أوجب الله -سبحانه وتعالى- أداء الصلاة المفروضة مع الجماعة فقال تعالى: }وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ{ [البقرة: 43]، وداوم عليها r، وأصحابه مداومة شديدة حتى كأنها جزء من الصلاة، ولم يتركها r في السلم ولا في الحرب ولا في مرضه الذي مات فيه.
وفي مساجدنا اليوم اختفى هذا الأمر ولم يحرص الجميع على أدائها مع الجماعة، فإننا نرى حضور المصلين لصلاة الجمعة وامتلاء المساجد بهم، ثم لا نراهم في الصلوات الخمس، أيحسبون أنهم لا يحاسبون على هذا التقصير والتهاون؟ أم بأي عذر سقطت عنهم صلاة الجماعة حتى يتخلفوا عنها لا سيما وهم يسمعون ذلك النداء الذي يرتفع على المسامع خمس مرات كل يوم؟
أخي الحبيب:
لكم نحمد الله على ذلك، فكم من مسلم في بلاد الكفار يحرم من سماع هذا النداء، وكم من ميت لم يعد يجيب نداء التوحيد، وكم من مريض يحن إلى تلبية الدعوة ويحول بينه وبينها المرض، فإن لنداء التوحيد رنة في الأذن وفرحة في القلب، كيف لا، وهي دعوة من الله جل وعلا للسير في ركب الصالحين الراكعين الساجدين.
ولهذا كان أبو عمران الجزني إذا سمع الأذان تغير لونه وفاضت عيناه.
وقبله كان سيد المرسلين كما قالت عائشة رضي الله عنها «كان رسول الله r يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه» صلوات ربي وسلامه عليه.
وكان علي بن الحسين -رحمه الله- إذا توضأ يصفر لونه فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: تدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟
وحين استيقظ سليمان بن الأعمش من النوم لحاجة فلم يصب ماء، وضع يده على الجدار فتيمم، ثم نام، فقيل له في ذلك، قال: أخاف أن أموت على غير وضوء
وذلك امتثالاً لقول الرسول r: «واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن
ليس الطريق سوى طريق محمد
فهي الصراط المستقيم لمن سلك
من يمشي في طرقاته فقد اهتدى
سبل الرشاد ومن يزغ عنها هلك
توضأ منصور بن زاذان يومًا فلما فرغ دمعت عيناه ثم جعل يبكي حتى ارتفع صوته فقيل له: رحمك الله ما شأنك؟ فقال: وأي شيء أعظم من شأني؟ أريد أن أقوم بين يدي من لا تأخذه سنة ولا نوم، فلعله أن يعرض عني
وما ذاك إلا لصلاح قلوبهم وصفاء سرائرهم، فعندما قيل ليزيد بن عبد الله: ألا نسقف مسجدنا؟ قال: أصلحوا قلوبكم يكفكم مسجدكم
فإن من صلح قلبه وأخلص نيته لم ينظر إلى سقف ولا إلى نقش بل اهتم بصلاته وتأديتها على الوجه الأكمل رجاء قبولها.
وهذا عدي بن حاتم -رضي الله عنه- يقول: ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء
وتلبية النداء في حياتهم تتم بصورة عملية لا تراخي فيها ولا تكاسل، فهو نداء يعني لهم التوجه إلى المسجد وترك ما في أيديهم من أعمال الدنيا.
لنر إبراهيم بن ميمون المروزي ومهنته الصياغة وطرق الذهب والفضة، كان إذا رفع المطرقة فسمع النداء لم يردها.
إنهم رجال تفرغوا لتلبية هذا النداء طاعة لرب العالمين وامتثالاً لأمر سيد المرسلين، تركوا الدنيا جانبًا وقاموا عن أعمالهم سراعًا متجهين إلى الله -جل وعلا-.
أخي المسلم:
صلاة المرء في أخراه ذخر
وأول ما يحاسب بالصلاة
فإن يمت فطوبى ثم طوبى
له الفوز فيها بالصلاة
وإلا النار مثواه وتبًا
له تبًا بعد الممات
وكانوا من شدة الحرص على الصلاة وعلى الطاعات نراهم يتسابقون إلى المساجد حال النداء فهو كما قال الشاعر:
تراه يمشي في الناس خائفاً وجلاً
إلى المساجد هونًا بين أطمار
وحالنا اليوم خلاف ذلك، ونرى البون الشاسع و الفارق الكبير بين عباد الأمس ورجال اليوم، فهناك الكثير اليوم ممن لم يدخل المسجد قبل الأذان أو معه بل إن البعض قد يموت وهو لم يدخل المسجد بل يدخل به للصلاة عليه.
وهذا الاهتمام بأمر الصلاة الذي نراه في واقع حياتهم من حضورهم إلى المساجد مبكرين ومحافظتهم على الصف الأول نراه استجابة لقوله r: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لا يجدوا إلى أن يستهموا عليه لاستهموا عليه»
وحافظ على هذا الخير الكثير من سلف الأمة فكان بشر بن الحسن يقال له (الصفي) لأنه كان يلزم الصف الأول في مسجد البصرة خمسين سنة.
وانقلبت الأمور وتغيرت المفاهيم وندر من يحافظ على هذا الواجب العظيم والخير العميم.
أما عن الحرص على حضور التكبيرة الأولى مع الإمام التي لا يدركها الكثير من الناس اليوم فحدث ولا حرج.
قال سعيد بن المسيب: ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة وما نظرت في قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة
}وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ{.
هو مطلب يستحق المنافسة، وهو أفق يستحق السباق، وهو غاية تستحق الغلاب.
والذين يتنافسون على شيء من أشياء الأرض مهما كبر وجل وارتفع وعظم، إنما يتنافسون في حقير قليل فانٍ قريب الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، ولكن الآخرة ثقيلة في ميزانه فهي إذن حقيقة تستحق المنافسة فيها والمسابقة
بقى سليمان بن مهران سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولىرحمنا الله برحمته، فالبعض قد لا يدرك التكبيرة الأولى في السنة كاملة إلا مرة أو مرتين.. وانظر إلى الصفوف بعد انتهاء الإمام من الصلاة ترى أن من أدرك الصلاة كاملة هم القلة القليلة.
أين نحن من هؤلاء؟
هذا أسيد بن جعفر يقول: ما رأيت عمي بشر بن منصور فاتته التكبيرة الأولى، ولا رأيته قام في مسجدنا سائل قط إلا أعطاه
وقال وكيع بن الجراح: كان الأعمش قريبًا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى
بل إن بعضهم -رحمه الله - لم تفته التكبيرة الأولى مع الإمام إلا في يوم واحد منذ أربعين سنة ولعذر.
فقد قال ابن سماعة: مكثت أربعين سنة لم تفتني التكبيرة الأولى إلا يوم ماتت أمي
وإذا كان هذا ما عرفناه من اهتمامهم بالصلاة وبتكبيرة الإحرام خصوصًا، فلا غرابة إذا قال إبراهيم النخعي: إذا رأيت الرجل يتهاون بالتكبيرة الأولى فاغسل يديك منهوهذا إبراهيم التيمي يؤكد هذا الاهتمام وأنه عنوان صاحبه بقوله: إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يديك منهوقد أدرك السلف -رحمهم الله- ذلك فاهتموا بالتبكير إلى الصلاة فقال سفيان بن عيينة: إن من توقير الصلاة أن تأتي قبل الإقامة
* هذا هو شدة حرصهم واهتمامهم ما بالك إذا فاتتهم الصلاة في الجماعة مع شدة عنايتهم بها واستعدادهم لها.
قال قاضي الشام سليمان بن حمزة المقدسي: لم أصل الفريضة منفردًا إلا مرتين وكأني لم أصلهما قط، مع أنه قارب التسعين
وكانوا يتألمون لفوات هذا الخير العظيم والأجر الجزيل.
قال محمد بن المبارك الصوري: كان سعيد بن عبد العزيز إذا فاتته صلاة الجماعة بكى
ولم تكن صلاة الجماعة تعدل عندهم شيئًا من أمور الدنيا التي أصبحنا نلهث وراءها وربما نؤخر الصلاة من أجلها، فقد أتى ميمون بن مهران المسجد فقيل له: إن الناس قد انصرفوا فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لفضل هذه الصلاة أحب إلي من ولاية العراق
والبعض منا يفوت صلاة الجماعة لأمر بسيط وشغل قليل من أمور الدنيا لا يعدل شيئًا يذكر، فما بالك بولاية العراق؟!
وقوم أمرهم كذلك لابد أن هناك نوعًا من التأثر على فوات الجماعة فهذا ابن عمر إذا فاتته العشاء في جماعة أحيا بقية ليلته.
اغتنم في الفراغ فضل ركوع
فعسى أن يكون موتك بغتة
كم صحيح رأيت من غير سقم
ذهبت نفسه الصحيحة فلتة
أخي الحبيب:
صلاة الجماعة عند هؤلاء الأخيار لها منزلة عظيمة وفقدها كفقد عزيز لديهم، لعظم أمرها ولمعرفتهم بحقيقتها وهو كما جرى لحاتم الأصم عندما قال: فاتتني الصلاة في الجماعة فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف، لأن مصيبة الدين أهون عند الناس من مصيبة الدنيا
وهذا من درر الكلام ونفيسه: فما أكثر ما نرى من المعزين بفقد عزيز وذهاب قريب، ولكننا لا نرى من يعزي في فقد جانب من جوانب الدين، فاللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا.
قال يونس بن عبد الله: ما لي تضيع لي الدجاجة فأجد لها وتفوتني الصلاة فلا أجد لها
كم لدينا ممن يغتمون بهموم العمل وزيادة المراتب ومتى يحين موعد الترقية، ويسهرون الليالي وربما تطاول بهم الهم لا ينامون إلا قليلاً وفي النهار يتعبون ويجرون هنا وهناك بهمة ونشاط ويحسبون حسابًا لكل شاردة وواردة من أمر الدنيا، وتفوتهم الصلاة مع الجماعة وهو لا يألمون ولا يتألمون، وقد يتعذر البعض بكثرة المشاغل ومتطلبات الحياة وأمور الدنيا.
أخي الحبيب:
وأنت تهب من فراشك مسرعًا، تركت لذة النوم ولين الفراش، تردد مع المؤذن ما يقول ثم تسير إلى صلاة الفجر بخطوات مطمئنة.. في برد قارس وظلام دامس.
لا حرمك الله الأجر، وكتب خطواتك.. ألا فأبشر بخير عظيم بشرك به نبي هذه الأمة r بقوله: «بشروا المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» [رواه أبو داود والترمذي].
لا يغلبنك الشيطان ولا تتردد في القيام.. سر إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر..
بلغك الله ما قصدت وجعل الجنة مثواك..
أخي المسلم:
لنرى كيف كان اهتمام السلف الصالح بالطاعات والعبادات رغم الأعباء التي يحملونها، فهذا القاضي أبو يوسف يصلي بعدما ولي القضاء في كل يوم مائتي ركعةبل إن خليفة المسلمين هارون الرشيد بعد أن تولى الخلافة يصلي في كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا إلا أن يعرض له علة
وكان للمسجد عندهم اهتمام خاص لكونه مكانًا للعبادة فعندما رأى عطاء بن يسار رجلاً يبيع في المسجد دعاه فقال له: هذه سوق الآخرة فإن أردت الدنيا فأخرج إلى سوق الدنيا.
ونتمثل بقول الشاعر حين نرى التهاون والتكاسل:
أيا عجبًا كيف يعصى الإلـه
أم كيف يجحده جاحد؟
ولله في كل تحريكة
وفي كل تسكينة شاهد
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
منقوووول
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
جزاك الله خير الجزاء .. ونفع بك ,, على الطرح القيم
وجعله في ميزان حسناتك
وألبسك لباس التقوى والغفران
وجعلك ممن يظلهم الله في يوم لا ظل الا ظله
وعمر الله قلبك بالأيمان
على طرحك المحمل بنفحات ايمانيه
سررت لتواجدي هنا في موضوعك
لا عدمناك
جزاك الله خير الجزاء .. ونفع بك ,, على الطرح القيم وجعله في ميزان حسناتك وألبسك لباس التقوى والغفران وجعلك ممن يظلهم الله في يوم لا ظل الا ظله وعمر الله قلبك بالأيمان على طرحك المحمل بنفحات ايمانيه سررت لتواجدي هنا في موضوعك لا عدمناك
شكرا لمرروك الذي عطر المكان
ونشر بشذاه أركان موضوعي
فبارك الله فيك