عدد الضغطات : 9,151عدد الضغطات : 6,657عدد الضغطات : 6,371عدد الضغطات : 5,588
التميز خلال 24 ساعة
العضو المميز المراقب المميز المشرف المميز الموضوع المميز القسم المميز
قريبا
قريبا
قريبا

بقلم :
المنتدى الاسلامي العام

العودة   منتديات الحقلة > المنتدى الاسلامي > منتدى القرآن الكريم والتفسير

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: اللهم ... (آخر رد :السموه)       :: لـ نهتف : (يَآرَبْ )مساحة خاصه لكم لتناجون البارئ بماشئتم (آخر رد :السموه)       :: وقع ولو بكلمه (آخر رد :السموه)       :: ضع بصمتك .. واترك أثراً ..~ (آخر رد :السموه)       :: ثرثرة الواو (آخر رد :السموه)       :: دعاء اليوم ((متجدد بإذن الله)) (آخر رد :ابو يحيى)       :: تهنئة بحلول عيد الفطر المبارك (آخر رد :ابو يحيى)       :: أبي ... (آخر رد :السموه)       :: لِ .. أَحَدُهُم ‘ ..| (آخر رد :السموه)       :: الوجه الاخر لرجل الأعمال سعد التميمي (آخر رد :محمد الجابر)      


موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 22-07-2022   #1


طالبة العلم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1561
 تاريخ التسجيل :  20 - 06 - 2014
 أخر زيارة : 15-06-2023 (11:13 AM)
 المشاركات : 24,997 [ + ]
 التقييم :  17
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
 اوسمتي
وسام العطاء وسام صاحب الحضور الدائم العطاء الذهبي المسابقه الرمضانيه عطاء بلاحدود 
لوني المفضل : Green
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ



لِلَّذِينَ, مِنْ, يُؤْلُونَ, نِسَائِهِمْ

لِلَّذِينَ, مِنْ, يُؤْلُونَ, نِسَائِهِمْ

<h2 style="text-align: center;">بسم الله الرحمن الرحيم

</h2> ﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ


﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 226 - 230].

﴿ لِلَّذِينَ ﴾ اللام يحتمل أن تكون للإباحة، ويحتمل أن تكون للتوقيت؛ يعني: أنه يُباح للمولين أن يتربصوا أربعة أشهر، أو أن لهم وقتًا محددًا بأربعة أشهر، ﴿ يُؤْلُونَ ﴾: يحلفون، من الألِيَّةِ؛ وهي اليمين، والإيلاء: الحلف، مضارع آلى يؤلي: إذا حلف، وأيًّا ما كان فالإيلاء بعد نزول هذه الآية صار حقيقة شرعية في هذا الحلف على الوصف المخصوص بعدم وطء الزوجة.

وكان من أشهر الأيمان الحائلة بين البر والتقوى والإصلاح أيمان الرجال على مُهاجَرَة نسائهم، وقد كان الرجل في الجاهلية يولي من امرأته السنة والسنتين، ولا تنحل يمينه إلا بعد مُضِيِّ تلك المدة، ولا كلام للمرأة في ذلك.

وعن سعيد بن المسيب: "كان الرجل في الجاهلية لا يريد المرأة، ولا يحب أن يطلقها، لئلا يتزوجها غيرُه، فكان يحلف ألَّا يقربها مضارةً للمرأة"؛ أي: ويقسم على ذلك لكيلا يعود إليها إذا حصل له شيء من الندم، قال: "ثم كان أهل الإسلام يفعلون ذلك، فأزال الله ذلك، وأمهل للزوج مدة حتى يتروى".

﴿ مِن نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ ﴾؛ انتظار، فهو انتظار حصول شيء لغير المنتظر، ﴿ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ﴾ ابتداءً من إيلائهم، قيل: وحكمه ضرب أربعة أشهر؛ لأنه غالب ما تصبر المرأة فيها عن الزوج، ﴿ فَإِنْ فَاؤُوا ﴾؛ رجعوا إلى وطء نسائهم بعد الامتناع عنه باليمين، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾، والمغفرة هي ستر الذنب مع التجاوز عنه، مأخوذة من المغفر؛ وهو ما يوضع على الرأس عند الحرب لاتقاء السهام، وفي المغفر تغطية ووقاية، ﴿ رَحِيمٌ ﴾، يغفر لهم ما ارتكبوه من الذنب في حق نسائهم ويرحمهم لتوبتهم.

قال ابن القيم: "وختم حكم الفيء الذي هو الرجوع والعود إلى رضا الزوجة والإحسان إليها، بأنه غفور رحيم يعود على عبده بمغفرته ورحمته إذا رجع إليه، والجزاء من جنس العمل، فكما رجع إلى التي هي أحسن، رجع الله إليه بالمغفرة والرحمة".

وذهب الجمهور إلى إيجاب كفارة اليمين على المولي بجماع امرأته، فيكون الغفران هنا إشعارًا بإسقاط الإثم بفعل الكفارة.

والمعنى: أي: فحَنَثُهم في يمين الإيلاء مغفور لهم؛ لأن الله غفور رحيم، وفيه إيذان بأن الإيلاء حرام؛ لأن شأن إيلائهم الوارد فيه القرآن قصد الإضرار بالمرأة.

وقد يكون الإيلاء مباحًا إذا لم يُقصَد به الإضرار، ولم تطُل مدته، كالذي يكون لقصد التأديب، أو لقصد آخر معتبر شرعًا، غير قصد الإضرار المذموم شرعًا.

وقد آلى النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرًا، قيل: لمرض كان برجله، وقيل: لأجل تأديبهن؛ لأنهن قد لقين من سَعَةِ حلمه ورفقه ما حدا ببعضهن إلى الإفراط في الإدلال، وحمل البقية على الاقتداء بالأخريات، أو على استحسان ذلك، والله ورسوله أعلم ببواطن الأمور.

وأما جواز الإيلاء للمصلحة؛ كالخوف على الولد من الغيلة [الجمع أثناء الرضاعة]، وكالحمية من بعض الأمراض في الرجل والمرأة، فإباحته حاصلة من أدلة المصلحة ونفي المضرة، وإنما يحصل ذلك بالحلف عند بعض الناس، لِما فيهم من ضعف العزم، واتهام أنفسهم بالفلتة في الأمر، إن لم يقيدوها بالحلف.

﴿ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ ﴾؛ وإن لم يفئ إلى وطئها، وأصرَّ على ذلك، فإن على القاضي أن يوقفه أمامه، ويطالبه بالفيء، فإن أبى طلقها عليه، ومن الفوائد: أن الطلاق لا يقع بمجرد تمام مدة الإيلاء، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾.

والحاصل أن الإيلاء هو أن يحلف الرجل ألَّا يطأ امرأته مدة، فإن كانت أقل من أربعة أشهر، فله ألَّا يحنث نفسه ويستمر ممتنعًا عن الوطء، إلى أن تنتهي مدة الحلف، إلا أن الأفضل أن يطأ ويكفر عن يمينه، وإن كانت أكثر من أربعة أشهر، فإن عليه أن يفيء إلى زوجته، ويكفر عن يمينه أو تُطلق عليه، وإن كان ساخطًا غير راضٍ.

﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ ﴾؛ يلبثن وينتظرن، مخصوص بالمدخول بهن الحُيَّض ذوات الأقراء؛ لأن حكم غير المدخول بها، والحامل، والآيسة منصوص عليه، مخالف لحكم هؤلاء، وقد بيَّن حكمهن في سورة الطلاق.

والآية عطف على الآية قبلها؛ لشدة المناسبة، وللاتحاد في الحكم؛ وهو التربص، إذ كلاهما انتظار لأجل المراجعة، والآية خبرية مراد بها الأمر، قال البلاغيون: إذا جاء الأمر بصيغة الخبر، كان ذلك توكيدًا له، كأنه أمر واقع صح أن يُخبر عنه.

﴿ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾: جمع قَرْء بفتح القاف؛ وهو الحيض على أرجح القولين، وهو رأي الجمهور؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المستحاضة: ((تجلس أيام أقرائها))؛ أي: حيضها.

قال أحمد: "كنت أقول: القرءُ الطهرُ، وأنا الآن أذهب إلى أنه الحيض".

ومن قال: إن القرء الحيض، يقول: إذا طُلِّقت في طهر لم توطأ فيه، استقبلت حيضة ثم حيضة ثم حيضة ثم تغتسل، فبالغسل تنقضي العدة.

ومن قال: إن القرء الأطهار، يعتد بالطهر الذي طُلِّقت فيه؛ فرُوي عن زيد، وابن عمر، وعائشة: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا سبيل له عليها، ولا تحل للأزواج حتى تغتسل من الحيضة الثالثة، وذلك أن هؤلاء يقولون بأن القرء هو الطهر، فإذا طلقت في طهر لم تُمَسَّ فيه، اعتدت بما بقي منه، ولو ساعة، ثم استقبلت طهرًا ثانيًا بعد حيضة، ثم ثالثًا بعد حيضة ثانية، فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة حلت للأزواج وخرجت من العدة بأوَّل نقطة تراها.

قال ابن عاشور: "ومرجع النظر عندي في هذا إلى الجمع بين مقصدي الشارع من العدة، وذلك أن العدة قُصد منها تحقق براءة رحم المطلقة، من حمل المطلق، وانتظار الزوج لعله أن يرجع، فبراءة الرحم تحصل بحيضة أو طهر واحد، وما زاد عليه تمديد في المدة انتظارًا للرجعة.


لو طلقها في أثناء الحيض لم يحتسب بالحيضة التي وقع فيها الطلاق؛ وجهه: أن الحيض لا يتبعض، فتُلغَى بقية الحيضة التي وقع فيها الطلاق، ولا بد لها من ثلاث حِيَضٍ جديدة، وإلا يلزم على ذلك أن تكون عدتها ثلاثة قروء وبعض القرء، وهو خلاف النص.

ومن فوائد الآية أن المطلقة البائنَ عدتها ثلاثة قروء؛ لعموم قوله تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ ﴾؛ فيشمل حتى البوائن، وهو قول جمهور العلماء، حتى لو كانت بائنًا بالثلاث، فإنها لا بد أن تعتدَّ بثلاثة قروء.

والآية مخصصة بالحرائر دون الإماء، فأخرجت الإماء، بما ثبت في السنة: ((أن عدة الأمة حيضتان))؛ [رواه أبو داود والترمذي].

﴿ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ﴾ من أجنة بالحمل، أو الحيض، تقول لست حائضًا وهي حائض، أو حضت وما حاضت؛ لتطويل العدة أو لاستعجال الفرقة.

ودلت الآية على أنهن مؤتمنات على ذلك، ولو أُبيح الاستقصاء لم يمكن الكتم، وقال سليمان بن يسار: "لم نؤمر أن نفتح النساء فننظر إلى فروجهنَّ، ولكن وُكل ذلك إليهنَّ، إذ كنَّ مؤتمنات".

وقال ابن عاشور: "وليس في الآية دليل على تصديق النساء، في دعوى الحمل والحيض، كما يجري على ألسنة كثير من الفقهاء، فلا بد من مراعاة أن يكون قولهن مشبهًا، ومتى ارتِيب في صدقهن، وجب المصير إلى ما هو المحقق، وإلى قول الأطباء والعارفين".

وقال ابن عثيمين: "فإذا ادعت أن عدتها انقضت، وكان ذلك في زمن ممكن فإنها تصدق، وهي مؤتمنة على ذلك، أما إذا ادعت أن عدتها انقضت في زمن لا يمكن، فإن قولها مردود؛ لأن من شروط سماع الدعوى أن تكون ممكنة، ودعوى المستحيل غير مسموعة أصلًا".

﴿ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾؛ شرطٌ أُريد به التهديد دون التقييد، والمراد بـ﴿ اليوم الآخر ﴾: يوم القيامة؛ وإنما سمي اليوم الآخر لأنه لا يوم بعده، فالناس إذا بُعِثوا يوم القيامة فليس هناك موت، بل إما خلود في الجنة، وإما خلود في النار، وذكر اليوم الآخر؛ لأن الإيمان به يحمل الإنسان على فعل الطاعات، واجتناب المنهيات؛ لأنه يعلم أن أمامه يومًا يُجازى فيه الإنسان على عمله، فتجده يحرص على فعل المأمور، وترك المحظور.

﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ ﴾: أزواجهن، سُمِّيَ بعلًا مع أنه مُطلِّق؛ لأن الأحكام الزوجية في الرجعية باقية إلا ما استُثْنِيَ، والبعل اسم زوج المرأة، وأصل البعل في كلامهم (السيد)، وهي كلمة سامية قديمة، فقد سمى الكنعانيون "الفينيقيون" معبودهم بعلًا؛ قال تعالى: ﴿ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ﴾ [الصافات: 125]، وسمي به الزوج لأنه مَلَك أمر عصمة زوجه، ولأن الزوج كان يعتبر مالكًا للمرأة، وسيدًا لها، فكان حقيقًا بهذا الاسم، ثم لما ارتقى نظام العائلة من عهد إبراهيم عليه السلام، فما بعده من الشرائع، أخذ معنى الملك في الزوجية يضعف، فأطلق العرب لفظ الزوج على كل من الرجل والمرأة، للذين بينهما عصمة نكاح، وهو إطلاق عادل؛ لأن الزوج هو الذي يثني الفرد، فصارا سواءً في الاسم، وقد عبر القرآن بهذا الاسم في أغلب المواضع، غير التي حكى فيها أحوال الأمم الماضية؛ كقوله: ﴿ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا ﴾ [هود: 72]، وغير المواضع التي أشار فيها إلى التذكير بما للزوج من سيادة؛ نحو قوله تعالى: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا ﴾ [النساء: 128]، وهاته الآية كذلك؛ لأنه لما جعل حق الرجعة للرجل جبرًا على المرأة، ذكر المرأة بأنه بعلها قديمًا.

﴿ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾؛ أي: ذلك التربص ما دامت في مدة عدَّتها، ولو بدون رضاها، والتفضيل بين صِنفي حقٍّ مختلفين باختلاف المتعلق؛ هما: حق الزوج إن رغِبَ فيها، وحق المرأة في الامتناع من المراجعة إن أبتها، فصار المعنى: وبعولتهن أحق برد المطلقات، من حق المطلقات بالامتناع، وقد نُسج التركيب على طريقة الإيجاز.

حتى قيل: الرجعية زوجة، بدليل أنها لو مات يرثها زوجها، ولو مات ترثه، وإنما وجبت لها النفقة؛ لأنها محبوسة لانتظار مراجعته، ويشكل على قولهم أن عثمان رضي الله عنه قضى لها بالميراث إذا مات مطلقها وهي في العدة، قضى بذلك في امرأة عبدالرحمن بن عوف، بموافقة علي؛ رواه في "الموطأ"، فيُدفع الإشكال بأن انقضاء العدة شرط في إنفاذ الطلاق، وإنفاذ الطلاق مانع من الميراث، فما لم تنقضِ العدة، فالطلاق متردد بين الإعمال والإلغاء، فصار ذلك شكًّا في مانع الإرث، والشك في المانع يُبطِل إعماله.

وإنما جعل الله مدة العدة توسعة على المطلقين، عسى أن تحدث لهم ندامة ورغبة في مراجعة أزواجهم؛ لقوله تعالى: ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1]؛ أي: أمر المراجعة، وذلك شبيه بما أجرته الشريعة في الإيلاء.

﴿ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ﴾: شرط قُصد به الحث على إرادة الإصلاح، وليس هو للتقيد، بل على شرط ألَّا يريد بإرجاعها المضارة.

﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ ﴾: على الزوجة حقوق لزوجها، ولها حقوق على زوجها، وقيل: المماثلة في تقوى الله فيهن، كما عليهن أن يتقين الله فيهم.

وهذا من بديع الكلام؛ إذ حذف شيئًا من الأول أثبت نظيره في الآخر، وأثبت شيئًا في الأول حذف نظيره في الآخر، وأصل التركيب "ولهنَّ على أزواجهنَّ مثل الذي لأزواجهنَّ عليهنَّ"، فحذفت "على أزواجهنَّ" لإثبات: عليهنَّ، وحذف "لأزواجهنَّ" لإثبات لهنَّ.

وكان الاعتناء بذكر ما للنساء من الحقوق على الرجال، وتشبيهه بما للرجال على النساء؛ لأن حقوق الرجال على النساء مشهورة، مسلَّمة من أقدم عصور البشر، فأما حقوق النساء، فلم تكن مما يلتفت إليه أو كانت متهاونًا بها، وموكولة إلى مقدار حظوة المرأة عند زوجها، حتى جاء الإسلام فأقامها، وأعظم ما أُسست به هو ما جمعته هذه الآية.

روى البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الْأَنْصَارِ إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ، فَصِحْتُ عَلَى امْرَأَتِي فَرَاجَعَتْنِي فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي، فَقَالَتْ: وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ليُرَاجِعْنَهُ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ، فَأَفْزَعَنِي فَقُلْتُ: خَابَتْ مَنْ فَعَلَ مِنْهُنَّ بِعَظِيمٍ، ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: أَيْ حَفْصَةُ، أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: خَابَتْ وَخَسِرَتْ، أَفَتَأْمَنُ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ لِغَضَبِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَهْلِكِينَ، لَا تَسْتَكْثِرِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ، وَلَا تَهْجُرِيهِ، وَاسْأَلِينِي مَا بَدَا لَكِ، وَلَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكَ هِيَ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ يُرِيدُ: عَائِشَةَ)).

وفيه أيضا عن ابن عباس عنه: ((كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا نَعُدُّ النِّسَاءَ شَيْئًا، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ وَذَكَرَهُنَّ اللَّهُ، رَأَيْنَا لَهُنَّ بِذَلِكَ عَلَيْنَا حَقًّا مِنْ غَيْرِ أَنْ نُدْخِلَهُنَّ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِنَا)).

﴿ بِالْمَعْرُوفِ ﴾: بالوجه الذي لا يُنكَر في الشرع وعادات الناس، ولا يكلف أحدهما الآخر من الأشغال ما ليس معروفًا له، بل يقابل كل منهما صاحبه بما يليق به.

﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ القوامة، والدرجة ما يُرتقى عليه في سلم أو نحوه، والقصد منها الارتفاع والعلو، ويسمون الدرجة إذا نزل منها النازل دركةً؛ لأنه يدرك بها المكان النازل إليه.

أشير إلى ذلك الاستحقاق في قوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [النساء: 34].

فالرجل شرعًا هو القيِّم على المرأة، أتى بالمظهر عوض المضمر؛ إذ كان لو أتى على المضمر لقال: (ولهم عليهنَّ درجة)، للتنويه بذكر الرجولية التي بها ظهرت المزية للرجال على النساء، من زيادة القوة العقلية، والبدنية.

ففيها إثبات لتفضيل الأزواج في حقوق كثيرة على نسائهم؛ لكيلا يُظَنَّ أن المساواة المشروعة بقوله: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ مطردة، ولزيادة بيان المراد من قوله: ﴿ بِالْمَعْرُوفِ ﴾، وهذا التفضيل ثابت على الإجمال لكل رجل.

وهذه الدرجة هي ما فُضِّل به الأزواج على زوجاتهم: من الإذن بتعدد الزوجة للرجل، دون أن يؤذن بمثل ذلك للأنثى، وذلك اقتضاه التزيد في القوة الجسمية، ووفرة عدد الإناث في مواليد البشر، ومن جَعْلِ الطلاق بيد الرجل دون المرأة، والمراجعة في العدة كذلك، وذلك اقتضاه التزيد في القوة العقلية وصدق التأمل، وكذلك جعل المرجع في اختلاف الزوجين إلى رأي الزوج في شؤون المنزل؛ لأن كل اجتماع يُتوقَّع حصول تعارض المصالح فيه، يتعين أن يجعل له قاعدة في الانفصال والصدر عن رأي واحد معين، من ذلك الجمع، ولما كانت الزوجية اجتماع ذاتين لزم جعل إحداهما مرجعًا عند الخلاف، ورجَحَ جانب الرجل؛ لأن به تأسست العائلة، ولأنه مظنة الصواب غالبًا، ولذلك إذا لم يمكن التراجع، واشتد بين الزوجين النزاع، لزم تدخل القضاء في شأنهما، وترتب على ذلك بعث الحكمين؛ كما في آية: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ﴾ [النساء: 35].

وقيل: إن الدرجة هي ما تريده النساء من البر والإكرام والطواعية والتبجيل في حق الرجال، وذلك أنه لما قدَّم أن على كل واحد من الزوجين للآخر عليه مثلما للآخر عليه، اقتضى ذلك المماثلة، فبين أنهما وإن تماثلا فيما على كل واحد منهما للآخر، فعليهن مزيد إكرام وتعظيم لرجالهن، وأشار إلى العلة في ذلك؛ وهو كونه رجلًا يغالب الشدائد والأهوال، ويسعى دائمًا في مصالح زوجته، ويكفيها تعب الاكتساب، فبإزاء ذلك صار عليهنَّ درجة للرجل في مبالغة الطواعية، وفيما يفضي إلى الاستراحة عندها.

﴿ وَاللهُ عَزِيزٌ ﴾ غالب؛ لأن العزة في كلام العرب القوة؛ كما قال تعالى: ﴿ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ﴾ [المنافقون: 8]، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 228]: المتقن الأمور في وضعها.

إشعارًا بوجوب تنفيذ هذه التعاليم لعزة الله تعالى وحكمته، فإن الغالب يجب أن يُطاع، والحكيم يجب أن يُسلَّم له في شرعه؛ لأنه صالح نافع غير ضار.

ناسب وصفه تعالى بالعزة؛ وهو القهر والغلبة، وهي تناسب التكليف، وناسب وصفه بالحكمة؛ وهي إتقان الأشياء ووضعها على ما ينبغي، وهي تناسب التكليف أيضًا.

قال ابن عاشور: "والكلام تذييل وإقناع للمخاطبين؛ وذلك أن الله تعالى لما شرع حقوق النساء كان هذا التشريع مظنة المتلقي بفرط التحرج من الرجال، الذين ما اعتادوا أن يسمعوا أن للنساء معهم حظوظًا، غير حظوظ الرضا، والفضل، والسخاء، فأصبحت لهن حقوق يأخذْنَها من الرجال كرهًا، إن أبَوا، فكان الرجال بحيث يرون في هذا ثلمًا لعزتهم، كما أنبأ عنه حديث عمر بن الخطاب المتقدم، فبيَّن الله تعالى أن الله عزيز؛ أي: قوي لا يعجزه أحد، ولا ينفي أحدًا، وأنه حكيم يعلم صلاح الناس، وأن عزته تؤيد حكمته فينفذ ما اقتضته الحكمة بالتشريع، والأمر الواجب امتثاله، ويحمل الناس على ذلك وإن كرهوا".

﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾؛ الطلاق الرجعي مرتان؛ أي: يملك الزوج الإرجاع في طلقتين، أما إن طلق الثالثة، فلا يملك ذلك، ولا ترجع حتى تنكح زوجًا غيره، وفيه حرمة الطلاق الثلاث بلفظ واحد.

روى مالك في جامع الطلاق من "الموطأ" عن هشام بن عروة عن أبيه، أنه قال: "كان الرجل إذا طلق امرأته، ثم ارتجعها، قبل أن تنقضي عدتها كان له ذلك، وإن طلقها ألف مرة، فعمد رجل إلى امرأته فطلقها، حتى إذا شارفت انقضاء عدتها، راجعها، ثم طلقها، ثم قال: والله لا آويكِ ولا تحلين أبدًا؛ فأنزل الله تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾، فاستقبل الناس الطلاق جديدًا من يومئذٍ، مَن كان طلق منهم أو لم يطلق".

وروى أبو داود والنسائي عن ابن عباس قريبًا منه؛ ورواه الحاكم في "مستدركه" إلى عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "لم يكن للطلاق وقت يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها ما لم تنقضِ العدة، وكان بين رجل من الأنصار وبين أهله بعض ما يكون بين الناس، فقال: والله لا تركتك لا أيمًا ولا ذات زوج، فجعل يطلقها حتى إذا كادت العدة أن تنقضيَ راجعها، ففعل ذلك مرارًا؛ فأنزل الله تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾".

وفي الآية إشارة إلى أن الطلاق المكرر بلفظ واحد ليس بطلاق؛ بمعنى أنه لا يتكرر به الطلاق؛ لأن قوله تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾ وصف يجب أن يكون معتبرًا، فإذا طلقت امرأتك، فقلت: أنت طالق، فقد طلقت، فإذا قلت ثانية: أنت طالق، فكيف تورد طلاقًا على مطلقة؟ لأن الطلاق لا يرد إلا على من كانت غير مطلقة، حتى يقال: طلقت؛ وهنا قال تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾؛ ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله: لو أن الرجل طلق امرأته، وحاضت مرتين، ثم طلقها بعد الحيضة الثانية لا تستأنف عِدَّةً جديدة للطلقة الثانية، بل تبني على ما مضى، وإذا حاضت الثالثة، وطهرت انقضت عدتها؛ لأن الطلاق الثاني ليس له عدة؛ وهذا مما يؤيد اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أن الطلاق المكرَّرَ لا عِبرة به إلا أن يصادف زوجة غير مطلقة؛ ولأن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ [الطلاق: 1]، والفقهاء الذين خالفوا في ذلك يقولون: إنه إذا كرر الطلاق في المرة الثانية لا تستأنف العدة، فإذًا هي مطلقة لغير عدة فلا يقع الطلاق؛ لأنه سيكون على خلاف ما أمر الله به؛ وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ)).

والواقع أن مَن تأمَّلَ هذا الكلام لشيخ الإسلام تبين له أنه لا يسوغ القول بخلافه؛ لأنك إذا تأملت كلامه في أنه لا يقع طلاق على طلاق، وأنه لا يتكرر إلا على زوجة غير مطلقة، فلا يمكن أن يتكرر الطلاق إلا إذا راجعها، أو عقد عليها عقدًا جديدًا؛ وهذا القول هو الراجح، وهو الذي عليه الفتوى أنه لا طلاق على طلاق، حتى لو قال ألف مرة: أنت طالق، فليس إلا مرة واحدة فقط؛ ويدل على هذا قول تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾؛ أي: مرة بعد مرة، فلا بد أن يقع على زوجة غير مطلقة.

﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾، والمعروف هنا هو ما عرَفه الناس في معاملاتهم من الحقوق التي قررها الإسلام، أو قررتها العادات التي لا تنافي أحكام الإسلام، وهو يناسب الإمساك؛ لأنه يشتمل على أحكام العصمة كلها من إحسان معاشرة، وغير ذلك، فهو أعم من الإحسان، وأما التسريح، فهو فراق، ومعروفه منحصر في الإحسان إلى المفارقة بالقول الحسن، والبذل بالمتعة؛ كما قال تعالى: ﴿ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 49].

فالمعروف أخف من الإحسان؛ إذ المعروف حسن العشرة وإعطاء حقوق الزوجية، والإحسان ألَّا يظلمها من حقها فيقتضي إعطاء، وبذل المال أشقُّ على النفوس من حسن المعاشرة، وقدم الإمساك على التسريح؛ إيماء إلى أنه الأهم، المرغَّب فيه في نظر الشرع.

﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ ﴾، حرَّم تعالى على الزوج أن يأخذ من مهر زوجته شيئًا بدون رضاها، ﴿ شَيْئًا ﴾، من النكرات المتوغلة في الإبهام؛ تحذيرًا من أخذ أقلِّ قليلٍ، إشارة إلى خطر الأخذ منهن، قليلًا كان أو كثيرًا.

﴿ إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾، من حسن العشرة، وأُسند هذا الفعل لهما دون بقية الأمة؛ لأنهما اللذان يعلمان شأنهما.

﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾، فإن خافت المرأة ألَّا تؤديَ حقوق الزوجية، جاز الفداء، وهو دفع مال للزوج ليخليَ سبيلها تذهب حيث شاءت، ويسمى هذا "خُلْعًا".

فإن قيل: لماذا جاءت الآية بنفي الجناح عليهما؟ فالجواب: أن طلب الفداء والطلاق حرام على الزوجة بدون سبب، وحرام على الزوج أيضًا أن يأخذَ شيئًا مما آتاها بدون سبب.

أما مع استقامة الحال، فلا يجوز طلب الخلع؛ فروى الإمام أحمد عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ)).

وروى الترمذي عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((المُخْتَلِعَاتُ هُنَّ المُنَافِقَاتُ))؛ [صححه الألباني].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الْمُخْتَلِعَاتِ وَالْمُنْتَزِعَاتِ – أي: الجاذبات أنفسهن من أزواجهن بأن يردن قطع الوصلة بالفراق - هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ))؛ [مصنف ابن أبي شيبة، وصححه الألباني].

ومن فارق الزوجة بغير طلاق، فليس عليها أن تعتدَّ بثلاث حيض، كالمختلعة؛ وعليه فيكفي أن تستبرئ بحيضة؛ وهذا هو القول الراجح.

روى البخاري وغيره عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: ((أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ - اسمها جميلة بنت أبي بن سلول، أو حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ - بْنِ قَيْسٍ بْنِ شَمَّاسٍ - وفي رواية: وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا - أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ - لا أعيبه ولا ألومه - فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ - وفي رواية: لَا أُطِيقُهُ بُغْضًا، وفي رواية: لَوْلَا مَخَافَةُ اللَّهِ إِذَا دَخَلَ عَلَيَّ لَبَصَقْتُ فِي وَجْهِهِ - فِي الْإِسْلَامِ – أي: أن أقع في أسباب الكفر من سوء العشرة مع الزوج ونقصانه حقه ونحو ذلك - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ - بستانه الذي أعطاها إياه مهرًا - قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اقْبَل الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً - طلقة واحدة رجعية - فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ خُلْعٍ كَانَ فِي الإِسْلاَمِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا نَفَقَةً وَلاَ سُكْنَى)).

وفي رواية: أن جميلة بنت عبدالله بن أبيٍّ كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، وكانت تبغضه وهو يحبها، فشكته إلى أبيها فلم يُشْكِها، ثم شكته إليه ثانية وثالثة وبها أثر ضربٍ، فلم يشكها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم وشكته إليه وأرته أثر الضرب، وقالت: لا أنا ولا ثابت، لا يجمع رأسي ورأسه شيء، والله لا أعتب عليه في دين ولا خُلُقٍ، لكني أكره الكفر في الإسلام ما أطيقه بغضًا، إني رفعت جانب الخيام، فرأيته أقبل في عدة وهو أشدهم سوادًا، وأقصرهم قامة، وأقبحهم وجهًا، فقال ثابت: ما لي أحب إليَّ منها بعدك يا رسول الله، وقد أعطيتها حديقة تردها عليَّ، وأنا أخلي سبيلها، ففعلت ذلك فخلى سبيلها، وكان أول خلع في الإسلام.

وفي الآية إشارة إلى أن للوسائل أحكامَ المقاصد، يُؤخَذ ذلك من جواز أخذ الإنسان من امرأته ما آتاها، أو بعضه إذا خِيفت المفسدة في البقاء على الزوجية.

وفيها أيضًا اعتبار المفاسد، وسلوك الأهون لدفع الأشد؛ لأن الأخذ من مال الزوجة محرم بلا شك كما قال تعالى، لكن إذا أُرِيد به دفع ما هو أعظم من تضييع حدود الله عز وجل، صار ذلك جائزًا، وهذه القاعدة لها أصل في الشريعة؛ منه قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [الأنعام: 108]؛ فإنَّ سبَّ آلهة المشركين واجب، ولكن إذا كان يخشى من ذلك أن يسبوا الله عدوًا بغير علم، صار سبُّ آلهتهم ممنوعًا.

وظاهر قوله: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾ تشريكهما في ترك إقامة الحدود، وأن جواز الأخذ منوط بوجود ذلك منهما معًا، وأجمع عامة أهل العلم على تحريم أخذ مالها إلا أن يكون النشوز وفساد العشرة من قبلها.

أما إن انفرد الزوج بالفساد، فلا أعلم أحدًا يجيز له الفدية إلا ما رُوي عن أبي حنيفة أنه قال: "إذا جاء الظلم والنشوز من قِبله، فخالعته، فهو جائز ماضٍ، وهو آثم لا يحل ما صنع، ولا يرد ما أخذ".

واختلفوا في جواز أخذ الزائد على ما أصدقها المفارق، فقال طاووس وعطاء، والأوزاعي وإسحاق وأحمد: لا يجوز أخذ الزائد؛ لأن الله تعالى خصه هنا بقوله: ﴿ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ ﴾، وقال الجمهور: يجوز أخذ الزائد؛ لعموم قوله تعالى: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾.

فقوله: ﴿ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ ﴾ ظاهر في أن ذلك هو محل الرخصة، لكن الجمهور تأولوه بأنه هو الغالب فيما يجحف بالأزواج، وأنه لا يُبطِل عموم قوله: ﴿ فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾، وقد أشار مالك بقوله: ليس من مكارم الأخلاق، إلى أنه لا يراه موجبًا للفساد والنهي.

ومن فوائد الآية: أن المخالَعة ليست رجعية؛ بمعنى أن الفراق في الخلع فراق بائن، فلا سبيل لإرجاعها إلا بعقد جديد؛ لقوله تعالى: ﴿ افْتَدَتْ بِهِ ﴾، فإذا كان فداءً فالفداء فيه عِوضٌ عن شيء، وإذا استلم الفداء لا يمكن أن يرجع المفدَّى عنه - وهو الزوجة - إلا بعقد جديد.

ولم يختلف علماء الأمة أن المراد بالآية أخذ العوض على الفراق، وإنما اختلفوا في هذا الفراق: هل هو طلاق أو فسخ؟ فذهب الجمهور إلى أنه طلاق ولا يكون إلا بائنًا؛ إذ لو لم يكن بائنًا، لَما ظهرت الفائدة في بذل العوض.

وذهب فريق إلى أنه فسخ، وعليه ابن عباس، وطاووس، وعكرمة، وإسحاق، وأبو ثور، وأحمد بن حنبل.

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أن الخلع فسخ بأي لفظ كان - ولو بلفظ الطلاق - وقال: إن هذا هو ظاهر الآية؛ لأنه تعالى قال: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾، ولم يذكر صيغة معينة؛ لأنه إنما يعتبر في العقود بمعانيها لا بألفاظها، فما دام هذا الطلاق الذي وقع من الزوج إنما وقع بفداء من المرأة افتدت نفسها به - فهذا لا يمكن أن نعده طلاقًا، ولو وقع بلفظ الطلاق.

وتظهر فائدة هذا الخلاف في الخلع الواقع بينهما، بعد أن طلق الرجل طلقتين، فعند الجمهور طلقة الخلع ثالثة فلا تحل لمخالِعِها إلا بعد زوج، وعند ابن عباس، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، ومن وافقهم: لا تعد طلقة، ولهما أن يعقدا نكاحًا مستأنفًا.


﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ﴾ شرائعه، ﴿ فَلَا تَعْتَدُوهَا ﴾، فلا يحل تجاوز الحلال إلى الحرام، ولا تجاوز الإِحسان إلى الإِساءة، ولا المعروف إلى المنكر.

قال العلماء: إذا كانت الحدود مما يجب فعله؛ قال تعالى: ﴿ فَلَا تَعْتَدُوهَا ﴾ [البقرة: 229]، وأما إذا كانت الحدود من المحرمات؛ فإنه تعالى يقول: ﴿ فَلَا تَقْرَبُوهَا ﴾ [البقرة: 187].

وحدود الله استعارة للأوامر والنواهي الشرعية، بقرينة الإشارة، شُبِّهت بالحدود التي هي الفواصل المجعولة بين أملاك الناس؛ لأن الأحكام الشرعية تفصل بين الحلال والحرام، والحق والباطل، وتفصل بين ما كان عليه الناس قبل الإسلام، وما هم عليه بعده.

﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229] حصرًا، وهو حصر حقيقي؛ إذ ما من ظالم إلا وهو متعد لحدود الله، فظهر حصر حال المتعدي حدودَ الله في أنه ظالم.

﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا ﴾؛ أي: المرة الثالثة؛ قال ابن تيمية: "إن طلاق الثلاث في كلمة واحدة - أنتِ طالق ثلاثًا، أو: أنتِ طالق طالق طالق؛ يريد الثلاث، أو: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق - لا يقع إلا طلقة واحدة، وهو الأرجح من جهة النظر والأثر".

﴿ فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ ﴾؛ أي: من بعد ثلاث تطليقات، ﴿ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾؛ تحذير للأزواج من الطلقة الثالثة؛ لأنه بذكر المغايرة يتذكر أن زوجته ستصير لغيره بنكاح صحيح، ويبني بها الزوج، والنكاح يطلق على العقد وعلى الوطء، قال الحسن: لا يحل إلا الوطء والإنزال، وهو ذَوْقُ العسيلة، وقال باقي العلماء: تغييب الحَشَفَةِ يحل.

روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: ((جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفاعَةَ الْقُرَظِيِّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي، فَأَبَتَّ طَلَاقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ - وفي رواية: أَنَّهُ لَا يَأْتِيهَا - فَقَالَ: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ، لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ)).

وفي رواية للبخاري عَنْ عِكْرِمَةَ: ((أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ - فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ الْقُرَظِيُّ، فأتت عَائِشَةُ، وَعَلَيْهَا خِمَارٌ أَخْضَرُ، فَشَكَتْ إِلَيْهَا وَأَرَتْهَا خُضْرَةً بِجِلْدِهَا، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنِّسَاءُ يَنْصُرُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلمَا يَلْقَى الْمُؤْمِنَاتُ، لَجِلْدُهَا أَشَدُّ خُضْرَةً مِنْ ثَوْبِهَا، قَالَ: وَسَمِعَ – أي: عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ الْقُرَظِيُّ - أَنَّهَا قَدْ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ وَمَعَهُ ابْنَانِ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لِي إِلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ، إِلَّا أَنَّ مَا مَعَهُ لَيْسَ بِأَغْنَى عَنِّي مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ ثَوْبِهَا - نهاية الثوب التي تُتْرَك ولا تُنْسَج فتُترك سدًى - فَقَالَ: كَذَبَتْ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الْأَدِيمِ، وَلَكِنَّهَا نَاشِزٌ تُرِيدُ رِفَاعَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَإِنْ كَانَ ذَلِكِ لَمْ تَحِلِّي لَهُ - أَوْ لَمْ تَصْلُحِي لَهُ - حَتَّى يَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِكِ، قَالَ: وَأَبْصَرَ مَعَهُ ابْنَيْنِ لَهُ، فَقَالَ: بَنُوكَ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَذَا الَّذِي تَزْعُمِينَ مَا تَزْعُمِينَ فَوَاللَّهِ لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنْ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ؟)).

ولو تزوجت المطلقة ثلاثًا بنيَّة التمرد على الزوج، حتى يطلقها، لتعود إلى الأول، فلا يحلُّ لها هذا النكاح لأجل التحليل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أبطله وقال: ((لعن الله المحلِّل والمحلَّل له))؛ [رواه أحمد]، ويسمَّى بالتيس المستعار، ذاك الذي يتزوج المطلقة ثلاثًا بقصد أن يحلها للأول؛ فروى ابن ماجه عن عُقْبَة بْنُ عَامِرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هُوَ الْمُحَلِّلُ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ)).

وحكمة هذا التشريع العظيم ردعُ الأزواج عن الاستخفاف بحقوق أزواجهم، وجعلهن لُعُبًا في بيوتهم، فجعل للزوج الطلقة الأولى هفوة، والثانية تجربة، والثالثة فراقًا.

واشترط التزوج بزوج ثانٍ بعد ذلك؛ لقصد تحذير الأزواج من المسارعة بالطلقة الثالثة، إلا بعد التأمل والتريث، الذي لا يبقى بعده رجاء في حسن المعاشرة، للعلم بحرمة العود إلا بعد زوج، فهو عقاب للأزواج المستخفين بحقوق المرأة، إذا تكرر منهم ذلك ثلاثًا، بعقوبة ترجع إلى إيلام الوجدان؛ لِما ارتكز في النفوس من شدة النَّفْرَةِ من اقتران امرأته برجل آخر.

وقد علم السامعون أن اشترط نكاح زوج آخر هو تربية المطلقين، فلم يخطر ببال أحد إلا أن يكون المراد من النكاح في الآية حقيقته وهي العقد، إلا أن العقد لمَّا كان وسيلة لِما يقصد له في غالب الأحوال من البناء وما بعده، كان العقد الذي لا يعقبه وطء العاقد لزوجه غير معتدٍّ به فيما قُصد منه.

﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا ﴾ أتى بلفظ: (إنْ) دون (إذا)؛ تنبيهًا على أن طلاقه يجب أن يكون على ما يخطر له دون الشرط، فـ(إذا) إنما تأتي للمتحقق، و(إن) تأتي للمبهم والمجوز وقوعه وعدم وقوعه، أو للمحقق المبهم زمان وقوعه؛ كقوله تعالى: ﴿ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 34].

وموت الزوج الثاني كطلاقه تصح معه الرجعة إلى الزوج الأول بشرطه؛ ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا ﴾، إن غلب على ظن كل منهما أن العشرة بينهما تطيب، وألَّا يتكرر ذلك الاعتداء الذي أدى إلى الطلاق ثلاث مرات.

ولا خلاف فيه بين أهل العلم على أن اللفظ يحتمل أن يعود على الزوج الثاني والمرأة، وتكون الآية قد أفادت حكمين:
أحدهما: أن المبتوتة ثلاثًا تحل للأول بعد نكاح زوج غيره بالشروط التي تقدمت، وهذا مفهوم من صدر الآية.

والحكم الثاني: أنه يجوز للزوج الثاني الذي طلقها أن يراجعها؛ لأنه ينزل منزلة الأول، فيجوز لهما أن يتراجعا، ويكون ذلك دفعًا لِما يتبادر إليه الذهن من أنه إذا طلقها الثاني حلت للأول، فبكونها حلت له اختصت به، ولا يجوز للثاني أن يردها؛ فيكون قوله: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا ﴾ مبينًا أن حكم الثاني حكمُ الأول، وأنه لا يتحتم أن الأول يراجعها، بل بدليل إن انقضت عدَّتها من الثاني، فهي مخيرة فيمن يرتد منهما أن يتزوجه، فإن لم تنقضِ عدتها، وكان الطلاق رجعيًّا، فلزوجها الثاني أن يراجعها.

﴿ إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾؛ أي: إن ظن كل واحد منهما أنه يحسن عشرة صاحبه؛ لأن الطلاق لا يكاد يكون في الغالب إلا عند التشاجر والتخاصم والتباغض، ومعنى الظن هنا تغليب أحد الجائزين، وقال البعض: أيقنا، فجعل الظن هنا بمعنى اليقين، وضعف قولهم بأن اليقين لا يعلمه إلا الله؛ إذ هو مغيب عنهما.

لذلك قالوا من فوائد الآية: الاكتفاء بالظن في الأمور المستقبلة؛ لأن طلب اليقين في المستقبل من باب التكليف بما لا يطاق؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾، وقد قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ﴾ [البقرة: 286]، فقال: ((قد فعلت)).

ويتفرع على هذه الفائدة فائدة مهمة؛ وهي إذا حلف الإنسان على المستقبل بناءً على غلبة الظن، فتبين بخلافه فلا كفارة فيه؛ لأنه يحلف على ما في نفسه، وعلى ظنه؛ وهذا القول هو الراجح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.

أيضًا: إذا لزم من فعل المباح شيء محرم صار الشيء المباح حرامًا؛ لأن رجوع الزوجة حلال في الأصل، فإذا لم يظن الإنسان أنه يقوم بالحدود صار حرامًا، وهو في الأصل حلال.

﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 230]؛ أي: لقومٍ ذوي استعداد، وقبول للعلم، وإقحام كلمة "لقوم"؛ للإيذان بأن صفة العلم سجيتهم ومَلَكَةٌ فيهم.

ولا يعرف هذه الحدود ويتبيَّنها إلا مَن كان مِن ذوي العلم؛ فكلما كان أعلم، كانت الحدود في حقه أبينَ وأظهر، فطالِبُ العلم يتعلم من اللفظ مسائل أخرى؛ فالعلم يغذي بعضه بعضًا، وطالب العلم رابح بكل حال، فهو ليس كطالب المال قد يشتري السلعة وهو يظن الربح، ثم يخسر؛ فطالب العلم أيُّ مسألة يعلمها فإنها مفتاح له؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾.

ومن فوائد الآية: تعظيم شأن النكاح بأن الله ذكر له حدودًا في عقده، وفي حله؛ لأنه يترتب عليه مسائل كثيرة من المحرمية، والنسب، والميراث، وغير ذلك كحقوق الزوجية؛ ولهذا اشترط فيه أن يكون بِوَليٍّ؛ فالمرأة تستطيع أن تبيع كل مالها، لكن لا تستطيع أن تزوج نفسها، كما اشترط فيه الإشهاد على رأي كثير من أهل العلم، وكل العقود لا يُشترَط فيها ذلك، وأيضًا اشترط فيه الإعلان على رأي بعض أهل العلم، والعقود الأخرى لا يُشترَط فيها ذلك، وأيضًا أنه لا يصلح العقد في بعض الأحوال والأزمان، وهذا يشاركه فيه بعض العقود، وكل ذلك من باب الأهمية في هذا العقد العظيم الذي تترتب عليه هذه الأمور الكبيرة.


الألوكة

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك



منتديات الحقلة

منتديات الحقلة: منتديات عامة اسلامية ثقافية ادبية شعر خواطر اخبارية رياضية ترفيهية صحية اسرية كل مايتعلق بالمرأة والرجل والطفل وتهتم باخبار قرى الحقلة والقرى المجاوره لها





gAg~Q`AdkQ dEcXgE,kQ lAkX kAsQhzAiAlX lAkX dEcXgE,kQ




gAg~Q`AdkQ dEcXgE,kQ lAkX kAsQhzAiAlX lAkX dEcXgE,kQ gAg~Q`AdkQ dEcXgE,kQ lAkX kAsQhzAiAlX lAkX dEcXgE,kQ



 

قديم 27-07-2022   #2
مدير عام سابق
انثى الطهر
داعم لصندوق المنتدى



السموه غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1505
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2014
 أخر زيارة : منذ 4 ساعات (01:17 PM)
 المشاركات : 26,743 [ + ]
 التقييم :  420
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
مُستفزه
صَدري مليان عزه
لو تجادلنَي دقيقہ ...
عرش شيَطانك اهزه ▾
لوني المفضل : Black
رد: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ



جزاك الله خير ويعطيك العافيه .



 

قديم 27-07-2022   #3
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ 4 يوم (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ



جزاك الله خير الجزاء
ونفع بك وبعلمك



 

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لِلَّذِينَ, مِنْ, يُؤْلُونَ, نِسَائِهِمْ


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ابو يحيى منتدى القرآن الكريم والتفسير 20 25-04-2016 05:44 PM
هل يدل قوله تعالى : ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِ طالبة العلم منتدى القرآن الكريم والتفسير 7 11-10-2015 11:37 AM
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ابو يحيى منتدى القرآن الكريم والتفسير 6 09-09-2015 07:19 AM
(يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ) مصراوي منتدى القرآن الكريم والتفسير 5 30-07-2015 11:21 AM
حديث : ( القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّار. ابو يحيى منتدى الحديث والسنة النبوية الشريفة 10 07-12-2014 10:29 PM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 05:35 PM

أقسام المنتدى

الاقسام العامة | المنتدى الاسلامي العام | المنتدى العام | منتدى الترحيب والتهاني | الاقسام الرياضية والترفيهية | العاب ومسابقات | الافلام ومقاطع الفيديو | منتدى الرياضة المتنوعة | الاقسام التقنية | الكمبيوتر وبرامجه | الجوالات والاتصالات | الفلاش والفوتوشوب والتصميم | منتدى التربية والتعليم | قسم خدمات الطالب | تعليم البنين والبنات | ملتقــــى الأعضـــــاء (خاص باعضاء المنتدى) | المرحله المتوسطه | منتدى الحقلة الخاص (حقلاويات) | منتدى الاخبار المحلية والعالمية | اخبار وشـؤون قرى الحقلة | اخبار منطقة جازان | الاقسام الأدبية والثقافية | الخواطر وعذب الكلام | منتدى الشعر | عالم القصة والروايات | اخبار الوظائف | منتديات الصحة والمجتمع | منتدى الصحة | منتدى الأسرة | منتدى السيارات | منتدى اللغة الانجليزية | منتدى الحوار والنقاشات | منتدى التراث والشعبيات والحكم والامثال | منتدى التعليم العام | منتدى السفر والسياحة | الثقافه العامه | منتدى تطوير الذات | كرسي الإعتراف | منتدى عالم المرأة | عالم الطفل | المطبخ الشامل | منتدى التصاميم والديكور المنزلي | المكتبة الثقافية العامة | شعراء وشاعرات المنتدى | مول الحقلة للمنتجات | الخيمة الرمضانية | المـرحلـة الابتدائيـة | استراحة وملتقى الاعضاء | المرحله الثانويه | الصور المتنوعة والغرائب والعجائب | المنتدى الاسلامي | منتدى القرآن الكريم والتفسير | سير نبي الرحمة واهم الشخصيات الإسلامية | قصص الرسل والانبياء | قسم الصوتيات والفلاشات الاسلاميه | اخبار مركز القفل | منتدى الابحاث والاستشارات التربوية والفكرية | افلام الانمي | صور ومقاطع فيديو حقلاويات | البلاك بيري / الآيفون / الجالكسي | بوح المشاعر وسطوة القلم(يمنع المنقول ) | مناسك الحج والعمرة | منتدى | ارشيف مسابقات المنتدى | منتدى الحديث والسنة النبوية الشريفة | المنتدى الاقتصادي | منتدى عالم الرجل | اعلانات الزواج ومناسبات منتديات الحقلة | تراث منطقـة جــــازان | كرة القدم السعوديه | منتدى الرياضة | كرة القدم العربيه والعالمية | ديـوان الشـاعـر عمـرين محمـد عريشي | ديـــوان الشــاعـر عـبدة حكمـي | يوميات اعضاء منتديات الحقلة | تصاميم الاعضاء | دروس الفوتوشوب | ارشيف الخيمة الرمضانية ومناسك الحج والعمرة الاعوام السابقة | منتدى الاخبار | نبض اقلام المنتدى | ديـــوان الشــاعـر علـي الـدحيمــي | الاستشارات الطبية | الترحيب بالاعضاء الجدد | قسم الاشغال الايدويه | قسم الاشغال اليدويه | مجلة الحقله الالكترونيه | حصريات مطبخ الحقله | ديوان الشاعر ابوطراد |



Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Ramdan √ BY: ! Omani ! © 2012
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Forum Modifications Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع المواضيع والمُشاركات المطروحه في منتديات الحقلة تُعبّر عن ثقافة كاتبها ووجهة نظره , ولا تُمثل وجهة نظر الإدارة , حيث أن إدارة المنتدى لا تتحمل أدنى مسؤولية عن أي طرح يتم نشره في المنتدى

This Forum used Arshfny Mod by islam servant