الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحاتُ، والصلاة والسلام على مُرشدنا إلى الخيرات، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديهم وابتغى الجنات.
وبعد :
فإن علماء السلف يقولون : إن من علامات قبول الحسنة، التوفيق للحسنة بعدها، ومن علامات عدم قبول الحسنة أن تُتبع بالسيئة، وقال الحق - سبحانه وتعالى - في سورة النحل : ﴿ ولا تكُونُوا كالتي نقضتْ غزْلها منْ بعْد قُوةٍ أنْكاثا ﴾ [النحل: 92]، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله تعالى من تغيُر الحال، فيقول : ((وأعوذ بك من الحوْر بعد الكوْر))؛ رواه مسلم.
والحوْر: الرجوع والنقصان.
والكوْر: هو من تكوير العمامة، وهو لفُها وجمعها، فاستعاذ -صلى الله عليه وسلم- من النقصان بعد الزيادة، وكان - عليه الصلاة والسلام - يدعو فيقول : ((اللهم يا مقلب القلوب، ثبتْ قلبي على دينك))، وقال -تعالى-: ﴿ ولوْ أنهُمْ فعلُوا ما يُوعظُون به لكان خيْرا لهُمْ وأشد تثْبيتا * وإذا لآتيْناهُمْ منْ لدُنا أجْرا عظيما *ولهديْناهُمْ صراطا مُسْتقيما * ومنْ يُطع الله والرسُول فأُولئك مع الذين أنْعم اللهُ عليْهمْ من النبيين والصديقين والشُهداء والصالحين وحسُن أُولئك رفيقا * ذلك الْفضْلُ من الله وكفى بالله عليما ﴾ [النساء: 66 - 70]، وقال - عز وجل -: ﴿ يا أيُها الذين آمنُوا اتقُوا الله وكُونُوا مع الصادقين ﴾ [التوبة: 119].
ومما لا شك فيه أن التوبة والعزم على فعل الطاعات بعد الحج، يستلزم حياة جديدة يبتعد فيها المرءُ عما يخالف ما عاهد عليه ربه في طوافه ووقوفه، والتنزه عن المُحرمات؛ فهو الآن قدوة لكل من يعرفونه، وينتظرون منه مثالية في كل تعاملاته؛ حتى لا يكون عمله مردودا، فلا يليق أبدا أن يكون كل ما اكتسبه من الحج صفة تسبق اسمه! وليس من الكياسة في شيءٍ أن يقع منه تقصير في العبادة بعد كل ما تكبد من جهدٍ ووقتٍ ومالٍ أثناء حجه.
إن من الأخطاء الكبيرة التي يقع فيها كثير من العوام، ويحتال بها عليهم الشيطان، حديث النفس لهم بأنهم الآن بلا ذنوب، فيغرهم بالله الغرور، فيقصرون في العبادة على اعتبار أن رصيدهم من الحسنات كبير، ولو أنهم فكروا لحظة، لاكتشفوا خداع الشيطان لهم؛ إذ من علامات القبول الاستمرارُ في الطاعة وزيادتها، وليس التراخي والتكاسل، وليكن لسان حالهم ما قاله رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((آيبون تائبون عابدون، لربنا حامدون))؛ رواه مسلم.
اللهم ارزُقْ كل من حج بيتك البر والتقوى، وصلِّ يا رب وسلم على خير الورى، وآله وصحبه، وارض عنهم وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
وآخر دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك