حينما أنظر لجمال الأنهار وروعة الأشجار، وهيبة الجبال، وحسن الطيور، وقوة الحيوانات، وتنوع المخلوقات، أذكر الله الخالق، وأقول: ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار.
خلقنا وجعل في خلقنا ما يغنينا عن الحيرة والسؤال. فهل يعقل أن يكون هذا الكون، من سماوات وأرض وما بينهما من الخلق، قد وُجد هكذا من غير خالق؟! حاش لله، حاشاه.
فيا حسرة على العباد، يجادلون في الحق ويسعون وراء الباطل، يبيعون النعيم الأبدي لنصرة الهوى، ينقبون عن السعادة في غير موطنها، ولو نظروا حولهم بل لو تأملوا في أنفسهم، لعرفوا مكمنها الحقيقي. هؤلاء الذين يجادلون في آلاء الله منهم الكثير الذي يعرف الحق ويصل إليه ثم يحيد عنه فكما قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُون﴾ (الأنعام 33). ومنهم من حجبته الشهوات، فهو غارق في لذاته لا يريد أن يفيق منها، ونسي أن الموت آتيه آتيه. ومنهم من طبع على قلبه بالشبهات فكلما أزيلت عنه شبهة ردها ثانية وأتى معها بأخرى، ومنهم من يبحث حقيقة عن الحق فإذا ما وجد ضالته اقتنصها وتشبث بها.
لكن ماذا عنا نحن المسلمين، أولم نؤمن بيوم الحساب، وأن هناك جنة بعد الرضا وسخطاً يعقبه عذاب، لماذا ننسى ما ذكرنا الله به، هل تستحق الدنيا الزائلة أن نضحي من أجلها بحياة الخلود، يا قوم أفلا تعقلون؟
لو جلسنا سويًّا نسبح في الخيال بقلوبنا، لنرسم فيها ما أعده الله لنا من الطيبات في جنة عرضها كعرض الأرض والسماوات، قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ (سورة محمد: 15).
ماذا رأى قلبك بعد تلاوتك لهذه الآية.. أعلم أنه رأى من الجمال ما لم تراه عينك، كما رأيت بعين قلبي.. ثق أنك مهما حلقت بجناحي قلبك فلن تصل بخاطرك إلى جمال الجنة وحسنها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ)، ثُمَّ قَرَأَ ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. رواه البخاري (3072).
أيعقل أن نضحي بكل هذا النعيم من أجل لذة ساعة؟ ووالله لا تصفو لك فيها السعادة وبعد اللذة تأتى الحسرة، وفى الآخرة يكون الشقاء، أولا تستحق الجنة أن ندع كل ما يغضب الله لنحيا فيها أبداً.
والله لو لم ننل في الآخرة إلا رضا الله وعفوه لكفى، ولكنه كريم، فلا بد من اقتران رضاه بجنته سبحانه. فلندع شهواتنا وذنوبنا لنرضي ربنا، فقد أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنه، ولنسع في طريقه القويم، وصراطه المستقيم، ونتزود بالطاعات، ونصطحب في سفرنا الخوف من عذابه، والرجاء في رحمته وجنانه. وثق أنك يوماً ما ستصل وإن مت على الطريق فهذا يكفيك. وانظر إلى قول ابن القيم وتمعن..
يا سلعة الرحمن لست رخيصة = بل أنت غالية على الكسلانِ
يا سلعة الرحمن ليس ينالها = في الألف إلا واحد لا اثنانِ
يا سلعة الرحمن ماذا كفؤها = إلا أولو التقوى مع الإيمان..
أسأل الله عز وجل - برحمته سبحانه وعفوه - لي ولكم الجنة ونعيمها بلا حساب ولا سابقة عذاب، إنه ولى ذلك والقادر عليه.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك