والتابعون هم تلاميذ الصحابة الذين نهلوا من علمهم واقتداؤهم بالنبي والتفقه في معاني حديثه عنهم مشهور.
قال ابن أبي حاتم في مقدمة "الجرح والتعديل" بعد أن ذكر الصحابة وفضلهم، قال: "فخلف بعدهم التابعون الذين اختارهم الله -عز وجل- لإقامة دينه وخصهم بحفظ فرائضه وحدوده وأمره ونهيه وأحكامه وسنن رسوله وآثاره، فحفظوا عن صحابة رسول الله ما نشروه وبثوه من الأحكام والسنن والآثار وسائر ما وصفنا الصحابة به -رضي الله تعالى عنهم- فأتقنوه وعلموه وفقهوا فيه. .. فكانوا من الإسلام والدين ومراعاة أمر الله -عز وجل- ونهيه؛ بحيث وضعهم الله -عز وجل- ونصبهم له، إذ يقول الله -عز وجل-: { ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ } الآية...
فصاروا برضوان الله -عز وجل- لهم وجميل ما أثنى عليهم بالمنزلة التي نزههم الله بها عن أن يلحقهم مغمز أو تدركهم وصمة لتيقظهم وتحرزهم وتثبتهم ولأنهم البررة الأتقياء الذين ندبهم الله -عز وجل- لإثبات دينه وإقامة سنته وسبله" .
فمعرفتهم بمعاني الأحاديث بالمكان الذي لا ينكر وبيانهم لما فيها من فقه أولى ممن بعدهم لما لهم من الخصوصية ما ليس لغيرهم، فقد قرب وقتهم من زمن التشريع، وتلقوا عن الصحابة مباشرة، فكانوا بعد الصحابة أعرف بالحديث وبعلومه وبيانه وتفسيره .
كيف لا، وهم تلقوا ذلك على أيدي الصحابة الذين شاهدوا الرسول وحضروا نزول الوحي وفهموا قصده ومرامه.
ومن التابعين تعلم من جاء بعدهم ممن اشتهر عنهم تصنيف المصنفات.
واشتهر في عصر تلاميذ الصحابة عدد من الصحف وهي في ذلك تمثل رواية الحديث ومعناه بما اشتملت عليه من أبواب الفقه وغيره، ومن أكثر هذه الصحف اشتهارًا:
1- صحيفة همام بن منبه عن أبي هريرة -رضى الله عنه-، وهذه من أبرز ما كتب من التابعين في عهد الصحابة -رضوان الله عليهم-، ذلك لأنها نقلت كاملة في مخطوطات مستقلة بها، ونقلها الإمام أحمد في مسنده في مكان واحد منه .
2- صحيفة الأعرج عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة -رضى الله عنه-.
3- صحيفة أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس التي يرويها عن جابر بن عبد الله ويرويها عنه الليث .
4- صحيفة سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضى الله عنه- .
واشتملت هذه الصحف وغيرها على عدد كبير من الأبواب في الإيمان، والطهارة، والصلاة، والصيام والزكاة، والصدقة، والحج، والمعاملات، والنكاح، والأيمان والنذور، والجهاد والسير، واللباس والزينة، والأدب، والرؤيا، والإمارة، والطب، ودلائل النبوة والمناقب، والأنبياء والأمم السابقة، وعلامات الساعة، والبعث، والجنة والنار وأهلهما.
وفي عصرهم تكونت مدارس العلم والحديث والفقه فتعلمت جملة كبيرة منهم على الصحابة الذين تفرقوا للجهاد ونشر الإسلام، وعرفت آنذاك مدارس العلم المشهورة في الأمصار الكبرى؛ فكان من جملة من كان يروي الحديث ويفقه الناس فيه ويستنبط معناه وغيره من العلوم كالتفسير.
- في مدرسة المدينة: سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير بن العوام، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وعرف بها أيضًا الفقهاء السبعة.
- في مدرسة مكة: انتفع طلاب العلم من أئمة التابعين بمجاهد بن جبر وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس، وطاوس بن كيسان اليماني.
في مدرسة الكوفة: وتخرج على يده من أجلة التابعين فيها، عامر بن شرحبيل الشعبي وسعيد بن جبير الأسدي وعلقمة بن قيس النخعي وغيرهم.
- مدرسة البصرة: وتفقه الحديث وفقهه على مطرف بن عبدالله بن الشخير والحسن بن أبي سعيد البصري ومحمد بن سيرين، وقتادة بن دعامة السدوسي.
- مدرسة الشام: وفيها من التابعين مكحول أبو عبدالله الشامي وأبو إدريس الخولاني، وغيرهما.
- مدرسة مصر: وفيها يزيد ابن أبي حبيب الذي كان صاحب الفضل في نشر الحديث بها.
- مدرسة اليمن: وفيها وهب بن منبه وأخوه همام وغيرهما.
وغير هذه من المدارس في إفريقيا وخراسان.
فهؤلاء التابعون ينطبق عليهم قول ابن القيم: "أهل الحفظ والفهم الذين حفظوه وعقلوه وفهموا معانيه، واستنبطوا وجوه الأحكام والحكم والفوائد منه؛ فهؤلاء بمنزلة الأرض التي قبلت الماء، وهذا بمنزلة الحفظ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وهذا هو الفهم فيه والمعرفة والاستنباط ... فهذا مثل الحفاظ الفقهاء، أهل الرواية والدراية" .
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك