معنى قوله تعالى: ﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ ﴾: قال ابن كثير في "تفسيره" (4 /25): الكفلين: الضعفين؛ اهـ، قلت: وهذه فضيلة عظيمة تتضح أكثر بحديث ابن عمر رضي الله عنهما المذكور بعد أسطر، والله أعلم.
من المقصود بقوله تعالى: ﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾؟: ذكر ابن كثير في "تفسيره" (8 /32) عند هذه الآية عن جمع من السلف: أن المراد بها مؤمنو أهل الكتاب، واستدلوا بقوله تبارك وتعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ﴾ [القصص: 52، 53].
وبحديث أبي موسى رضي الله عنه مرفوعًا، وفيه: (ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجلٌ من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي، فله أجران)، رواه البخاري (97)، ومسلم (154)، وهو اختيار ابن جرير.
وقال سعيد بن جبير: لَما افتخر أهلُ الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين، أنزل الله في حق هذه الأمة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾؛ أي: ضعفين، وزادهم: ﴿ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ﴾ [الحديد: 28]؛ يعني: هدى يُتَبَصَّر به من العمى والجهالة، ويغفر لكم فضلهم بالنور والمغفرة، رواه ابن جرير عنه.
وقال سعيد بن عبدالعزيز: سألَ عمرُ حَبْرًا من أحبار يهود: كم أفضل ما ضعفت لكم حسنة؟ قال: كفل ثلاثمائة وخمسين حسنة، قال: فحمد الله عمر على أنه أعطانا كفلين، ثم ذكر سعيد قول الله تعالى: ﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾، قال سعيد: والكفلان في الجمعة مثل ذلك؛ رواه ابن جرير.
ثم قال ابن كثير: ومما يؤيد هذا القول حديث ابن عمر ـ المذكور بعد سطر؛ اهـ.
قلت: وهو الراجح، والله أعلم.
ما المراد بالنور في قوله تعالى: ﴿ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ﴾؟
قال ابن جرير في "تفسيره" (23 /212): اختلف أهل التأويل في الذي عني به النور في هذا الموضع، فقال بعضهم: عنى به القرآن، فعن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس ﴿ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ﴾، قال: الفرقان واتباعهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ﴾، قال: القرآن، وقال آخرون: عَنَى بالنور في هذا الموضع: الهدى، فعن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: ﴿ تَمْشُونَ بِهِ ﴾، قال: هدى.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذِكْرَه وعد هؤلاء القوم أن يجعل لهم نورًا يمشون به، والقرآن مع اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم نور لمن آمن بهما وصدَّقهما، وهدى؛ لأن من آمن بذلك، فقد اهتدى؛ اهـ بتصرف.
وقال بعضهم: الآية شاملة لنور القرآن والرسالة، والعلم والهدى والصراط المستقيم، والله أعلم.
بيان أن ما جاء به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم كله نور:
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 174].
وقال الله تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ ﴾ [الأنعام: 91].
قلت: وهذه الآية وإن كانت في حق موسى، إلا أن كل ما جاء به الرسل نورًا وهدى، والله أعلم.
الثانية: مضاعفة أجر هذه الأمة، قال الله تعالى: ﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾ [الحديد: 28].
الثالثة: ما يُعطاه العبد المؤمن المتقي من النور الديني والدنيوي الذي يستضيء به في الدنيا والآخرة من ظلمات الجهل والكفر، والبدع والشك والنفاق، قال الله تعالى: ﴿ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ﴾ [الحديد: 28].
الرابعة: المغفرة للذنوب لمن حقق الشروط المتقدمة ومستلزماتها، وهي:
1- تحقيق الإيمان بالله، المتضمن لأركان الإيمان، وما يتعلق به من واجبات ومستحبات.
2- تحقيق الإيمان بالرسل جملة وتفصيلًا المستلزم للإيمان بكل ما جاؤوا به على ما أراد الله تعالى.
3- تحقيق التقوى بشروطها وأركانها.
الخامسة: أن المسلم بإيمانه يحصِّل الخير الكثير بنور الإسلام والسنة.
السادسة: بيان سعة رحمة الله، وحض العباد على التعرض لذلك، والله المستعان وهو أعلم.
الألوكة
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك