السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كثير من الناس
إن عاتبته على فعل المعصية
قال هذا أمر مكتوب عليّ ,, وهذا أمر مقدر من عند الله
يرد على أولئك سماحة شيخنا العلامة
محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
في شرحه للأصول الثلاثة
يقول ـ رحمه الله ـ رداً على أولئك
والإيمان بالقدر على ما وصفنا لا يمنح العبد حجة على ما ترك من الواجبات أو فعل المعاصي , وعلى هذا فاحتجاجه به باطل من وجوه /
الأول : قال تعالى : {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ }الأنعام148 .ولو كان لهم حجة بالقدر ما إذا مكن الله بأسه . الثاني : قوله تعالى {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }النساء165
ولو كان القدر حجة للمخالفين لم تنتف بإرسال الرسل . لأن المخالفة بعد إرسالهم واقعة بقدر الله تعالى .
الثالث : ما رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار أو الجنة فقال رجل من القوم : ألا نتكل يا رسول الله ؟ قال : لا اعملوا فكل ميسر , ثم قرأ {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى } الآية . وفي لفظ لمسلم : ” فكل ميسر لما خلق له ” فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعمل والنهي عن الإتكال على القدر .
الرابع : أن الله تعالى أمر العبد ونهاه , ولم يكلفه إلا ما يستطيع , قال الله تعالى : {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }التغابن16 , وقال : {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }البقرة286
ولو كان العبد مجبراً على الفعل لكن مكلفاً بما لا يستطيع الخلاص منه , وهذا باطل ولذلك إذا وقعت منه المعصية بجهل , أو نسيان , أو إكراه , فلا إثم عليه لأنه معذور .
والخامس : أن قدر الله تعالى سر مكتوم لا يعلم به العبد إلا بعد وقوع المقدور وإدارة العبد كما يفعله سابقة على فعله فتكون إرادته الفعل غير مبنية على علم منه بقدر الله , وحينئذ تنتفي حجته بالقدر إذ لا حجة للمرء فيما لا يعلمه .
السادس : أننا نرى الإنسان يحرص على ما يلائمه من أمور دنياه حتى يدركه ولا يعدل عنه إلى ما لا يلائمه ثم يحتج على عدوله بالقدر , فلماذا يعدل عما ينفعه في أمور دينه إلى ما يضره ثم يحتاج بالقدر , أفليس شأن الأمرين واحداً ؟
وإليك مثال يوضح ذلك : لو كان بين يدي الإنسان طريقان أحدهما ينتهي به إلى بلد كلها فوضى , وقتل , ونهب , وإنتهاك للأعراض , وخوف , وجوع , والثاني : منتهي به إلى بلد كلها نظام , وأمن مستتب , وعيش رغيد , واحترام للنفوس والأعراض والأموال . فأي الطريقين يسلك ؟ إنه سيسلك الطريق الثاني الذي ينتهي به إلى بلد النظام والأمان , ولا يمكن لأي عاقل أبداً أن يسلك طريق بلد الفوضى , والخوف , ويحتج بالقدر , فلماذا يسلك طريق في أمر الآخرة طريق النار دون الجنة ويحتج بالقدر ؟
مثال آخر : نرى المريض يأمر بالدواء فيشربه ولا تشتهيه نفسه , وينهى عن الطعام الذي يضره ويتركه ونفسه تشتهيه , كل ذلك طلباً للشفاء والسلامة , ولا يمكن أن يمتنع عن شرب الدواء أو يأكل الطعام الذي يضره ويحتج بالقدر فلماذا يترك الإنسان ما أمر الله ورسوله أو يفعل ما نهى الله ورسوله ثم يحتج بالقدر ؟
السابع : أن المحتج بالقدر على ما تركه من الواجبات أو فعله من المعاصي , لو اعتدى عليه شخص فأخذ ماله أو انتهك حرمته ثم احتج بالقدر , وقال : لا تلمني فإن اعتدائي كان بقدر الله , لم يتقبل حجته , فكيف لا يقبل الإحتجاج بالقدر في اعتداء غيره عليه , ويحتج به لنفسه في اعتدائه على حق الله تعالى .
ويذكر أن ـ أمير المؤمنين ـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفع إليه سارق استحق القطع , فأمر بقطع يده فقال : مهلاً يا أمير المؤمنين , فإنما سرقت بقدر الله , فقال : ونحن إنما نقطع بقدر الله …
المصدر
شرح الأصول الثلاثة والأصول الستة
للإمام محمد بن عبد الوهاب
شرح لفضيلة الشيخ العلامة
محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك