ــــــــــــــ شـيء مــا ـــــــــــــــــــــــ أنـبـكـي اقلاما ً غادرتـنـا .. ولم تعد ترغبُ حتى في رؤية ما تـبـقــّى من زمن الكتابة .. أتـحسـّر على أقـلام ستـغادرنا رغما ً عنها وهي تـتـوق للبقاء .. ماذا نفعل ؟ فهذا زمن المناخات المتخلفة ، والمـشـبـّـعة بروح الانهزامية .. وحتى حينما تـقرر هذه الأقـلام أن تـبقى وهي تستعين بسحر الألـوان فإنها في نهاية المطاف ترى إنها مجـبرة على الرحيل ، لا لأنها لا تريد الصمود ، بل لأن الجدوى من بقائها أصبح عاجزا ً في تحريك المياه الراكدة بقاع العـقول المتـحجرة .. لماذا نــُـحاكم على نوايانا وهي لا تـزال في المـهـد .. ولماذا نــُـحاكم على خيالنا وهو يسبـح بنا عوالمَ نقية صافية لا يتـخللها الضباب الأسـود ... ولماذا نــُحاكم على آمالنا وهي لا تـزال غـضّـة بريـئة .. ولماذا .. ولماذا .. ولماذا .. سيـلٌ من هذه الأسئـلة تـتـراكم حولنا ، ونقذفُ بها في وجـه الحقيـقـة ، وأيـة حقيقة نـنـشدُ غير إننا نعـلم بأنها توأد خنـقا ً ، وتــُسحب بسوق النخاسة كجارية استـنـفـذ الغرض منها .. أنا أكتـبُ .. وغيري يكتب .. وهي تكتبُ .. وغيرها تكتب ... ولا نبحث عن المديح والثـناء ، فجذوة المديح سرعان ما تـخبو وبعدها تـتـكشف الوجوه وتـتـعرى الأقـنعـة .. لم نحملُ يـوما ً أوراقـنا وأقـلامنا لكي نذهبُ بها إلى قصر السلطان خانعة ذليـلة .. ولم تـتـعرى حروفنا يوما ً كمومسة تـبحث عن صيدٍ ثمين .. ولم ندفع بأبجديـتـنـا يوما ً لترقص خليعة على موائـد القمار .. ولم نجعل أقـلامنا تـتـزلف يوما ً لإرضاء التيارات المصلحية المتهالكة .. ولم تـطأطـِيء أقـلامنا رؤوسها يوما ً لموكب فخامة الدولار .. حزينٌ أنـا من واقع مـرّ .. لا يزال يرمقـنا بنظراتٍ لا تخلوا من الريبة والشك .. من واقع لا زال يرى الكتـابة جريمة لا تـغتـفر .. من واقع يرى الهمس البريء بأذن الوردة خيـانـة عظمى .. من واقع يرى التـغزل بالشمس والقمر جريمة بحق الطبيـعة .. لا أدري .. فنحن قد أتـينا من مدن الجرح .. نغـنــّي للحرية ونغني للحق ونغني للجمال ونغني للحب السامي ونغني لكل المعاني الجميلة في حياة الإنسـان .. ونغني لكل الآمال العذبـة الشاخـصة في عيون أطـفـالنـا .. لم نأتِ لكي نـبكي على الحليب المسكوب .. ولم نأتِ لكي نـلطم على وجوهنا لمجدٍ ضاع واندثر .. ولم نأتِ لكي نقولُ إننا حاضرون وموجودون ..
أتـيـنا ويـتـقدمنا شـوقنا الكبير لنـعانق الكلمة الجميلة وهي تـتـهادى أمامنا بـكل عفويـتها .. وبراءتـها .. وطهارتـها .. وعذوبـتـها .. وسمـّوها ..
أتـينا لكي نمسح الدموع عن عـين الكلمة الحزينة وهي تذرفُ بين الحين والآخر عذابات لا تـنتـهي ..
أتـينا لكي نداوي جراح الكلمة المقاتـلة وهي تـنزفُ في ساحات المعركة ..
أتـينا لكي نقف مع الكلمة الشجاعة وهي تصرخُ في وجوه المهزومين .. أتينا ومعنا تاريخنا يحكي فصولا ً من المقاومة الباسلة في معركة التحرير
الأبديـة من أجل الكلمة الحرة الشريفة .. لا نرفع الشعارات الرنانة .. ولسنا ممن يضعون اليافطات البراقة فوق دكاكين الأفكـار الجامدة الخانعة
نـتـألم حينما نرى الكلمة الحرة تـتـألم ولا نـمر أمامها ساخرين حاقدين ..
نـُـقاتـل حينما نرى الكلمة المقاتلة تـقاوم ، ولا نـمر أمامها خانعين مستسلمين ..
نـقـف مع الكلمة الـمـبـدعة وهي تـتـزين بألوان السحـر ، ولا نمـر أمامها مـستهزئين لا مبالين ... .
في أمان الله
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك