الصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين.
والسلام عليكم ايها الاخوان الاعزاء والابناء الاحباء ورحمة الله وبركاته.
وبعد : قال الله سبحانه في كتابه المجيد : ( يآيها الذين آمنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم * واخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين ) (2).
__________________
(1) القيت هذه الخطبة يوم الجمعة في مسجد الامام المهدي ( عج ) وذلك في 28 ـ 3 ـ 1413 هـ الموافق 25 ـ 9 ـ 1992 م.
(2) سورة الصف ، الآيات : 10 ـ 13.
212
بهذا الخطاب القرآني البليغ الرقيق خاطب الله سبحانه عباده المؤمنين طالبا منهم ابداء رغبتهم في ان يدلهم على تجارة رابحة ناجحة في الدنيا والآخرة. وحيث ان رغبتهم في ذلك متحققة جزما ـ يعتبرون بحكم المجيب على هذا السؤال بقولهم بلسان الحال :
نعم دلنا يا رب على هذه التجارة الرابحة ، وتأتي الاجابة منه سبحانه بقوله :
( تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ).
وقدم الله سبحانه الايمان بالله ورسوله على الجهاد في سبيله بالاموال والانفس باعتبار ان ذلك يمثل التعاقد وايجاد عقد التجارة مع الله سبحانه كطرف اصيل في كل المعاملات والتجارات الإلهية ومع رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم بصفته الوكيل الممثل له والنائب عنه كما هو الشأن في كل مورد لا يوجد فيه مجال لان يحصل التعامل مع الاصيل مباشرة ـ وبعد حصول هذا العقد يأتي دور العمل بمقتضاه وحيث ان الله سبحانه هو المشتري للأنفس والاموال من عباده المؤمنين كما هو نص الآية القائلة :
( * إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) (1).
والمعطي ثمنها وهو الجنة ـ يجب ان يسلم هذا المبيع لمشتريه وذلك بصرفه في سبيل الله وهو كل مورد يكون صرف المال فيه او
__________________
(1) سورة التوبة ، الآية : 111.
213
ممارسة بعض الاعمال ـ راجحا على وجه الوجوب او الاستحباب.
والتعبير بممارسة بعض الاعمال اشارة الى تسليم المبيع الثاني وهو النفس لان المراد منها هو العمل الصادر عنها لا نفسها كما هو واضح فكأن الله سبحانه قال :
ان الله اشترى من المؤمنين اعمالهم واموالهم بأن لهم الجنة ـ وبهذا الاعتبار تكون آية الشراء مفسرة للمراد من آية التجارة ومبينة للمراد منها.
والربح الذي اشار الله اليه في آية التجارة يمكن تقسيمه بلحاظ نوعيته ومكان حصوله الى اربعة اقسام لانه يقسم اولا بلحاظ نوعيته الى قسمين وهما الربح المعنوي الروحي والربح المادي الجسمي ـ وكل واحد منهما يقسم الى قسمين احدهما المعجل الحاصل في هذه الحياة والثاني المؤجل الذي سوف يحصل في الاخرة.
والمراد بالربح المترتب على التجارة مع الله سبحانه وهي موضوع الحديث المنفعة الحاصلة منها بالمعنى العام لهذه المنفعة الشاملة للأقسام الاربعة المذكورة والمراد بالمعنوي الروحي المعجل كل منفعة تعود الى الروح وتسبب لها البهجة والسرور والسمو والصفاء ونحو ذلك من المنافع المعنوية الحاصلة لها في هذه الحياة مقابل ما يحصل لها من ذلك في الآخرة وبذلك يعرف المراد بالربح المادي المعجل والمؤجل وللمزيد من التوضيح نقول : المراد به كل منفعة مادية تعود الى الجسم لتنعشه وتعطيه النمو والقوة والنشاط في الحاضر وفي مستقبل الآخرة حيث اعد الله سبحانه فيها ما تشتهيه الانفس من انواع النعيم المادي والروحي مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
214
أنواع الربح المترتبة على التجارة مع الله سبحانه :
وحيث ان الربح المعنوي الروحي اهم ، قدمه الله بالذكر على غيره حيث قال سبحانه : ( تنجيكم من عذاب اليم ).
باعتبار ان النجاة والسلامة من الضرر الحاصلة بالتجارة مع الله سبحانه ـ تعطي المؤمن نعيما روحيا معجلا كما تعطيه منفعة وربحا ماديا يعود على جسمه بالقوة والحيوية نتيجة تجارته مع الله سبحانه وعمله بمقتضى هذه التجارة بصرف امواله في سبيل الله وحصر اعماله وتصرفاته الاختيارية في اطار مرضاته تعالى وعبادته وحده لا شريك له.
وقد اشار الله سبحانه الى عدة اقسام من النعميم والربح الروحي الحاصل للمؤمن في الاخرة منها ما هو حاصل له بسبب عفو الله عنه ومغفرته له وهو ما ذكر الله بقوله : يغفر لكم ذنوبكم ومنها ادخال الجنة المعبر عن رضا الله ومحبته مع خصوصية جريان الانهار تحتها فهو يعطي للنفس بهجة وللروح انتعاشا ومنها كون المساكن التي يقيمون فيها طيبة ومنها كونها في جنات عدن اي خلود ودوام ـ فإن ذلك يتمم النعيم الروحي بخلاف نعيم الدنيا المقترن بالعلم بزواله وعدم بقائه وهذا يخفف من الارتياح والانشراح به ان لم يؤد الى عدم حصوله اصلا.
وقد اشار الله سبحانه الى بعض انواع النعيم الروحي المعجل في هذه الدنيا وهو السرور والبهجة الحاصلة للمؤمنين بنصره لهم على اعدائهم وتحصيلهم الفتح القريب وقد اراد الله سبحانه ان يعجل لهم هذا النعيم الروحي والربح المعنوي بتقديم البشارة لهم بنيل كل ما وعدهم به من انواع النعيم حيث قال تعالى : ( وبشر المؤمنين ) وخصص البشارة
215
بالمؤمنين باعتبار انهم الذين يتاجرون مع الله سبحانه ببيعهم له اموالهم وانفسهم لينالوا منه ثمنها وهو الجنة.
واما غير المؤمنين فقد باعوا اموالهم وانفسهم للشيطان وسوف يقدم لهم ثمن ذلك عذاب النيران وذلك هو الخسران المبين.
بيان كيفية الجهاد في سبيل الله بالأنفس والأموال :
وبعد بيان الربح المترتب على التجارة مع الله سبحانه بأقسامه المذكورة نشير الى كيفية الجهاد في سبيل الله بالانفس والاموال فنقول : مرت الاشارة الى ان المراد بالانفس الواردة في آيتي الشراء والتجارة الاعمال الصادرة عنها لا نفسها لان المكلف قادر على تسليم اعماله الاختيارية وتصرفاته الارادية وتسليمها لله عبارة عن الاتيان بها منسجمة مع ارادته تعالى وهو روح العبادة بمعناها العام.
واما الجهاد في سبيل الله بالاموال فيكون بصرفها في المصارف الراجحة المحبوبة لله سبحانه وجوبا او استحبابا وذكر الجهاد بالخصوص لاهميته كما مر بيانه مفصلا في الخطبة السابقة على هذه ومن المعلوم ان الجهاد في هذا السبيل مرتكز على بذل المال بشكل اساسي نظرا لحاجة المجاهد نفسه للنفقة اللازمة له ولمن تجب نفقته عليه من الابوين والزوجة والاولاد ونحوهم مع حاجة المعركة الى الذخيرة اللازمة التي تتوقف عليها مواجهة العدو بثبات وتحمل حتى ادراك هدف التحرر والتطهير وهناك موارد عديدة للجهاد بالمال في سبيل تحصيل مرضاة الله سبحانه وهي تأتي في المرتبة الثانية في الاهمية بعد الجهاد به في سبيل التحرير واستعادة العزة والحرية والكرامة ويمكن ان يشار الى هذه الموارد بعنوان اجمالي يشير اجمالا اليها وينطبق عليها وهو عنوان اغاثة
216
الملهوف الذي وقع في ازمة اقتصادية واصبح بحاجة ماسة الى من ينقذه من ازمته ويخرجه من شدته ـ وفيما يلي الاشارة الى بعض افراد هذا العنوان العام.
المصرف الافضل لبذل المال في سبيل الله تعالى :
من افراد الشخص الذي تراكمت عليه اقساط اجرة المنزل الذي استأجره من بعض الاشخاص واخذ المالك يراجع باستمرار مطالبا بتسديد تلك الاقساط لكونه مضطرا لها ولا يسمح له بالتصرف بأي عمل في منزله حتى الصلاة لانتهاء مدة الاجارة وعدم موافقته على تجديدها قبل استلام الاقساط المستحقة.
ففي هذا الفرض ماذا يصنع هذا المستأجر هل يبقى في منزله بدون رضاه ليبقى على مطالبته له وإحراجه بكلمات اللوم وربما الشتم واتهامه بعدم التقوى والالتزام الديني بحجة انه يصلي مع عائلته في منزله بدون رضاه واذا أراد هذا المستأجر المغلوب المنكوب ان يترك له منزله فالى اين يذهب؟ وفي اي مكان يستقر؟ وهو إنسان محترم له عزته وكرامته؟ ومن أفراد الإنسان الملهوف المنكوب ـ شخص له اولاد وهو يريد ان يخرجهم من ظلمات الامية والجهل الى نور العلم والثقافة الا ان راتبه او كسبه الذي يحصله بعمله المتواضع لا يكفي لمصارفه البيتية الضرورية المعهودة فضلا عن الاقساط المدرسية الراقية واثمان الكتب الغالية ـ ومثل هذا الشخص ماذا يصنع امام هذه المشكلة المعقدة والمؤلمة فهل يبقي اولاده في منزله بلا علم وتعلم لابسط انواع المعرفة الضرورية وذلك قضاء على وجودهم المعنوي وتحطيم لمستقبلهم الدنيوي والاخروي او يغامر بتسجيلهم بواسطة الاقتراض ولا يوجد من يقرضه
217
واذا وجد فبأية وسيلة يسدد دين الاقتراض؟
اغاثة الملهوف من افضل الاعمال المقربة من الله تعالى :
ومن افراده شخص اصيب بعارض صحي خطير وكان انسانا مستضعفا لا يملك ما يحتاجه لنفقته الضرورية له ولأفراد أسرته ومثل هذا الشخص ماذا يصنع هل يسكت ويقعد عن المعالجة وحياته مهددة بالخطر او يقدم عليها ولا حول له ولا قوة اقتصادية او معنوية تلفت نحوه الانظار وتوفر له الاعوان والانصار؟ ومن مصاديق انساننا المستضعف في هذه الايام شخص اقدم على اجراء عقد القران على فتاة اعجبته وملكت عواطفه وخشي اذا تأخر عن ربطها به بالعقد الشرعي ان تفلت من يده ويكون مصيرها لغيره وبعد ذلك اصطدم بالواقع المر والازمة الاقتصادية الخانقة فأجرة الشقة غالية وثمنها اغلى وكذلك ثمن الاثاث وحينئذ يضطر هذا المسكين لان يبقى منتظرا الفرج بعد الشدة واليسر بعد العسر وفي الغالب يبقى على وضعه الصعب ويضعف امله بالانفراج ويضطر بعد ذلك لان يهدم ما بناه على اساس الامل حتى لا تبقى خطيبته معلقة غير متزوجة فعلا وعملا ـ ولا مطلقة.
وهناك نماذج اخرى للإنسان المستضعف في وقتنا الحاضر والامثلة التي ذكرتها انعكاس عن واقعنا المأساوي الذي يمر به الكثيرون ـ وهنا يأتي دور لفت النظر والتنبيه على ان هذه النماذج هي السوق الذي يتوقع من المؤمنين بالله واليوم الآخر وبمضمون آيتي الشراء والتجارة التي هي مضمونة الربح والنجاح في الدنيا والاخرة لأن التعامل فيها مع الله سبحانه كما مر بيانه مفصلا والله سبحانه وعد بالربح العظيم المترتب على الاتجار معه وبيع الانفس والاموال له وهو سبحانه اوفى الواعدين واصدق القائلين.
218
القرض الحسن للمضطر من أفضل الاعمال :
وقد لاحظنا مدى الصعوبة والمعاناة النفسية وربما الجسمية بالنسبة الى المستضعف المريض ـ ومن المعلوم ان الاجر المترتب على قضاء أية حاجة تكون كميته ومقداره بقدر اهمية تلك الحاجة فبقدر ما تكون ماسة وملحة يكون الاجر المترتب على قضائها عظيما وجسيما حتى يصل الى درجة ثواب احياء النفس الذي اشار الله سبحانه الى اهميته بقوله :
( ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) (1) لان إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب تكون بمثابة احياء النفس وانقاذها من الهلاك المادي.
وانقاذ هؤلاء المستضعفين يكون بعدة اسباب ووسائل وهي تختلف من شخص لآخر كما سيتضح ذلك.
من هذه الوسائل توفير المساعدة له عن طريق القرض الحسن وذلك اذا كانت حاجته الى المساعدة حالة استثنائية طارئة لبعض الطوارىء وكان قادرا على تسديد الاقساط في اوقاتها وقد حث الاسلام كتابا وسنة وسيرة على القيام بهذه الخدمة الانسانية ورتب عليها الثواب العظيم والاجر الجسيم.
قال سبحانه : ( إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم اجرٌ كريم ) (2).
__________________
(1) سورة المائدة ، الآية : 32.
(2) سورة الحديد ، الآية : 18.
219
وقال تعالى : ( إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم ) (1).
وروي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : « إن الدرهم منه اي من القرض بثمانية عشر درهما والصدقة بعشرة وذلك ان القرض لا يكون الا لمحتاج والصدقة ربما وقعت في يد غير محتاج ».
بيان أهمية القرض الحسن وثوابه العظيم :
وروي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ايضا قوله : « يكتب لصاحبه ـ اي القرض ثواب قيام الصلاة مع الملائكة حتى يأخذه ».
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ومن اقرض اخاه المسلم كان له بكل درهم اقرضه وزن جبل اُحد حسنات فإن رفق به في طلبه يعدى به على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير عقاب ولا عذاب » وروي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، في مقابل ذلك قوله : « ومن احتاج اليه أخوه المسلم في قرض وهو يقدر عليه فلم يفعل حرم الله عليه ريح الجنة ».
واطلاع المؤمن على اهمية القرض وما يترتب عليه من الثواب العظيم ـ كاف لان يندفع نحوه برغبة وتوجه ليتاجر به مع الله وينال بذلك الربح الكثير والاجر الجزيل ويؤكد ذلك عنده ما يترتب على تركه مع القدرة عليه ـ من الخسارة العظيمة الجسيمة بحرمانه من ريح الجنة ونعيمها الخالد ورضوان الله الاكبر.
وكما تترجح نصيحة الإخوان الموسرين بالاقدام على هذه التجارة الرابحة وهي القرض الحسن لاخوانهم المحتاجين كذلك تترجح النصيحة
__________________
(1) سور التغابن ، الآية : 17.
220
للاخوان المقترضين بأن يجعلوا اقتراضهم حسنا ايضا ـ وذلك بصدق القول وأداء الامانة وتسديد الاقساط المتفق عليها مقدارا وزمانا ـ في وقتها بدون تسويف ومماطلة مهما كانت الظروف صعبة ولو بان يقترض مقدار القسط من مصدر آخر ليؤكد بذلك مصداقية إيمانه ووفائه بوعده وخصوصا اذا كان المقرض محتاجا للمبلغ المقترض. وفائدة الوفاء بذلك تعود على شخص المقترض ماديا ومعنويا اما الفائدة المعنوية فواضحة حيث يكتسب صفة الوفاء بالوعد مع صدق القول وأداء الامانة واما المادية فلأن وفاءه بذلك يمكنه من طلب الاقراض مرة اخرى لنفسه او لغيره بكفالته وتعهده وتكون النتيجة على العكس من ذلك في صورة حصول العكس وهو المماطلة وعدم الوفاء بالوعد وتزداد الصورة قبحا وتشويها عندما يحصل خلاف المتفق عليه مع الاعراض الكلي والغياب عن ساحة المسؤولية الامر الذي يحطم كرامته ويسد باب الخير في وجهه ووجه الآخرين بعد ان تذهب الثقة ويفقد الاطمئنان بحصول الصدق من الآخرين بسبب عدم صدقه ووفائه بوعده ، وكان مطلوب منه ان يبدل الاعراض والهروب من ساحة المسؤولية والصدق والوفاء ، بالحضور الى الشخص الذي اقترض منه او كفله ليقدم الاعتذار مما حصل من التأخر ويبدي الاهتمام بالوفاء وان الذي حصل منه كان لظروف ضاغطة اضطرته لذلك.
نصيحة الموسر بالإقراض الحسن والمعسر بالإقتراض الحسن :
وخلاصة النصيحة و ( الدين النصيحة ) للاخوان الموسرين ان لا يحرموا انفسهم من ذلك الثواب العظيم الذي يعطيه الله سبحانه لمن اقرض اخاه في الاسلام او في الانسانية لان الاسلام جاء رحمة للعالمين وهناك ثواب آخر مترتب على الاقراض بعنوان آخر غير عنوانه الاولي
221
وهو عنوان إدخال السرور وكشف الكربة وقضاء الحاجة وكل واحد من هذه العناوين موضع للاجر العظيم والثواب الجسيم.
ونصيحتي لاخواني المعسرين ان يبذلوا اقصى الجهد في سبيل الوفاء بالوعد ليكون ذلك مشجعا للمقرض على إقراضه فيرغب في الاستمرار على هذه الخدمة الانسانية لهم وللآخرين.
ومن جملة الوسائل التي يمكن الاعتماد عليها لقضاء حاجة المضطر الملهوف ـ مساعدته من الحق الشرعي الخمس ونحوه بعد احراز حاجته والتزامه الديني بالاطلاع الشخصي المباشر او بواسطة التعريف من قبل من يوثق بقوله ويترجح مراجعة الحاكم الشرعي او وكليه في صرف الحق الشرعي من اجل تحصيل الرخصة وتحديد الكمية ليحرز دافع الحق الشرعي براءة ذمته منه ـ كما يمكن مساعدة المحتاج المعسر عن طريق التصدق والتبرع من الشخص مباشرة او بالسعي لتحصيل المساعدة له من الاخرين والساعي بالخير كفاعله من حيث استحقاق الاجر والثواب.
بيان أفضلية صرف المال لقضاء حاجة المضطر
من صرفه في العبادات المستحبة :
وبالمناسبة احب ان الفت نظر الاخوان الاعزاء والمؤمنين الصالحين الذين التزموا بالذهاب الى مكة المكرمة كل عام لتأدية الحج المستحب وللعمرة المستحبة وربما تكرر ذلك في العام الواحد كما التزموا بالذهاب لزيارة المشاهد المقدسة وقد يتكرر ذلك في العام الواحد فأقول لهؤلاء الاخوان الاحباء : اذا كان المقصود من ذلك تحصيل الاجر والثواب فلماذا لا تصرف هذه الاموال التي تصرف في طريق هذه المستحبات ـ في سبيل إغاثة الملهوفين وكشف كرب
222
المكروبين وانقاذ الكثيرين من المعسرين الذين تصل بهم الازمة الاقتصادية الى درجة فوق التحمل والطاقة لينالوا بذلك ثواباً اعظم وأجراً أجسم يصح ان نحدده بثواب احياء النفس المحترمة الذي اعتبره الله إحياء للناس جميعا لاهميته وذلك بقوله سبحانه :
( ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) (1).
وذلك لان قيمة كل عمل في الميزان الاخروي بقدر ما يترتب عليه من المنفعة لخلق الله باعتبار انهم عياله واحب الناس اليه انفعهم لعياله كما ورد في الحديث ـ ومن المعلوم ان فائدة المستحبات العبادية المتمثلة بالحج والعمرة والزيارة ونحوها مقصورة على صاحبها وبالقدر المحدود من الثواب.
وهذا بخلاف المستحبات الاجتماعية وربما اصبحت واجبة بالعنوان الثانوي ـ فهي تفيد صاحبها الذي يقوم بها في الدنيا حبا واحتراما وسعة رزق وطول عمر ودفع بلاء وقد أبرم إبراما كما ورد في الاحاديث وقد مرت الاشارة الى ذلك كله بصورة مفصلة في بعض الخطب السابقة التي تحدثت فيها حول موضوع الانفاق في سبيل الله تعالى.
ويسرني ان اختم الحديث حول موضوع التجارة مع الله سبحانه بذكر قصة تناسب المقام وحاصلها ان شخصا توجه الى تأدية الحج المستحب وفي طريقه شاهد امرأة تنتف طيراً ميتاً فأخبرها بحرمة أكل لحم الميتة وردت على اخباره لها بذلك بأنها عالمة بهذا الحكم وعالمة ايضا بجواز أكل مثل ذلك للضرورة القاسية انطلاقا من القاعدة
__________________
(1) سورة المائدة ، الآية : 32.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك