عدد الضغطات : 9,176عدد الضغطات : 6,681عدد الضغطات : 6,399عدد الضغطات : 5,609
التميز خلال 24 ساعة
العضو المميز المراقب المميز المشرف المميز الموضوع المميز القسم المميز
قريبا
قريبا
قريبا

بقلم :
المنتدى الاسلامي العام

العودة   منتديات الحقلة > المنتدى الاسلامي > منتدى القرآن الكريم والتفسير

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: ذات مساء مساحه خاصه لكم (آخر رد :محمد الجابر)       :: مؤلم ... (آخر رد :محمد الجابر)       :: ...بم‘ـــآآآذآ تفــكــــر الآن ... (آخر رد :محمد الجابر)       :: لِ .. أَحَدُهُم ‘ ..| (آخر رد :محمد الجابر)       :: ضع بصمتك .. واترك أثراً ..~ (آخر رد :السموه)       :: وقع ولو بكلمه (آخر رد :السموه)       :: اللهم ... (آخر رد :السموه)       :: لـ نهتف : (يَآرَبْ )مساحة خاصه لكم لتناجون البارئ بماشئتم (آخر رد :السموه)       :: ثرثرة الواو (آخر رد :السموه)       :: دعاء اليوم ((متجدد بإذن الله)) (آخر رد :ابو يحيى)      


موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 04-07-2015   #1


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
 اوسمتي
الإتقان وسام ادارة المنتدى وسام صاحب الحضور الدائم العطاء الذهبي المسابقه الرمضانيه 2 
لوني المفضل : Cadetblue
دراسات قرآنية



حراسات, قرآنية

حراسات, قرآنية

التفسير السياسي للقرآن

دراسات قرآنية    دراسات قرآنية دراسات قرآنية

قد يبدو مصطلح (التفسير السياسي للقرآن الكريم) غريباً في محيطنا العلمي، لاعتبارات ارتباط المصطلح بمجمل مداخلات واقعية ومنهجية، إلا أنه على وفق شمولية القرآن الكريم وهيمنته يبدو هذا المصطلح واقعيًّا، بل ضروريًّا، وواجباً أحياناً، بوصفه يمثل البديل الحضاري والرد العلمي، فقد كانت كتب التفسير توفر رؤية واضحة للأمة في كل مرحلة تتعرض فيها أمتنا لأزمة حضارية -وما أكثر الأزمات التي تعرضت لها أمتنا- ومجابهة لتحديات عالمية -وما أكثر التحديات التي جابهتها الأمة- فقد كان الطبري -شيخ المفسرين- في تفسيره "جامع البيان" يُعبر عن واقع الحالة التي يفتقر إليها المجتمع الإسلامي آنذاك، وقد جَمَعَ كل ما يُستطاع من آثار في تفسير الكتاب المجيد، باعتبار أن الأمة كانت تخوض معتركاً هائلاً، تمثل في حركة التدوين التي قادها شيخ المفسرين الطبري.

أما الإمام الرازي فقد عاش في مرحلة أخرى تماماً، شهدت تحديات أخرى مختلفة، وهي اشتداد الصراع العقلي والفكري بين الأمة الإسلامية والأمم الأخرى بعد حركة الترجمة، وبروز الخط العقلي وشيوع الفلسفة، فكان لا بد للقرآن الكريم أن يقود المعركة، كما هو في كل معركة من معارك الأمة، فكان تفسير "مفاتيح الغيب" تعبيراً حيًّا ودقيقاً لاستبيان أجواء هذه المعركة.

وهكذا ينطبق الحال على تفسير البيضاوي المسمى "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" والذي حوى قواعد المنطق وأصول منهج الأشاعرة، الذي كان ينافح عن الأمة في مرحلة خطيرة من مراحل حياتها.

كما كان تفسير ابن تيمية المسمى "دقائق التفسير" وكذلك "التفسير الكبير" عبارة عن إجابات منهجية سريعة عن أسئلة أمة منهوكة بالجراح، مكلومة بالآلام، بعد الغزو المغولي والصليبي لها، وهي تعيش مرحلة الانتقال الخطرة.

وفي مرحلة متأخرة جاء الشوكاني في عصر أغلق فيه باب الاجتهاد، وساد فيه التقليد، واتخذ الناس رؤوساً جهالاً، وأضحى كل ذي رأي ومذهب معجباً برأيه ومذهبه، فوضع الشوكاني تفسيره المسمى "فتح القدير".

ثم جاء العصر الحديث بتقلباته، وتحدياته، وإشكالاته، وملابساته كلها، فكان تفسير الشيخ جمال الدين القاسمي "محاسن التأويل" بوصفه الاستجابة العلمية المبكرة للوضع في بلاد الشام.

ثم كان "تفسير المنار" الذي كان نِتاج جهود علمية ودعوية واجتهادية لثلاثة من أعمدة الفكر والعلم الإسلامي الحديث: جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا.

وفي الحقيقة؛ فإن جهود هؤلاء العمالقة تعد بدايات النهوض الفكري والعلمي، ولا سيما في مجال التفسير السياسي للقرآن، بل في إطار المواجهة الحضارية للأمة ومواجهة ضياع الخلافة؛ فقد دونت في هذا التفسير مسائل لم تكن على جانب كبير من الأهمية في التفاسير التي أشير إليها سابقاً، مثل الخلافة، والصراع الحضاري، وأسباب سقوط الحضارات، واستقلالية الأمة منهجيًّا، وسَبْق الإسلام في العلم، ونُظُم الإسلام المختلفة، وذلك ناتج من تجدد تحديات مختلفة أخرى، تختلف عن تحديات الماضي.

ثم أعقب تلك التفاسير تفسير "في ظلال القرآن" لشهيد الإسلام سيد قطب، وهو تفسير كُتب ليعالج مرحلة عصيبة من مراحل الأمة، حيث أخذت الأنظمة الاستبدادية، والتي تحكم بغير ما أنزل الله، تصول وتجول، وتعيث في الأرض فساداً وإفساداً، فكان هذا التفسير لسان حال الأمة في مواجهة تلك الأنظمة والوقوف في وجهها، والعمل على إعادة الأمور إلى نصابها.

وإذا كان كتاب الله تعالى قد قال قولته في أوجه الصراع الحضاري كلها، وفي مختلف المراحل، فما بال البعض يريد تحجيم الكتاب العزيز في أن يقول قولته وكلمته في السياسة الشرعية، التي لا نشك في أن القرآن جاء ليكوِّن أمة لها منهج ومشروع وحضارة، وجاء ليؤسس نظماً محددة، تقود المجتمع نحو الخير، وتحقق له الرخاء والنجاح.

مراجع التفسير السياسي للقرآن الكريم

عندما ندقق في مرجعيات التفسير السياسي للقرآن الكريم، فإننا نحتاج إلى دراسات موسعة ومعمقة، تقوم على عملية بحث واستقصاء موضوعي لآيات القرآن الكريم، وعودة شاملة لأقوال المفسرين فيها، يضاف إليها الأبحاث، والرسائل والدراسات، التي كتبت في هذا المضمار، ومن المراجع الأساسية في هذا الموضوع يشار إلى التفاسير التالية:

1- الأساس في التفسير سعيد حوى.

2- في ظلال القرآن سيد قطب.

3- تفسير المنار رشيد رضا.

4- محاسن التأويل جمال الدين القاسمي.

5- المصادر التي سبق ذكرها لا شك أنها معين ثرٌّ للتفسير السياسي للقرآن الكريم.

6- بعض المؤلفات التي تتحدث عن الفقه السياسي الإسلامي من خلال القرآن الكريم، وأهمها: أصول الفكر السياسي في القرآن الكريم للدكتور التيجاني عبد القادر أحمد، الفكر السياسي في القرآن المكي.

7- الرسائل الجامعية التي تناولت موضوع الفقه السياسي من خلال القرآن الكريم.

هذا، وإن من يضطلع بمهمة التفسير السياسي للقرآن الكريم ينبغي له أن يتحلى بمواصفات وخصائص إضافية على ما يحفل به من العلم والمعرفة، ونقصد بالمواصفات (الإضافية) في هذا السياق المعرفة بالواقع المعيش، وحجم المؤثرات فيه.

إن مصادر التفسير جميعها -قديمها وحديثها، وعلى اختلاف طرقها ومناهجها- لا يمكن التفريط بها في أي عملية بحثية، وما ذكر هنا من مصادر ومراجع إنما هو على سبيل الإجمال، لا الحصر.

إن الذي نرمي إليه هو الإفادة من القوة الهائلة والسنن الكبرى في القرآن الكريم في خوض معركة الأمة الحضارية، ولا سبيل أنجع وأقوى في حسم معارك الأمة جميعها؛ ومنها معركة الأمة السياسية كسبيل القرآن الكريم.

* مادة هذا المقال مستفادة من كتاب "الفقه السياسي الإسلامي" لمؤلفه خالد الفهداوي.

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك


الموضوع الأصلي: دراسات قرآنية || الكاتب: مصراوي || المصدر: منتديات الحقلة

منتديات الحقلة

منتديات الحقلة: منتديات عامة اسلامية ثقافية ادبية شعر خواطر اخبارية رياضية ترفيهية صحية اسرية كل مايتعلق بالمرأة والرجل والطفل وتهتم باخبار قرى الحقلة والقرى المجاوره لها





]vhshj rvNkdm pvhshj rvNkdm




]vhshj rvNkdm pvhshj rvNkdm ]vhshj rvNkdm pvhshj rvNkdm



 

قديم 04-07-2015   #2


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: دراسات قرآنية



قواعد الترجيح عند المفسرين


الناظر في كتب التفسير كثيراً ما يقف على تعدد في الأقوال حول المراد من لفظ قرآني، أو آية قرآنية، أو توجيه لمعنى معين، ونحو ذلك من تعدد في الأقوال، والآراء. وأحياناً يختلط على القارئ غير المتمرس الخطأ بالصواب، والحق بالباطل. من أجل حرص المفسرون على وضع قواعد تفسيرية يستعين بها المفسر في الترجيح بين الأقوال والآراء، ويستهدي بها لمعرفة القول الحق من القول الباطل، يقول الشيخ ابن تيمية رحمه الله في هذا الصدد: "فقد سألني بعض الإخوان أن أكتب له مقدمة تتضمن قواعد كلية، تعين على فهم القرآن ومعرفة تفسيره ومعانيه، والتمييز في منقول ذلك ومعقوله بين الحق وأنواع الأباطيل، والتنبيه على الدليل الفاصل بين الأقاويل؛ فإن الكتب المصنفة في التفسير مشحونة بالغَثِّ والسمين، والباطل الواضح والحق المبين".

وعلى الرغم من أهمية قواعد الترجيح في تعيين المراد من آيات القرآن الكريم، بيد أن العلماء المتقدمين لم يفردوا هذه القواعد بالتصنيف والتأليف، بل بثوها في تضاعيف تفاسيرهم، وأحياناً في مقدماتهم، وقد أفردها بالتأليف بعض أهل العلم المعاصرين.

ونحن في هذا المقال نذكر جملة صالحة من قواعد الترجيح، التي يستعين بها المفسر في الترجيح بين الأقوال، ويتبين على ضوئها الصحيح منها من الخطأ، ويقف على الحق منها من الباطل.

وتيسيراً للوقوف على هذه القواعد، فإننا سوف نصنفها وفق خمسة اعتبارات، مكتفين بسردها:

الاعتبار الأول: قواعد الترجيح المتعلقة بالنص القرآني

القاعدة الأولى: لا تصح دعوى النسخ في آية من كتاب الله إلا إذا صح التصريح بنسخها، أو انتفى حكمها من كل وجه.

القاعدة الثانية: إذا وقع التعارض بين احتمال النسخ واحتمال التخصيص، فالتخصيص أولى.

القاعدة الثالثة: إذا وقع التعارض بين النسخ والإضمار، فالإضمار أولى.

القاعدة الرابعة: إذا وقع التعارض بين النسخ والمجاز، فالمجاز أولى.

القاعدة الخامسة: إذا وقع التعارض بين النسخ والاشتراك، فالاشتراك أولى.

القاعدة السادسة: إذا وقع التعارض بين النسخ والنقل، فالنقل أولى.

القاعدة السابعة: إذا دل موضع من القرآن على المراد بموضع آخر حملناه عليه، ورجحنا القول بذلك على غيره من الأقوال.

الاعتبار الثاني: قواعد الترجيح المتعلقة بالقراءات

القاعدة الأولى: إذا ثبتت القراءة فلا يجوز ردها، أو رد معناها، وهي بمنزلة آية مستقلة.

القاعدة الثانية: اتحاد معنى القراءتين أولى من اختلافه.

القاعدة الثالثة: معنى القراءة المتواترة أولى بالصواب من معنى القراءة الشاذة.

القاعدة الرابعة: الوجه التفسيري والإعرابي الموافق لرسم المصحف أولى من الوجه المخالف.

الاعتبار الثالث: قواعد الترجيح المتعلقة بالسياق القرآني

القاعدة الأولى: إدخال الكلام في معاني ما قبله وما بعده أولى من الخروج به عنهما إلا بدليل يجب التسليم به.

القاعدة الثانية: لا يجوز العدول عن ظاهر القرآن إلا بدليل يجب الرجوع إليه.

القاعدة الثالثة: حمل معاني كلام الله على الغالب من أسلوب القرآن ومعهود استعماله أولى من الخروج به عن ذلك.

الاعتبار الرابع: قواعد الترجيح المتعلقة بالسنة والآثار والقرائن

القاعدة الأولى: إذا ثبت الحديث، وكان نصاً في تفسير الآية، فلا يصار إلى غيره.

القاعدة الثانية: إذا ثبت الحديث، وكان في معنى أحد الأقوال، فهو مرجِّح له على ما خالفه.

القاعدة الثالثة: كل تفسير خالف القرآن أو السنة أو إجماع الأمة فهو رد.

القاعدة الرابعة: لا يصح حمل الآية على تفسيرات وتفصيلات لأمور مغيبة لا دليل عليها من القرآن أو السنة.

القاعدة الخامسة: إذا صح سبب النزول الصريح، فهو مرجِّح لما وافقه من أوجه التفسير.

القاعدة السادسة: إذا ثبت تاريخ نزول الآية أو السورة، فهو مرجِّح لما وافقه من أوجه التفسير.

القاعدة السابعة: تفسير السلف وفهمهم لنصوص الوحي حجة على من بعدهم.

القاعدة الثامنة: تفسير جمهور السلف مقدم على كل تفسير شاذ.

القاعدة التاسعة: القول الذي تؤيده قرائن السياق مرجِّح على ما خالفه.

القاعدة العاشرة: القول الذي تؤيده آيات قرآنية مقدم على ما عُدِم ذلك.

القاعدة الحادية عشرة: القول الذي يعظِّم مقام النبوة، ولا ينسب إليها ما لا يليق بها أولى بتفسير الآية.

القاعدة الثانية عشرة: كل قول طعن في عصمة النبوة ومقام الرسالة فهو مردود.

القاعدة الثالثة عشرة: قول الجمهور وأكثر المفسرين مرجح لغيره من الأقوال.

الاعتبار الخامس: قواعد الترجيح المتعلقة بلغة العرب

القاعدة الأولى: كل تفسير ليس مأخوذاً من دلالة ألفاظ الآية وسياقها فهو رد على قائله.

القاعدة الثانية: ليس كل ما ثبت في اللغة صح حمل آيات التنزيل عليه.

القاعدة الثالثة: يجب حمل كلام الله تعالى على المعروف من كلام العرب دون الشاذ والضعيف والمنكر.

القاعدة الرابعة: يجب حمل نصوص الوحي على الحقيقة.

القاعدة الخامسة: إذا اختلفت الحقيقة الشرعية والحقيقة اللغوية في تفسير كلام تعالى قُدِّمت الشرعية.

القاعدة السادسة: إذا اختلفت الحقيقة العرفية والحقيقة اللغوية في تفسير كلام تعالى قُدِّمت العرفية.

القاعدة السابعة: القول بالاستقلال مقدَّم على القول بالإضمار.

القاعدة الثامنة: القول بالترتيب مقدَّم على القول بالتقديم والتأخير.

القاعدة التاسعة: إذا أمكن حمل الضمير على غير الشأن فلا ينبغي الحمل عليه.

القاعدة العاشرة: إعادة الضمير إلى مذكور أولى من إعادته إلى مقدر.

القاعدة الحادية عشرة: إعادة الضمير إلى المحدَّث عنه أولى من إعادته إلى غيره.

القاعدة الثانية عشرة: توحيد مرجع الضمائر في السياق الواحد أولى من تفريقها.

القاعدة الثالثة عشرة: الأصل إعادة الضمير إلى أقرب مذكور ما لم يرد دليل بخلافه.

القاعدة الرابعة عشرة: يجب حمل كتاب الله على الأوجه الإعرابية اللائقة بالسياق والموافقة لأدلة الشرع.

القاعدة الخامسة عشرة: يجب حمل كتاب الله على الأوجه الإعرابية القوية والمشهورة دون الضعيفة والشاذة والغريبة.

ونختم حديثنا عن قواعد الترجيح عند المفسرين بالملاحظات التالية:

الملاحظة الأولى: تميز بعض المفسرين عن بعض في تطبيق القواعد الترجيحية كثرة وقلة، وتحريراً وتأصيلاً لها، وتمثيلاً وترجيحاً بها؛ فمثلاً يلاحظ اهتمام الإمام الطبري بقواعد الترجيح المتعلقة بالسياق، وقواعد الترجيح المتعلقة باستعمال العرب للألفاظ والمباني، وتميزه في تحريرها، والترجيح بها على عكس قواعد الترجيح المتعلقة بالضمائر، فإن اهتمامه بها قليل. بالمقابل اهتم أبو حيان بقواعد الترجيح المتعلقة بالضمائر أكثر من اهتمامه بقواعد السياق، في حين اهتم الزمخشري وابن عطية كثيراً بقواعد السياق أكثر من غيرها. أما الشنقيطي فقد اهتم كثيراً بقواعد الأصول واللغة تحريراً وتأصيلاً، وتمثيلاً وتطبيقاً عند كل مناسبة. وهذا كله راجع إلى تأثر المفسر واهتمامه العلمي وتخصصه.

الملاحظة الثانية: أكثر قواعد الترجيح التي أتينا على ذكرها مشهورة معروفة نظريًّا، بيد أن تطبيقها بين أقوال المفسرين ليس بارزاً بروزاً يوازي شهرتها.

الملاحظة الثالثة: بعض قواعد الترجيح متفق عليها، أو على الأقل متفق على أصلها، لكن الخلاف يقع في تطبيقها، أو حتى في تأصيلها، واعتمادها.

الملاحظة الرابعة: تفيدنا قواعد الترجيح في معرفة الراجح من الأقوال في تفسير الآية، ما يسهم في معرفة وحفظ أرجح الأقوال في تفسير آيات الكتاب الكريم بعد تعذر حفظ كل الأقوال.

الملاحظة الخامسة: بعض قواعد الترجيح قد تتنازع المثال الواحد، فبعضها يطلب ترجيح قول، وبعضها يطلب ترجيح قول آخر، فضابط الترجيح بينها غلبة الظن.

الملاحظة السادسة: دراسة قواعد الترجيح تعطي رصيداً علميًّا غزيراً، وتكسب مَلَكَة واسعة في مقارنة أقوال المفسرين، وسبرها ومناقشتها، والوقوف بذلك على أرجح الأقوال بدليله.
* معظم مادة هذا المقال مستفادة من كتاب "قواعد الترجيح عند المفسرين: دراسة نظرية تطبيقية" حسين بن علي الحربي.



 

قديم 04-07-2015   #3


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: دراسات قرآنية



(الأكثرية) في القرآن الكريم



في القرآن الكريم آيات تصف أحوال أكثر الناس بوصف قبيح؛ كقوله سبحانه: {فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين} (الروم:43)، وقوله عز وجل: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (الأعراف:187)، وقوله تعالى: {ولكن أكثر الناس لا يشكرون} (البقرة:243)، وقوله عز من قائل: {فأبى أكثر الناس إلا كفورا} (الفرقان:50)، وقوله سبحانه: {قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون} (العنكبوت:63)، وقد تتكرر هذه الأوصاف قليلاً أو كثيراً بحسب مقتضيات الموضوع.

وبالمقابل، فقد وردت بعض الآيات تمتدح القلة من الناس، من ذلك قوله تعالى في سياق الحديث عن تسخير الريح والجن للنبي سليمان عليه السلام: {وقليل من عبادي الشكور} (سبأ:13). وقد سمع عمر رضي الله تعالى عنه رجلاً يقول: اللهم اجعلني من القليل! فقال عمر: ما هذا الدعاء؟ فقال الرجل: أردت قوله تعالى: {وقليل من عبادي الشكور}. فقال عمر رضي الله عنه: كل الناس أعلم منك يا عمر!

والقرآن الكريم من خلال وصفه لأكثر الناس بتلك الأوصاف إنما يقرر قاعدة عامة، وسنة كونية، حاصلها أن الخير والصلاح والهداية في البشر عامة قليل، وأن الأكثرية على عكس ذلك، فكثير منهم لا يؤمنون، وكثير منهم لا يعلمون، وكثير منهم لا يشكرون، إلى غير ذلك من الأوصاف التي تناولها القرآن الكريم.

والمراد بمصطلح (الأكثرية) الأغلبية المطلقة، أو معظم الشيء. وقد يراد من (الأكثر) الجميع؛ لأن أكثر الشيء يقوم مقام الكل، فيكون ذكر الأكثر كذكر الجميع.

وفيما يلي نحاول أن نتتبع أوصاف (الأكثرية) في القرآن، ونستخلص من كل وصف ما يدل عليه:

أولاً: وصف الأكثرية بأنهم مشركون

ليس يخفى أن الشرك بالله من أعظم الذنوب، بل هو الذنب الأعظم، وقد أخبر سبحانه أنه يغفر ذنوب عباده كلها إلا الشرك به، فإنه لا يغفره إذا مات العباد عليه. ووصف (الأكثرية) بالشرك ورد في آيتين كريمتين:

الأولى: قوله عز وجل: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف:106)، قال ابن كثير: "يخبر تعالى عن غفلة أكثر الناس عن التفكر في آيات الله ودلائل توحيده، بما خلقه الله في السموات والأرض من كواكب زاهرات ثوابت، وسيارات وأفلاك دائرات، والجميع مسخرات، وكم في الأرض من قطع متجاورات وحدائق وجنات وجبال راسيات، وبحار زاخرات، وأمواج متلاطمات، وقفار شاسعات، وكم من أحياء وأموات، وحيوان ونبات، وثمرات متشابهات ومختلفات، في الطعوم والروائح والألوان والصفات، فسبحان الواحد الأحد، خالق أنواع المخلوقات، المتفرد بالدوام والبقاء والصمدية ذي الأسماء والصفات".

الثانية: قوله تعالى: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين} (الروم:42) فالآية صريحة في أن أكثر الذين خلوا من قبل كانوا مشركين بخالقهم ورازقهم ومدبر أمرهم.

ثانياً: وصف الأكثرية بأنهم لا يؤمنون

الإيمان الصادق هو الضابط والمحرك والموجه للمسلم نحو العمل الصالح، وثمة علاقة طردية بين الإيمان وبين العمل الصالح، فكلما قوي الأول قوي الثاني، والعكس صحيح أيضاً.

وقد وردت ثلاث عشرة آية تنص على أن {أكثر الناس لا يؤمنون} والآيات هي:

- قوله تعالى: {ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} (هود:17).

- قوله جل وعلا: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} (يوسف:103).

- قوله سبحانه: {المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} (الرعد:1).

- قوله تعالى: {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين} (الشعراء:8) تكررت هذه الآية ثماني مرات في هذه السورة.

- قوله جل وعلا: {لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون} (يس:7).

- قوله عز وجل: {إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} (غافر:59).

يقول الشيخ السعدي: {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} بهذا القرآن، إما جهلاً وإعراضاً عنه وعدم اهتمام به، وإما عناداً وظلماً؛ فلذلك أكثر الناس غير منتفعين به، لعدم السبب الموجب للانتفاع". وأيضاً، فلأن أكثر الناس قد استحوذ عليهم الشيطان، فمسخ نفوسهم وقلوبهم، فصاروا مع حرص أهل الحق على إيمانهم، وحرصهم على دعوتهم إلى الحق، لا يؤمنون بالحق المبين، ولا يستجيبون للصراط المستقيم؛ لاستيلاء المطامع والشهوات على نفوسهم، وسيطرة الأحقاد على قلوبهم.

ومن الآيات ذات الصلة بالآيات المخبرة بعدم إيمان الأكثرية، قوله عز من قائل: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} (الأنعام:116)، قال الشنقيطي: "ذكر في هذه الآية الكريمة أن إطاعة أكثر أهل الأرض ضلال، وبين في مواضع أُخر أن أكثر أهل الأرض غير مؤمنين، وأن ذلك واقع في الأمم الماضية، كقوله: {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون}.

ثالثاً: وصف الأكثرية بأنهم لا يعلمون

حث الشرع الحنيف عموماً، والقرآن على وجه الخصوص على العلم، ومدح أهل العلم، وجعلهم في مرتبة متقدمة عن أهل الجهل، ومع ذلك فقد أخبر سبحانه في مواطن كثيرة من كتابه بأن {أكثر الناس لا يعلمون}.

والمتأمل في الآيات الكريمة التي اختتمت بأن الأكثرية {لا يعلمون}، يجدها في جملتها سبعاً وعشرين آية؛ منها إحدى عشرة آية خُتمت بقوله سبحانه: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (الأعراف:187)، (يوسف: الآيات 21، 40، 68) (النحل، الآية 38) (الروم، الآيتان 6، 30) (سبأ، الآيتان 28، 36) (غافر، الآية 57)، (الجاثية، الآية 26). وثمة تسع آيات خُتمت بقوله سبحانه: {ولكن أكثرهم لا يعلمون} (الأنعام:37)، (الأعراف، الآية 131) (الأنفال، الآية 34) (يونس، الآية 55) (القصص، الآيتان 13، 57) (الزمر، الآية 49) (الدخان، الآية 39) (الطور 47). وست آيات تضمنت قوله سبحانه: {بل أكثرهم لا يعلمون} (النحل:75) (النحل، الآية 101) (الأنبياء، الآية 24) (النمل، الآية 61) (لقمان، الآية 25) (الزمر، الآية 29). ووردت آية واحدة خُتمت بقوله سبحانه: {ولكن أكثرهم يجهلون} (الأنعام:111).

ووصف الأكثرية بعدم العلم احتراس؛ لإنصاف ومدح القلة من الناس، الذين يعطيهم الله تعالى من فضله ما يجعلهم لا يندرجون في (الكثرة) التي لا تعلم، بل هو سبحانه يعطيهم من فضله ما يجعلهم يعلمون ما لا يعلمه غيرهم.

يقول الشيخ السعدي معقباً على آية خُتمت بعدم علم (الأكثرية): "ومن العجب أن هذا القسم من الناس قد بلغت بكثير منهم الفطنة والذكاء في ظاهر الدنيا إلى أمر يحير العقول ويدهش الألباب، وأظهروا من العجائب العلمية ما فاقوا به وبرزوا، وأُعجبوا بعقولهم، ورأوا غيرهم عاجزاً عما أقدرهم الله عليه، فنظروا إليهم بعين الاحتقار والازدراء، وهم مع ذلك أبلد الناس في أمر دينهم، وأشدهم غفلة عن آخرتهم، وأقلهم معرفة بعاقبة أمرهم، قد رآهم أهل البصائر النافذة في جهلهم يتخبطون، وفي ضلالهم يعمهون، وفي باطلهم يترددون، نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون".

رابعاً: وصف الأكثرية بأنهم لا يشكرون

شكر المنعم من الواجبات، قال تعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} (البقرة:152). ووعد سبحانه عباده الشاكرين بزيادة نعمه عليهم، فقال تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم} (إبراهيم:7)، بيد أن الإنسان ظلوم كفور جهول، لا يعترف بما أنعم الله عليه، ولا يشكر خالقه على نعمه التي لا تحصى، ومن ثم جاء الوصف القرآني للأكثرية بعدم الشكر، وذلك في عشر آيات:

خُتمت ثلاث آيات منها بقوله سبحانه: {ولكن أكثر الناس لا يشكرون} (البقرة:243)، (يوسف، الآية 38) (غافر، الآية 61). وخُتمت آيتان بقوله تعالى: {ولكن أكثرهم لا يشكرون} (يونس:60) (النمل، الآية 73). وختمت أربع آيات بقوله عز وجل: {قليلا ما تشكرون} (الأعراف:10) (المؤمنون، الآية 78) (السجدة، الآية 9) (الملك، الآية 23). وخُتمت آية واحدة بقوله جل وعلا: {ولا تجد أكثرهم شاكرين} (الأعراف:17). ويمكن أن يضاف إلى هذه العشر قوله تعالى: {وقليل من عبادي الشكور} (سبأ:13) ومفهوم هذه الآية الأخيرة أن أكثرية العباد غير شاكرين، بل هم كافرون بخالقهم ورازقهم، وجاحدون بنعم الله عليهم، فلا تزيدهم النعمة شكراً، بل ربما استعانوا بنعم الله على معاصيه، وقليل منهم الشكور الذي يعرف النعمة، ويقر بها، ويصرفها في طاعة المنعم. وفي قوله سبحانه: {ولكن أكثر الناس لا يشكرون} إنصاف للقلة الشاكرة منهم، ومديح لهم على استقامتهم وقوة إيمانهم.

خامساً: وصف الأكثرية بأنهم كافرون

الأصل في الإنسان أن يولد مفطوراً على الإيمان بالله سبحانه، بيد أن جملة من المؤثرات الخارجية تأخذ بيده ذات اليمين وذات الشمال، فإما تثبِّته على طريق الحق والخير، وإما تدفع به إلى طريق الغواية والضلال. والخطاب القرآني يفيد أن الأكثرية تختار الطريق الثاني.

وصف الأكثرية بالكفر جاء في القرآن الكريم في آيتين: الأولى: قوله سبحانه: {ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا} (الإسراء:89). الثانية: قوله تعالى: {ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا} (الفرقان:50). ويمكن أن يدخل في هذا الوصف أيضاً قوله عز وجل: {وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور} (الحج:66) وقوله عز وجل: {وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين} (الزخرف:15). وقوله جل علاه: {وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون} (الروم:8). فالواجب على المؤمن حق الإيمان أن يعتقد أن كل نعمة أنعم الله بها عليه هي من عند الله المنعم المتفضل، ويجب أن يقابل كل هذه النعم بالشكر والامتنان لا بالكفر والجحود، ولا يفطن لذلك إلا من رُزق قلباً نابضاً بالإيمان، ولساناً لاهجاً بذكر الله تعالى وشكر نعمه.

سادساً: وصف الأكثرية بأنهم لا يعقلون

حث القرآن الكريم الإنسان على إعمال عقله، ودعاه إلى استخدامه فيما يعود عليه بالنفع في الدنيا، والخير في الآخرة. غير أن كثيراً من الناس غفلوا أو تغافلوا عن هذه الحقيقة؛ فهم إما أنهم لا يُعملون عقولهم، أو أنهم يُعملونها في غير ما يرضي الله سبحانه؛ لذلك جاء وصف الأكثرية في القرآن بأنهم {لا يعقلون}.

ووَصْفُ الأكثرية في القرآن بأنهم {لا يعقلون} ورد في ثلاث آيات: الأولى: قوله تعالى: {ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون} (المائدة:103). الثانية: قوله سبحانه: {ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون} (العنكبوت:63). الثالثة: قوله عز وجل: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} (الحجرات:4) وهذه الآيات تخبر أن أكثر الناس لا يُعملون عقولهم فيما أنعم الله عليهم من خيرات ونعم، ولا يتأملون فيما بثه حولهم من آيات وعبر.

سابعاً: وصف الأكثرية بغير ما تقدم

وردت آيات أُخر تصف (الأكثرية) بغير ما تقدم من الأوصاف، هي:

1- قوله تعالى: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} (الأعراف:101-102) أي: ما وجدنا لأكثر الناس من وفاء بعهودهم في الإيمان والتقوى، بل الحال والشأن أننا علمنا أن أكثرهم فاسقون، خارجون عن طاعتنا، تاركون لأوامرنا، منتهكون لحرماتنا. قال الشوكاني: "الضمير يرجع إلى أهل القرى المذكورين سابقاً، أي: ما وجدنا لأكثر أهل هذه القرى من عهد، أي: عهد يحافظون عليه ويتمسكون به، بل دأبهم نقض العهود في كل حال. وقيل: الضمير يرجع إلى الناس على العموم، أي: ما وجدنا لأكثر الناس من عهد". وقال الشيخ السعدي معقباً على هذه الآية: "فالله تعالى امتحن العباد بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وأمرهم باتباع عهده وهداه، فلم يمتثل لأمره إلا القليل من الناس، الذين سبقت لهم من الله سابقة السعادة. وأما أكثر الخلق فأعرضوا عن الهدى، واستكبروا عما جاءت به الرسل، فأحل الله بهم من عقوباته المتنوعة ما أحل".

2- قوله سبحانه: {كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون * بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون} (فصلت:3-4) المراد بـ (الأكثر) هنا: الكافرون الذين لا ينتفعون بهدايات القرآن الكريم. والمراد بالآية: أن هذا القرآن أنزله سبحانه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس به من الظلمات إلى النور، فأعرض أكثرهم عن هداياته؛ لاستحواذ الشيطان عليهم، فهم لا يسمعون سماع تدبر واتعاظ، وإنما يسمعون بقلوب قاسية، وعقول خالية من إدراك معانيه، ومن الاستجابة له.

3- قوله عز وجل: {فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون} (يونس:92)، أي: أكثر الناس غافلون عن آيات الله، وسادرون عنها.

4- قوله جل وعلا: {ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} (الكهف:54) قال ابن كثير: ولقد بينا للناس في هذا القرآن، ووضحنا لهم الأمور، وفصلناها؛ كيلا يضلوا عن الحق، ويخرجوا عن طريق الهدى. ومع هذا البيان وهذا الفرقان، الإنسان كثير المجادلة والمخاصمة والمعارضة للحق بالباطل، إلا من هدى الله وبصَّره لطريق النجاة".

5- قوله تعالى: {ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء} (الحج:18) أي: إن كثيراً من الناس امتنع عن طاعة ربه، وأبى الخضوع لأمره، واستكبر في الأرض، فحق عليه العذاب.

6- قوله عز وجل: {وقليل ما هم} (ص:24) أي: إن الصالحين من العباد قليلون، والطالحون منهم كثيرون.

ومقابل الآيات التي وصفت (الأكثرية) بأوصاف مذمومة شرعاً وعقلاً، وردت آية تصف الأكثرية بأوصاف محمودة، تلك قوله عز وجل: {ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب} (الحج:18) قال ابن كثير: "أي: {وكثير من الناس} يسجد لله طوعاً مختاراً متعبداً بذلك". روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "المعنى: وكثير من الناس في الجنة، وكثير حق عليه العذاب". فمَدْح (الأكثرية) في الآية مع أنه غير مصرح به، بيد أنه مستفاد من التصريح المقابل بأن (الأكثرية) حق عليها العذاب؛ إذ كثيراً ما يُستغنى بدلالة ما هو مذكور على ما هو محذوف.

وفي الختام نشير إلى أمرين مهمين:

الأول: أن القرآن من خلال وصفه للأكثرية بتلك الأوصاف، إنما يكشف عن طبيعة النفس البشرية في كل زمان ومكان، كي يحملها على مخالفة أهوائها، ولجم شهواتها، والحد من رغباتها، ويحثها على الإكثار من ذكر الله تعالى، وشكر نعمه وأفضاله.

الثاني: أن الآيات التي ذمت (الأكثرية) ينبغي أن تقرأ ضمن سياقاتها التي وردت فيها، وأن تُفهم وفق أسباب نزولها؛ إذ الأغلب في تلك الآيات أنها وردت في حق أقوام معينين، وبالتالي فذم (الأكثرية) ليس على إطلاقه، لكن ثمة بعض الآيات التي وصفت (الأكثرية) بأوصاف مذمومة، يفيد سياقها أن المراد منها مطلق الوصف، بمعنى وصف (الأكثرية) من الناس بهذا الوصف المذموم، لا أقوام معينين، فالسياق هو المحدد الرئيس في بيان المراد، فينبغي الالتفات إليه.



 

قديم 04-07-2015   #4


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: دراسات قرآنية



أسباب اختلاف المفسرين



الناظر في كتب التفسير والمتأمل في ثناياها لا يعجزه أن يقف على تعدد أقوال المفسرين في تفسير آية ما، أو اختلافهم في تحديد المراد من كلمة، ونحو ذلك مما تتعدد فيه الأقوال، وتتنوع فيه الاختلافات. نرمي في هذا المقال إلى رصد هذه الظاهرة التفسيرية، وتبيان أسبابها.

المراد بـ (الاختلاف)

(الاختلاف) لغة ضد الاتفاق، والاختلاف والمخالفة أن يأخذ كل واحد طريقاً غير طريق الآخر في حاله أو قوله. و(الاختلاف) قد يراد به اختلاف التنوع، وقد يراد به اختلاف التضاد. و(الاختلاف) في التفسير نوعان: اختلاف تنوع، وهو الاختلاف المحمود، واختلاف تضاد وهو المذموم.

و(الاختلاف المذموم) -كما عرفه السيوطي- ما يدعو فيه أحد الشيئين إلى خلاف الآخر.

و(الاختلاف المحمود) هو ما يوافق الجانبين كاختلاف وجوه القراءة. وهذا النوع من الاختلاف مفيد في فهم المعنى، وفيه إثراء له.

و(الاختلاف) في أقوال السلف في التفسير معظمه اختلاف تنوع في العبارة، وليس اختلاف تضاد. أما اختلاف التضاد، وهو ما كانت العبارات فيه متعارضة، بحيث إذا أُخذ بأحد الأقوال لم يؤخذ بغيره، فهو قليل بين السلف.

ونكتفي في هذا المقام بذكر مثال على الاختلاف الذي يذكره المفسرون، ونختار ما ذكره الطبري عند تفسيره لقوله تعالى: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر} (النساء:59)، قال: "اختلف أهل التأويل في (أولي الأمر) الذين أمر الله بطاعتهم في هذه الآية؛ فقال بعضهم: هم الأمراء..وقال آخرون: هم أهل العلم والفقه..وقال آخرون: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم..وقال آخرون: هم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما"، فأنت ترى أن الأقوال تعددت في المراد من (أولي الأمر)، ولكل قول دليله وسنده، وهذا الاختلاف في تحديد المراد أمر واقع في التفسير، لا يمكن نكرانه، ولا تجاهله. وإذا كان الأمر كذلك، فمن المفيد أن نقف على أسباب هذا الاختلاف.

أسباب الاختلاف

ذكرنا أن اختلاف المفسرين على نوعين: اختلاف تنوع، واختلاف تضاد، وأن الأول هو الغالب في كلام السلف، أما الثاني فهو قليل؛ وحديثنا هنا مقتصر على أسباب اختلاف التنوع.

يمكن إرجاع اختلاف التنوع إلى جملة من الأسباب، هي وفق التالي:

السبب الأول: تنوع الأسماء والصفات، بأن يعبر كل مفسر عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه، تدل على معنى في المسمى، غير المعنى الآخر، مع اتحاد المسمى، مثل أسماء الله الحسنى، وأسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسماء القرآن. فأسماء الله الحسنى كلها تدل على مسمى واحد، فليس دعاؤه باسم من أسمائه الحسنى مضاداً لدعائه باسم آخر، قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} (الأعراف:180) فكل اسم من أسماء سبحانه يدل على شيئين: على ذات الله، وعلى الصفة التي تضمنها هذا الاسم، كـ {الرحيم} يدل على الله، ويدل على صفة الرحمة، و{القدير} يدل على الله، ويدل على صفة القدرة، وهكذا. والأمر كذلك مع أسماء رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأسماء القرآن، فالرسول صلى الله عليه وسلم له أسماء متعددة، كمحمد، وأحمد، والماحي، والحاشر، والعاقب. والقرآن له أسماء متعددة كذلك، مثل: القرآن، والكتاب، والفرقان، والشفاء، والبرهان.

ومن أمثلة هذا النوع أيضاً: اختلاف المفسرين في معنى قوله سبحانه: {الصراط المستقيم}، قال بعضهم: هو القرآن، وقال بعضهم: هو الإسلام، وقال بعضهم: هو السنة والجماعة، وقال آخرون: هو طريق العبودية، وقال فريق، هو طاعة الله ورسوله. ولا تنافي بين جميع هذه الأقوال؛ لأنهم جميعاً أشاروا إلى ذات واحدة، ولكن كل واحد منهم وصفها بصفة من صفاتها.

السبب الثاني: التعبير بالمثال، حيث يذكر كل واحد منهم من الاسم العام بعض أنواعه، لا على سبيل مطابقة الحد للمحدود في عمومه وخصوصه، ولكن على سبيل التمثيل، بتنبيه الإنسان على النوع، مثال ذلك قوله تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} (فاطر:32). فالمعروف أن (الظالم لنفسه) هو الذي ترك المأمورات، وارتكب المحظورات، وأن (المقتصد) هو الذي اقتصر على فعل المأمورات وترك المحظورات، وأما (السابق في الخيرات) فهو الذي زاد على أداء الواجبات فعل المستحبات، وزاد على ترك المحظورات توقي الشبهات، بيد أن المفسرين اختلفت عباراتهم في تفسيرها، فقد قال بعضهم: (السابق) الذي يصلي في أول الوقت، و(المقتصد) الذي يصلي في أثنائه، و(الظالم لنفسه) الذي يؤخر العصر إلى الاصفرار. وقال بعضهم: (الظالم) آكل الربا، أو مانع الزكاة، و(المقتصد) الذي يؤدى الزكاة المفروضة، ولا يأكل الربا، و(السابق) المحسن بأداء المستحبات مع الواجبات، إلى غير ذلك من عباراتهم. فكل نوع من هذه الأنواع التي ذكروها داخل تحت الآية، وأُريد به التنبيه على مثيله؛ لأن التعريف بالمثال قد يكون في بعض الأحوال أفضل من التعريف بالحد المطابق.

السبب الثالث: ما كان الاختلاف فيه راجعاً إلى احتمال اللفظ أمرين، أو أكثر، وهو ما يسمى بالاشتراك اللغوي، كلفظ {قسورة} في قوله تعالى: {فرت من قصورة} (المدثر:51)، فيُحتمل أن يراد به الرامي، ويُحتمل أن يراد به الأسد. ونحو ذلك من الألفاظ المشتركة، التي اتحد لفظها واختلف معناها، كلفظ (اليمين)، يطلق على اليد، وعلى القوة، وعلى القسم، وكلفظ (العين)، يطلق على عين الماء، وعلى العين الباصرة، وعلى الجاسوس، ونحوها.

السبب الرابع: التفسير بألفاظ متقاربة، لا مترادفة. فقد يعبر المفسر عن اللفظ بلفظ قريب، لا بلفظ مرادف له. مثال ذلك ما ذكره المفسرون في قوله تعالى: {وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت} (الأنعام:70)، فقد فسر بعضهم قوله: {تبسل} بمعنى تحبس، وقال بعضهم: ترتهن، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: تفضح، وليس هناك تضاد بين هذه الأقوال، فالمفسر حين يفسر إنما يريد تقريب المعنى.

السبب الخامس: الاختلاف في مرجع الضمير. مثاله قوله عز وجل: {إنه ربي أحسن} (يوسف:23)، فروي عن مجاهد أن الضمير يعود على (السيد)، يعني: زوج المرأة. وصحح أبو حيان عود الضمير إلى الله تعالى، أي: "إن الله ربي أحسن مثواي؛ إذ نجاني من الجب، وأقامني في أحسن مقام"، وهذا هو الراجح؛ لأن مراعاة يوسف عليه السلام لحقوق الله تعالى، وصونه لنعمه، يتضمن مراعاة حقوق العباد، وقوله تعالى في ختام الآية: {إنه لا يفلح الظالمون} الذين يسلبون حقوق الآخرين، ويفرطون في العهود، ويخونون الأمانات، وينتهكون الحرمات، ومراعاة حق الله عز وجل مقدم على مراعاة حق العباد.

السبب السادس: اختلاف القراءات القرآنية، نحو قوله تعالى: {وقالت هيت لك} قرأ نافع وابن ذكوان عن ابن عامر، وأبو جعفر بكسر الهاء وفتح التاء، (هِيتَ) وقرأ ابن كثير بفتح الهاء وضم التاء (هَيْتُ) وقرأ الباقون بفتح الهاء وسكون التاء (هَيتْ)، وقرأ هشام -كما روي عنه إبراهيم بن عباد- (هِئتُ) بكسر الهاء وضم التاء، أي: تهيأت لك، ومدار القراءات حول معنى واحد وهو: هلم وأقبل، فلقد تهيأت لك.

السبب السابع: الاختلاف في القول بالنسخ، فقد يقول بعض المفسرين بالنسخ لمجرد التعارض، ولو أمعنوا النظر وأعملوا الفكر لما وجدوا تعارضاً بين النصوص يدعو إلى القول بالنسخ، فإعمال النص خير من إهماله، ولقد توسع المتقدمون في النسخ، حتى أدخلوا فيه ما ليس منه، فاعتبروا التخصيص والبيان والتقييد من قبيل النسخ. قال ابن القيم: "ومن تأمل في كلامهم -يعني المتقدمين- رأى من ذلك فيه ما لا يحصى، وذهب عنه به إشكالات، أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر". والمثال على هذا الاختلاف اختلافهم في قوله تعالى: {لا إكراه في الدين} (البقرة:256)، فقد قال فريق من أهل العلم: إن الآية منسوخة؛ لأنها نزلت قبل أن يفرض القتال. والصواب أن الآية غير منسوخة.

السبب الثامن: الاختلاف في حمل اللفظ على الحقيقة أو المجاز. من ذلك اختلافهم في تفسير قوله تعالى: {حمالة الحطب} (المسد:4) قيل: كانت تحمل الأشواك، وتنثرها أمام بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إيذاء له، فكان جزاؤها في الآخرة من جنس عملها في الدنيا، حيث تحمل الحطب على ظهرها في نار جهنم لتزداد النار حرارة والتهاباً وسعيراً عليها وعلى زوجها، الذي كانت تنفث فيه روح الحقد، وتذكي نار غضبه، وتضرم لهيب حسده لرسول الله، فيزداد حنقاً عليه وايذاء له. وقيل: كانت تمشي بين الناس بالنميمة، فتنمي العداوة بينهم، كما تزداد النار اشتعالاً وحرارة حين يلقى الحطب فيها. وقيل: كانت تعير رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر، ثم إنها كانت تحتطب بنفسها، وتحمل الحطب على ظهرها؛ لشدة بخلها، وحرصها، فعيرت بالبخل. وقيل: أي: حمالة الخطايا والذنوب، وإذا كان الحطب يشعل النار، فإن الخطايا والآثام تلقي بصاحبها في النار. فهذه الأقوال منها ما هو على سبيل الحقيقة، ومنها ما هو على سبيل المجاز.

السبب التاسع: تفاوتهم في معرفة السنة النبوية: من ذلك أنه قد لا يبلغ الحديث أحد الصحابة أو التابعين، فيجتهد في المسألة، فيدلي برأي مخالف لما قال به النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه يتراجع عن رأيه حين يصله الحديث. مثال ذلك: اختلاف بعض الصحابة في عدة المتوفى عنها زوجها إذا وضعت حملها، هل تنقضي عدتها بوضع الحمل، فينطبق عليها قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} (الطلاق:4) أو تعتد بأربعة أشهر وعشراً، وهي عدة المتوفي عنها زوجها، كما في قوله سبحانه: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} (البقرة:234) فقد رأى ابن عباس رضي الله عنهما أن المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملاً تعتد بأبعد الأجلين، ورأى ابن مسعود أنها إذا وضعت حملها قبل تمام الأربعة أشهر وعشر فعدتها بوضع الحمل.

السبب العاشر: الاختلاف في الإطلاق والتقييد: و(الإطلاق) تناول واحد غير معين، و(التقييد) تناول واحد معين، أو موصوف بوصف زائد؛ فقد يري بعض المفسرين بقاء المطلق على إطلاقه، ويرى آخرون تقييد هذا المطلق بقيد ما، من ذلك عتق الرقبة في كفارة اليمين، وكفارة الظهار، فقد وردت في كفارة اليمين مطلقة في قوله تعالى: {أو تحرير رقبة} (المائدة:89)، ووردت مقيدة في كفارة القتل الخطأ في قوله عز وجل: {فتحرير رقبة مؤمنة} (النساء:92) فحَمَلَ بعض المفسرين المطلق على المقيد، وقالوا: لا تجزئ الرقبة الكافرة، وأبقى بعضهم المطلق على إطلاقه، فقالوا: تجزئ أي رقبة مؤمنة أو غير مؤمنة.

السبب الحادي عشر: الاختلاف في العموم والخصوص: مثال ذلك اختلافهم في تفسير قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات} (البقرة:221) فمن المعلوم أن النصرانيات واليهوديات مشركات، لكنهن لا يدخلن في عموم هذه الآية، بدليل قوله تعالى في سورة المائدة: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} (المائدة:5) فعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله سبحانه: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: نُسخ من ذلك نكاح نساء أهل الكتاب، أحلهن للمسلمين، وحرم المسلمات على رجالهم. وذهب فريق إلى أن الآية على عمومها، يدخل فيها كل مشركة من أي أصناف الشرك كانت، غير مخصوص منها مشركة دون مشركة، وثنية كانت، أو مجوسية أو كتابية، ولا نسخ منها شيء.

السبب الثاني عشر: الاختلاف في فهم حروف المعاني: فقد يدل الحرف على أكثر من معنى، كما في قوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم} فقيل: (الباء) للملاصقة. وقيل: للتبعيض. ومثال ذلك أيضاً اختلافهم في (من) الواردة في قوله تعالى: {وخلق منها زوجها} (النساء:1) قيل: إنها تفيد التبعيض؛ لأن حواء خُلقت من بعض آدم عليه السلام. وقيل: إنها بيانية؛ لأن حواء خُلقت من جنس آدم، وخلقها الله من جنسه؛ لتتحقق الألفة والوئام والمودة، والانسجام؛ لأن الجنس إلى الجنس أميل.

السبب الثالث عشر: الاختلاف في أوجه الإعراب: من ذلك اختلافهم في تفسيرهم لقوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون} (المائدة:69) حيث جاءت كلمة (الصابئون) في الآية مرفوعة، وما قبلها منصوب، والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى، والصابئون كذلك، قال ابن كثير: "لما طال الفصل حسن العطف بالرفع". وقيل: {والصابئون} معطوف على محل {إن} واسمها، ومحلها الرفع، والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا، والصابئون كذلك.

السبب الرابع عشر: اختلافهم في أسباب النزول: مثاله الآيات الواردة في صدر سورة التحريم؛ وقد نزلت تعقيباً على ما حدث في بيت النبوة، حين حرَّم رسول الله على نفسه شيئاً أحله الله له، وأسر بذلك إلى إحدى زوجاته، فنبأت به عائشة رضي الله عنها، فنزل القرآن الكريم بآيات بينات فيها عتاب لرسول الله، وتوجيه لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن. وقد وردت روايات متعددة في أسباب نزول صدر سورة التحريم، ورد في بعضها أن الآيات نزلت في قصة تحريم الرسول شرب العسل على نفسه، وبعضها في قصة تحريمه أم إبراهيم "مارية القبطية" على نفسه.

السبب الخامس عشر: مراعاة السياق، فبعض المفسرين يفسر الآية مراعيًّا للسياق الذي وردت فيه، وبعضهم يفسرها دون اعتبار لسياقها، بل بالنظر إلى سبب نزولها أو لاعتبار يراه هو، مثال ذلك قوله عز وجل: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} (البقرة:195)، فقد قيل في المراد بالإلقاء في {التهلكة} أقوال عديدة، بيد أن السياق يرجح أن المراد -كما اختار الطبري- الأمر بالإنفاق في سبيل الله، والنهي عن ترك النفقة فيها؛ لأن ترك النفقه في سبيل الله مستوجب لعذابه سبحانه. وهذا الاختيار للمراد من الإلقاء في {التهلكة} مستفاد من سياق الآيات.

السبب السادس عشر: اختلافهم بسبب حمل الكلام على التقديم والتأخير، والمراد بـ (التقديم) و(التأخير): "جعل اللفظ في رتبة قبل رتبته الأصلية، أو بعدها؛ لعارض اختصاص، أو أهمية، أو ضرورة". مثال ذلك اختلافهم في قوله سبحانه: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك} (آل عمران:55) فقال جماعة: إن الآية على التقديم والتأخير؛ لأن (الواو) لا توجب الرتبة. والمعنى: إني رافعك إلي، ومطهرك من الذين كفروا، ومتوفيك بعد أن تنزل من السماء؛ كقوله: {ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمي} (طه:129) والتقدير: ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمي لكان لزاماً. وقال بعضهم: معنى {متوفيك} قابضك، {ورافعك} إلى السماء من غير موت. وقال آخرون: {متوفيك} قابضك، ومتوفيك ورافعك واحد، ولم يمت بعد. وصواب القول هنا: إن الله تعالى رفع عيسى عليه السلام إلى السماء من غير وفاة، ولا نوم، وهو اختيار الطبري، وهو الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما.

السبب السابع عشر: تنوع ثقافة كل مفسر، فالمفسرون المتقدمون فسروا الآيات العلمية تفسيرات مستمدة من علوم عصرهم، ومع تطور العلوم أثبت المفسرون المتأخرون قصور تلك التفسيرات، والمثال على ذلك قوله عز وجل: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} (الذاريات:47) فقد قيل في المراد منها: أي: وإنا لذو سعة، وبخلقها وخلق غيرها، لا يضيق علينا شي نريده. وقيل: وإنا لموسعون الرزق على خلقنا. وقد أثبت علماء الفلك المعاصرون أن الكون يزداد ويتسع.

هذا عن اختلاف التنوع الذي يوجد بكثرة في أقوال السلف؛ فإن معظم اختلافهم يندرج تحته، أما اختلاف التضاد، وهو ما كانت العبارات فيه متعارضة، بحيث إذا أُخذ بأحد الأقوال لا يؤخذ بغيره، فهو قليل بين السلف، ومثال ذلك: اختلافهم في تعيين المراد بـ (الصلاة الوسطى) في قوله تعالى: {حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى} (البقرة، فقد قيل فيها أقوال متعددة، شملت الصلوات كلها. والكلام على هذا النوع من الاختلاف يحتاج إلى بسط، ليس هذا موضعه.



 

قديم 04-07-2015   #5


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: دراسات قرآنية



(إلا) في القرآن الكريم



يذكر أهل النحو أن الأداة (إلا) موضوعة في الأصل للاستثناء، وأنها أم الباب، بمعنى أنها الأداة الرئيسة في باب الاستثناء، وما عداها من أدوات الاستثناء كأنها أخذت هذا الحكم منها بطريق الشبه. قال ابن فارس: "وللاستثناء أدوات موضوعة، فأشدها استيلاء على باب الاستثناء وأكثرها استعمالاً (إلا)".

أنواع (إلا)

(إلا) لم تأت على صيغة واحدة، بل جاءت على عدة صيغ؛ فتأتي بكسر همزتها، وتشديد لامها (إلَّا)، وهذه الصيغة أكثر صيغها استعمالاً، وهي التي تفيد الاستثناء. وتأتي بفتح همزتها، وتخفيف لامها (ألا)، وتفيد التنبيه والتحقيق. وتأتي بفتح همزتها، وتشديد لامها (ألَّا)، وتفيد التحضيض.

(إلا) في القرآن الكريم

وردت الأداة (إلا) بصيغها الثلاث في نحو ستمائة موضع من القرآن الكريم؛ فجاءت في أكثر مواضعها بكسر همزتها، وتشديد لامها (إلَّا)، وجاءت في بعض المواضع بفتح همزتها، وتشديد لامها (ألَّا)، وجاءت في عدد من المواضع بفتح همزتها، وتخفيف لامها (ألا). وتالياً تفصيل القول في هذه الصيغ الثلاث، وما تفيده من معان بحسب ورودها في القرآن الكريم.

(إلَّا) بكسر الهمزة وتشديد اللام

(إلَّا) بحسب هذه الصيغة جاءت في القرآن الكريم تفيد خمسة معان:

الأول: الاستثناء، وهذا المعنى هو الأصل في هذه الأداة، وأكثر ما وردت في القرآن الكريم وفق هذا المعنى. ومن الأمثلة القرآنية التي وردت فيها الأداة (إلَّا) تفيد الاستثناء قوله تعالى: {فشربوا منه إلا قليلا} (البقرة:249)، وقوله عز وجل: {ما فعلوه إلا قليل منهم} (النساء:66). ومنه قوله تعالى: {ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن} (الفرقان:69-70)، وقوله سبحانه: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} (الزخرف:67).

و(إلا) إذا كانت بمعنى (الاستثناء) لها ثلاث أحوال من الناحية الإعرابية:

الأولى: وجوب نصب ما بعدها، وذلك في حالتين:

* أن يكون المستثنى متصلاً (أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه)، مؤخراً، والكلام تامًّا (ما ذُكِرَ فيه المستثنى منه)، موجباً (غير منفي)، نحو قوله عز وجل: {فشربوا منه إلا قليلا منهم} (البقرة:249)، فـ {قليلا} مستثنى من واو الجماعة في {فشربوا}، وخلا من النفي.

* أن يكون المستثنى منقطعاً، والمنقطع ما لا يكون المستثنى من جنس المستثنى منه -سواء أكان موجباً، أو منفياً، نحو قوله تعالى: {ما لهم به من علم إلا اتباع الظن} (النساء:157)، فـ {اتباع الظن} ليس من جنس (العلم).

الثانية: التبعية على البدلية إذا كان الكلام تامًّا، منفيًّا، أو شبه منفي، متصلاً، مقدماً فيه المستثنى منه على أنه بدل بعض، نحو قوله سبحانه: {ما فعلوه إلا قليل منهم} (النساء:66) فـ {قليل} بدل من (الواو) في {فعلوه}، والتقدير: ما فعله أحد إلا قليل. وفي قراءة ابن عامر -وهي قراءة سبعية- {ما فعلوه إلا قليلا} على الاستثناء، قال القرطبي: "والرفع أجود عند جميع النحويين". ونحوه قوله عز وجل: {ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك} (هود:81) برفع {امرأتك} عطفاً على {أحد} وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو البصري. ويجوز النصب في {امرأتك} على الاستثناء، وهي قراءة باقي السبعة، وهي القراءة الأجود والأشهر. ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {وما من إله إلا إله واحد} (المائدة:73)، فـ {إله} الثانية بدل من الضمير في الخبر المحذوف؛ إذ تقدير الكلام: ما من إله موجود أو كائن إلا إله واحد. ونحوه قوله تعالى: {وما من إله إلا الله} (آل عمران:62).

ومن أمثلة البدلية والكلام شبه منفي؛ لأنه استفهام إنكاري، قوله تعالى: {ومن يغفر الذنوب إلا الله} (آل عمران:135)، فلفظ الجلالة مرفوع على البدلية من الضمير المقدر؛ إذ التقدير: لا يغفر الذنوب أحد إلا إياه سبحانه. ومثله قوله عز وجل: {ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} (الحجر:56)، فـ {الضالون} مرفوع على البدلية من الضمير المقدر، أي: لا يقنط من رحمته سبحانه أحد إلا من ضل عن هديه، واتبع هواه، وكان أمره فرطاً.

الثالثة: أن يكون الاستثناء مُفَرَّغاً، وهو الذي لا يُذكر فيه المستثنى منه، وحينئذ يكون المستثنى على حسب ما يقتضيه العامل الذي قبله في التركيب، كما لو كانت (إلا) غير موجودة، ويجب حينئذ أن يكون الكلام منفيًّا، كقوله تعالى {ويأبى الله إلا أن يتم نوره} لأن معنى {يأبى} لا يريد، و(أن) وما دخلت عليه في محل تأويل مصدر منصوب، والتقدير: ويأبى الله إلا إتمام نوره. أو واقعاً بعد نهي، كقوله تعالى: {ولا تقولوا على الله إلا الحق} (النساء:171) بنصب ما بعد (إلا) على المفعولية. أو شبه منفي، نحو قوله سبحانه: {فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} (الأحقاف:35) برفع ما بعد (إلا) على الفاعلية.

المعنى الثاني لـ (إلَّا) أن تكون صفة بمنزلة (غير) فيوصف بها وبتاليها جمع منكر، أو شبهه، فمثال الجمع المنكر قوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} (الأنبياء:22) فلا يجوز في (إلَّا) هذه أن تكون للاستثناء من جهة المعنى؛ إذ التقدير حينئذ (لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا) وذلك يقتضي بمفهومه أنه لو كان فيهما آلهة فيهم الله لم تفسدا، وليس ذلك المراد. ولا من جهة اللفظ؛ لأن {آلهة} جمع منكر في الإثبات، فلا عموم له، فلا يصح الاستثناء منه. ومثل هذه الآية قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} (النساء:95) فلو كان موضع {غير} (إلَّا) لما اختلف المعنى.

المعنى الثالث أن تكون (إلا) عاطفة بمنزلة (الواو) في التشريك في اللفظ والمعنى. وهذا المعنى ذكره بعض أهل اللغة، وجعلوا منه قوله تعالى: {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم} (البقرة:150) أي: ولا الذين ظلموا. ونحوه قوله عز وجل: {إني لا يخاف لدي المرسلون * إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء} (النمل:10-11) أي: ولا من ظلم. وتأولهما جمهور أهل اللغة على الاستثناء المنقطع.

المعنى الرابع أن تكون (إلا) بمعنى (لكن)، وهي تكون بحسب هذا المعنى إذا كان المستثنى من غير جنس المستثنى منه، وهو ما يسمى بـ (الاستثناء المنقطع) نحو قوله تعالى: {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى} (طه:2-3)، أي: لكن أنزلناه تذكرة. وقوله تعالى: {لست عليهم بمصيطر * إلا من تولى وكفر} (الغاشية:22-23)، أي: لكن من تولى وكفر. وقوله سبحانه: {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} (الدخان:56) أي: لا يذوقون فيها الموت البتة؛ لأنهم خالدون فيها، ثم قال: {إلا الموتة الأولى} على الاستثناء المنقطع، أي: لكن الموتة الأولى قد ذاقوها في الدنيا. وقوله سبحانه: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى} (الليل:19-20)، فالاستثناء في {إلا ابتغاء وجه ربه} منقطع، أي: لكن ابتغاء لوجه الله.

المعنى الخامس أن تكون (إلِّا) تفيد الاستئناف، أي أن ما بعدها كلام جديد، ومن الأمثلة القرآنية عليه قوله تعالى: {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما} (التوبة:39)، وقوله عز وجل: {إلا تنصروه فقد نصره الله} (التوبة:40)، وقوله سبحانه: {إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} (الأنفال:73)، فـ {إلا} في هذه الآيات ونحوها عبارة عن (إن) وهي حرف شرط جازم، و(لا) النافية، والفعل المضارع بعدها مجزوم، وعلامة الجزم حذف النون.

تنبيهات في باب الاستثناء

* الاستثناء لا يكون إلا من معرفة أو نكرة مفيدة، مثال الاستثناء من المعرفة قوله تعالى: {فشربوا منه إلا قليلا} (البقرة:249)، فـ (واو) الجمع في قوله {فشربوا} ضمير رفع معرفة. ومثال النكرة المفيدة قوله سبحانه: {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} (العنكبوت:14)، فـ {ألف} أُضيفت إلى {سنة} والإضافة تفيد التعريف.

* يصح استثناء قليل من كثير، وكثير من أكثر منه، وقد يستثنى من الشيء نصفه، قال تعالى: {يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه} (المزمل:1-4) فقد سمى (النصف) قليلاً، واستثناه من الأصل.

* متى دخلت (إلَّا) على ما يقبل التوقيت، تُجْعَل غاية، نحو قوله سبحانه: {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم} (التوبة:110) أي: حتى تقطع قلوبهم، دل عليه قراءة يعقوب البصري -وهو أحد القراء العشرة- (إلى أن تقطع) على الغاية، أي: لا يزالون في شك منه إلى أن يموتوا، فيستيقنوا، ويتبينوا.

* الأداة (إلَّا) في بعض المواضع في القرآن تحتمل أكثر من معنى، والسياق قد يرجح أحد المعنيين؛ فقوله سبحانه: {قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله} (الأعراف:188)، {إلا} في الآية هنا تحتمل أن تكون بمعنى (لكن)، فيكون الاستثناء منقطعاً، وتحتمل أن تكون بمعنى الاستثناء المتصل، وقد رجح ابن عاشور المعنى الأخير، فقال: "والأولى جعله متصلاً، أي: إلا ما شاء الله أن يملكنيه، بأن يعلمنيه، ويقدرني عليه، فإن لم يشأ ذلك، لم يطلعني على مواقعه، وخلق الموانع من أسباب تحصيل النفع، ومن أسباب اتقاء الضر، وحمله على الاتصال يناسب ثبوت قدرة للعبد بجعل الله تعالى، وهي المسماة بالكسب". ومثل هذا الاحتمال أيضاً يقال في قوله تعالى: {ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا} (الأنعام:80) يحتمل أن يكون الاستثناء هنا متصلاً، ويحتمل أن يكون منقطعاً.

(ألَّا) بفتح الهمزة، وتشديد اللام

(ألَّا) حرف تحضيض مختص بالجمل الفعلية الخبرية، كسائر أدوات التحضيض، والأصل فيه (أن) المصدرية الناصبة، و(لا) النافية. ومن أمثلته في القرآن الكريم قوله عز وجل: {ألا تعبدوا إلا الله} (هود:2)، وقوله سبحانه في قصة سليمان عليه السلام: {ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض} (النمل:25)، وقوله سبحانه في القصة نفسها: {ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين} (النمل:31)، ونحوه قوله سبحانه: {ألا تشركوا به شيئا} (الأنعام:151). وقول الكريم سبحانه: {وقضى ربك ألا تعبدوا} (الإسراء:23). فـ {ألا} في هذه الآيات ونحوها عبارة عن كلمتين: (أن) الناصبة، و(لا) النافية، أو (أن) المخففة من الثقيلة، و(لا) الناهية، والأفعال بعدها في الآيات منصوبة، أو مجزومة بحذف النون.

(ألا) بفتح الهمزة، وتخفيف اللام

جاءت (ألا) -بفتح همزتها، وتشديد لامها- في القرآن الكريم على معنيين:

الأول: التنبيه والتحقيق، فتدل على تحقق ما بعدها، وتدخل على الجملتين الإسمية والفعلية؛ مثال دخولها على الجملة الاسمية قوله تعالى: {ألا إنهم هم السفهاء} (البقرة:13). ومثال دخولها على الجملة الفعلية قوله عز وجل: {ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم} (هود:8). ويقول المعربون فيها: حرف استفتاح، فيبينون مكانها، ويهملون معناها. وإفادتها التحقيق من جهة تركيبها من (الهمزة) و(لا)، وهمزة الاستفهام إذا دخلت على النفي أفادت التحقيق، ويتعين كسر (إن) بعد (ألا). قال الزمخشري: "ولكونها بهذا المنصب من التحقيق، لا تكاد تقع الجملة بعدها إلا مصدرة بنحو ما يُتلقى به القسم، نحو قوله سبحانه: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (يونس:62).

الثاني: العرض والتحضيض، ومعناهما: طلب الشيء، لكن (العرض) طلب بلين، و(التحضيض) طلب بشدة. وتختص (ألا) بحسب هذا المعنى بالجملة الفعلية نحو قوله سبحانه: {ألا تحبون أن يغفر الله لكم} (النور:22)، وقوله عز وجل: {ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم} (التوبة:13).



 

قديم 04-07-2015   #6


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: دراسات قرآنية



ما اتفق لفظه واختلف معناه في القرآن



في كتب أهل العربية باب بعنوان (ما اتفق لفظه واختلف معناه)، يوردون تحت هذا الباب كثيراً من الكلام المتفق في اللفظ، بيد أنه مختلف في المعنى، وهم يأتون ببعض الأمثلة على ذلك، كالفعل: وَجَدَ، حيث يدل على وجدان الشيء الضائع، ويدل على الغضب، يقال: وجد عليه، إذا غضب منه، ويدل هذا الفعل أيضاً على العلم، تقول: وجدت زيداً كريماً، بمعنى علمت. ومن هذا القبيل لفظ (العين)، فهو يطلق على العين الباصرة، ويطلق على عين الماء، ويطلق على الجاسوس، ويطلق على المال الحاضر، ويطلق على معان أُخر. والأمثلة على هذا الباب كثيرة.

وغير خاف أن القرآن الكريم نزل على وزان لغة العرب، وجرى وفق سننهم في الكلام، وقد تضمن العديد من المفردات اللفظية التي اتفق لفظها، واختلف معناها، نذكر جملة منها تكشف المراد من هذا الباب:

- من ذلك لفظ (الظن) فقد جاء في القرآن الكريم بمعنى (الشك)، وجاء بمعنى (اليقين)؛ أما مجيئه بمعنى الشك فقوله تعالى: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون} (البقرة:78)، قال الطبري: "إلا يشكون، ولا يعلمون حقيقته وصحته. و(الظن) -في هذا الموضع- الشك". ومما جاء بمعنى الشك أيضاً قوله تبارك وتعالى: {إن نظن إلا ظنا} (الجاثية:32). أما مجيئه بمعنى العلم اليقين، فمثاله قوله عز وجل: {إني ظننت أني ملاق حسابيه} (الحاقة:20)، بمعنى: أيقنت. ومنه أيضاً قوله تعالى: {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم} (البقرة:46)، فهذا يقين؛ لأنهم لو لم يكونوا مستيقنين لكانوا ضلالاً شكاكاً في توحيد الله. وروي عن الضحاك قوله: "كل (ظن) في القرآن من المؤمن فهو يقين، ومن الكافر فهو شك".

- ومما اتفق لفظه واختلف معناه في القرآن الكريم، لفظ (الإصر)، فقد جاء بمعنى (الثقل)، وذلك في قوله سبحانه: {ويضع عنهم إصرهم} (الأعراف:157)، الإصر: الثقل، قاله مجاهد، وقتادة، وابن جبير. وجاء (الإصر) بمعنى العهد، وذلك قوله عز وجل: {وأخذتم على ذلكم إصري} (آل عمران:81) أي: عهدي.

- ومن هذا الباب كذلك لفظ (الأسف)، فقد جاء بمعنى (الحزن)، وعليه قوله تعالى: {فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا} (طه:86)، أي: حزيناً، وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما. وجاء بمعنى (الغضب)، وبه فُسر قوله عز وجل: {فلما آسفونا} (الزخرف:55)، أي: أغضبونا. قال الطبري: و(الأسف)، على وجهين: الغضب، والحزن.

- ومنه الفعل (جعل) فقد جاء في القرآن بمعنى (الخلق)، كقوله سبحانه: {وجعل الظلمات والنور} (الأنعام:1) أي: خلق. وجاء بمعنى (صير)، كقوله سبحانه: {الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء} (البقرة:22)، قال القرطبي: "معناه هنا: صير؛ لتعديه إلى مفعولين". ويأتي بمعنى سمَّى، وبه فُسر قوله عز وجل: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناث} (الزخرف:19) أي: سموهم.

- ومنه لفظ (الحِجر)، فقد جاء بمعنى (العقل)، وذلك قوله عز وجل: {هل في ذلك قسم لذي حجر} (الفجر:5)، أي: لذي لب وعقل. ويأتي بمعنى (الحرام)، وبه فُسر قوله عز وجل: {ويقولون حجرا محجورا} (الفرقان:22) يريد تقول الملائكة: حراماً محرماً أن يدخل الجنة إلا من قال: لا إله إلا الله، وأقام شرائعها. روى هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما. وعلى هذا المعنى أيضاً قوله تبارك وتعالى: {وقالوا هذه أنعام وحرث حجر} (الأنعام:138) أي: حرموا أنعاماً وحرثاً، وجعلوها لأصنامهم.

- ومنه لفظ (الحميم)، فقد جاء بمعنى (الماء الحار)، من ذلك قوله تعالى: {ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم} (الصافات:67) الحميم: الماء الحار، ومثله قوله تعالى: {وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم} (محمد:15). ويأتي (الحميم) بمعنى (قريب الرجل)، من ذلك قوله سبحانه: {ولا يسأل حميم حميما} (المعارج:10) أي: ولا يسأل قريب قريبه عن شأنه؛ لشغله بشأن نفسه.

- ومنه لفظ (السلام) فقد جاء بمعنى (السلامة)، وبه فُسِّر قوله عز وجل: {لهم دار السلام عند ربهم} (الأنعام:127) سمى الله الجنة بهذا الاسم؛ لأنها دار السلامة من الآفات. ويأتي السلام بمعنى (التسليم)، ومنه قوله تعالى: {وسلموا تسليما} (الأحزاب:56). والسلام من أسمائه سبحانه، قال تعالى: {السلام المؤمن} (الحشر:23).

- ومنه لفظ (الطائر)، فقد جاء بمعنى (واحد الطير)، قال تعالى: {ولا طائر يطير بجناحيه} (الأنعام:38). وجاء الطائر بمعنى (عمل الإنسان)، وبه فُسِّر قوله عز وجل: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} (الإسراء:13)، قال ابن عباس: عمله، وما قُدِّر عليه من خير وشر، وهو ملازمه أينما كان.

- ومنه لفظ (العقيم)، فقد جاء بمعنى (الرجل الذي لا يولد له)، وكذلك التي لا تلد من النساء، قال تعالى على لسان امرأة إبراهيم عليه السلام: {وقالت عجوز عقيم} (الذاريات:29). وجاء لفظ العقيم بمعنى (الريح التي لا تلقح سحاباً ولا شجراً)، وهي التي تسمى: الدَّبور، وبها أهلك الله عاداً، قال عز من قائل: {وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم} (الذاريات:41).

- ومنه لفظ (القِسط) -بكسر القاف- هو العدل، قال تعالى: {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} (الحجرات:9)، أي: اعدلوا في حكمكم بين الناس إن الله يحب العادلين. ويأتي القَسط -بفتح القاف- بمعنى الجور، والقاسط الجائر، قال تعالى: {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون} (الجن:14) يعني: الجائرون.

- ومنه لفظ (المولى)، فقد جاء بمعنى (الأولى بالشيء)، قال تعالى مخاطباً المنافقين: {مأواكم النار هي مولاكم} (الحديد:15) أي: أولى بكم. قال القرطبي: "المولى من يتولى مصالح الإنسان، ثم استعمل فيمن كان ملازماً للشيء". و(المولى) الناصر، قال عز وجل: {بل الله مولاكم} (آل عمران:150) أي: ناصركم؛ بدليل قوله بعدُ: {وهو خير الناصرين}. ومثله قوله عز وجل: {واعتصموا بالله هو مولاكم} (الحج:78). و(المولى) الولي المتولي للأمر، كقوله تعالى: {نعم المولى} (الحج:78)، وقوله أيضاً: {أنت مولانا} (البقرة:286).

- ومنه لفظ (الخير)، فقد جاء بمعنى (الخيل) وذلك في قوله سبحانه على لسان سليمان عليه السلام: {فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي} (ص:32) الخير هنا مراد به الخيل، قال القرطبي: "يعني بالخير الخيل، والعرب تسميها كذلك، وتُعاقِبُ بين الراء واللام، فتقول: انهملت العين وانهمرت". وجاء لفظ (الخير) بمعنى (المال)، وذلك في قوله تعالى: {وإنه لحب الخير لشديد} (العاديات:8) قال ابن زيد: "سمى الله المال خيراً، وعسى أن يكون شراً وحراماً، ولكن الناس يعدونه خيراً، فسماه الله خيراً لذلك".

- ومنه لفظ (المهطع) معناه (المسرع الخائف)، وذلك في قوله سبحانه: {مهطعين إلى الداع} (القمر:8) أي: مسرعين، يقال: أهطع: إذا أسرع خائفاً، لا يكون إلا مع خوف. وجاء المهطع بمعنى (المـُقبل بنظره على الشيء لا يفارقه)، وبه فُسِّر قوله عز وجل: {فمال الذين كفروا قبلك مهطعين} (المعارج:36) أي: مادِّين أعناقهم، مدمني النظر إليك.

- ومنه لفظ (المرج) مصدر مرج الدابة يمرجها: إذا (أرسلها) المرعى، قال تعالى: {مرج البحرين يلتقيان} (الرحمن:19) أي: أرسلهما. وجاء (المرج) بمعنى (الخلط)، يقال: مرجت الشيء بالشيء: خلطته، ومنه قوله عز وجل: {فهم في أمر مريج} (ق:5)، أي: ملتبس ومختلط.

- ومنه لفظ (المنُّ) فقد جاء في القرآن بمعنى (القطع) قال تعالى: { فلهم أجر غير ممنون} (التين:6)، أي: لهم أجر دائم غير مقطوع. وجاء (المنُّ) بمعنى الفخر بالنعمة على الآخر، قال تعالى: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} (البقرة:264) أي: لا تضيعوا ثواب صدقاتكم بالافتخار على الآخرين بما تقدمونه لهم من الصدقات. و(المنُّ) أيضاً هو الذي يسقط على الشجر الذي يأكله الناس، وبه فُسِّر قوله تعالى: {وأنزلنا عليكم المن والسلوى} (البقرة:57) روي هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقيل غير ذلك في المراد بـ (المنِّ) هنا.

- ومنه لفظ (الورَق) -بفتح الراء- هو (ورق الشجر) المعروف، جمع ورقة، قال تعالى: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها} (الأنعام:59). و(الورِق) -بكسر الراء- هي (الدراهم)، قال عز وجل: {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة} (الكهف:19).

- ومنه لفظ (الوضع) مصدر وضعت الشيء وضعاً، ووضعت المرأة وليدها وضعاً، قال تعالى: {وتضع كل ذات حمل حملها} (الحج:2). و(الوضع) مصدر وضعت الدابة في سيرها وضعاً، وهو سير سهل سريع، قال عز وجل: {ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة} (التوبة:47) المعنى: لأسرعوا فيما بينكم بالإفساد. والإيضاع، سرعة السير.

- ومنه لفظ (الوجه) جاء بمعنى (الجسم المركب فيه العينان من كل حيوان)، قال عز وجل {فاغسلوا وجوهكم} (المائدة:6). وجاء (الوجه) بمعنى (القصد)، قال سبحانه: {ومن يسلم وجهه إلى الله} (لقمان:22) أي: يخلص عبادته وقصده إلى الله تعالى. وجاء أيضاً بمعنى (أول الشيء)، قال سبحانه: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره} (آل عمران:72) يعني: أوله. وسمي وجهاً؛ لأنه أحسنه، وأول ما يواجه منه أوله.

- ومنه لفظ (السر) جاء بالمعنى (المقابل للجهر)، قال عز وجل: {وأسروا قولكم أو اجهروا به} (الملك:13) المعنى: إن أخفيتم كلامكم أو جهرتم به، فإن الله عليم بذات الصدور، لا تخفى عنه خافية في الأرض ولا في السماء. وجاء (السر) بمعنى (الإعلان)، وبه فسِّر قوله تعالى: {وأسروا النجوى} (الأنبياء:3) أي: أظهروا المناجاة بينهم، فقالوا: هل هذا الذي يزعم أنه رسول من الله أرسله إليكم، إلا إنسان مثلكم في صوركم وخلقكم؟ يعنون بذلك محمداً صلى الله عليه وسلم.

ومن نافلة القول في هذا الصدد أن يقال: إن السياق القرآني له دور رئيس في تحديد المعنى المراد من اللفظ القرآني، فهو المحدِّد للمعنى، وهو الموجه للمراد.

هذا، وما تقدم من معان مختلفة لبعض الألفاظ القرآنية هو ما يسمى عند أهل العربية بالمشترك، وهم يقصدون بهذا المصطلح الكلام المتفق في لفظه، والمختلف في معناه. وهو أيضاً باب من أبواب أصول الفقه، بنى عليه العلماء كثيراً من المسائل والفروع الفقهية.

بقي أن نشير أخيراً، أن ما ذُكِرَ من معان مختلفة لبعض الألفاظ القرآنية لا يمنع أن تتعدد أقوال المفسرين في المراد منها، وليس في هذا ما يعيب، بل فيه دليل على حيوية هذه اللغة، وقدرتها الاستيعابية.



 

قديم 04-07-2015   #7


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: دراسات قرآنية



قوارع القرآن



جاء في كتاب "المجالسة وجوهر العلم" لأحمد بن مروان الدينوري المالكي، أن عبد الرحمن بن مهدي قال: كان سفيان الثوري يجلس في الليلة ستين مرة وسبعين مرة؛ فسمعته يقول: اللهم! هون علي وعلى من معي، إنه ليس نفس في الدنيا أعز علي من نفسي. يا عبد الرحمن! ذهبت الحياة. ثم قال ل مرحوم العطار : اقرأ عند رأسي {يس} ومن قوارع القرآن. وذكر الزمخشري في كتابه "أساس البلاغة" حديثاً نصه: (شيبتني قوارع القرآن). فما هي قوارع القرآن؟

(القوارع) جمع قارعة، وهي في اللغة: النازلة الشديدة، تنزل بأمر عظيم؛ ولذلك قيل ليوم القيامة: القارعة؛ لأنها تقرع الناس، أي: تضرب بفنون الأفزاع والأهوال، أي: تصيبهم بها، كأنها تقرعهم بها. قال تعالى: {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم} (الرعد:31). وفي الحديث: (من لم يغزُ، ولم يجهز غازياً أصابه الله بقارعة)، رواه أبو داود وابن ماجه، أي: بداهية تهلكه. ويقال: قرعه أمر: إذا أتاه فجأة. ويقال: أصابتهم قوارع الدهر، أي: أهواله وشدائده.

والمستفاد من معاجم اللغة أن المراد بـ (قوارع القرآن) الآيات التي من قرأها أَمِنَ شر الشيطان، كآية الكرسي، ونحوها، كأنها تقرعه وتهلكه. قال صاحب معجم "مقاييس اللغة": "قوارع القرآن: الآيات التي من قرأها لم يصبه فزع. وكأنها -والله أعلم- سميت بذلك؛ لأنها تقرع الجن". وقال الزَّبيدي: "قوارع القرآن: هي الآيات التي من قرأها أمن من الشياطين والإنس والجن، كأنها سميت؛ لأنها تقرع الشياطين؛ ولأنها تصرف الفزع عمن قرأها". وجاء تعريفها قريب من هذا في "معجم علوم القرآن".

وفي كلام أهل العلم ما يفيد أن المراد من (قوارع القرآن) ما جاء في معاجم العربية؛ فابن تيمية عند حديثه عن الأسباب التي تدفع شياطين الأنس والجن يذكر من تلك الأسباب قراءة سور من القرآن، ويسمي هذه السور (قوارع القرآن)، ونص عبارته رحمه الله: "فأهل الإخلاص والإيمان لا سلطان له عليهم. ولهذا يهربون من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة، ويهربون من قراءة آية الكرسي...وهذه الأحوال الشيطانية تبطل، أو تضعف، إذا ذُكر الله وتوحيده، وقرئت قوارع القرآن؛ لا سيما آية الكرسي؛ فإنها تُبطل عامّة هذه الخوارق الشيطانية". وعند تقريره قاعدة في الوسيلة، يقول: "ويقرأ عليه قوارع القرآن إلى غير ذلك من الأسباب التي تضر الشياطين". ففي هذين النصين لشيخ الإسلام ما يفيد أن المراد من (قوارع القرآن) ما ذكرته معاجم العربية.

وقد ذكر الزركشي هذا النوع من (القوارع) تحت عنوان (معرفة خواصيه)، ونقل جملة من الأخبار في ذلك، وختمها بقوله: "هذا النوع لن ينتفع به إلا من أخلص لله قلبه ونيته، وتدبر الكتاب في عقله وسمعه، وعمَّر به قلبه، وأعمل به جوارحه، وجعله سميره في ليله ونهاره، وتمسك به، وتدبره هنالك تأتيه الحقائق من كل جانب، وإن لم يكن بهذه الصفة كان فعله مكذبا لقوله".

وذكره السيوطي تحت عنوان (خواص القرآن)، ونقل جملة من الأحاديث التي لم تصل إلى حد الوضع ومن الموقوفات عن الصحابة والتابعين، ومما قاله في هذا الصدد: "وما يذكر في ذلك كان مستنده تجارب الصالحين...وأما ما لم يرد به أثر فقد ذكر الناس من ذلك كثيراً جداً الله أعلم بصحته".

والمتحصل من أقوال أهل العلم أن المراد بمصطلح (قوارع القرآن): الآيات القرآنية التي تحفظ من الشياطين، وتعصم منهم، وتكون على هيئة أوراد للمسلم في الصباح والمساء، أو تقرأ في أحوال معينة، كحال الخوف والقلق.

على أن المتتبع لما جاء في هذا الصدد يجد أن ثمة تعريفاً آخر لهذا المصطلح، يفيد أن المراد من (قوارع القرآن) الآيات الزواجر، والآيات التي يخوف الله به عباده؛ ليلزموا طريق الحق والصواب، وينأوا بأنفسهم عن سبيل الغي والضلال؛ يرشد لهذا المراد ما ثبت في "صحيح البخاري" في تفسير سورة الطور من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} (الطور:35) إلى قوله: {المصيطرون} (الطور:37) كاد قلبي أن يطير، إلى غير ذلك من قوارع القرآن وزواجره التي خوفت المنافقين، حتى قال الله تعالى فيهم: {يحسبون كل صيحة عليهم} (المنافقون:4). ففي هذا الحديث ما يفيد أن المراد بـ (قوارع القرآن) الآيات الزواجر التي يخوف الله بها عباده، لينزجروا وليرعووا.

ومما يرشد لهذا المعنى أيضاً ما ذكره ابن عاشور عند تفسيره لقوله تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم} (الزمر:23)، قال: "إن القرآن يشتمل على معان تقشعر منها الجلود، وهي المعاني الموسومة بالجزالة التي تثير في النفوس روعة وجلالة ورهبة، تبعث على امتثال السامعين له، وعملهم بما يتلقونه من قوارع القرآن وزواجره".

ونحو هذا أيضاً ما ذكره ابن عاشور عند تفسيره لقوله عز وجل: {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا} (الأعراف:28)، قال: "ثم جاء الإسلام فنعى عليهم أعمالهم الفاسدة، وأسمعهم (قوارع القرآن) فحينئذ تصدوا للاعتذار"، ففي قول ابن عاشور هذا ما يفيد أن المراد بـ (قوارع القرآن) زواجره وتخويفاته وترهيباته.

وينقل الشيخ القاسمي عند تفسيره لقوله تعالى: {يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان} (الحجرات:17) قول أبي إسحاق الصابي في حق الذين أعرضوا عن دعوة الحق من قريش: "فلم يزل صلى الله عليه وسلم يقذف في أسماعهم فضائل الإيمان، ويقرأ على قلوبهم قوارع القرآن"، فالعبارة الأخير تفيد أن المراد بـ (قوارع القرآن) الزواجر والنواهي.

ويرشد لهذا المعنى غير ما تقدم ما جاء في "تفسير الخازن" عند قوله تعالى: {ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون} (المؤمنون:105)، قال الخازن معلقاً على هذه الآية: {ألم تكن آياتي تتلى عليكم} يعني: قوارع القرآن وزواجره، تخوَّفون بها {فكنتم بها تكذبون}.

وأهل الأدب واللغة قرروا هذا المعنى أيضاً؛ فابن الأثير الأديب في كتابه "المثل السائر" عندما أراد أن يبين جزالة القرآن ورقة ألفاظه، قال: "انظر إلى قوارع القرآن عند ذكر الحساب، والعذاب، والميزان، والصراط، وعند ذكر الموت، ومفارقة الدنيا، وما جرى هذا المجرى، فإنك لا ترى شيئاً من ذلك وحشي الألفاظ، ولا متوعراً"، واستشهد للمعنى الذي قرره بقوله عز وجل: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد * إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد * وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد * ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد * وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد * لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} (ق:16-22)، وقد قال معقباً على هذه الآيات الكريمة: "وهذه الآيات من قوارع القرآن العجيبة، التي دلت على تخويف، وإرهاب ترق القلوب، وتقشعر منه الجلود، وهي مشتملة -على قِصَرها- على حال الإنسان منذ خلقه إلى حين حشره، وتصوير ذلك الأمر الفظيع في أسهل لفظ وأقربه".

كما أن بعض أهل العلم المعاصرين أكد هذا المعنى؛ فبعد أن قرر أن بعض المسلمين قد ابتعد كثيراً عن هدي الإسلام وأخلاقه، بل عن كثير من توحيد العبادة وما يليق بجلاله سبحانه وتعالى من المحبة والتعظيم والخضوع والتسليم، قال: "فمثل هؤلاء لا بد لهم من قوارع ومواعظ قوية تنبههم من غفلتهم، وتخرجهم عن غيهم، وليس أقوى من قوارع القرآن الكريم، الذي أثر في العرب تأثيراً بالغاً ليس بنظمه المعجز فقط، بل بزواجره ونواهيه وطريقة عرض قصصه في كل سورة". واستدل لهذا المراد بأن بعض زعماء قريش حين سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ عليه: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} (فصلت:41)، طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم التوقف عن التلاوة؛ وذلك خوفاً ورهبة مما تضمنته هذه الآية من الإنذار والوعيد والتهديد.

هذه النقول التي نقلناها عن أهل العلم تشهد للمعنى الثاني من معاني (قوارع القرآن)، وهو معنى لا يُلغي المعنى الأول الذي قررته معاجم العربية، ولا يعارضه، بل كلا المعنيين متساندان، ومتكاملان، ومتآزران.

أمثلة من قوارع القرآن

ألمعنا بداية إلى أن (قوارع القرآن) بالمعنى الأول المراد منها: آية الكرسي، وهي أفضل آية في القرآن، وأواخر سورة البقرة، والمعوذات، والسور التي ثبت في فضلها خبر صحيح. وفيما يلي نذكر بعض الآيات التي جاءت بالمعنى الثاني من معاني (قوارع القرآن)، فمن ذلك:

- قوله عز وجل: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين} (التوبة:24).

- قوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم} (المائدة:51).

- قوله تعالى: {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} (محمد:38).

- قوله عز وجل: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} (المائدة:72).

- قوله جلَّ وعلا: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما * ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا} (النساء:29-30).
- قوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين} (آل عمران:149).

- قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين} (آل عمران:100).

- قوله عز وجل: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} (البقرة:159).

- قوله جلَّ وعلا: {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} (البقرة:174).

- قوله سبحانه: {إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين} (المجادلة:5).

- قوله تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} (آل عمران:77).

والآيات التي تحمل معنى التقريع والتهديد والوعيد والإنذار والترهيب كثيرة في القرآن، الغرض منها كما تقدم زجر النفس البشرية عن سلوك سبل الغي والضلال، والأخذ بيدها إلى سلوك طريق الخير والرشاد.

يبقى أن نشير في ختام المطاف إلى أن بعض أهل العلم أفرد كتاباً خاصاً، جعل موضوعه قوارع القرآن، ومن الذين فعلوا ذلك: أحمد بن سهل، أبو زيد البلخي، فقد أفرد كتاباً جعله تحت عنوان (قوارع القرآن)، ذكر ذلك ابن النديم في "الفهرس"، وهو كتاب مفقود. وفعل الشيء نفسه عبد الجبار بن عبد الخالق العكبري، كتب كتاباً سماه (رياض الجنان في قوارع القرآن)، ذكر ذلك حاجي خليفة في كتابه "كشف الظنون". ومن ذلك أيضاً كتاب (قوارع القرآن وما يُستحب أن لا يخل بقراءته كل يوم وليلة)، لمؤلفه أبي عمرو بن يحيى الجُوْري النيسابوري، وهذا الكتاب مطبوع بتحقيق الأستاذ أحمد بن فارس السلوم.



 

قديم 05-07-2015   #8


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: دراسات قرآنية



(كلا) في القرآن الكريم



في لغة العرب حروف تسمى بحروف المعاني، كـ (على) و(في) و(بل)، ونحو ذلك من الحروف، التي يدل كل حرف منها على معنى رئيس، ويدل أيضاً على معان أُخر، تستفاد من سياق الكلام.

ومن هذه الحروف (كلا)، وهو حرف ردع وزجر عن مضمون كلام سابق من متكلم واحد، أو من كلام يُحكى عن متكلم آخر، أو مسموع منه، كقوله تعالى: {قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين} (الشعراء:61-62).

والأكثر أن تأتي عقب آخر الكلام المبطَل بها، وقد تُقدَّم عليه؛ للاهتمام بالإبطال وتعجيله، والتشويق إلى سماع الكلام الذي سيرد بعدها، كما في قوله تعالى: {كلا والقمر * والليل إذ أدبر * والصبح إذا أسفر * إنها لإحدى الكبر} (المدثر:32-35). ولما فيها من معنى الإبطال، كانت في معنى النفي، فهي نقيض (إي) و(أجل) ونحوهما من أحرف الجواب. والغالب أن تكون متبعة بكلام بعدها، فلا يُعهد في كلام العرب أن يقول قائل في رد كلام: (كلا) ويسكت.

وفي معناها لأهل اللغة أقوال؛ فمعناها عند سيبوبه والخليل وأكثر البصريين الردع والزجر، لا معنى لها عندهم إلا ذلك، حتى إنهم يجيزون أبداً الوقف عليها، والابتداء بما بعدها.

وذهب فريق من أهل اللغة إلى أن معناها ليس مقتصراً على الردع والزجر، وإنما تكون أيضاً بمعنى (حقاً)، و(ألا) الاستفتاحية، وتكون حرف جواب بمنزلة (إي) و(نعم)، وحملوا عليه قوله سبحانه: {كلا والقمر} فقالوا: معناه، إي والقمر.

ورجح ابن هشام أن يكون معناها -إضافة إلى معنى الردع والزجر- معنى (ألا) الاستفتاحية، وإذا صَلَحَ الموضع للردع ولغيره، جاز الوقف عليها والابتداء بها على اختلاف التقديرين، والأرجح حملها على الردع؛ لأنه الغالب فيها، نحو قوله سبحانه: {أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا * كلا سنكتب ما يقول} (مريم:78-79)، وقوله عز وجل: {واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم} (81-82). وقد تتعين للردع، أو الاستفتاح، نحو قوله سبحانه: {قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت * كلا إنها كلمة هو قائلها} (المؤمنون:99-100).

وقد يمتنع كونها للزجر، كقوله سبحانه: {وما هي إلا ذكرى للبشر * كلا والقمر} (المدثر:31-32) إذ ليس قبلها ما يصح رده.

وذكر ابن فارس أن (كلا) جاءت في القرآن الكريم على أربعة معان، هي:

(كلا) بمعنى الرد والإبطال

جاء على هذا المعنى قوله تعالى في قصة من قال: {لأوتين مالاً وولداً * أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا * كلا سنكتب ما يقول} (مريم:77-79) أي: إنه لم يطلع، ولم يتخذ العهد. قال ابن فارس: "وأصوب ما يقال في ذلك: إن (كلا) رد للمعنيين جميعاً؛ وذلك أن الكافر ادعى أمراً، فكذب فيه، ثم قيل: أتراه اتخذ عهداً، أم اطلع الغيب، {كلا} أي: لا يكون ذا، ولا ذاك".

وأما قوله تعالى {ليكونا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم} (مريم:81-82) فـ {كلا} رد لما قبله، وإثبات لما بعده؛ لأنهم زعموا أن الآلهة تكون لهم عزاً؛ وذلك لقولهم {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} (الزمر:3)، فقيل لهم: {كلا} أي: ليس الأمر كما تقولون، ثم جيء بعد بخبر، وأكد بـ {كلا} وهو قوله سبحانه: {سيكفرون بعبادتهم} (مريم:82).

ومن هذا الباب قوله سبحانه: {لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا} (المؤمنون:100) فلها مواضع ثلاثة: أولها: قوله: {ارجعون} فقيل له: {كلا} أي: لا ترد. والثاني: قوله تعالى: {أعمل صالحا}، فقيل له: {كلا} أي: لست ممن يعمل صالحاً، وهو كقوله: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} (الأنعام:28). والموضع الثالث: تحقيق؛ لقوله: {إنها كلمة هو قائلها} (المؤمنون:100).

أما قوله عز وجل: {ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون * قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون} (الشعراء:14-15) فهو رد في حالة، وردع في أخرى. فأما مكان الردع، فقوله سبحانه: {فأخاف أن يقتلون} فقيل له: {كلا} أي: لا تخف، فهذا ردع. وأما الرد فقوله في السورة نفسها: {قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين} (الشعراء:61-62) فهو نفي لما قبله، وإثبات لما بعده. قال ابن عاشور: والإبطال لقوله: {فأخاف أن يقتلون} أي: لا يقتلونك. وفي هذا الإبطال استجابة لما تضمنه التعريض بالدعاء حين قال: {ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون}.

وبحسب هذا المعنى قوله سبحانه: {قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا} (سبأ:27)، له ثلاثة مواضع: أحدها: أن تكون ردًّا على قوله: {أروني} أي: إنهم لا يرون ذلك، وكيف يرون شيئاً لا يكون. والموضع الثاني: قوله سبحانه: {ألحقتم به شركاء} فهو رد له، أي: لا شريك له. والثالث: أنها تحقيق؛ لقوله تعالى: {بل هو الله العزيز الحكيم} (سبأ:27). ومعنى قوله: {أروني} ههنا: أعلموني.

ومنه قوله تعالى: {يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه * وفصيلته التي تؤويه * ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه * كلا إنها لظى} (المعارج:11-15)، فردٌّ لقولهم: {ثم ينجيه}، أو رد لقوله: {لو يفتدي}. ومن هذا القبيل قوله عز من قائل: {أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم * كلا إنا خلقناهم مما يعلمون} (المعارج:38-39)، أي: خلقناهم من نطفة كما خلقنا بني آدم كلهم، ومِن حكمنا في بني آدم أن لا يدخل أحد منهم الجنة إلا بالإيمان والعمل الصالح، فلِمَ يطمع كل امرئ منهم ليس بمؤمن ولا صالح أن يدخل الجنة، ولا يدخلها إلا مؤمن عمل صالحاً.

ومنه كذلك قوله تعالى: {ثم يطمع أن أزيد * كلا إنه كان لآياتنا عنيدا} (المدثر:15-16)، فهو رد أن لا يزد؛ وذلك أن الوليد بن المغيرة كان يقول: ما أعطيت أعطيته إلا من خير، ولا حرمه غيري إلا من هوان، فإن كان ما يقوله محمد حقاً، فما أعطاه في الآخرة أفضل، فقيل له: {ثم يطمع أن أزيد كلا} أي: لا يكون ذلك. وكذلك قوله سبحانه: {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن * كلا} (الفجر:15-17).

ومما جاء من {كلا} بمعنى الرد غير ما تقدم قوله سبحانه: {بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة * كلا بل لا يخافون الآخرة} (المدثر:52-53) أي: لا مفر، أكد ذلك بقوله: {لا وزر} تأكيداً لقوله: {كلا}. ومنه أيضاً قوله عز وجل: {إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين * كلا بل ران على قلوبهم} (المطففين:13-14) فهو رد، أي: إنها ليست بأساطير الأولين. ومن الرد قوله سبحانه: {يحسب أن ماله أخلده * كلا لينبذن في الحطمة} (الهمزة:3-4)، أي: ليس كما يظن؛ فإن ماله لن يخلده.

(كلا) تحقيق لما بعدها

جاء بحسب هذا المعنى قوله سبحانه: {كلا إنها تذكرة} (عبس:11)، (إن) هنا حرف تأكيد، و{كلا} زيادة تأكيد.، أي: حقاً إنَّ آي السورة، أو آيات القرآن تذكرة وموعظة وتبصرة للخلق. ومثله قوله سبحانه: {كلا سيعلمون * ثم كلا سيعلمون} (النبأ:4-5) أي: حقاً ليعلمن صدق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن ومما ذكره لهم من البعث بعد الموت. وذكر القرطبي أن {كلا} في الآيتين هنا تحتمل أن تكون بمعنى الردع والزجر.

ومما جاء بمعنى التحقيق قوله عز وجل: {ثم إذا شاء أنشره * كلا لما يقض ما أمره} (عبس:22-23) أي: إنه لم يقضِ ما أُمر به. ومثله قوله سبحانه: {كلا بل تكذبون بالدين} (الانفطار:9) وهو تحقيق لما بعده. قال القرطبي: "ويجوز أن تكون بمعنى (لا)، على أن يكون المعنى: ليس الأمر كما تقولون من أنكم في عبادتكم غير الله محقون. يدل على ذلك قوله تعالى: {ما غرك بربك الكريم} (الانفطار:6).

ومن معاني التحقيق أيضاً قوله عز وجل: {كلا إن كتاب الفجار لفي سجين} (المطففين:7)، قال الحسن: {كلا} بمعنى حقاً. ومثل ذلك قوله سبحانه في السورة نفسها: {كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين} (المطففين:18)، ومثله قوله تعالى: {كلا إن الإنسان ليطغى} (العلق:6)، وقوله سبحانه: {كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية} (العلق:15).

(كلا) بمعنى الردع والزجر

جاء بحسب هذا المعنى قوله عز وجل: {قال كلا إن معي ربي سيهدين} (الشعراء:61)، فقوله: {كلا} رَدْعٌ، رَدَعَ به موسى ظنهم أنهم يدركهم فرعون، وعلل ردعهم عن ذلك بجملة: {إن معي ربي سيهدين}.

وجاء أيضاً بمعنى الردع قوله سبحانه: {ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر * كلا سوف تعلمون} (التكاثر:1-3) ردعهم عن التكاثر، ثم أعاد أخرى، فقال: {ثم كلا سوف تعلمون} (التكاثر:4) أي: إنكم افتخرتم، وتكاثرتم، وظننتم أن هذا ينفع شيئاً، ثم أكد ذلك بقوله: {كلا لو تعلمون علم اليقين} (التكاثر:5) إبلاغاً في الموعظة. قال الفراء: أي: ليس الأمر على ما أنتم عليه من التفاخر والتكاثر، وسوف تعلمون عاقبة هذا. ومنه قوله سبحانه: {فأنت عنه تلهى * كلا إنها تذكرة} (عبس:10-11) أي: لا تفعل ذلك. ومنه: {كلا لا تطعه} (العلق:19)، قال ابن عاشور: و{كلا} ردع لإبطال ما تضمنه قوله: {فليدع ناديه} (العلق:17)، أي: وليس بفاعل، وهذا تأكيد للتحدي والتعجيز".

(كلا) تكون صلة الأيمان (القَسَم)

جاء على هذا المعنى قوله سبحانه: {كلا والقمر} (المدثر:32) قال الفراء: {كلا} صلة للقَسَم، التقدير: إي والقمر. وقيل: المعنى: حقاً والقمر، فلا يوقف على هذين التقديرين على {كلا}، وأجاز الطبري الوقف عليها، وجعلها رداً للذين زعموا أنهم يقاومون خزنة جهنم، أي: ليس الأمر كما يقول من زعم أنه يقاوم خزنة النار. ثم أقسم على ذلك عز وجل بالقمر وبما بعده. ويقال: إن معناها: ألا والقمر، أي: والقمر. وذكر ابن عاشور أن {كلا} في الآية هنا محتمل لأن يكون إبطالاً لما قبله من قولهم: {ماذا أراد الله بهذا مثلا} (المدثر:31)، فيكون ما بينهما اعتراضاً، ويكون قوله: {والقمر} ابتداء كلام، فيحسن الوقف على {كلا}. ويحتمل أن يكون {كلا} هنا حرف إبطال مقدَّماً على الكلام الذي بعده من قوله: {إنها لإحدى الكبر * نذيرا للبشر} (المدثر:35-36) تقديمَ اهتمام؛ لإبطال ما يجيء بعده من مضمون قوله: {نذيرا للبشر} أي: من حقهم أن ينتذروا بها، فلم ينتذر أكثرهم، على نحو معنى قوله سبحانه: {وأنى له الذكرى} (الفجر:23)، فيحسن أن توصل في القراءة بما بعدها.

الوقوف على (كلا)

ومما هو على صلة بباب {كلا } أنها إذا كانت بمعنى (الردع) جاز الوقوف عليها عند الجمهور؛ لأنها أفادت معنى تامًّا يحسن السكوت عليه، ومنع المبرَّد الوقف عليها؛ بناء على أنها لا بد أن تُتْبَع بكلام. وقد قال ابن فارس: "إذا أردت رد الكلام بـ (كلا) جاز لك الوقف عليها؛ لأن المعنى قد تم عند الرد؛ وذلك أن تقول لقائل: أكلت تمراً؟ فتقول: كلا، أي: إني لم آكله. فقولك (كلا) مبني على خبر قد ذكره غيرك، ونفيته أنت".

وذكر الفراء أن مواقعها في القرآن من حيث الوقف والابتداء أربعة:

- موقع يحسن الوقف عليها، والابتداء بها، كقوله سبحانه: {أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا * أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا * كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا} (مريم:77-79).

- وموقع يحسن الوقف عليها، ولا يحسن الابتداء بها، كقوله تعالى: {ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون * قال كلا فاذهبا بآياتنا إن معكم مستمعون} (الشعراء:14-15).

- وموقع يحسن الابتداء بها، ولا يحسن الوقف عليها، كقوله عز وجل: {كلا إنها تذكرة} (عبس:11).

- وموقع لا يحسن فيه الوقوف عليها ولا الابتداء بها، كقوله تعالى: {ثم كلا سوف تعلمون} (التكاثر:4).

وذهب الفيروز آبادي أن {كلا} في القرآن الكريم يحسن الوقوف عليها في تسعة عشر موضعاً، هي: موضعان في مريم، وموضعان في الشعراء، وموضعان في المعارج، وموضعان في المدثر، وموضع في كل من المؤمنين، وسبأ، والقيامة، والمطففين، والفجر، والهُمَزَة. وما تبقى من مواضعها لا يحسن الوقف عليها.

هذا، وليس في النصف الأول من كتاب الله عز وجل {كلا}، بل جاءت في كل مواضعها -وهي ثلاثة وثلاثون موضعاً- في النصف الآخر من القرآن، وأكثر ما جاءت في السور المكية.

وحاصل القول في {كلا} إنها جاءت في القرآن الكريم على أربعة أوجه، يجمعها وجهان: رد وردع، وهما متقاربان، تحقيق وصلة يمين، وهما متقاربان. فالرد كقوله سبحانه: {ليكونوا لهم عزا * كلا} وهو الذي يُوقف عليه، والردع مثل قوله: {كلا سيعلمون}، والتحقيق كقوله: {كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين}، وصلة اليمين مثل قوله: {كلا والقمر}.



 

قديم 05-07-2015   #9


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: دراسات قرآنية



أسلوب عطف العام على الخاص



كثيراً ما يمر علينا عند القراءة في كتب تفسير القرآن الكريم، قول المفسرين: "وهذا من باب عطف العام على الخاص"، وهو تعبير يقابله قولهم: "وهو من باب عطف الخاص على العام"، وقد أفردنا موضوعاً عن هذا المصطلح الأخير، ونخصص هذا الجزء للحديث عن مصطلح "عطف العام على الخاص"، بادئين بالتعريف بالمصطلح:

تعريف هذا التركيب

فـ (العطف) لغة: الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه، وعطفت الشيء: إذا ثنيته، واصطلاحاً: هو التابع المتوسط بينه وبين متبوعه أحد حروف العطف. و(العطف) قد يكون عطف مفرد على مفرد، أو جملة على جملة.

واللفظ (العام) هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد، كقولنا: الرجال، فإنه مستغرق لجميع ما يصلح له. وإن شئت قل: اللفظ العام هو: اللفظ الذي يندرج تحته عدد من الأفراد.

أما اللفظ (الخاص) فهو ما دل على مفرد بعينه، وهو مقابل للفظ (العام)، كقولك: رجل.

فتحصل من التعريفات المتقدمة أن المراد من مصطلح (عطف العام على الخاص) هو عطف اللفظ العام، الذي تندرج تحته عدة أفراد، على لفظ خاص دالٍ على فرد واحد فقط، كقولنا: كرمت المدرسة الطالب أحمد والطلاب المتفوقين. فـ (الطلاب) لفظ عام يدخل فيه أحمد، و(أحمد) لفظ خاص، عُطف عليه لفظ عام، وهو (الطلاب).

وأسلوب عطف اللفظ العام على الخاص أسلوب معهود في لسان العرب، وقد خطَّأ السيوطي من أنكر وجوده.

فائدة هذا الأسلوب

أسلوب عطف العام على الخاص ليس حشواً في الكلام، ولا تكراراً له من غير فائدة، بل له فائدة واضحة، وهي كما قال السيوطي: "التعميم، وأفرد الأول بالذكر؛ اهتماماً بشأنه"، والمراد بـ (الأول) اللفظ الخاص المندرج في اللفظ العام.

أمثلة قرآنية على هذا الأسلوب

أسلوب عطف اللفظ العام على اللفظ الخاص جاء في القرآن الكريم في مواضع عدة، نذكر فيما يلي أمثلة عليه، تهدي إلى بيانه والغرض منه:

* قوله سبحانه: {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء} (النمل:91)، فقوله: {وله كل شيء} لفظ عام، عطف على قوله: {رب هذه البلدة } لفظ خاص، فالكلام من باب عطف اللفظ العام على الخاص، أي: هو رب هذه البلدة، ورب كل شيء ومليكه. و{البلدة} في الآية يعني: مكة، والغرض من إفرادها؛ أنه سبحانه عظم شأنها، فجعلها حرماً آمناً، لا يسفك فيها دم، ولا يظلم فيها أحد.

* قوله عز وجل: {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع} (النحل:5)، فقوله {دفء} لفظ خاص، وقوله {ومنافع} لفظ عام، فعطف اللفظ العام على الخاص. وفائدة إفراد (الدفء) بالذكر -كما ذكر ابن عاشور- أنه أمر قلما تستحضره الخواطر.

* قوله تعالى: {لتعلموا عدد السنين والحساب} (يونس:5)، لفظ (الحساب) يشمل حساب الأيام والشهور والفصول والسنين، فعَطْفُه على {عدد السنين} من باب عطف العام على الخاص؛ للتعميم بعد ذكر الخاص؛ اهتماماً به.

* قوله سبحانه: {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة} (الحديد:27)، عَطْف (الرحمة) على (الرأفة) من باب عطف العام على الخاص؛ لاستيعاب أنواعه بعد أن اهتم ببعضها.

* قوله عز وجل: {المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق} (الرعد:1)، يعني بـ {الكتاب} السورة، وهو لفظ خاص، و{تلك} إشارة إلى آياتها، أي: تلك الآيات آيات السورة الكاملة، {والذي أنزل إليك} هو القرآن كله، وهو لفظ عام، فعطفه على اللفظ الخاص. ذكره البيضاوي. وفائدة هذا العطف التنبيه على ما تضمنته هذه السورة من حقائق عقدية وسنن كونية.

* قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء} (المائدة:57)، عطف (الكفار) على أهل الكتاب من باب عطف العام على الخاص، فكلمة (كفار) تشمل كل كافر بمحمد صلى الله عليه وسلم، وخص أهل الكتاب بالذكر؛ لأنه الموضوع من الأصل في عدم موالاة المؤمنين لليهود والنصارى، ثم عمم الحكم على الجميع ممن كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم.

* قوله سبحانه: {قل إن صلاتي ونسكي} (الأنعام:162)، (النسك) هنا بمعنى العبادة، وهو لفظ عام يشمل كل عبادة، ولفظ (الصلاة) خاص، يدل على عبادة مخصوصة، فيكون الكلام من باب عطف العام على الخاص، وتكون كلمة (الصلاة) المقصودة، الصلاة: فرضها ونفلها، والتهجد بها، وخصت بالذكر؛ لأنها عمود الدين ولبه، ولا دين من غير صلاة.

* قوله عز وجل: {وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} (الأنفال:32)، فقوله سبحانه: {فأمطر علينا حجارة} لفظ خاص، وقوله: {أو ائتنا بعذاب أليم} لفظ عام، فالكلام هنا من باب عطف العام على الخاص). ونكتة هذا الخاص: أن العرب الذين خوطبوا بالقرآن أولاً، ونزل بلغتهم، يشعرون بما لا يشعر غيرهم من الوعيد بشرب الماء الحميم، والحرمان من الماء البارد، وإنما كان لهم هذا الجزاء بسبب ما كانوا يعملون من أعمال الكفر المستمرة إلى الموت، كدعاء غير الله تعالى، والنذر لغيره، وذبح القرابين لغيره، وسائر الأعمال السيئة التي يزينها لهم الكفر، ويصد عنها الإيمان.

* قوله تعالى: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر} (يونس:31)، فقوله سبحانه: {ومن يدبر الأمر} أي: يقدره ويقضيه، لفظ عام، عُطف على ما قبله من ألفاظ الخصوص، فالكلام من باب عطف العام على الخاص، لأن (تدبير الأمر) قد عمَّ ما تقدم وغيره. وفائدة ذكر تلك الألفاظ الخاصة؛ أن بها قِوام حياة الإنسان.

* قوله سبحانه: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} (الحجر:87)، المراد بـ {المثاني} هنا سورة الفاتحة، {والقرآن العظيم} معطوف على {سبعا من المثاني}، وهو من عطف العام على الخاص؛ لأن الفاتحة بعض من القرآن. وفائدة هذا التخصيص بيان أهمية سورة الفاتحة؛ إذا حوت جميع مقاصد القرآن العظيم. وكذلك إن أريد بـ (السبع المثاني) السبع الطوال؛ لأنها بعض من القرآن.

* قوله عز وجل: {قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا} (المائدة:17)، فقوله سبحانه: {ومن في الأرض جميعا} لفظ عام، عُطف على قوله: {المسيح ابن مريم وأمه} وهو لفظ خاص، فيكون الكلام من باب عطف العام على الخاص، ويكون المسيح وأمه قد ذُكرا مرتين: مرة بالنص عليهما، ومرة بالاندراج في العام؛ وذلك على سبيل التوكيد والمبالغة في تعلق نفاذ الإرادة الإلهية فيهما. أفاد هذا أبو حيان.

* قوله تعالى: {واتبع ما يوحى إليك من ربك} (الأحزاب:2)، هذا لفظ عام، عُطف على قوله سبحانه: {يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين} (الأحزاب:1)، فالكلام من قبيل عطف العام على الخاص، أي: اتبع في كل ما تأتي وتذر من أمور الدين ما يوحى إليك من الآيات التي من جملتها هذه الآية الآمرة بتقوى الله تعالى، الناهية عن إطاعة الكفرة والمنافقين.

* قوله سبحانه: {نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل * من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان} (آل عمران:3-4)، فقوله: {وأنزل الفرقان} أي: أنزل سائر ما يُفرِّق بين الحق والباطل، فهو من باب عطف العام على الخاص، حيث ذكر أولاً الكتب الثلاثة، ثم عمَّ الكتب كلها؛ لإِفادة الشمول مع العناية بالخاص. قال الطبري في المراد بـ: {وأنزل الفرقان}: "وأنزل الفصل بين الحق والباطل فيما اختلفت فيه الأحزاب، وأهل الملل في أمر عيسى، وغيره". وبعد أن نقل قول بعضهم: "إن المراد بـ {الفرقان} هنا: القرآن"، قال: "والتأويل الذي ذكرناه أولى بالصحة، وأن يكون معنى {الفرقان} في هذا الموضع: فَصْل الله بين نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والذين حاجوه في أمر عيسى، وفي غير ذلك من أموره، بالحجة البالغة القاطعة عذرهم وعذر نظرائهم من أهل الكفر بالله". قال: "وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب؛ لأن إخبار الله عن تنزيله القرآن قبل إخباره عن تنزيله التوراة والإنجيل في هذه الآية، قد مضى بقوله: {نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه}، ولا شك أن ذلك {الكتاب} هو القرآن لا غيره، فلا وجه لتكريره مرة أخرى؛ إذ لا فائدة في تكريره".

* قوله عز وجل: {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات} (نوح:28)، فقوله: {لي ولوالدي} لفظ خاص، وقوله: {وللمؤمنين والمؤمنات} لفظ عام، وخص الدعاء للنفس والوالدين بالذكر؛ لأن الإنسان يرجو الخير لنفسه أولاً، ثم لوالديه.

هذه جملة من الأمثلة التي تبين أسلوب عطف اللفظ العام على اللفظ الخاص في القرآن الكريم، والغرض منه. وثمة ورائها أمثلة أُخر، ليس من العسير الوقوف عليها في كتب التفسير.



 

قديم 05-07-2015   #10


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: دراسات قرآنية



الجر على الجوار في القرآن



ثمة باب من أبواب النحو يطلق عليه باب (الجر على الجوار)، يريدون به جر حركة لفظ متأخر إتباعاً لما تقدمه من لفظ مجرور بجامع المجاورة ليس إلا. وقد عبر عن المراد من هذا الباب ابن هشام النحوي من خلال قاعدة تقول: إن الشيء يعطى حكم الشيء إذا جاوره. والمثال الشائع والأبرز للتمثيل لهذه القاعدة قول بعضهم: (هذا جِحْرُ ضبٍّ خربٍ) بجر (خربٍ) لمجاورته لمجرور (ضبٍّ)، وحقه الرفع؛ لأنه صفة في المعنى لـ (جِحْرُ) لصحة اتصافه به، وهو مرفوع، والصفة تتبع موصوفها في الحركة الإعرابية، و(الضب) لا يوصف به، وإنما جُرَّ على الجوار.

موقف النحاة من هذا الباب

والنحاة من حيث الجملة قائلون بهذا الباب من النحو، وهم في ذلك تبع لسيبويه، فقد نقل سيبويه في باب الجر عن الخليل قوله: "هذا الذي تجره العرب على الجوار، إنما تجعله على بعض الأوصاف، وهو أن يكون النعت الذي يجره يوافق الاسم الذي يجاوره في: عدته، وفي تذكيره، وتأنيثه. فإن اختلفت العدة، أو كان أحدهما مذكراً والآخر مؤنثاً، استعملوا الكلام على أصله، ولم يجروه على المجاورة". فكلام سيبويه وما نقله عن أستاذه الخليل يدل على القول بهذا الباب من أبواب النحو، إلا أن كلام سيبويه يفيد أن القول بهذا الباب مشروط بأن يكون في الصفات، وأن تكون الصفة موافقة للموصوف من حيث التذكير، والتأنيث، والعدد، فإن اختل شرط من هذه الثلاث لم يُعمل بقاعدة (الجر على الجوار).

وأبو البقاء العكبري اعتبر هذا الباب في النحو، وذكر أن (الجر على الجوار) ليس بممتنع أن يقع في كلام العرب لكثرته، وقد جاء في القرآن والشعر، وذكر أمثلة عليه من القرآن والشعر.

وقد أنكر ابن جني -وهو من أئمة اللغة- (الجر على الجوار) وجعل (خرباً) في قولهم: (جِحر ضبٍّ خربٍ) صفة لـ (ضب) بتقدير مضاف، أي: خرب جحره.

موقف المفسرين من هذا الباب

إذا كان الموقف العام لأهل اللغة والنحاة القول بـ (الجر على الجوار)، فإن الموقف العام للمفسرين عدم الاعتداد به، وتنزيه كلام الله عن القول به؛ فشيخ المفسرين الطبري لم نقف عنده على ذكر لهذا الباب من قريب ولا من بعيد، وفي هذا دلالة على رفضه للقول به.

وأبو جعفر النحاس صاحب "تفسير القرآن"، و"إعراب القرآن"، و"ناسخ القرآن" رفض هذا الباب جملة وتفصيلاً، وعبارته في هذا الصدد تقول: "لا يجوز أن يُعرب الشيء على الجوار في كتاب الله، ولا في شيء من الكلام، وإنما الجوار غلط، وإنما وقع في شيء شاذ، وهو قولهم: هذا جحر ضب خرب، والدليل على أنه غلط قول العرب في التثنية: هذان جحرا ضب خربان...ولا يجوز أن يحمل شيء من كتاب الله على هذا، ولا يكون إلا بأفصح اللغات وأصحها".

والقرطبي نقل قول النحاس هذا من غير تعقيب عليه، ما يعني أنه لا يقول بمذهب (الجر على الجوار)، بل نقل تخطئة ابن عطية لأبي عبيدة القائل في قوله تعالى: {قتال فيه} (البقرة:217) إنه جُرَّ على الجوار، والصواب أنه بدل من {الشهر}، بدل اشتمال.

والرازي سلك المنحى نفسه، واعتبر أنه من غير اللائق حمل كلام الله سبحانه على هذا الباب؛ فعند تفسيره لقوله تعالى: {وأرجلكم إلى الكعبين} (المائدة:6) اعتبر أن من جعل القراءة بالكسر (وأرجلِكم) على أنها من باب العطف على الجوار، أن قوله باطل من وجوه: الأول: أن الكسر على الجوار معدود في اللحن الذي قد يُتحمل لأجل الضرورة في الشعر، وكلام الله يجب تنزيهه عنه. وثانيها: أن الكسر إنما يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس، كما في قوله: جحر ضب خرب، فإن من المعلوم بالضرورة أن (الخرب) لا يكون نعتاً لـ (الضب)، بل لـ (الجِحر)، وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل. وثالثها: أن الكسر بالجوار إنما يكون بدون حرف العطف، أما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب.

وكلام الرازي يدل دلالة واضحة على أنه لا يعتد بهذا الباب في حمل كلام الله عليه، وإن كان يعترف بأن هذا الباب مجاله الضرورة الشعرية ونحوها.

أما أبو حيان -وهو من أئمة النحو- فموقفه العام في "تفسيره" رفض هذا الباب من النحو؛ فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين} (البقرة:105)، وقوله سبحانه: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين} (البينة:1) لم يقبل قول أبي إسحاق الشيرازي: إن الأصل في الآيتين هو الرفع، أي: (ولا المشركون)، عطفاً على الذين كفروا، ورد على ما ذهب إليه أبو إسحاق بقوله: "وهذا حديث من قصر في العربية، وتطاول إلى الكلام فيها بغير معرفة، وعدل عن حمل اللفظ على معناه الصحيح وتركيبه الفصيح".

كذلك عند تفسيره لقوله تعالى: {قتال فيه} (البقرة:217)، ذكر أن جمهور القراء قرأ قوله سبحانه: {قتال فيه}، بالكسر على أنه بدل من {الشهر}، بدل اشتمال. في حين أن أبا عبيدة ذهب إلى أن {قتال فيه}، خفض على الجوار، ثم نقل أبو حيان هنا قول ابن عطية: هذا خطأ. ولم يعقب على تخطئة ابن عطية لأبي عبيدة، ما يعني أن أبا حيان يوافق ابن عطية في تخطئة أبي عبيدة، وبالتالي لا يأخذ بمذهب القائلين بـ (الجر على الجوار).

ونظير هذا ما فعله أبو حيان مع الزمخشري الذي ذهب إلى أن {الأيمن} في قوله عز وجل: {وواعدناكم جانب الطور الأيمن } (طه:80) مجرور على الجوار. قال أبو حيان: "وهذا من الشذوذ والقلة، بحيث ينبغي أن لا تُخَرَّج القراءة عليه، والصحيح أنه نعت لـ {الطور}؛ إما لما فيه من اليُمن، وإما لكونه على يمين من يستقبل الجبل".

ومن هذا القبيل أيضاً رد أبي حيان على ما ذهب إليه أبو الفضل الرازي صاحب كتاب "اللوامح في شواذ القراءات" من أن {مستقر} في قوله عز وجل: {كل أمر مستقر} (القمر:3) مرفوع في الأصل، لكنه جُرَّ للمجاورة. فقد عقب أبو حيان على هذا بقوله: "وهذا ليس بجيد؛ لأن الخفض على الجوار في غاية الشذوذ"، فقوله هذا دال على موقفه من القول بـ (الجر على الجوار).

بيد أن أبا حيان لم يكن مطرداً في موقفه من باب (الجر على الجوار)، بل وجدنا في تضاعيف "تفسيره" كلاماً، يُفهم منه القول بـ (الجر على الجوار)؛ ومن الأمثلة على ذلك ما جاء عند تفسيره لقوله سبحانه: {أن الله بريء من المشركين ورسوله} (التوبة:1)، فقد ذكر أبو حيان أن قوله سبحانه: {ورسوله} خُرِّج على العطف على الجوار. فذكر هذا التخريج من غير تعقيب عليه دال على القول بهذا الباب.

وفعل الشي نفسه عنه تفسيره لقوله عز وجل: {كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف} (إبراهيم:18)، فقد نقل عن بعضهم قوله: إن {عاصف} من صفة الريح، إلا أنه لما جاء بعد (اليوم) أتبع إعرابه، أي: جُرَّ على الجوار. ذكر أبو حيان هذا القول من غير تعقيب، وليس يخفى ما في هذا من دلالة.

والزركشي في "برهانه" كان من المنكرين لهذا المذهب، فقد ذكر في أثناء بيانه للأمور التي يجب أن يراعيها الناظر في كتاب الله، أن عليه تجنب الأعاريب المحمولة على اللغات الشاذة؛ فإن القرآن نزل بالأفصح من لغة قريش. ونقل في هذا السياق قول الزمخشري في "كشافه" القديم: "إن القرآن لا يُعمل فيه إلا على ما هو فاش دائر على ألسنة فصحاء العرب دون الشاذ النادر، الذي لا يُعثر عليه إلا في موضع أو موضعين". ومثَّل الزركشي لهذا الشذوذ بغلط بعض الفقهاء والمعربين حين جعلوا من العطف على الجوار، قوله تعالى: {وأرجلكم} في قراءة الجر، فقال: "إنما ذلك ضرورة، فلا يُحمل عليه الفصيح"، أي: لا يحمل عليه كتاب الله تعالى.

وتبع السيوطيُّ الزركشيَّ في هذا الموقف، معتبراً أن من قال في {وأرجلكم}: إنه مجرور على الجوار، أن قوله هذا لا يعول عليه؛ لأن الجر على الجوار في نفسه ضعيف شاذ، لم يرد منه إلا أحرف يسيرة، والصواب أنه معطوف على {برؤوسكم}.

على أننا لا نعدم من المفسرين من اعتد بهذا الباب النحوي مطلقاً، والظاهر أنهم كانوا في هذا تبعاً للنحاة؛ فالبيضاوي مثلاً بعد أن ذكر أن أكثر القراء قرؤوا قوله تعالى: {وأرجلكم إلى الكعبين} بفتح اللام، ذكر أن بعضهم قرأه بالجر على الجوار، وعقب على ذلك بقوله: "ونظيره كثير في القرآن والشعر...وللنحاة باب في ذلك"، وصنيع البيضاوي هذا يومئ إلى أنه من القائلين بهذا الباب من النحو، خاصة بعد أن ذكر في تعقيبه أن هذا الباب له أمثلة كثيرة في القرآن والشعر.

واقتفى أثر البيضاوي أبو السعود في "تفسيره"، بل نقل كلام البيضاوي نفسه تقريباً، ودلالة هذا المسلك غير خافية.

أمثلة من القرآن

تقدمت معنا طائفة من الأمثلة القرآنية التي حُملت على أنها من باب (الجر على الجوار)، ونزيد عليها طائفة أخرى؛ توضيحاً للمراد، وتبياناً لما قُرئ من القرآن بـ (الجر) على أنه من (باب الجر على الجوار).

قوله تعالى: {وحور عين} (الواقعة:22)، قرئ بالرفع، والنصب، والجر، وممن قرأ بالجر السلمي، والأعمش، والكسائي: قال الفراء: "الجر على الإتباع في اللفظ، وإن اختلفا في المعنى؛ لأن الحور لا يطاف بهن"، فالعطف بالجر هنا عطف على قوله سبحانه: {بأكواب وأباريق وكأس من معين} (الواقعة:18)، أي: يطوف عليهم ولدان بكذا وكذا، وحور عين. وقال الزمخشري: العطف على {في جنات} (الواقعة:12)، كأنه قيل: المقربون في جنات، وفاكهة، ولحم طير، وحور. وقد عقب أبو حيان على قراءة الجر بقوله: "وهذا فيه بُعْدٌ، وتفكيك كلام مرتبط بعضه ببعض، وهو فهم أعجمي".

قوله سبحانه: {النار ذات الوقود} (البروج:5)، قُرئ {النار} بالكسر، وقيل في إعرابه أقوال، منها: أنها خفض على الجوار، نقله مكي عن الكوفيين، وهذا يقتضي أن {النار} كانت مستحقة لغير الجر، فعُدِل عنه إلى الجر للجوار.

قوله جل وعلا على لسان نوح عليه السلام: {إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم} (هود:18)، فقد ذهب بعضهم إلى إعراب {أليم} على أنه جر على الجوار؛ لأنه في المعنى صفة لـ (العذاب)، والأصل: عذاب يوم أليماً.

ونحو هذا قوله عز وجل على لسان شعيب عليه السلام: {واني اخاف عليكم عذاب يوم محيط} (هود:84) زعم قوم أنه جُرَّ على الجوار؛ لأنه في المعنى صفة لـ (العذاب)، والأصل: عذاب يوم محيطاً.

قوله عز وجل: {اشتدت به الريح في يوم عاصف} (إبراهيم:18)، قرئ {عاصف} بالجر، وقيل في إعرابه أقوال، منها: أنه خفض على الجوار، أي: كان الأصل أن يتبع (العاصف) {الريح} في الإعراب، فيقال: اشتدت به الريح العاصف في يوم؛ لأن (عاصفاً) من صفة {الريح}، إلا أنه لما جاء بعد (اليوم) أُعرب بإعرابه.

قوله عز وجل: {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} (الذاريات:58)، قرأ بعضهم {المتين} بالجر على أنه صفة لـ {ذو} وخفض على الجوار. وقراءة الرفع على أنه صفة لـ {ذو}.

هذه طائفة من الأمثلة القرآنية التي ذهب فيها بعض المفسرين وأهل اللغة إلى أنها من باب الجر على الجوار، وإن كان القول الصواب فيها غير هذا.

ومحصل القول في باب (الجر على الجوار)، أن عموم النحاة احتفلوا بهذا الباب من أبواب النحو، وحملوا عليه جملة من كلام العرب وأشعارهم، بل وحملوا عليه أيضاً جملة من الألفاظ القرآنية. في حين أن عموم المفسرين لم يلقوا بالاً لهذا الباب، واعتبروا أنه باب من أبواب الضرورة النحوية، ومن ثم فمن غير اللائق حمل كلام الله على ما كان هذا شأنه.



 

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
حراسات, قرآنية


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خواطر قرآنية ابو يحيى منتدى القرآن الكريم والتفسير 3 12-06-2015 01:09 PM
مركز دراسات يطالب بتعيين ضباط المملكة المتقاعدين في وظائف مدنية ابو عمر منتدى الاخبار المحلية والعالمية 1 10-09-2014 06:13 PM
وظائف حراسات ومشرفين بمستشفى الملك عبدالعزيز التخصصي بالطائف ابو عمر اخبار الوظائف 2 26-08-2014 03:31 PM
حراسات أمنية بالمدارس وزيادة صلاحيات @حاول تفتكرني@ منتدى التعليم العام 2 21-11-2012 06:24 PM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 09:38 AM

أقسام المنتدى

الاقسام العامة | المنتدى الاسلامي العام | المنتدى العام | منتدى الترحيب والتهاني | الاقسام الرياضية والترفيهية | العاب ومسابقات | الافلام ومقاطع الفيديو | منتدى الرياضة المتنوعة | الاقسام التقنية | الكمبيوتر وبرامجه | الجوالات والاتصالات | الفلاش والفوتوشوب والتصميم | منتدى التربية والتعليم | قسم خدمات الطالب | تعليم البنين والبنات | ملتقــــى الأعضـــــاء (خاص باعضاء المنتدى) | المرحله المتوسطه | منتدى الحقلة الخاص (حقلاويات) | منتدى الاخبار المحلية والعالمية | اخبار وشـؤون قرى الحقلة | اخبار منطقة جازان | الاقسام الأدبية والثقافية | الخواطر وعذب الكلام | منتدى الشعر | عالم القصة والروايات | اخبار الوظائف | منتديات الصحة والمجتمع | منتدى الصحة | منتدى الأسرة | منتدى السيارات | منتدى اللغة الانجليزية | منتدى الحوار والنقاشات | منتدى التراث والشعبيات والحكم والامثال | منتدى التعليم العام | منتدى السفر والسياحة | الثقافه العامه | منتدى تطوير الذات | كرسي الإعتراف | منتدى عالم المرأة | عالم الطفل | المطبخ الشامل | منتدى التصاميم والديكور المنزلي | المكتبة الثقافية العامة | شعراء وشاعرات المنتدى | مول الحقلة للمنتجات | الخيمة الرمضانية | المـرحلـة الابتدائيـة | استراحة وملتقى الاعضاء | المرحله الثانويه | الصور المتنوعة والغرائب والعجائب | المنتدى الاسلامي | منتدى القرآن الكريم والتفسير | سير نبي الرحمة واهم الشخصيات الإسلامية | قصص الرسل والانبياء | قسم الصوتيات والفلاشات الاسلاميه | اخبار مركز القفل | منتدى الابحاث والاستشارات التربوية والفكرية | افلام الانمي | صور ومقاطع فيديو حقلاويات | البلاك بيري / الآيفون / الجالكسي | بوح المشاعر وسطوة القلم(يمنع المنقول ) | مناسك الحج والعمرة | منتدى | ارشيف مسابقات المنتدى | منتدى الحديث والسنة النبوية الشريفة | المنتدى الاقتصادي | منتدى عالم الرجل | اعلانات الزواج ومناسبات منتديات الحقلة | تراث منطقـة جــــازان | كرة القدم السعوديه | منتدى الرياضة | كرة القدم العربيه والعالمية | ديـوان الشـاعـر عمـرين محمـد عريشي | ديـــوان الشــاعـر عـبدة حكمـي | يوميات اعضاء منتديات الحقلة | تصاميم الاعضاء | دروس الفوتوشوب | ارشيف الخيمة الرمضانية ومناسك الحج والعمرة الاعوام السابقة | منتدى الاخبار | نبض اقلام المنتدى | ديـــوان الشــاعـر علـي الـدحيمــي | الاستشارات الطبية | الترحيب بالاعضاء الجدد | قسم الاشغال الايدويه | قسم الاشغال اليدويه | مجلة الحقله الالكترونيه | حصريات مطبخ الحقله | ديوان الشاعر ابوطراد |



Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Ramdan √ BY: ! Omani ! © 2012
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Forum Modifications Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع المواضيع والمُشاركات المطروحه في منتديات الحقلة تُعبّر عن ثقافة كاتبها ووجهة نظره , ولا تُمثل وجهة نظر الإدارة , حيث أن إدارة المنتدى لا تتحمل أدنى مسؤولية عن أي طرح يتم نشره في المنتدى

This Forum used Arshfny Mod by islam servant