قال ابن القيم: "هذه دعوى من كل واحد من الطائفتين أنه لن يدخل الجنة إلا من كان منهما، فقالت اليهود: لا يدخلها إلا من كان هوداً، وقالت النصارى: لا يدخلها إلا من كان نصرانياً، فاختصر الكلام أبلغ اختصار وأوجزه مع أمن اللبس ووضوح المعنى"[1].
و"إلا": أداة حصر، فحصرت كل طائفة منهم دخول الجنة فيهم، وقصرته عليهم فحجَّروا واسعاً، وحصروا فضل الله تعالى.
فرد الله تعالى عليهم بقوله: ﴿ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾، جملة ﴿ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ﯴ ﴾ معترضة، و"تلك": اسم إشارة، والإشارة لمقالتهم.
﴿ أَمَانِيُّهُمْ ﴾ "أماني" جمع أمنية، أي: تلك أماني يتمنونها على الله بغير حق، والتمني هو: الطمع في طلب ما يعلم عدم حصوله؛ لتعذره واستحالته كما في قول الشاعر:
ألا ليت الشباب يعود يوما
فأخبره بما فعل المشيب[2]
وفي المثل: "التمني رأس مال المفاليس".
﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ﴾ أي: قل لهم يا محمد أعطونا دليلكم وحجتكم على أنه لن يدخل الجنة غيركم.
﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ أي: إن كنتم صادقين في دعواكم.
وفي هذا تحد وتعجيز لهم، لإظهار كذبهم؛ إذ لا برهان عندهم ولا حجة ولا دليل، كما قال تعالى: ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ﴾ [النساء: 123].