تفسير قوله تعالى:
(سورة: البقرة - الآية: 22)
إعراب مفردات الآية [1]:
(الذي) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب بدل من (الذي) في الآية السابقة " أو مفعول به لفعل تتقون، أو في محلّ نصب نعت ثان ل (ربّ)، أو خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو". (جعل) فعل ماض "جعل هنا بمعنى خلق فهو متعدّ لمفعول واحد"، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو أي اللّه (اللام) حرف جرّ و(الكاف) ضمير في محلّ جرّ باللام متعلّق ب (جعل)، (الميم) حرف لجمع الذكور. (الأرض) مفعول به منصوب (فراشا) حال منصوبة "الذي سوّغ جواز جعل الفراش حالا وهو اسم جامد أن الكلام يدلّ على تشبيه هذا ويجوز أن يكون (جعل) بمعنى صيّر فيصبح (فراشا) مفعولا به ثانيا. " من الأرض (الواو) عاطفة (السماء) مفعول به لفعل محذوف أي جعل السماء "يجوز عطف (السماء والبناء) على (الأرض والفراش) عطف تركيب أي عطف مفردات"، (بناء) حال منصوبة من السماء. (الواو) عاطفة (أنزل) فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (من السماء) جار ومجرور متعلّق ب (أنزل) [2]. (ماء) مفعول به منصوب. (الفاء) عاطفة (أخرج) فعل ماض والفاعل هو (الباء) حرف جرّ و(الهاء) ضمير متّصل في محل جرّ بالباء متعلّق ب (أخرج)، (من الثمرات) جارّ ومجرور متعلّق ب (أخرج) [3]. (رزقا) مفعول به منصوب (اللام) حرف جرّ و(كم) ضمير متّصل في محلّ جرّ باللام متعلّق بمحذوف نعت ل (رزقا). (الفاء) واقعة في جواب شرط مقدّر أو لربط السبب بالمسبّب (لا) ناهية جازمة (تجعلوا) فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون و(الواو) ضمير متّصل في محلّ رفع فاعل (للّه) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف مفعول به ثان- أو هو المفعول الثاني، (أندادا) مفعول به أوّل منصوب. (الواو) حاليّة (أنتم) ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ (تعلمون) فعل مضارع مرفوع و(الواو) فاعل.اهـ
روائع البيان والتفسير
﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا ﴾ قال ابن العثيمين في بيانها:
هذا من باب تعديد أنواع من مخلوقاته عزّ وجلّ؛ جعل الله لنا الأرض فراشاً مُوَطَّأة يستقر الإنسان عليها استقراراً كاملاً مهيأة له يستريح فيها. ليست نشَزاً؛ وليست مؤلمة عند النوم عليها، أو عند السكون عليها، أو ما أشبه ذلك؛ والله تعالى قد وصف الأرض بأوصاف متعددة: وصفها بأنها فراش، وبأنها ذلول، وبأنها مهاد..اهـ[4]
وقال الشنقيطي بتصرف في تفسيره للآية:
أشار في هذه الآية - والتي قبلها - إلى ثلاثة براهين من براهين البعث بعد الموت، وبينها مفصلة في آيات أخر: الأول: خلق الناس أولا المشار إليه بقوله
﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 21]؛ لأن الإيجاد الأول أعظم برهان على الإيجاد الثاني، وقد أوضح ذلك في آيات كثيرة كقوله:
﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ [الروم: 27]، وقوله:
﴿ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ [يس: 79]، وقوله:
﴿ أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ ﴾ [ق: 15]، وكقوله:
﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ﴾ [الحج: 5] - إلى غير ذلك من الآيات.
البرهان الثاني: خلق السماوات والأرض المشار إليه بقوله:
﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ﴾.
لأنهما من أعظم المخلوقات، ومن قدر على خلق الأعظم فهو على غيره قادر من باب أحرى. وأوضح الله تعالى هذا البرهان في آيات كثيرة كقوله
تعالى: ﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ﴾ [غافر: 57]، وقوله:
﴿ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾ [يس: 81] إلى غير ذلك من الآيات.
البرهان الثالث: إحياء الأرض بعد موتها فإنه من أعظم الأدلة على البعث بعد الموت، كما أشار له هنا بقوله:
﴿ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾ [البقرة: 22] وأوضحه في آيات كثيرة كقوله:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [فصلت: 39]، وقوله:
﴿ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ﴾ [ق: 11]، يعني: خروجكم من قبوركم أحياء بعد أن كنتم عظاما رميما. - إلى غير ذلك من الآيات.اهـ[5]
﴿ وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا ﴾: قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره:
﴿ وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ﴾ وهو السقف، كما قال في الآية الأخرى:
﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 32] وأنزل لهم من السماء ماء - والمراد به السحاب هاهنا - في وقته عند احتياجهم إليه، فأخرج لهم به من أنواع الزروع والثمار ما هو مشاهد؛ رزقًا لهم ولأنعامهم، كما قرر هذا في غير موضع من القرآن. ومنْ أشبه آية بهذه الآية
قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [غافر: 64] ومضمونه: أنه الخالق الرازق مالك الدار، وساكنيها، ورازقهم، فبهذا يستحق أن يعبد وحده ولا يُشْرَك به غَيره. ولهذا قال:
﴿ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ وفي الصحيحين عن ابن مسعود، قال: قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندا، وهو خلقك"[6] الحديث. اهـ [7]
﴿ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ ذكر القرطبي في تفسيرها فائدة جليلة قال – رحمه الله - بتصرف يسير:
﴿
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ يريد العلم الخاص بأن الله تعالى خلق الخلق وأنزل الماء وأنبت الرزق، فيعلمون أنه المنعم عليهم دون الأنداد ثم قال - رحمه الله -:
وقال ابن فورك[8]: يحتمل أن تتناول الآية المؤمنين، فالمعنى لا ترتدوا أيها المؤمنون وتجعلوا لله أندادا بعد علمكم الذي هو نفي الجهل بأن الله واحد.اهـ[9]
[1] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق( 1/72 )
[2] أو بمحذوف حال من (ماء)- نعت تقدّم على المنعوت.
[3] أو بمحذوف حال من (رزقا).
[4]
تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (3 / 43 )
[5] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي الناشر: دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت – لبنان ( 1 / 17)
[6] أخرجه البخاري- باب
قوله تعالى
﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ رقم/4117 ومسلم - رقم/ 124- بَاب كَوْنِ الشِّرْكِ أَقْبَحُ الذُّنُوبِ وَبَيَانِ أَعْظَمِهَا بَعْدَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وتمام متنه" سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قَالَ قُلْتُ لَهُ إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ"
[7]
تفسير القرآن العظيم لأبن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 1 /194 )
[8] محمد بن الحسن بن فورك الأنصاري الأصفهاني، أبو بكر (000 - 406 هـ = 000 - 1015 م) واعظ عالم بالأصول والكلام، من فقهاء الشافعية. سمع بالبصرة وبغداد. وحدث بنيسابور، وبنى فيها مدرسة. وتوفي على مقربة منها، فنقل إليها. له كتب كثيرة، قال ابن عساكر: بلغت تصانيفه في أصول الدين وأصول الفقه ومعاني القرآن قريبا من المئة. الأعلام للزركلي بتصرف (6/83)
[9] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة (1 /231 )
الالوكة