بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ إننا نعتقد اعتقادا راسخا بأننا فى حال سفر ، ومن الممكن فى كل لحظة أن يأتي ملك الموت لنقلنا إلى عالم البرزخ .. إذ أن من مات قامت قيامته ، وقبره إما حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة .. فهل نحن في كل لحظة مستعدون لمثل هذا الرحيل الذي لا بد منه ؟ .. وهل تزودنا بما فيه ِ الكفاية لهذا السفر الطويل .... و هذا السفر البعيد .. البعيد .. البعيد للقاء الحق سبحانه .... ؟ أعزائي هنا أحاول تقديم بعضا ً من هذا الزاد علنا ننتفعُ منه ُ في سفرنا .. و البابُ مفتوح ٌ أمام الجميع لتقديم ما لديهم من الزاد النافع نتقوى به ِ غي سفرنا الحتمي المقبلين َ عليه _ شئنا أم أبينا _ و لا تبخلوا أخوتي بتقديم ملاحظاتكم و نصائحكم و إرشاداتكم .. و مساهماتكم للإستمرار في تقديم هذا الزاد .. تقبلوا شكري و تحياتي و تقديري
أول الزاد القيم :
كيف نجمع بين آية { إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } والاستعانة بالغير؟..
إن المصلي يقرأ في كل صلاة في سورة الحمد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؟ .. وكما هو معلوم هناك فرق بين {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، وبين نعبدك ونستعينك .. إذا قلنا: ( نعبدك ) فإن هذا لا ينافي أن نعبد غير الله عز وجل ، ولكن عندما نقول : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } أي نعبدك حصرا .. { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } أي نستعين بك حصرا . من حيث العبادة ، كلنا نعبد الله - عز وجل - حقيقة وحصرا ، ولكن المشكلة في الشق الثاني .. طبعا الشرك الخفي له مجاله ، ولكن الكلام هنا عن الاستعانة ؛ أي يا رب نستعين بك، ولا نستعين بأحد سواك .. فإذن كيف نجمع بين هذه المقولة ، وبين استعانة بعضنا ببعض في الحياة الدنيا ؟.. نحن نستعين بذوي الاختصاص : بالطبيب والمهندس ، ونجعل بعضنا وسطاء في قضاء الحوائج .. كيف نجمع بين { إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وبين الاستعانة بالغير كما هي سنة الحياة ؟.. إن القضية جدا بسيطة : أي أستعين بأخي المؤمن على أنه سبب من الأسباب ، وعلى أنه أداة بيد الله عز وجل { وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } .. ولو شاء الله لقلب فؤاده على خلاف ما هو يريد .. فرعون كان يقتل الأطفال ، ولكن عندما وقع موسى بيده تحول من عدو قاس إلى إنسان لين ، وجعله ابنا له .. عندما عاد موسى ليدعوا ربه ويبطل ألهوهية فرعون , منّ ّعليه بأنه رباه وليدا فـ{ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } .. فإذن ، إن معنى ذلك أن القلب بيد الله عز وجل ( إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن ، يصرفها كيف يشاء ). وبالتالي فإنه عندما يذهب الإنسان للأسباب الظاهرية عليه أن يذهب إلى أن هذا السبب بيد الله - عز وجل - ولو شاء لأزال سببيته .. ولهذا عندما تقضى حاجة المؤمن كعملية موفقة على يد جراح ماهر فإن أول خطوة عليه القيام بها هي أن يشكر الله - عز وجل - على هذه النعمة ، فيقول : يا رب لك الحمد، ولك الشكر ، أن سخرت لي فلانا .. فمن شكر الله على النعم سيسخر له رب العالمين أسبابا أخرى من باب : { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ }. إن الإنسان قد يكون في أعلى درجات الرفاهية، ولكن قلبه يعتصر حزنا وألما .. حيث أنه ليس هناك أي تلازم بين أن يكون الإنسان في سعة من الرزق ، وبين حزن قلبه أو فرحه .. فإذن ، لا يعتقدن أحد أن الرفاهية المادية ستشفع له في هذا المجال .. وكما هو متعارف: فإن الفقراء من أصفى الناس باطنا، وبعض التجار المترفين من أشد الناس عذابا !.. إن الحزن ليس حالة واحدة ، بل حالات متعددة: أولا : الحزن المقدس : إن النبي الأكرم (صلى الله عليه و سلم ) كان من أكثر الناس حزنا ، يقول القرآن الكريم : { طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى } .. كان يحمل حزنا عظيما ، ولكن هذا الحزن كان مقدسا ؛ لأنه حزن على الناس وعلى الأمة ، فقد كان (صلى الله عليه و سلم ) عندما يؤذيه قومه ، يقول : ( اللهم ! .. اغفر لقومي ؛ فإنهم لا يعلمون ) . إذن ، عندما يرى المؤمن أن حزنه نابع من تقصيره في العبودية : حيث أنه من الصباح إلى المساء لم يوفق لطاعة معتبرة ، أو عزم على ترك معصية ، وفي ساعة الامتحان وقع في تلك المعصية .. أو لا هذه ولا تلك ؛ أي لم يرتكب معصية ، ولكنه يعيش حالة الغفلة والبعد عن الله عز وجل ؛ فإن هذا الحزن مقدس .. لأن ذكر الله - عز وجل - بالنسبة للمؤمن الذي وصل إلى درجة عالية ، هو بمثابة الهواء الذي يستنشقه .. إذن ، هذا الحزن مقدس .. وعلى المؤمن أن يدعو ويقول : يا رب ، زدني حزنا !.. فهذا الحزن بمثابة المنبه ، يجعل المؤمن يتنبه إلى أن هناك شيئا ما ، أورثه هذا الحزن .
ثانيا : الحزن غير المقدس .. وهو حزن شيطاني ، إذ أن الإنسان يحزّن نفسه دون سبب .. هو وضعه جيد ، في نعمة ظاهرية وباطنية ؛ ولكنه قلقل من المجهول ، ويعيش في خوف من المستقبل .. حيث أن الله - عز وجل - منذ أن خلق آدم (عليه السلام ) إلى يومنا هذا ، ما أعطى ضمانا لأحد أن يعيش إلى آخر عمره على نحو ما هو يريد .. فالحياة فيها تقلبات .. و بالتالي إن الحزن الذي منشؤه الدنيا والحرص عليها ، غير مقدس . ثالثا : الحزن الذي لا يعلم سببه .. وهناك حزن لا يعلم هل هو مقدس أو غير مقدس .. لا هو من معصية ، ولا من غفلة ، ولا هو من ابتعاد ، ولا من دنيا .. سببه مجهول ، فما هو الحل ؟ .. على الإنسان أن يستقرئ باطنه ، ويرى الأسباب التي أورثته هذه الحزن .. ومن الأسباب التي لا نقيم لها وزنا ، إدخال الحزن على الآخرين .. إن رأيت حزنا في قلبك ، ابحث عن القلوب المحيطة بك ، لعلك كنت سببا في شعور إنسان بالألم والأذى ؛ فعجّل رب العالمين لك العقوبة في الدنيا ، أن جعل في قلبك هذا الحزن ، ليخفف عنك العذاب يوم القيامة . كان أحدهم مبتلى بمولى قاسي القلب ، شوهد جالسا مع كلب يأكل معه .. وعندما سئل عن السبب ، قال : لعل بإدخالي السرور على هذا الحيوان ، أرجو أن يدخل اللين على قلب المولى فيخلصني من شره .. إذا كان إدخال السرور على كلب نجس العين ، يوجب الفرج للمؤمن .. فكيف بإدخال السرور على قلب مؤمن بالله ؟ .. وكيف إذا كان بقلب تقي
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك