بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة جمعة / جامع السديري 11/10/1416 7:15 ص
الشعور بالذنب
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، إله الأولين والآخرين . وأشهد أن محمد اً عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين ، أما بعد :-
عباد الله اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمدت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } .
عباد الله روى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر (رضي الله عنه) عن النبي ص فيما يرويه عن الله تبارك وتعالى أنه قال : (( يا عبادي ! إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعاً ، فاستغفروني أغفر لكم ))( ) .
كل إنسان كتب عليه نصيبه من الذنب ، والله سبحانه وتعالى لما كتب الذنوب على بني آدم فتح لهم باب الاستغفار والتوبة إليه ، والناس أما الذنوب على صنفين:-
صنف يدرك ذنبه ، ويخاف على نفسه منه ، ولو كان هذا الذنب من صغائر الذنوب ، وربما ذرفت عيناه خوفاً مما جنت يداه ، فهو يدرك عظمة من عصاه ، لذا فهو يبادر بالتوبة والاستغار مما جناه ، ولا يتوقف به الأمر عند هذا الحد بل يتبع السيئة الحسنة فإنها تمحها كما وعد بذلك الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه .
والمبادرة للتوبة والاستغفار وعدم الإصرار على الذنب من صفات المؤمنين الذين وصفهم ربهم سبحانه بقوله { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون }( ) .
ولقد كان رسول الله ص كثير التوبة والاستغفار على ماهو عليه من الهدى والتقى ، كما روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : سمِعتُ رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ : « واللَّه إِنِّي لأَسْتَغْفرُ الله ، وَأَتُوبُ إِليْه ، في اليَوْمِ ، أَكثر مِنْ سَبْعِين مرَّةً » .
وروى مسلم في صحيحه من حديث الأَغَرِّ بْن يَسار المُزنِيِّ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يا أَيُّها النَّاس تُوبُوا إِلى اللَّهِ واسْتغْفرُوهُ فإِني أَتوبُ في اليَوْمِ مائة مَرَّة » .
وصنف آخر من الناس يذنبون الذنب ويتهاونون به ، وإن لم يقولون ذلك بعبر ألسنتهم ، فإن أحوالهم تدل عليه . إن الاسنتمرار على الذنب وعدم الخوف من عاقبته ، إنما هو من التهاون به .
ما بال كثير من الناس اليوم يحلقون اللحى ، ألا يعلمون حرمته، أم أنهم آمنون من عاقبته.
ما بال كثير من الناس اليوم يسبلون الثياب ، أنسوا التهديد والوعيد على فعله ، أم أنهم أمنوا ضرره .
ما بال كثير من الناس اليوم يشربون الدخان ، أنسوا شدة خطره ، أم أنهم أسروا لنكهته .
ما بال كثير من الناس اليوم اعتادوا النظر إلى وجوه الكاسيات العاريات ، المائلات المميلات ، ينامون على مشاهدتهن ، ويستيقضون على ذكرهن ، مما يعرض لهم في وسائل الإعلام المرئية والمطبوعة . فتراه يقضي ليله في مشاهدة المسلسلات ، ونهاره في تقليب صفحات المجلات ، لا للبحث عن النفع والفائدة ، بل للتمتع بالنظر في وجوه الفاتنات .
ما بال كثير من الناس اليوم ألف سماع الغنى والموسيقى ، فملأت عليه قلبه ، واستحوذت على لبه ، فطردت منه حب سماع القرآن والعلم النافع .
إن هذه المعاصي وغيرها الكثير مما شاع وذاع بين الناس فتهاونوا بها واعتادوا فعلها، وقل المنكر لها ، وأن التهاون بها والاستمرار على فعلها خطر عظيم وضرر جسيم فمن ذلك على سبيل المثال ما يلي :-
1- أن الذنب يجر الذنب ، فإن الشيطان يتدرج بالإنسان من الذنب الصغير إلى الذنب الكبير ، فإن الإنسان في العادة لا يقع في كبائر الذنوب إلا وقد وقع في صغائرها أولاً ، وإن الذنوب إذا تراكمت على قلب الإنسان أعمته كما في قوله سبحانه وتعالى { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } .
2- إن التهاون بالذنب والاستمرار عليه ربما جر صاحبه إلى الكفر بالله سبحانه وتعالى ، والواقع يشهد بذلك ، فهذا أحد الشباب السعوديين قابلته بنفسي وصرح أمامي بالكفر قائلا : (( اذهب إلى الأمير سلمان وقل له إن معتز يقول إني رسول الله )) . ....
وآخر من هذا البلد أيضاً تدرج في المعاصي شيئاً فشيئاً حتى وقع أسيراً للمخدرات فباع كل مايملك من أجل الحصول عليها ، ولما فقد كل شيء في هذا البلد سافر إلى الخارج ، فوقع في أحد أوكار الترويج فطلب من البائعة شيئاً من هذا المخدر على أن يعطيها الثمن فيما بعد ، فأبت ، وبعد إصرار منه تحت ضغط المخدر وافقت ، واشترطت عليه شرطاً ، .....
3- الاستمرار على الذنب والتهاون به قد يكون سبباً في سوء خاتمة الإنسان ، وسوء الخاتمة هو الأمر الذي لا يمكن استدراكه ، يقول عبدالعزيز بن رواد : حضرت رجلاً في النزع فكنت ألقنه الشهادة ، فقال : كم تقول إنه كافر بما تقول ، ثم مات على ذلك . ويقول عبد العزيز فسألت امرأته عن حاله ، فقالت : كان مدمن خمر ، وقال عبد العزيز ، أتقوا الذنوب فإنها هي التي أوقعته .
4- ليعلم المتهاون بالذب والمستمر عليه أن ذنبه هذا ربما كان سبب هلاكه يوم القيامة ، كما في حديث سهل بن سعد (رضي الله عنه ) رفعه : {فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد ، فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود ، حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم ، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه }( )
هذا طرف من أخطار التهاون بالذنوب والإصرار عليها ، فهل نحن آمنون من عواقبها ، أم نحن ناجون من عذابها ، إن الأمن من عواقب الذنوب من صفات المنافقين ، فالمنافق هو الذي يرى ذنبه كأنه ذباب وقع على أنفه فهشه فكأن لم يكن .
ما بالنا لانعي قول ربنا تبارك وتعالى يتلى علينا صباح مساء ، ما بالنا لا نرعوي لهدي رسولنا محمد ص وهو الذي جاءنا بالشريعة السمحاء ، إن كنا نخشى على أنفسنا التعاسة والشقاء .
عباد الله اسمعوا قول ربكم تبارك وتعالى { قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم . وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون }( ) .
خطبة ثانية
عباد الله ما بالنا لا نقف مع أنفسنا موقف المحاسب ما في وقت المهلة والإمكان
أخي ما الذي يضرك لو أطلقت لحيتك واتصفت بهدي نبيك محمد ص ، أتظن أن الناس يسخرون منك ، لا ، بل سيزيد احترامهم وتقديرهم لك ، فكن مطمئناً ، وإن سخر منك أحد فلن يسخر منك إلا الجهال فهؤلاء لا اعتبار لهم ، فهم ساخرون على أي حال ، ثم اسمع مني همسة في إذنك إطلاقك لحيتك يجر لك الخير الكثير مما لا تعلمه الآن ولا تتصوره .
أخي ارفع إزارك فإنه أبقى لثوبك وأنقى لقلبك وأرضى لربك .
أخي ما الذي ما الذي يمنعك أن تستعين بالله وتعقد العزم على ترك الدخان ، ففي ذلك الخير الكثير لك ، وأقل ما في ذلك أن تتخلص من تلك الرائحة الكريهة التي يتقذرها العقلاء من الناس .
أخي غض بصرك عن النظر للكاسيات العاريات ، واعلم أن النظر سهم مسموم من سهام إبليس .
كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فعلت في قلب صاحبها فعل السهام بلا قوس ولا وتر
أخي كف عن سماع الغنة والموسيقى قبل أن يصب في أذنيك الآن يوم القيامة ، واعلم أنك مع سماع الغنة ربما لا تستفيد من النصائح والمواعظ .
عباد الله ، احرصوا على ما ينفعكم في دنياكم وأخراكم ، واستعدوا لما أمامكم ، وكونوا كقوم صيح بهم فانتبهوا ، فإن الأمر خطير والناقد بصير ، وفقنا الله جميعاً للهدى والتقى.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك