الحمد لله رب العالمين، رفع من أراد به خيرًا بالعلم والإيمان، أحمده تعالى وأشكره على نعمه الحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الرحيم الرحمن، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدالله ورسوله المؤيد بالقرآن، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا ..
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله.. اتقوا الله ربكم تسعدوا في الدنيا والآخرة ﴿ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾
إخوة الإسلام : ومضت إجازة الصيف كطيف عابر..ونحن فيها ما بين رابح وخاسر، مضت بما فيها من أحداث وأحوال..فهنيئا لمن أودعها ما ينفعه في دينه ودنياه .. وجبر الله مصاب من فرط فيها وضيع وندم على ما قدمت يداه ..
عباد الله: إذا كانت التربية مطلبا مهما في حياة المسلم في كل عصر ومصر، فإن هذا المطلب يتأكد أكثر في زمن الفتن المدلهمة، التي تثيرُ من الشبهاتِ والشهوات ما لا يقدر على رده – بعد توفيق الله- إلا من بُني بناء تربويا مُحكما، وأُسس تأسيسا شرعا وسطيا مُتقنا..وعندما تكونُ المدارسُ بابا مُشرعا لتلقي العلوم والمعارف، وسلما للوصول إلى الشهادات والوظائف..فإن أسمى غاياتها، وأنفعَ رسالاتها التي ينبغي أن يُدركَها الساسةُ فيها من معلمين ومعلمات هي التربيةُ.. التربيةُ التي تعيد صياغةَ الإنسان، وتجعلُه بإذن الله متصلا بالله تعالى، في عبادته وأخلاقه، وسلوكه، ومهاراته ومواهبه، وقدراته العلمية والاجتماعية، وتعامُلِه مع الناس، لينعكس هذا على المجتمع فيُبنى بناءً مستقيمًا وفقَ شرع الله سبحانه وتعالى...
عباد الله: وحتى نجنيَ ثمار التربية، فلابد من تحديد الأهداف التي نريدُ أن نصلَ إليها من خلال هذه التربية، وإنه لمن العبث الذي نعايشُه أن ندورَ في تربيتنا في دوائرَ مفرغة لا نصل معها إلى نتيجة مرضية، ولعل فوضى الحياةِ في الإجازة دليلٌ ظاهر على هذا الداء..
إن التربية صناعةُ جيل يعرفُ اللهَ ليطيعَه، ويجتبَ معصيته فتصعدَ به الأمةُ إلى حيثُ موقعُها الطبيعي..وعندما سمقت تربيةُ أطفال الحجارة في فلسطينَ على الجهاد والتوكل على الله والاستعانةِ به أثمرت مجاهدين أبطالا صنعوا الصواريخَ بل التاريخَ، واركعوا اليهودَ رغم قوتهم وعتادهم..﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ﴾ وفي الحديث (احفظ الله يحفظك) . إن التربيةَ تعني صقلَ عقل المربّى وقلبَه وتفكيره ومشاعره وسلوكه وتصرفاته .. وذلك لا يكون إلا بمنهج واضح التصور مرسوم الأهداف متاحِ الوسائل ..مع حرصٍ ورغبةٍ من المربي أبا كان أم مدرسا أم مشرفا..
عباد الله: ومما يصرف الهمة للتربية قبل التعليم إدراكُنا أن هذا هو منهجُ أنبياء الله ورسله الذين أُمرنا بالاقتداء بهم قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾..وهو منهج سلف الأمة وصالحيهم..قال ابن سيرين "كانوا يتعلمون الهَدَيْ كما يتعلمون العلم". فحشوُ المعلومات، ودراية القواعد والمسائل والنظريات لا تجدي مجردةً من تربيةٍ تُقوّمُ السلوكَ وتُعظّمُ الشعائرَ والأخلاق والعبادات.. فيجب علينا آباءً ومعلمين أن نحمل الهم، وأن نبذل الجهد حتى ننتج جيلا ربانيا، قويّ الإيمان، صادق التضحية، صارم الإرادة، همه نجاةُ الآخرة..وهذا واجب علينا ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾..
أسأل الله أن يوفق كلَّ مربٍّ لتتويج جهوده المباركة ، وتحقيق أهدافه السامية، إنه سميع مجيب .. أقول ما تسمعون وأستغفر الله…
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين :
إخوة الإسلام : ومما يصرف الهمةَ للتربية الجادة الناجحة إدراكُ خطرِ هذا السيلِ الجارف من الفتن التي تجاوزت الشهواتِ إلى الشبهات حتى أثمرت لدى بعضِ شباب الأمة إلحادا يشكك في وجود الخالق جل وعلا..ولذا كانت التربية العقديةُ مطلبا مُلحّا ينبغي أن يتصدر أولوياتِ التربية عند المعنيين بها من آباءَ ومعلمين..
عباد الله: ومما يصرف الهمة للتربية الراسخةِ الجادة حاجةُ الأمة للشخصياتِ المتكاملة التي تَصعَدُ الأمةُ على أكتافها بإذن الله تعالى..وذلك لا يتأتى بلا جهدٍ مضاعفٍ، وجدّية مُنتِجة ..
وإذا جعلنا للتربية الصادقة أهميةً في بيوتنا ومدارسنا فإننا سنجني بإذن الله ثمارا يانعة تُحبط كيدَ الفاسقين والمنافقين الذين ما زالوا يحيكون المؤامراتِ على المناهج والمتعلمين ليُذيبوا هويتَهم، ويستأصلوا صدقَ انتمائهم وغيرتَهم على عقيدتهم وشعائرِ دينهم.. ومن ثمار ذلك تعبيدُ الخلق حقا لله رب العالمين تعبيدا يعطي الصلاةَ وسائرَ العبادات قدرَها ومنزلتها ..ومن ثمار الاهتمام بالتربية القضاءُ على فوضى الأوقات، واستغلالُ الدقائق واللحظات ، فإن ذا الهمة السامقة لا يسترخص دقيقة من غير ثمرة ,,
ومن ثمار التربية الجادة البعدُ عن السطحية والسموّ بالاهتمامات فلا يأبه بما لا يفيد من مظاهرَ أو مغرياتٍ تقذفُه في محيط الضياع والحيرة والشتات.. ومن ثمار التربية الناضجة إعدادُ جيل يعتزُّ بدينه ويتحمل المسؤولية ولا يحيد عن الحق بل يبقى عليه ظاهرا لا يضره من خذله ولا من خالفه حتى يأتي أمر الله ..كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الطائفةَ المنصورة.. ومن ثمار التربية الصحيحة عدمُ الاستسلام للعوائق والمشكلات مهما ضخّمها الناس فيبقى المتربي متفائلا متوقدا لا يغفل عن توجيه النبي صلى الله عليه وسلم (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)..فالمتربي كما يجب لا يعرفُ الانهزاميةَ بل يحاول ويحاول حتى يحصد ما يريدُ بعد الاستعانة بالله تعالى..
عباد الله: وإذا كنا ندرك حقا أثر التربية على الفرد أيا كان فإن هذا الأثرَ لا يمكن أن ينطبع غالبا إلا إذا كان المربي قدوةً صالحة للمتربي .. ولذا جعل الله الأنبياء قدوةً لأممهم فقال عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ .. فكن أيها الأب والمعلمُ قدوة صالحةً لتنتج جيلا متربيا واضحَ المنهج عالي الهمة متوقدَ الطموح يقود الأمة لموقعها الحقيقي في خريطة العالم ..
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم ..
منقوووول للفائده
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
02-09-2014
