أولًا: في هذه الآيات الكريماتذكر الله تعالى جانبًا مما كان المشركون يقابلون به النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رد عليهم، وبيَّن جهلهم وعنادهم، ثم تهدَّدهم بما سيؤول إليه أمرهم في الآخرة.
1- قوله تعالى: ﴿ وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا ﴾؛ أي: وإذا أبصرك المشركون أيها الرسول الكريم، سخِروا منك، واستخفوا بك، وقالوا على سبيل التهوين من شأنك: ﴿ أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ﴾؛ أي: أهذا هو الذي يذكر آلهتكم بسوء ويعيبها، وينفي شفاعتها لنا، وأنها تقربنا إلى الله زلفى.
2- قوله تعالى: ﴿ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ ﴾؛ أي: إنهم يقولون فيما بينهم: أهذا هو الرسول الذي يذكر آلهتكم بسوء، والحال أن هؤلاء المشركين الجاهلين، كافرون بالقرآن الذي أنزله الله تعالى عليك - أيها الرسول الكريم - لتخرج الناس به من الظلمات إلى النور.
فالآية الكريمة تنعي على هؤلاء المشركين جهالاتهم وسفاهاتهم؛ حيث استكثروا على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يذم آلهتهم التي لا تنفع ولا تضر، ولم يستكثروا على أنفسهم أن يكفروا بخالقهم وبذكره الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم؛ ليكون رحمة لهم.
3- والذكر يكون بخير وبخلافه، فإذا دلَّت الحال على أحدهما أطلق ولم يقيد؛ كقولك للرجل: سمعت فلانًا يذكرك، فإن كان الذاكر صديقًا فهو ثناء، وإن كان عدوًّا فهو ذم، ومنه قوله: ﴿ أَهذَا الذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ﴾، والمعنى: أنهم عاكفون على ذكر آلهتهم بهممهم، وربما يجب ألا تذكر به من كونهم شفعاءَ وشهداءَ، ويسوؤهم أن يذكرها ذاكر بخلاف ذلك. وأما ذكر الله تعالى وما يجب أن يذكر به من الوحدانية، فهم به كافرون لا يصدقون به أصلًا.
4- قوله تعالى: ﴿ خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ﴾؛ قال ابن كثير: والحكمة في ذكر عجلة الإنسان هنا أنه سبحانه لَمَّا ذكر المستهزئين بالرسول صلى الله عليه وسلم وقَع في النفوس سرعة الانتقام منهم، فقال سبحانه: ﴿ خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾؛ لأنه تعالى يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته، يؤجل ثم يعجل، وينظر ثم لا يؤخر، ولهذا قال: ﴿ سَأُرِيكُمْ آياتِي ﴾؛ أي: نقمي واقتداري على من عصاني، ﴿ فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ﴾.
5- قال ابن عاشور: ﴿ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ﴾؛ والمعنى: وعد بأنهم سيرون آيات الله في نصر الدين، وذلك بما حصل يوم بدر من النصر، وهلك أئمة الشرك، وما حصل بعده من أيام الإسلام التي كان النصر فيها عاقبة المسلمين.
الألوكة
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك