عليه (آتيتني)، (علمتني)، لقد كانت نعم الله وأفضاله حاضرة في ذهن يوسف عليه السلام، وكأنه لا يرى منَّة ولا فضلًا لأحدٍ إلا لله وحده لا شريك له، فهو صاحب العطاء المتواصل والتدبير الخفي والألطاف الجميلة.

ومجمل الدرس الذي نستقيه من حديث يوسف عليه السلام أن كل خيرٍ يُصيبك، وكل فوز تحقِّقه، وكل نجاح تصل إليه، وكل حلم تراه واقعًا، وكل مرتبة تُحرزها، وكل درجة تصعدها، وكل نوالٍ تحصل عليه، وكل سعادة وراحة قلب تَهنأ بها، كل ذلك بفضل الله وتدبيره ولُطفه، فمنه وبه وإليه منتهى الآمال ومطالب العباد، وكل ما دون الله أسباب يُحركها الله وَفق مشيئته وحكمته، فقد تتخلف وقد تتحقق بها النتائج، أن تعيش بقلبك وشعورك هذه المعاني العظيمة في حياتك كما عاشها يوسف عليه السلام في واقعه، فتلك سعادة ومنَّة تستحق منك أن تشكُر ربَّك عليها: ﴿ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [آل عمران: 73].





الألوكة

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك



منتديات الحقلة

منتديات الحقلة: منتديات عامة اسلامية ثقافية ادبية شعر خواطر اخبارية رياضية ترفيهية صحية اسرية كل مايتعلق بالمرأة والرجل والطفل وتهتم باخبار قرى الحقلة والقرى المجاوره لها





jHlghj td p]de d,st - ugdi hgsghl uk tqg hggi hgslhx jHlghj dp]e d,st ugdi uk




jHlghj td p]de d,st - ugdi hgsghl uk tqg hggi hgslhx jHlghj dp]e d,st ugdi uk jHlghj td p]de d,st - ugdi hgsghl uk tqg hggi hgslhx jHlghj dp]e d,st ugdi uk



 

قديم 20-03-2019   #2
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: تأملات في حديث يوسف - عليه السلام - عن فضل الله



جزاك الله خير الجزاء
وجعله في ميزان حسناتك
والله يعطيك العافية


 

قديم 20-03-2019   #3
مدير عام سابق
انثى الطهر
داعم لصندوق المنتدى



السموه غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1505
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2014
 أخر زيارة : منذ يوم مضى (11:52 PM)
 المشاركات : 26,731 [ + ]
 التقييم :  420
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
مُستفزه
صَدري مليان عزه
لو تجادلنَي دقيقہ ...
عرش شيَطانك اهزه ▾
لوني المفضل : Black
رد: تأملات في حديث يوسف - عليه السلام - عن فضل الله



جزاك الله خير ويعطيك العافيه .



 

قديم 21-03-2019   #4
انثى يغلب على طابعها الهدوء


أنشودة الأمل غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2530
 تاريخ التسجيل :  18 - 05 - 2016
 أخر زيارة : 25-07-2019 (10:07 AM)
 المشاركات : 20,829 [ + ]
 التقييم :  510
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
لوني المفضل : Crimson
رد: تأملات في حديث يوسف - عليه السلام - عن فضل الله



ً‏


بوركت علي مانقلت
وحزيت خيرٱ على طرحك القيم
والله يعطيك العافيه على المجهود
تقبل طلتي
أنشودة الأمل~

.


- ‏



 

قديم 21-03-2019   #5


أسماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3587
 تاريخ التسجيل :  23 - 04 - 2018
 أخر زيارة : 08-11-2020 (04:55 PM)
 المشاركات : 3,513 [ + ]
 التقييم :  18
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
لوني المفضل : Cornflowerblue
رد: تأملات في حديث يوسف - عليه السلام - عن فضل الله



جزاكِ الله خيراً



 

قديم 18-04-2019   #6


ليث نجم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3225
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2017
 أخر زيارة : 15-06-2019 (01:26 AM)
 المشاركات : 2,950 [ + ]
 التقييم :  10
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: تأملات في حديث يوسف - عليه السلام - عن فضل الله



بارك الله فيك وجزاك الله خيراً
وجعلة في ميزان حسناتك


 

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الله, السماء, تأملات, يحدث, يوسف, عليه, عن, في, فضل


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قصص الانبياء يوسف عليه السلام وردة الجنوب قصص الرسل والانبياء 18 26-10-2016 12:33 PM
يوسف عليه السلام ريناد قصص الرسل والانبياء 12 19-09-2016 12:26 PM
همسة من قصة يوسف عليه السلام قلب أم قصص الرسل والانبياء 10 30-08-2015 12:42 PM
بعض الوقفات من قصة يوسف عليه السلام آحلام حآئــرهــ قصص الرسل والانبياء 2 05-10-2011 08:06 AM
بعض الاسئلة عن قصة يوسف عليه السلام آحلام حآئــرهــ قصص الرسل والانبياء 2 10-09-2011 12:08 AM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 12:44 PM

أقسام المنتدى

الاقسام العامة | المنتدى الاسلامي العام | المنتدى العام | منتدى الترحيب والتهاني | الاقسام الرياضية والترفيهية | العاب ومسابقات | الافلام ومقاطع الفيديو | منتدى الرياضة المتنوعة | الاقسام التقنية | الكمبيوتر وبرامجه | الجوالات والاتصالات | الفلاش والفوتوشوب والتصميم | منتدى التربية والتعليم | قسم خدمات الطالب | تعليم البنين والبنات | ملتقــــى الأعضـــــاء (خاص باعضاء المنتدى) | المرحله المتوسطه | منتدى الحقلة الخاص (حقلاويات) | منتدى الاخبار المحلية والعالمية | اخبار وشـؤون قرى الحقلة | اخبار منطقة جازان | الاقسام الأدبية والثقافية | الخواطر وعذب الكلام | منتدى الشعر | عالم القصة والروايات | اخبار الوظائف | منتديات الصحة والمجتمع | منتدى الصحة | منتدى الأسرة | منتدى السيارات | منتدى اللغة الانجليزية | منتدى الحوار والنقاشات | منتدى التراث والشعبيات والحكم والامثال | منتدى التعليم العام | منتدى السفر والسياحة | الثقافه العامه | منتدى تطوير الذات | كرسي الإعتراف | منتدى عالم المرأة | عالم الطفل | المطبخ الشامل | منتدى التصاميم والديكور المنزلي | المكتبة الثقافية العامة | شعراء وشاعرات المنتدى | مول الحقلة للمنتجات | الخيمة الرمضانية | المـرحلـة الابتدائيـة | استراحة وملتقى الاعضاء | المرحله الثانويه | الصور المتنوعة والغرائب والعجائب | المنتدى الاسلامي | منتدى القرآن الكريم والتفسير | سير نبي الرحمة واهم الشخصيات الإسلامية | قصص الرسل والانبياء | قسم الصوتيات والفلاشات الاسلاميه | اخبار مركز القفل | منتدى الابحاث والاستشارات التربوية والفكرية | افلام الانمي | صور ومقاطع فيديو حقلاويات | البلاك بيري / الآيفون / الجالكسي | بوح المشاعر وسطوة القلم(يمنع المنقول ) | مناسك الحج والعمرة | منتدى | ارشيف مسابقات المنتدى | منتدى الحديث والسنة النبوية الشريفة | المنتدى الاقتصادي | منتدى عالم الرجل | اعلانات الزواج ومناسبات منتديات الحقلة | تراث منطقـة جــــازان | كرة القدم السعوديه | منتدى الرياضة | كرة القدم العربيه والعالمية | ديـوان الشـاعـر عمـرين محمـد عريشي | ديـــوان الشــاعـر عـبدة حكمـي | يوميات اعضاء منتديات الحقلة | تصاميم الاعضاء | دروس الفوتوشوب | ارشيف الخيمة الرمضانية ومناسك الحج والعمرة الاعوام السابقة | منتدى الاخبار | نبض اقلام المنتدى | ديـــوان الشــاعـر علـي الـدحيمــي | الاستشارات الطبية | الترحيب بالاعضاء الجدد | قسم الاشغال الايدويه | قسم الاشغال اليدويه | مجلة الحقله الالكترونيه | حصريات مطبخ الحقله | ديوان الشاعر ابوطراد |



Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Ramdan √ BY: ! Omani ! © 2012
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Forum Modifications Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع المواضيع والمُشاركات المطروحه في منتديات الحقلة تُعبّر عن ثقافة كاتبها ووجهة نظره , ولا تُمثل وجهة نظر الإدارة , حيث أن إدارة المنتدى لا تتحمل أدنى مسؤولية عن أي طرح يتم نشره في المنتدى

This Forum used Arshfny Mod by islam servant