أولًا: سبب نزولها:
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: يقول تعالى مخبرًا عن المشركين ما كانوا يقولونه من الكذب والافتراء: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم إنما يعلمه هذا الذي يتلوه علينا من القرآن بشر، ويشيرون إلى رجل أعجمي كان بياعًا يبيع عند الصفا، وربما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إليه ويكلمه بعض الشيء، وذاك كان أعجمي اللسان لا يعرف إلا اليسير من العربية.
وعن عكرمة وقتادة: كان اسم ذلك الرجل "يعيش"، وعن ابن عباس: كان اسمه "بلعام"، وكان أعجمي اللسان، وكان المشركون يرَون رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليه ويخرج من عنده، فقالوا: إنما يعلمه بلعام، فأنزل الله هذه الآية.
ثانيًا: تضمنت الآية كما جاء في سبب نزولها ذكرَ نوع من أنواع الاتهامات التي كان يوجهها المشركون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فادَّعوا ما ادَّعوه زورًا وبهتانًا من أنه صلى الله عليه وسلم تعلم القرآن من أحد البشر.
ثالثًا: نزلت الآية دفاعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، مبرئة لساحته من أن يكون له معلم من البشر، ثم إنه صلى الله عليه وسلم - بعد أن نزل عليه الوحي من الله - لم يكن ليقبل أن يتعلم من عربي فضلًا عن أعجمي، والآن إليك بيان ما في الآية:
1- قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ﴾: أي: ولقد نعلم أيها الرسول الكريم علمًا مستمرًّا لا يعزُب عنه شيء مما يقوله المشركون في شأنك من أنك تتعلم القرآن من واحد من البشر.
قال الألوسي: وإنما لم يصرح القرآن باسم من زعموا أنه يعلمه عليه الصلاة والسلام، مع أنه أدخل في ظهور كذبهم؛ للإيذان بأن مدار خطئهم ليس بنسبته صلى الله عليه وسلم إلى التعلم من شخص معين، بل من البشر كائنًا من كان.
2- وقوله تعالى: ﴿ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾: هذا هو الرد عليهم فيما زعموه وافتروه، والمراد باللسان هنا: الكلام الذي يتكلم به الشخص، واللغة التي ينطق بها.
وقوله: ﴿ يُلْحِدُونَ ﴾: من الإلحاد بمعنى: الميل، يقال: لحد وألحد: إذا مال عن القصد، وسُمي الملحد بذلك؛ لأنه أمال مذهبه عن الأديان كلها.
والأعجمي: نسبة إلى الأعجم: وهو الذي لا يفصح في كلامه، سواء أكان من العرب أم من العجم، وزِيدت فيه ياء النسب على سبيل التوكيد.
والمعنى: لقد كذبتم أيها المشركون كذبًا شنيعًا صريحًا؛ حيث زعمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه القرآن بشرٌ، مع أن لغة هذا الإنسان الذي زعمتم أنه يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم لغة أعجمية، ولغة هذا القرآن لغة عربية في أعلى درجات البلاغة والفصاحة، فقد أعجزكم بفصاحته وبلاغته، وتحداكم وأنتم أهل اللسن والبيان أن تأتوا بسورة من مثله.
الألوكة
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك