إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً .
أما بعد : فإن من محاسن شريعة الله تعالى مراعاة العدل وإعطاء كل ذي حق حقه من غير غلو ولا تقصير . فقد أمر الله بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي ، وبالعدل بعثت الرسل وأنزلت الكتب وقامت أمور الدنيا والآخرة .
والعدل إعطاء كل ذي حق حقه وتنزيل كل ذي منزلة منزلته ، ولا يتم ذلك إلا بمعرفة الحقوق حتى تعطى أهلها ، ومن ثم حررنا هذه الكلمة في بيان المهم من تلك الحقوق ليقوم العبد بما علم منها بقدر المستطاع ، ويتخلص من ذلك فيما يأتي :
هذه هي الحقوق التي نريدطرحهاعلى وجه الاختصار .
الحق الأول : حق الله تعالى
هذا الحق أحق الحقوق وأوجبها وأعظمها ؛ لأنه حق الله تعالى الخالق العظيم المالك المدبر لجميع الأمور،حق الملك الحق المبين الحي القيوم الذي قامت به السماوات والأرض، خلق كل شيء فقدره تقديرا بحكمة بالغة ، حق الله الذي أوجدك من العدم ولم تكن شيئا مذكورا ، حق الله الذي رباك بالنعم وأنت في بطن أمك في ظلمات ثلاث لا يستطيع أحد من المخلوقين أن يوصل إليك غذاءك ومقومات نموك وحياتك ، أدر لك الثديين ، وهداك النجدين ، وسخر لك الأبوين ، أمدك وأعدك .. أمدك بالنعم والعقل والفهم ، وأعدك لقبول ذلك والانتفاع به : ( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:78)
فلو حجب عنك فضله طرفة عين لهلكت ، ولو منعك رحمته لما عشت ، فإذا كان هذا فضل الله عليك ورحمته بك فإن حقه عليك أعظم الحقوق ، لأنه حق إيجادك وإعدادك وإمدادك ، إنه لا يريد منك رزقاً ولا إطعاماً : (لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (طـه:132)
وإنما يريد منك شيئا واحدا مصلحته عائدة إليك ، يريد منك أن تعبده وحده لا شريك له : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذريات:56-58) يريد منك أن تكون عبدا له بكل معاني العبودية ، كما أنه هو ربك بكل معاني الربوبية ، عبداً متذللاً له خاضعا له ، ممتثلا لأمره مجتنبا لنهيه مصدقا بخبره ، لأنك ترى نعمه عليك سابغة تترى ، أفلا تستحي أن تبدل هذه النعم كفراً .
لو كان لأحد من الناس عليك فضل لاستحييت أن تبارزه بالمعصية وتجاهره بالمخالفة ، فكيف بربك الذي كل فضل عليك فهو من فضله ؟ وكل ما يندفع عنك من سوء فمن رحمته : ( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) (النحل:53)
وأن هذا الحق الذي أوجبه الله لنفسه ليسير سهل على من يسر الله له ، ذلك بأن الله لم يجعل فيه حرجا ولا ضيقا ولا مشقةً قال الله تعالى : [COLOR="Green"](وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [/COLOR](الحج:78) إنه عقيدة مثلى وإيمان بالحق وعمل صالح مثمر ، عقيدة قوامها المحبة والتعظيم وثمرتها الإخلاص والمثابرة ، خمس صلوات في اليوم والليلة يكفر الله بهن الخطايا ويرفع بهن الدرجات ويصلح بهن القلوب والأحوال يأتي بهن العبد بحسب استطاعته : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(التغابن: الآية16) الآية .
قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين وكان عمران مريضا : ((صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب)) (1) .
زكاة وهي جزء يسير من مالك تدفع في حاجة المسلمين للفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمين وغيرهم من أهل الزكاة .
صيام شهر واحد في السنة ، ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام آخر ، ومن لم يستطع الصيام لعجز دائم يطعم مسكينا عن كل يوم .
حج البيت الحرام مرة واحدة في العمر للمستطيع .
هذه هي أصول حق الله تعالى وما عداها فإنما يجب لعارض : كالجهاد في سبيل الله، أو لأسباب توجبه كنصر للمظلوم .
أنظر يا أخي هذا الحق اليسير عملا الكثير أجرا إذا قمت فيه كنت سعيدا في الدنيا والآخرة ونجوت من النار ودخلت الجنة : ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)(آل عمران: الآية185) .
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك