عدد الضغطات : 9,099عدد الضغطات : 6,597عدد الضغطات : 6,318عدد الضغطات : 5,539
التميز خلال 24 ساعة
العضو المميز المراقب المميز المشرف المميز الموضوع المميز القسم المميز
قريبا
قريبا
قريبا

بقلم :
المنتدى الاسلامي العام

العودة   منتديات الحقلة > المنتدى الاسلامي > منتدى الحديث والسنة النبوية الشريفة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: الوجه الاخر لرجل الأعمال سعد التميمي (آخر رد :عميد القوم)       :: احذروا سوء الظن (آخر رد :ابو طراد)       :: من فوائد وفضائل الذكر (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: هل تريد نخلة في الجنة (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: وانت في مفترق الطرق تذكر... (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: غلط يقع فيه بعض المصلين (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: علماء الأزهر (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: رائعة جداً (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: ايمانيات (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: رحله العمر (آخر رد :فاطمة صلاح)      


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 29-09-2018   #39371
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كل يوم حديث (( الموضوع متجدد ))



عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال :

وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله ، كأنها موعظة مودع فأوصنا . قال :
( أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن تأمّر عليكم عبد ؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة )
رواه أبو داود و الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

الشرح
خلال ثلاث وعشرين سنة ،لم يدّخر النبي صلى الله عليه وسلم جهدا في تربية الناس وإرشادهم ، فكانت حياته صلى الله عليه وسلم هداية للناس ، ونورا للأمة ، يضيء لهم معالم الطريق ، ويبين لهم عقبات المسير وصعوباته .

لقد ظل هذا النبي الكريم على هذا المنوال طيلة حياته ، حتى جاء ذلك اليوم الذي نزل عليه قوله تعالى : { إذا جاء نصر الله والفتح ، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } (النصر : 1 - 3 ) ، حينها أدرك دنوّ أجله ، وازداد يقينا بذلك حينما خيّره الله بين البقاء في الدنيا والانتقال للدار الآخره ، وتكاثرت الإرهاصات الدالّة على قرب لحوقه بربّه ، فأدركته الشفقة على أمته من بعده ، وأراد أن يعظهم موعظة نافعة ، ووصية جامعة ، تعطيهم منهاجا متكاملا للتعامل مع ما سيمرّ بهم من فتن ، وما قد يبتلون به من محن ، فتكون هذه الوصية لهم بمثابة طوق النجاة في بحر الحياة الخِضم .

وكان لهذه الموعظة العظيمة أكبر الأثر في تلك النفوس الكريمة ، والمعادن الأصيلة ، لقد استشعروا في هذه الوصية قرب فراق نبيهم للدنيا ؛ ولذلك ذرفت عيونهم ، وخفقت قلوبهم ، وأحسوا بعظم الموقف ، مما جعلهم يقولون : " يا رسول الله ، كأنها موعظة مودع فأوصنا " .

لقد طلبوا منه وصية تكفيهم من بعده ، وتكفل لهم البقاء على الجادّة ، وصحة المسير ، فجاءتهم الوصية النبوية بتقوى الله ؛ فإنها جماع كل خير ، وملاك كل أمر ، وفيها النجاة لمن أراد في الدنيا والآخرة .

ثم أتبع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر ببيان حقوق الإمام التي كفلها الشرع، فقال : (.. والسمع والطاعة – أي : للأمير - ، وإن تأمر عليكم عبد ) ، فالسمع والطاعة حقّان من حقوق الإمام الشرعي كما قال الله عزوجل : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ( النساء : 59 ) ، وعن أم الحصين رضي الله عنها قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع يقول : ( يا أيها الناس اتقوا الله ، واسمعوا وأطيعوا وأن أمّر عليكم عبد حبشي مجدع ، ما أقام فيكم كتاب الله عز وجل ) رواه أحمد وأصله في البخاري ، وغيرها من النصوص الكثيرة الدالة على ذلك .

وعلى الرغم من دخول السمع والطاعة للإمام في باب التقوى ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرده بالذكر ؛ تأكيدا على أهميته، وعظم شأنه وخطره .

لكن ثمة أمر ينبغي أن نلقي الضوء عليه ، وهو أن هذه الطاعة التي تلزم للإمام الشرعي مشروطة بأن تكون موافقة لأحكام الشرعية ، وليست مستقلة بنفسها ، فإذا تعارض أمره مع شرع الله ورسوله فلا تجب طاعته في ذلك ، ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة في المعصية ، إنما الطاعة في المعروف ) رواه البخاري و مسلم .

وقد ذكر العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم : ( وإن تأمّر عليكم عبد ) أمران ، الأول: أن ذلك من باب الإخبار بالأمور الغيبية ، حين تُسند الولاية إلى غير أهلها ، وتوضع في غير موضعها ، فهنا يجب له السمع والطاعة درءا لحدوث الفتن ، والثاني : أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر جاء من باب ضرب المثل ، وذلك كقوله في الحديث الآخر : ( من بنى مسجدا لله كمفحص قطاة أو أصغر ، بنى الله له بيتا في الجنة ) رواه ابن ماجة ، ومفحص القطاة أقل من أن يتسع لفرد ، وأصغر من أن يكون مسجدا .

ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن اختلاف أمته من بعده ، وكيفية النجاة من هذا الاختلاف ، لقد قال : ( فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ) ، إنها إشارة إلى ما سيؤول إليه أمر الأمة من تفرّق يوهن قوتها ، وابتعاد عن الهدى والحق ، فوصف الداء وبيّن الدواء ، وأرشدها إلى التمسك بسنته ، وسنة خلفائه الراشدين من بعده ، الذين منّ الله عليهم بالهداية ومعرفة الحق ، والاستقامة على المنهاج النبوي ، حتى صار عصرهم أنموذجا رفيعا يُقتدى به .

وفي ضوء ذلك، يمكن أن نفهم تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم الله على التزام هديهم عندما قال : ( عضّوا عليها بالنواجذ ) ، والنواجذ هي آخر الأضراس ، فهي إذاً كناية عن شدة التمسّك وعدم الحيدة عن هذا الطريق .

إن هذه النصيحة النبوية لتحمل في ثناياها التصوّر الواضح والتأصيل الشرعي الصحيح الذي ينبغي على المسلم أن ينتهجه في حياته ، وبذلك تزداد الحاجة إلى تأمل هذا الحديث واستخراج معانيه العظيمة ، نسأل الله تعالى أن يكتب لنا العصمة من الضلال ، آمين .



 

رد مع اقتباس
قديم 29-09-2018   #39372
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كل يوم حديث (( الموضوع متجدد ))



عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( لو يُعطى الناس بدعواهم ، لادّعى رجالٌ أموال قوم ودماءهم ، لكن البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر ) حديث حسن ، رواه البيهقي وغيره هكذا ، وبعضه في الصحيحين .

الشرح
جبل الله النفس على الضعف ، كما قال تعالى : { وخلق الإنسان ضعيفا } ( النساء : 28 ) ، وهذا الضعف يشمل الضعف النفسي ، والضعف البدني ، وقد يصبح الضعف في بعض الأحيان مولداً للأخلاق الرديئة ، والصفات الذميمة ، حتى يقود الإنسان إلى أن يدّعي على أخيه ما ليس من حقّه ، فيزعم أنه قد أخذ له مالاً ، أو سفك له دماً ، أو أخذ أرضا ، بدعوات كثيرة ليست مبنية على دليل أو برهان ، بل هي تهم باطلة قائمة على البغي والعدوان .

ولو كانت الموازين البشرية أو مقاييسها هي المرجعية فيما يقع بين الناس من اختلاف ، لعمت الفوضى ، وانتشر الظلم ، وضاعت حقوق الناس ، وأُهدرت دماء واستبيحت أموال بغير حق ، لكن من رحمة الله أنه لم يترك الناس هملا ، ولم يكلهم إلى أنفسهم ، بل شرع لهم من الشرائع ما هو كفيل بتحقيق العدل والإنصاف بين الناس ، وما هو سبيل لتمييز الحق من الباطل ، بميزان لا يميل مع الهوى ، ولا يتأثر بالعاطفة ، ولكنه راسخ رسوخ الجبال ، قائم على الوضوح والبرهان .

ومن هذا المنطلق أورد الإمام النووي رحمه الله هذا الحديث ، ليكون أصلا في باب القضاء بين الناس ، إذ هو منهج يجب أن يسير عليه كل من أراد أن يفصل بين خصومات الناس ، ليعود الحق إلى نصابه وأهله ، ويرتدع أصحاب النفوس المريضة عن التطاول على حقوق غيرهم .

إن هذا الحديث يبيّن أن مجرد ادعاء الحق على الخصم لا يكفي ، إذا لم تكن هذه الدعوى مصحوبة ببينة تبين صحة هذه الدعوى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لكن البيّنة على المدّعي ) .

وتعريف البيّنة : اسم جامع لكل ما يظهر الحق ويبيّنه ، وعلى هذا فهناك أمور كثيرة يصدق عليها هذا المعنى ، فمن ذلك : الشهود ، فعندما يشهد الشهود على حق من الحقوق فإن ذلك من أعظم البراهين على صدق المدّعي ، ومن هنا أمرنا الله بالإشهاد في الدَّيْن حفظا لهذا الحق من الضياع فقال : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } ( البقرة : 282 ) .

ومن البينات أيضا : إقرار المدعى عليه ، وهو في الحقيقة من أعظم الأدلة على صحة الدعوى ، كما ذكر ذلك الفقهاء ، ومن هذا الباب أيضا : القرائن الدالة على القضية ، وفهم القاضي للمسألة باختبار يجريه على المتخاصمين ، إلى غير ذلك من أنواع البيّنات .

فإذا افتقرت هذه الخصومة إلى بينة تدل على الحق ، أو لم تكتمل الأدلة على صحتها ، توجه القاضي إلى المدعى عليه ، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالمنكر ، والمقصود أنه ينكر الحق الذي يطالبه به خصمه ، وينكر صحة هذه الدعوى .

ويطلب القاضي من المدعى عليه أن يحلف على عدم صدق هذه الدعوى ، فإذا فعل ذلك ، برئت ذمته ، وسقطت الدعوى ، والدليل على ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه أن الأشعث بن قيس رضي الله عنه قال : " كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر ، فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله : ( شاهداك أو يمينه ) .

ولعل سائلا يسأل : لماذا اختص المدعي بالبينة ، والمنكر باليمين ؟ وما هي الحكمة من هذا التقسيم ؟ والجواب على ذلك : أن الشخص إذا ادعى على غيره أمرا ، فإنه يدعي أمرا خفيا يخالف ظاهر الحال ، فلذلك يحتاج إلى أن يساند دعواه تلك ببيّنة ظاهرة قوية تؤيد صحة دعواه ، بينما يتمسّك المنكر بظاهر الأمر ، ويبقى على الأصل ، فجاءت الحجة الأضعف – وهي اليمين – في حقه .

فإذا لم يأت المدعي بالبينة ، وأنكر المدعى عليه استحقاق خصمه وحلف على ذلك ، لزم القاضي أن يحكم لصالح المنكر ، لأنه حكمه هذا مبني على ظاهر الأمر والحال .

لكن ثمة أمر ينبغي التنبيه عليه ، وهو أن قضاء القاضي لا يحل حراما ولا يحل حلالا ، ولا يغير من حقائق الأمور ، لأن القاضي لا يعلم الغيب ، وقد يكون هناك من الأدلة الزائفة أو الشهادات الكاذبة ما يخفى عليه فيحكم بموجبها ، كما ثبت في البخاري و مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وأقضي له على نحو مما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ ، فإنما أقطع له قطعة من النار ) ، وشدد النبي صلى الله عليه وسلم على تخويف الناس من أخذ الحرام فقال : ( من حلف على يمين يستحق بها مالا هو فيها فاجر – أي كاذب - ، لقي الله وهو عليه غضبان ) ، وأنزل الله تصديق ذلك : { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم } ( آل عمران : 77 ) .

وعلى أية حال : فإن هذا الحديث تربية شاملة للأمة الإسلامية على الأمانة في أقوالهم ، والعدل في أحكامهم ، دون النظر إلى لون أو جنس أو معرفة سابقة ، وجدير بمجتمع يقوم على هذه القيم أن يكتب له التمكين على الأرض
.


 

رد مع اقتباس
قديم 29-09-2018   #39373
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كل يوم حديث (( الموضوع متجدد ))



عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربِه عز وجل أنه قال :

( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أُطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليلِ والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا ، فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي إِنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجرِ قلب واحد منكم ما نقص من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد ، فسألوني ، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عِبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ) رواه مسلم .


الشرح

بين يديك – أخي الكريم – أحد الأحاديث القدسية العظيمة ، التي يرويها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة جل وعلا ، فتعال بنا نعيش مع هذا الحديث ، ونستظل بفيئه ، وننهل من عذبه الصافي .

لقد بدأ الحديث بإرساء قواعد العدل في النفوس ، وتحريم الظلم والعدوان ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ) ، وحقيقة الظلم : وضع الشيء في غير موضعه ، وهذا مناف لكمال الله تعالى وعدله ، فلذلك نزّه الله تعالى نفسه عن الظلم فقال : { وما أنا بظلام للعبيد } ( ق : 29 ) ، وقال أيضا : { وما الله يريد ظلما للعباد } ( غافر : 31 ) .

ولئن كان الله تعالى قد حرّم الظلم على نفسه ، فقد حرّمه على عباده ، وحذّرهم أن يقعوا فيه ؛ وما ذلك إلا لعواقبه الوخيمة على الأمم ، وآثاره المدمرة على المجتمعات ، وما ظهر الظلم بين قوم إلا كان سببا في هلاكهم ، وتعجيل العقوبة عليهم ، كما قال سبحانه في كتابه العزيز : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } ( هود : 102 ) ، ومن ثمّ كانت دعوة المظلوم عظيمة الشأن عند الله ، فإن أبواب السماء تفتح لها ، ويرفعها الله فوق الغمام يوم القيامة ، بل إنه سبحانه وتعالى يقول لها ( وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ) كما صح بذلك الحديث .

ثم انتقل الحديث إلى بيان مظاهر افتقار الخلق إلى ربهم وحاجتهم إليه ، وذلك في قوله : ( يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أُطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم ) ، فبيّن أن الخليقة كلها ليس بيدها من الأمر شيء ، ولا تملك لنفسها و لا لغيرها حولا ولا قوة ، سواءٌ أكان ذلك في أمور معاشها أم معادها ، وقد خاطبنا القرآن بمثل رائع يجسّد هذه الحقيقة ، حيث قال : { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب } ( الحج : 73 ) أي : إذا أخذ الذباب شيئا من طعامهم ثم طار ، وحاولوا بكل عدتهم وعتادهم أن يخلصوا هذا الطعام منه ما استطاعوا أبدا ، فإذا كان الخلق بمثل هذا الضعف والافتقار ، لزمهم أن يعتمدوا على الله في أمور دنياهم وآخرتهم ، وأن يفتقروا إليه في أمر معاشهم ومعادهم .

وليس افتقار العباد إلى ربهم مقصورا على الطعام والكساء ونحوهما ، بل يشمل الافتقار إلى هداية الله جل وعلا ، ولهذا يدعو المسلم في كل ركعة بـ : { اهدنا الصراط المستقيم } ( الفاتحة : 6 ) .

ثم بيّن الله تعالى بعد ذلك حقيقة ابن آدم المجبولة على الخطأ ، فقال : ( يا عبادي إنكم تخطئون بالليلِ والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا ، فاستغفروني أغفر لكم ) ، إنه توضيح للضعف البشري ، والقصور الذي يعتري الإنسان بين الحين والآخر ، فيقارف الذنب تارة ، ويندم تارة أخرى ، وهذه الحقيقة قد أشير إليها في أحاديث أخرى ، منها : ما رواه الإمام ابن ماجة بسند حسن ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ) ، فإذا كان الأمر كذلك فإن على الإنسان المسلم أن يتعهّد نفسه بالتوبة ، فيقلع عن ذنبه ، ويستغفر من معصيته ، ويندم على ما فرّط في جنب الله ، ثم يوظّف هذا الندم الذي يصيبه بأن يعزم على عدم تكرار هذا الذنب ، فإذا قُدّر عليه الوقوع في الذنب مرة أخرى ، جدد التوبة والعهد ولم ييأس ، ثقةً منه بأن له ربا يغفر الذنب ويقبل التوبة من عباده المخطئين .

ثم بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم – فيما يرويه عن ربّه – شيئا من مظاهر الكمال الذي يتصف به الله جل وعلا ، مبتدئا بالإشارة إلى استغناء الله عن خلقه ، وعدم احتياجه لهم ، كما قال تعالى : { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد } ( فاطر : 15 ) ، فالله تعالى غني حميد ، لا تنفعه طاعة عباده ، ولا تضره معصيتهم ، بل لو آمن من في الأرض جميعا ، وبلغوا أعلى مراتب الإيمان والتقوى ، لم يزد ذلك في ملك الله شيئا ، ولو كفروا جميعا ، ما نقص من ملكه شيئا ، لأن الله سبحانه وتعالى مستغن بذاته عن خلقه ، وإنما يعود أثر الطاعة أو المعصية على العبد نفسه ، وقد جاء في القرآن الكريم ما يؤكد هذه الحقيقة ويوضحها ، قال الله عزوجل : { قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها } ( الأنعام : 104 ) ، فمن عرف حجج الله وآمن بها واتبعها ، فقد بلغ الخير لنفسه ، ومن تعامى عن معرفة الحق ، وآثر عليها ظلمات الغواية ، فعلى نفسه جنى ، وأوردها الردى .

وبالرغم من ذلك فإن نعم الله سبحانه مبثوثة للطائع والعاصي على السواء ، دون أن يجعل تلك المعاصي مانعا لهذا العطاء ، وهذا من كرم الله تعالى وجوده ، وهي أيضا مظهر من مظاهر سعة ملك الله تعالى ، فإن الله لو أعطى جميع الخلق ما يرغبون ، لم ينقص ذلك من ملكه شيئا يُذكر.

ولما كانت الحكمة من الخلق هي الابتلاء والتكليف ، بيّن سبحانه أن العباد محاسبون على أعمالهم ، ومسؤولون عن تصرفاتهم ، فقد جعل الله لهم الدنيا دارا يزرعون فيها ، وجعل لهم الآخرة دارا يجنون فيها ما زرعوه ، فإذا رأى العبد في صحيفته ما يسرّه ، فليعلم أن هذا محض فضل الله ومنّته ، إذ لولا الله تعالى لما قام هذا العبد بما قام به من عمل صالح ، وإن كانت الأخرى ، فعلى نفسها جنت براقش ، ولا يلومنّ العبد إلا نفسه
.


 

رد مع اقتباس
قديم 29-09-2018   #39374
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كل يوم حديث (( الموضوع متجدد ))



عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن – تملأ – ما بين السماوات والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو ، فبائع نفسه ، فمعتقها أو موبقها ) رواه مسلم .

الشرح

كان من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم في قومه ما أوتيه من الفصاحة والبلاغة في كلامه ؛ فعلى الرغم من كونه أميا لا يحسن القراءة و الكتابة ، إلا أنه أعجز الفصحاء ببلاغته ، ومن أبرز سمات هذا الإعجاز ما عُرف به من جوامع الكلم ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان يرشد أمته ويوجهها بألفاظ قليلة ، تحمل في طيّاتها العديد من المعاني ، ولم تكن هذه الألفاظ متكلفة أو صعبة ، بل كانت سهلة ميسورة على جميع فئات الناس .

وها نحن أيها القاريء الكريم ، نتناول أحد جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم ، فإن هذا الحديث قد اشتمل على العديد من التوجيهات الرائعة ، والعظات السامية ، تدعوا كل من آمن بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، أن يتمسك بها ، ويعمل بمقتضاها .

وأول ما ابتدأ به النبي صلى الله عليه وسلم وصيّته هو الطهور ، والطهور شرط الصلاة ، ومفتاح من مفاتيح أبواب الجنان ، ويقصد به الفعل الشرعي الذي يزيل الخبث ، ويرفع الحدث ، ولا تصح الصلاة إلا به ، ويشمل أيضا تطهير الثياب والبدن والمكان .

وقد اختلف العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( الطهور شطر الإيمان ) على أقوال ، منها : أن الإيمان الحقيقي يشمل طهارة الباطن والظاهر ، والوضوء يطهّر الظاهر ، وهذا يدل على أن الوضوء شطر الإيمان ، واستشهدوا بالحديث الذي رواه مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من توضأ فأحسن الوضوء ، خرجت خطاياه من جسده ، حتى تخرج من تحت أظفاره ) ، وقالوا أيضا : الطهارة هي شطر الصلاة ؛ لأن الصلاة لا تصح إلا بطهور ، ومستند هذا القول أن المقصود بقوله في الحديث : ( شطر الإيمان ) هو : الصلاة ، ونظير ذلك قوله تعالى : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } ( البقرة : 143 ) ، أي : صلاتكم ، ومما قالوه أيضا : أن الطهور شطر الإيمان ؛ لأن الطهارة تُكفر صغائر الذنوب ، بينما الإيمان يكفر الكبائر ، فصار شطر الإيمان بهذا الاعتبار ، ولعل من الملاحظ أن هذه الأقوال متقاربة ، وكلها تصب في ذات المعنى .

ثم انتقل الحديث إلى الترغيب في ذكر الله عزوجل ، فقال : ( والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن – تملأ – ما بين السماوات والأرض ) ، وهذا يبين عظيم الأجر المترتب على هذه الكلمات الطيبات ، فالحمد لله تملأ الميزان يوم القيامة ؛ وذلك لما اشتملت عليه من الثناء على الله سبحانه وتعالى والتبجيل له ؛ لذلك يستحب للعبد إذا دعا أن يقدم بين يديه الثناء الجميل ، مما يكون أدعى لقبول دعائه ، ثم إن الحمد والتسبيح يملآن ما بين السماء والأرض – بنص الحديث - ؛ والسرّ في ذلك : ما اجتمع فيهما من التنزيه للذات الإلهية ، والثناء عليها ، وما يقتضيه ذلك من الافتقار إلى الله ؛ وهذا ما جعل هاتين الكلمتين حبيبتين إلى الرحمن ، كما جاء في حديث آخر .

وأما الصلاة ، فقد وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنور ، وإذا كان الناس يستعينون على الظلمة بالنور ، كي تتضح لهم معالم الطريق ، ويهتدوا إلى وجهتهم ، فذلك شأن الصلاة أيضا ، فهي نور الهداية الذي يلتمسه العبد ؛ حيث تمنع الصلاة صاحبها من المعاصي ، وتنهاه عن المنكر ، كما قال تعالى في كتابه : { وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } ( العنكبوت : 45 ) ، ويقوى هذا النور حتى يُرى أثره على وجه صاحبه ، قال الله تعالى : { سيماهم في وجوههم من أثر السجود } ( الفتح : 29 ) ، ولن تكون الصلاة نورا لصاحبها في الدنيا فحسب ، بل يشمل ذلك الدار الآخرة ، كما قال عليه الصلاة والسلام : ( بشر المشائين في الظلم إلى المساجد ، بالنور التام يوم القيامة ) رواه الترمذي .

وإذا كانت الصلاة من مظاهر العبودية البدنية ، فإن الصدقة تعد عبادة مالية ، يزكّي بها المسلم ماله ، ويطهّر بها روحه من بخلها وحرصها على المال ، لاسيما وأن النفوس قد جبلت على محبّة المال والحرص على جمعه ، كما قال الله عزوجل في كتابه : { وتحبون المال حبا جما } ( الفجر : 20 ) .

ومن محاسن هذه العبادة – أي الصدقة - أن نفعها متعد إلى الغير ، إذ بها تُسدّ حاجة الفقير وتُشبع جوعته ، ويكفل بها اليتيم ، وغير ذلك من مظاهر تلاحم لبنات المجتمع المسلم ؛ الأمر الذي جعل هذه العبادة من أحب الأعمال إلى الله تعالى ، وبرهانا ساطعا على إيمان صاحبها ، وصدق يقينه بربّه .

ولنقف قليلا مع قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : ( والصبر ضياء ) ، لنستوضح دقة هذا التعبير النبوي وروعته ، فإنه صلى الله عليه وسلم قد وصف الصبر بالضياء ، والضياء في حقيقته : النور الذي يصاحبه شيء من الحرارة والإحراق ، بعكس النور الذي يكون فيه الإشراق من غير هذه الحرارة ، ويوضّح هذا المعنى قوله تعالى : { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا } ( يونس : 5 ) ، فالشمس ضياء لأنها مشتملة على النور والحرارة والإحراق ، أما القمر فهو نور ، وإذا عدنا إلى قوله صلى الله عليه وسلم : ( والصبر ضياء ) أدركنا أن الصبر لابد أن يصاحبه شيء من المعاناة والمشقة ، وأن فيه نوعاً من المكابدة للصعاب ، فلا ينبغي للمسلم أن يعجزه ذلك أو يفتّ من عزيمته ، ولكن ليستعن بالله عزوجل ، ويحسن التوكل عليه ، حتى تمرّ المحنة ، وتنكشف الغمّة .

ثم ينتقل بنا المطاف إلى الحديث عن القرآن الكريم ، فإن الله عزوجل أنزل كتابه ليكون منهاجا للمؤمنين وإماما لهم ، يبيّن لهم معالم هذا الدين ، ويوضّح لهم أحكامه ، ويأمرهم بكل فضيلة ، وينهاهم عن كل رذيلة ، فانقسم الناس نحوه إلى فريقين : فريق عمل بما فيه ، ووقف عند حدوده ، وتلاه حق تلاوته ، وجعله أنيسه في خلوته ، فذلك السعيد به يوم القيامة ، وفريق لم ينتفع به ، بل هجر قراءته ، وانحرف عن دربه ولم يعمل بأحكامه ، فإن هؤلاء يكون القرآن خصيما لهم يوم القيامة ، وبين هذا الفريق وذاك يقول الله عزوجل واصفا إياهما : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا } ( الإسراء : 82 ).

ثم يتوّج النبي صلى الله عليه وسلم كلامه بوصية رائعة ، يحدد فيها أحوال الناس وطبائعهم ، إذ الناس سائرون في خضم هذه الحياة ، يغدون ويروحون ، يكدحون في تحقيق مآربهم وطموحاتهم ، والذي يفرُق بينهم : الهدف الذي يعيشون لأجله ، فمنهم من سعى إلى فكاك نفسه وعتقها من نار جهنم ، فباع نفسه لله تعالى ، ومنهم من جعل همّه الحصول على لذات الدنيا الفانية ، وشهواتها الزائلة ، فأهلك نفسه وباعها بثمن بخس ، قال الله عزوجل : { ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها } ( الشمس : 7 – 10 ) ، فمن زكّى نفسه ، فقد باعها لله ، واشترى بها الجنة ، ومن دسّ نفسه في المعاصي ، فقد خاب وخسر ، و كتبت عليه الشقاوة في الدنيا والآخرة ، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لطاعته ، ويكرمنا بدخول جنته



 

رد مع اقتباس
قديم 29-09-2018   #39375
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كل يوم حديث (( الموضوع متجدد ))



عن أبي عبدالله جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما ، أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :

" أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات ، وصمت رمضان ، وأحللت الحلال ، وحرمت الحرام ، ولم أزد على ذلك شيئا ، أأدخل الجنة ؟ " ، قال : ( نعم ) . رواه مسلم .


ومعنى حرّمت الحرام : اجتنبته،

ومعنى أحللت الحلال : فعلته معتقدا حلّه .


الشرح

لما أرسل الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، جعل الغاية من ابتعاثه الرحمة بالخلق ، والإرشاد إلى أقصر الطرق الموصلة إلى رضى الربّ ، وإذا رأينا قوله تعالى : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } ( الحج : 107 ) ، تداعى إلى أذهاننا الكثير من الصور التي تؤكّد هذا المعنى ، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يدّخر جهدا في إنقاذ البشرية من الضلال ، وتبصيرهم بالهدى والحق .

وتحقيق هذا الهدف يتطلّب الإدراك التام لما عليه البشر من تنوّع في القدرات والطاقات ، إذ من المعلوم أن الناس ليسوا على شاكلة واحدة في ذلك ، بل يتفاوتون تفاوتا كبيرا ، فلئن كان في الصحابة من أمثال الصدّيق و الفاروق وغيرهم من قادات الأمة الذين جاوزت همتهم قمم الجبال وأعالي السحاب ، فإن منهم – في المقابل – الأعرابي في البادية ، والمرأة الضعيفة ، وكبير السنّ ، وغيرهم ممن هم أدنى همّة وأقل طموحا من أولئك الصفوة .

ولذلك نرى – في الحديث الذي نتناوله – هذا الصحابي ، وقد أتى ليسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سؤال المشتاق إلى ما أعده الله تعالى لعباده المتقين في الجنة ، ومسترشدا عن أقصر الطرق التي تبلغه منازلها ، فقال : " أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات ، وصمت رمضان ، وأحللت الحلال ، وحرمت الحرام ، ولم أزد على ذلك شيئا ، أأدخل الجنة ؟ ".

إن هذا السؤال قد ورد على ألسنة عدد من الصحابة رضوان الله عليهم بأشكال متعددة ، وعبارات متنوعة ، فقد ورد في صحيح البخاري و مسلم ، أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خمس صلوات في اليوم والليلة ) ، فقال : هل علي غيرها ؟ ، قال : ( لا ، إلا أن تطوع ) ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وصيام رمضان ) ، قال : هل علي غيره ؟ ، قال : ( لا ، إلا أن تطوع ) ، وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة ، قال : هل علي غيرها ؟ ، قال : ( لا ، إلا أن تطوع ) ، قال : فأدبر الرجل وهو يقول : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفلح إن صدق ) ، وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرني بعمل يدخلني الجنة ؟ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم ) رواه البخاري .

ومما لا ريب فيه أن السائل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي نحن بصدده – كان دقيقا في اختياره للمنهج الذي رسمه لنفسه ؛ فإنه قد ذكر الصلوات المكتوبات ، وهي أعظم أمور الدين بعد الشهادتين ، بل إن تاركها بالكلية خارج عن ملة الإسلام ، كما جاء في الحديث الصحيح : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر ) .

وبعد الصلاة ذكر صوم رمضان ، وهو أحد أركان الإسلام العظام ، و مما أجمع عليه المسلمون ، وقد رتّب الله عليه أجراً كبيراً ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه ) .

ثم أكّد التزامه التام بالوقوف عند حدود الله وشرائعه ، متمثلا بتحليل ما أحله الله في كتابه ، وبيّنه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته ، واجتناب ما ورد في هذين المصدرين من المحرمات ، مكتفيا بما سبق ، غير مستزيد من الفضائل والمستحبات الواردة .

ولسائل أن يسأل : لماذا لم يرد ذكر للحج والزكاة في الحديث ، على الرغم من كونهما من أركان الإسلام ، ولا يقلان أهمية عن غيرهما ؟ والحقيقة أن الجواب على ذلك يحتاج منا إلى أن نعرف الفرق بين الحج والزكاة وبين غيرهما من العبادات ، فإن فرضيتهما لا تتناول جميع المكلفين ، فالحج لا يجب إلا على المستطيع ، كما قال الله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } (آل عمران : 97 ) ، كذلك الزكاة لا تجب إلا على من ملك النصاب ، ونستطيع أن نقول أيضاً : إن هذا الحديث ربما ورد قبل أن تفرض الزكاة أو الحج ؛ فإن الحج قد فُرض في السنة الثامنة ، والزكاة وإن كانت قد فُرضت في مكة فإنها كانت عامة من غير تحديد النصاب ، ولم يأتي بيان النصاب إلا في المدينة ، ولعل هذا هو السر في عدم ذكرهما في الحديث .

وهنا تأتي البشرى من النبي صلى الله عليه وسلم ، ليبين أن الالتزام بهذا المنهج الواضح ، كاف لدخول الجنة ، وهذا يعكس ما عليه الإسلام من يسر وسماحة ، وبعدٍ عن المشقّة والعنت ، فهو يسرٌ في عقيدته ، يسرٌ في عباداته وتكاليفه ، واقع ضمن حدود وطاقات البشر ، وهذا مما اختص الله تعالى به هذه الأمة دون سائر الأمم .

لكن ثمة أمر ينبغي ألا نُغفل ذكره ، وهو أن التزام العبد بالطاعات وفق ما أمر الله به ، واجتناب المحرمات وتركها ، يحتاج إلى عزيمة صادقة ، ومجاهدة حقيقية للنفس ، وليس اتكالا على سلامة القلب ، وصفاء النية ، وليس اعتمادا على سعة رحمة الله فحسب ، لأن للجنة ثمنا ، وثمنها هو العمل الصالح كما قال الله تعالى : { وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } ( الزخرف : 72 ) ، فإذا صدقت نية العبد ، أورثته العمل ولابد .

وعلى أية حال فإنه يجب على الدعاة إلى الله أن يفهموا طبيعة هذا الدين ؛ حتى يتمكّنوا من تربية الناس على مبادئه ، نسأل الله تعالى أن يلهمنا الخير والصواب ، والحمد لله رب العالمين



 

رد مع اقتباس
قديم 29-09-2018   #39376
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كل يوم حديث (( الموضوع متجدد ))



عن أبي عمرو سفيان بن عبدالله الثقفي ، رضي الله عنه قال : قلت : " يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا ، لا أسأل عنه أحدا غيرك " . قال :
( قل آمنت بالله ، ثم استقم )
رواه مسلم في صحيحه .


الشرح

إن غاية ما يتطلع إليه الإنسان المسلم ، أن تتضح له معالم الطريق إلى ربّه ، فتراه يبتهل إليه في صلاته كل يوم وليلة أن يهديه الصراط المستقيم ، كي يتخذه منهاجا يسير عليه ، وطريقا يسلكه إلى ربه ، حتى يظفر بالسعادة في الدنيا والآخرة .

ومن هنا جاء الصحابي الجليل سفيان بن عبدالله رضي الله عنه ، إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وانتهز الفرصة ليسأله عن هذا الشأن الجليل ، فجاءته الإجابة من مشكاة النبوة لتثلج صدره ، بأوضح عبارة ، وأوجز لفظ : ( قل آمنت بالله ، ثم استقم ) .

إن هذا الحديث على قلة ألفاظه ، يضع منهجا متكاملا للمؤمنين ، وتتضح معالم هذا المنهج ببيان قاعدته التي يرتكز عليها ، وهي الإيمان بالله : ( قل آمنت بالله ) ، فهذا هو العنصر الذي يغير من سلوك الشخص وأهدافه وتطلعاته ، وبه يحيا القلب ويولد ولادة جديدة تهيئه لتقبل أحكام الله وتشريعاته ، ويقذف الله في روحه من أنوار هدايته ، فيعيش آمنا مطمئنا ، ناعما بالراحة والسعادة ، قال الله تعالى مبينا حال المؤمن : { أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } ( الأنعام : 122 ) ، فبعد أن كان خاوي الروح ، ميّت القلب ، دنيوي النظرة ، إذا بالنور الإيماني يملأ جنبات روحه ، فيشرق منها القلب ، وتسمو بها الروح ، ويعرف بها المرء حقيقة الإيمان ومذاقه.

فإذا ذاق الإنسان حلاوة الإيمان ، وتمكنت جذوره في قلبه ، استطاع أن يثبت على الحق ، ويواصل المسير ، حتى يلقى ربّه وهو راض عنه ، ثم إن ذلك الإيمان يثمر له العمل الصالح ، فلا إيمان بلا عمل ، كما أنه لا ثمرة بلا شجر ، ولهذا جاء في الحديث : ( ثم استقم ) فرتّب الاستقامة على الإيمان ، فالاستقامة ثمرة ضرورية للإيمان الصادق ، ويجدر بنا في هذا المقام أن نستعرض بعضاً من جوانب الاستقامة المذكورة في الحديث .

إن حقيقة الاستقامة ، أن يحافظ العبد على الفطرة التي فطره الله عليها ، فلا يحجب نورها بالمعاصي والشهوات ، مستمسكا بحبل الله ، كما قال ابن رجب رحمه الله : " والاستقامة في سلوك الصراط المستقيم ، وهو الدين القويم من غير تعويج عنه يمنة ولا يسرة ، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها : الظاهرة والباطنة ، وترك المنهيات كلها " ، وهو بذلك يشير إلى قوله تعالى : { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } ( الروم : 30 ).

وقد أمر الله تعالى بالاستقامة في مواضع عدة من كتابه ، منها قوله تعالى : { فاستقم كما أمرت ومن تاب معك } ( هود : 112 ) ، وبيّن سبحانه هدايته لعباده المؤمنين إلى طريق الاستقامة ، كما قال عزوجل : { وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم } ( الحج : 54 ) ، وجعل القرآن الكريم كتاب هداية للناس ، يقول الله تعالى في ذلك : { كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد } ( إبراهيم : 1 ).

ولئن كانت الاستقامة تستدعي من العبد اجتهاداً في الطاعة ، فلا يعني ذلك أنه لا يقع منه تقصير أو خلل أو زلل ، بل لا بد أن يحصل له بعض ذلك ، بدليل أن الله تعالى قد جمع بين الأمر بالاستقامة وبين الاستغفار في قوله : { فاستقيموا إليه واستغفروه } ( فصلت : 6 ) ، فأشار إلى أنه قد يحصل التقصير في الاستقامة المأمور بها ، وذلك يستدعي من العبد أن يجبر نقصه وخلله بالتوبة إلى الله عزوجل ، والاستغفار من هذا التقصير ، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم : ( استقيموا ولن تحصوا ) رواه أحمد ، وقوله أيضا : ( سددوا وقاربوا ) رواه البخاري .

والمقصود منه المحاولة الجادة للسير في هذا الطريق، والعمل على وفق ذلك المنهج على قدر استطاعته وإن لم يصل إلى غايته، شأنه في ذلك شأن من يسدد سهامه إلى هدف ، فقد يصيب هذا الهدف ، وقد تخطيء رميته ، لكنه بذل وسعه في محاولة تحقيق ما ينشده ويصبو إليه .

وللاستقامة ثمار عديدة لا تنقطع ، فهي باب من أبواب الخير ، وبركتها لا تقتصر على صاحبها فحسب ، بل تشمل كل من حوله ، ويفهم هذا من قوله تعالى : { وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا } ( الجن : 16 ) ، وتستمر عناية الله بعباده المستقيمين على طاعته حتى ينتهي بهم مطاف الحياة ، وهم ثابتون على كلمة التوحيد ، لتكون آخر ما يودعون بها الدنيا ، كما قال الله تعالى : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ، نزلا من غفور رحيم } ( فصلت : 30 – 32 ) .

وإذا أردنا أن تتحقق الاستقامة في البدن فلابد من استقامة القلب أولا ، لأن القلب هو ملك الأعضاء ، فمتى استقام القلب على معاني الخوف من الله ، ومحبته وتعظيمه ، استقامت الجوارح على طاعة الله ، ثم يليه في الأهمية : استقامة اللسان ، لأنه الناطق بما في القلب والمعبّر عنه .

نسأل الله أن يهدينا إلى صراطه المستقيم ، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا



 

رد مع اقتباس
قديم 29-09-2018   #39377
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كل يوم حديث (( الموضوع متجدد ))



عن أبي مسعود رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستحي فاصنع ما شئت )
رواه البخاري .

الشرح

الحياء زينة النفس البشرية ، وتاج الأخلاق بلا منازع ، وهو البرهان الساطع على عفّة صاحبه وطهارة روحه ، ولئن كان الحياء خلقا نبيلا يتباهى به المؤمنون ، فهو أيضا شعبة من شعب الإيمان التي تقود صاحبها إلى الجنة ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ) رواه أحمد و الترمذي .

والحق أن الحياء رافد من روافد التقوى ؛ لأنه يلزم صاحبه فعل كل ما هو جميل ، ويصونه عن مقارفة كل قبيح ، ومبعث هذا الحياء هو استشعار العبد لمراقبة الله له ، ومطالعة الناس إليه ، فيحمله ذلك على استقباح أن يصدر منه أي عمل يعلم منه أنه مكروه لخالقه ومولاه ، ويبعثه على تحمّل مشقة التكاليف ؛ ومن أجل ذلك جاء اقتران الحياء بالإيمان في غيرما موضع من النصوص الشرعية ، في إشارة واضحة إلى عظم هذا الخلق وأهميته .

وقد عُرف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق واشتُهر عنه ، حتى قال عنه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه ذلك : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ) ، وهكذا نشأ الأنبياء جميعا على هذه السجيّة ، فلا عجب إذا أن يصبح الحياء هو الوصية المتعارف عليها ، والبقية الباقية من كلام النبوة الأولى ، والتي يبلغها كل نبي لأمته .

وللحياء صور متعددة ، فمنها : حياء الجناية ، ومعناه : الحياء من مقارفة الذنب مهما كان صغيراً ، وذلك انطلاقا من استشعار العبد لمخالفته لأمر محبوبه سبحانه وتعالى ، ومن هذا الباب اعتذار الأنبياء كلهم عن الشفاعة الكبرى حينما يتذكرون ما كان منهم من خطأ – وإن كان معفوا عنه - ، وكان الإمام أحمد بن حنبل يكثر من قول :

إذا ما قال لــي ربي أما استحييت تعصيني

وتخفي الذنب من خلقي وبالعصيــان تأتيني

فما قـولي له لــما يعاتبنــي ويُقصيني



وهناك نوع آخر من الحياء ، وهو الحياء الذي يتولد من معرفة العبد لجلال الرب ، وكمال صفاته ، ويكون هذا الحياء دافعا له على مراقبة الله على الدوام ؛ لأن شعاره هو قول القائل : " لا تنظر إلى صغر الخطيئة ، ولكن انظر إلى عظم من عصيته " .

ويمكن أن يُضاف نوع ثالث ، وهو حياء النساء ، ذلك الحياء الذي يوافق طبيعة المرأة التي خُلقت عليها ، فيزيّنها ويرفع من شأنها ،واستمع إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذ تقول : " كنت أدخل بيتي الذي دُفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي ، فأضع ثوبي – أي أطرحه - فأقول : إنما هو زوجي وأبي ، فلما دُفن عمر معهم فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة عليّ ثيابي ؛ حياء من عمر " .

فإذا اكتمل الحياء في قلب العبد ، استحيا من الله عزوجل ومن الناس ، بل جرّه حياؤه إلى الاستحياء من الملائكة الكرام ، ولهذا جاء في الحديث : ( من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ) رواه مسلم .
لقد جسّد النبي صلى الله عليه وسلم الحياء في سلوكيات عملية ، تدرّب المرء على هذا الخلق النبيل ، فعن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( استحيوا من الله حق الحياء ) ، قلنا : يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله ، قال : ( ليس ذاك ، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى ، والبطن وما حوى ، ولتذكر الموت والبلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ) رواه الترمذي ، وهذا التصوير النبوي لخلق الحياء ، يدلّنا ويرشدنا إلى أسباب وصول أمتنا لهذا المستوى من الذلّ والمهانة ، إننا لم نستح من الله حق الحياء ؛ فأصابنا ما أصابنا ، ولو كنا على المستوى المطلوب من خلق الحياء ، لقدنا العالم بأسره ، فالحياء ليس مجرّد احمرار الوجه وتنكيس الرأس ، بل هو معاملة صادقة ، وإخلاص تام في حق الخالق والمخلوق .

ولعل مما يحسن التنبيه إليه في هذا الباب أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - بحجة الحياء من الناس – قصور في الفهم ، وخطأ في التصوّر ؛ لأن الحياء لا يأتي إلا بخير ، والنبي صلى الله عليه وسلم على شدة حيائه ، كان إذا كره شيئا عُرف ذلك في وجهه ، ولم يمنعه الحياء من بيان الحق ، وكثيرا ما كان يغضب غضبا شديدا إذا انتُهكت محارم الله ، ولم يخرجه ذلك عن وصف الحياء .

وبعد ، فهذه جولة سريعة مع خلق الحياء ، عرفنا فيها معالمه وفضائله ، وصوره وجوانبه ، وجدير بنا أن نحرص على هذا الخلق النبيل ، وأن نجعله شعار لنا حتى نلقى ربنا الجليل
.


 

رد مع اقتباس
قديم 29-09-2018   #39378
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كل يوم حديث (( الموضوع متجدد ))



عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال
: " كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما ، فقال :
( يا غلام ، إني أُعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سأَلت فاسأَل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعـوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) .
رواه الترمذي وقال :" حديث حسن صحيح ".

وفي رواية الإمام أحمد : ( احفظ الله تجده أَمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك فـي الشدة ، واعلم أَن ما أَخطأَك لم يكن ليصيبك ، وما أَصابك لم يكن ليخطئك ، واعلم أَن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسرِ يسرا ) .

الشرح
اصطفى الله تعالى هذه الأمة من بين سائر الأمم ، ليكتب لها التمكين في الأرض ، وهذا المستوى الرفيع لا يتحقق إلا بوجود تربية إيمانية جادة تؤهلها لمواجهة الصعوبات التي قد تعتريها ، والأعاصير التي قد تحيق بها ، في سبيل نشر هذا الدين ، وإقامة شرع الله في الأرض .

ومن هذا المنطلق ، حرص النبي صلى الله عليه وسلم على غرس العقيدة في النفوس المؤمنة ، وأولى اهتماما خاصا للشباب ، ولا عجب في ذلك! ، فهم اللبنات القوية والسواعد الفتية التي يعوّل عليها نصرة هذا الدين ، وتحمّل أعباء الدعوة .

وفي الحديث الذي نتناوله ، مثال حيّ على هذه التنشئة الإسلامية الفريدة ، للأجيال المؤمنة في عهد النبوة ، بما يحتويه هذا المثال على وصايا عظيمة ، وقواعد مهمة ، لا غنى للمسلم عنها .

وأولى الوصايا التي احتواها هذا الحديث ، قوله صلى الله عليه وسلم : ( احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ) ، إنها وصية جامعة ترشد المؤمن بأن يراعي حقوق الله تعالى ، ويلتزم بأوامره ، ويقف عند حدود الشرع فلا يتعداه ، ويمنع جوارحه من استخدامها في غير ما خلقت له ، فإذا قام بذلك كان الجزاء من جنس العمل ، مصداقا لما أخبرنا الله تعالى في كتابه حيث قال : { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } ( البقرة : 40 ) ، وقال أيضا : { فاذكروني أذكركم } ( البقرة : 152 ) .

وهذا الحفظ الذي وعد الله به من اتقاه يقع على نوعين :
الأول : حفظ الله سبحانه وتعالى لعبده في دنياه ، فيحفظه في بدنه وماله وأهله ، ويوكّل له من الملائكة من يتولون حفظه ورعايته ، كما قال تعالى : { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله } ( الرعد : 11 ) أي : بأمره ، وهو عين ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم كل صباح ومساء : ( اللهم إني أسألك العفو والعافية ، في ديني ودنياي وآخرتي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي ) رواه أبو داوود و ابن ماجة ، وبهذا الحفظ أنقذ الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام من النار ، وأخرج يوسف عليه السلام من الجبّ ، وحمى موسى عليه السلام من الغرق وهو رضيع ، وتتسع حدود هذا الحفظ لتشمل حفظ المرء في ذريّته بعد موته ، كما قال سعيد بن المسيب لولده : " لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أُحفظ فيك " ، وتلا قوله تعالى : { وكان أبوهما صالحا } ( الكهف : 82 ) .

الثاني : حفظ الله للعبد في دينه ، فيحميه من مضلات الفتن ، وأمواج الشهوات ، ولعل خير ما نستحضره في هذا المقام : حفظ الله تعالى لدين يوسف عليه السلام ، على الرغم من الفتنة العظيمة التي أحاطت به وكادت له ، يقول الله تعالى في ذلك : { كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين } ( يوسف : 24 ) ، وتستمر هذه الرعاية للعبد حتى يلقى ربّه مؤمنا موحدا .

ولكن الفوز بهذا الموعود العظيم يتطلب من المسلم إقبالا حقيقيا على الدين ، واجتهادا في التقرب إلى الله عزوجل ، ودوام الاتصال به في الخلوات ، وهذا هو المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية لهذا الحديث : ( تعرّف إلى الله في الرخاء ، يعرِفك فـي الشدة ) ، فمن اتقى ربه حال الرخاء ، وقاه الله حال الشدّة والبلاء .

ثم انتقل الحديث إلى جانب مهم من جوانب العقيدة ، ويتمثّل ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس : ( إذا سأَلت فاسأَل الله ) ، وسؤال الله تعالى والتوجه إليه بالدعاء من أبرز مظاهر العبوديّة والافتقار إليه ، بل هو العبادة كلها كما جاء في الحديث : ( الدعاء هو العبادة ) ، وقد أثنى الله على عباده المؤمنين في كتابه العزيز فقال : { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين } ( الأنبياء : 90 ).

وإن من تمام هذه العبادة ترك سؤال الناس ، فإن في سؤالهم تذلل لهم ومهانة للنفس ، ولا يسلم سؤالهم من منّة أو جرح للمشاعر ، أو نيل من الكرامة ، كما قال طاووس لعطاء رحمهما الله : " إياك أن تطلب حوائجك إلى من أغلق دونك بابه ، وجعل دونك حجابه ، وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة، أمرك أن تسأله ، ووعدك أن يجيبك " ، وصدق أبو العتاهية إذ قال :
لا تسألن بني آدم حاجـة وسل الذي أبوابه لا تُحجب
فاجعل سؤالك للإله فإنمـا في فضل نعمة ربنـا تتقلب


وقد أثنى الله على عباده المتعففين فقال : { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا } ( البقرة : 273 ) ، وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم رهطا من أصحابه على ترك سؤال الناس ، وكان منهم أبوبكر الصديق و أبو ذر الغفاري و ثوبان رضي الله عنهم أجمعين ، فامتثلوا لذلك جميعا ، حتى إن أحدهم إذا سقط منه سوطه أو خطام ناقته لا يسأل أحدا أن يأتي به .

إن ما سبق ذكره من الثناء على المتعفّفين إنما هو متوجه لمن تعفّف عن سؤال الناس فيما يقدرون عليه ، وما يملكون فعله ، أما ما يفعله بعض الجهلة من اللجوء إلى الأولياء والصالحين الأحياء منهم أو الأموات ، ليسألونهم ويطلبون منهم أعمالاً خارجةً عن نطاق قدرتهم ، فهذا صرفٌ للعبادة لغير الله عزوجل ، وبالتالي فهو داخل تحت طائلة الشرك .


وفي قوله : ( وإذا استعنت فاستعن بالله ) أمر بطلب العون من الله تعالى دون غيره ، لأن العبد من شأنه الحاجة إلى من يعينه في أمور معاشه ومعاده ، ومصالح دنياه وآخرته ، وليس يقدر على ذلك إلا الحي القيوم ، الذي بيده خزائن السموات والأرض ، فمن أعانه الله فلا خاذل له ، ومن خذله الله فلن تجد له معينا ونصيرا ، قال تعالى : { إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده } ( آل عمران : 160 ) ، ولهذا المعنى كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من قول : ( اللهم أعني ولا تعن علي) ، وأمر معاذا رضي الله عنه ، ألا يدع في دبر كل صلاة أن يقول ( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) رواه النسائي وأبو داود .

وإذا قويت استعانة العبد بربّه ، فإن من شأنها أن تعمّق إيمانه بقضاء الله وقدره ، والاعتماد عليه في كل شؤونه وأحواله ، وعندها لا يبالي بما يكيد له أعداؤه ، ويوقن أن الخلق كلهم لن ينفعوه بشيء لم يكتبه الله له ، ولن يستطيعوا أن يضرّوه بشيء لم يُقدّر عليه ، ولم يُكتب في علم الله ، كما قال سبحانه : { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير } ( الحديد : 22 ) .

ولما وعى سلفنا الصالح هذه الوصية ، أورثهم ذلك ثباتا في العزيمة ، وتفانيا في نشر هذا الدين ، غير مبالين بالصعوبات التي تواجههم ، والآلام التي تعتريهم ، لأنهم علموا أن طريق التمكين إنما يكون بالعمل بهذه الوصية النبوية ، وأن الفرج يأتي من بعد الكرب ، وأن العسر يعقبه اليسر ، وهذا هو الطريق الذي سلكه أنبياء الله جميعا عليهم السلام ، فما كُتب النصر ل نوح عليه السلام ، إلا بعد سلسلة طويلة من الجهاد مع قومه ، والصبر على أذاهم ، وما أنجى الله نبيه يونس عليه السلام من بطن الحوت ، إلا بعد معاناة طويلة عاشها مستغفرا لربّه ، راجيا فرجه ، معتمدا عليه في كل شؤونه ، حتى انكشفت غمّته ، وأنقذه من بلائه ومحنته ، وهكذا يكون النصر مرهونا بالصبر على البلاء والامتحان .

إننا نستوحي من هذا الحديث معالم مهمة ، ووصايا عظيمة ، من عمل بها ، كتبت له النجاة ، واستنارت له عتبات الطريق ، فما أحوجنا إلى أن نتبصّر كلام نبينا صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته ، ونستلهم منها الحلول الناجعة لمشكلات الحياة ، ونجعلها السبيل الأوحد للنهضة بالأمة نحو واجباتها
.


 

رد مع اقتباس
قديم 29-09-2018   #39379
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كل يوم حديث (( الموضوع متجدد ))



عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته )
رواه مسلم .

الشرح
إن المتطلع إلى مبادئ ديننا الحنيف ، ليبهره جوانب التكامل في تشريعاته ، مما يجعله موقنا بتفرد الإسلام في شموليته ، فهو يدعو الإنسان إلى أن يحسن صلته بخالقه ، وفي الوقت ذاته يضع الأسس المتينة ، والقواعد الراسخة في تعامله مع غيره من الخلق .

ومن هنا تظافرت نصوص الكتاب والسنة مؤيدة لهذه الرؤية ، وموضحة لمعالمها ، وجعلت الإحسان هو الأساس الذي تنبثق منه هذه العلاقات ، وقد نبهنا الله سبحانه وتعالى إلى ذلك في كتابه العزيز فقال : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } ( النحل : 90 ) ، فبيّن وجوب العمل بمقتضى الإحسان ، وأحاط العاملين بها بمعيّته الخاصة ، وشملهم برعايته وتأييده ، كما قال عزوجل : { وإن الله لمع المحسنين } ( العنكبوت : 69 ) ، كذلك فإنه قد بيّن السبل لتحقيق ذلك في الكثير من المواضع ، ومن جملتها ، الحديث الذي بين أيدينا ، والذي جاء موضحا كيفية الإحسان إلى الخلق .

فبعد أن قرّر النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الإحسان في كل ميدان ، وعلى كل شيء ، وأكّد على ذلك بقوله : ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ) ، عرّج بعدها بذكر مثالين اثنين ، يلزم الإنسان المسلم فيهما مراعاة الإحسان ، والمحافظة عليه .

ففي قوله : ( فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ) ، توجيه نبوي إلى الإحسان في هيئة القتل ، ويكون ذلك بالإسراع في إزهاق النفس التي أبيح دمها حال القصاص أو حال الحرب ، ولئن جاز للمسلمين معاملة من حاربهم بالمثل ، فإن ذلك لا يبيح لهم التمثيل بالقتلى ، والتشويه للجثث بدون سبب شرعي ، لما في ذلك من منافاة للمثل العليا التي يدعو إليها ديننا الحنيف .

ويدخل ضمن الأمر بإحسان القتل ، تحريم التعذيب بالنار ، وليس ذلك للبشر فحسب ، بل حتى للحيوانات والحشرات ، فقد روى الإمام البخاري رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تعذبوا بعذاب الله ) ؛ وهذا يؤكد حرص الإسلام على اختيار أيسر الطرق المؤدية إلى خروج الروح عند تحتّم القتل .

ثم انتقل الحديث بعد ذلك إلى قضية الإحسان في الذبح ، بآدابه الراقية التي تجسد معاني الرفق بالحيوان ، وقد ذكر العلماء هذه الآداب في كتب الفقه ، وأسهبوا في شرحها ، فمن ذلك : أن يذبح البهيمة بآلة حادة ، تعجّل من خروج روحها ، وإنهار دمها ، فلا تتعذب كثيرا ، يؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد و ابن ماجة ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحد الشفار " ، وقد جعل العلماء ذلك شرطا في آلة الذبح ، كما جاء في الحديث : ( ما أنهر الدم ، وذكر اسم الله عليه ، فكلوه ، ليس السن والظفر ) رواه الشيخان .

ومن الإحسان في الذبح ، ألا يقوم الذابح بحد شفرته أمام الذبيحة ، فقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة ، وهو يحد شفرته ، وهي تلحظ إليه ببصرها فقال : ( أتريد أن تميتها موتات ؟، هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها ؟ ) رواه الحاكم ، وكذلك فإنه يستحب له أن لا يذبح ذبيحة بحضرة أخرى ، ولا يظهر السكين أمام الذبيحة إلا عند مباشرته للذبح .

ومن الرفق بالذبيحة ، أن تساق إلى المذبح سوقا هينا ، فلا يجرّها بأذنها ، أو يسوقها سوقا عنيفا ، كما ذكر ذلك الإمام أحمد ، فإذا أراد أن يذبحها ، فعليه أن يضجعها على شقها الأيسر برفق ، لما ثبت في صحيح الإمام مسلم رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن ، فأتى به ليضحي به ، فقال لها : ( يا "عائشة" ، هلمي المدية) ، ثم قال : ( اشحذيها بحجر ) ، ففعلت ، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ، ثم ذبحه " ، وقد صرّح الإمام النووي بوقوع الإجماع على هذه المسألة ، واستحب الشافعية أيضا عرض الماء على الذبيحة قبل ذبحها .

وبعد أن يسمّي ، يسرع في قطع الأوداج ، وإنهار الدم ، حتى يريح الذبيحة ، ولا يباشر بقطع شيء منها ، أو سلخها ، حتى تتم الذكاة وتخرج الروح ، ولا ينبغي له أن يبالغ في الذبح حتى يقطع الرأس ، فإن ذلك مناف للإحسان إليها .

إن كل ما سبق ، يزيد المرء إيمانا بكمال هذا الدين ، وتناوله لجميع نواحي الحياة ، وبهذا المنهج الرباني الذي يتألق سموا بتلك المعاني السامية ، يمكن للبشرية أن تخرج من ظلمات التيه ، لتقتبس من نور الإسلام ، وترتبط بخالقها جلّ وعلا برباط محكم وثيق ، فتعيش آمنة مطمئنة ، وهذا ما نتطلع إلى حصوله بإذن الله العلي القدير
.


 

رد مع اقتباس
قديم 29-09-2018   #39380
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كل يوم حديث (( الموضوع متجدد ))



عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : " أوصني " ،
فردّد ، قال :
لا تغضب
رواه البخاري .

الشرح
خلق الله تعالى آدم عليه السلام من تراب الأرض بجميع أنواعه - الأبيض منها والأسود ، والطيب والرديء ، والقاسي واللين - ، فنشأت نفوس ذرّيته متباينة الطباع ، مختلفة المشارب ، فما يصلح لبعضها قد لا يناسب غيرها ، ومن هذا المنطلق راعى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في وصاياه للناس ، إذ كان يوصي كل فرد بما يناسبه ، وما يعينه في تهذيب نفسه وتزكيتها .

فها هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يتسابقون إليه كي يغنموا منه الكلمة الجامعة ، والتوجيه الرشيد ، وكان منهم أبو الدرداء رضي الله عنه - كما جاء في بعض الروايات - ، فأقبل بنفس متعطشة إلى المربي العظيم ، يسأله وصية تجمع له أسباب الخير في الدنيا والآخرة ، فما زاد النبي صلى الله عليه وسلم على أن قال له : ( لا تغضب ) .

وبهذه الكلمة الموجزة ، يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطر هذا الخلق الذميم ، فالغضب جماع الشر ، ومصدر كل بليّة ، فكم مُزّقت به من صلات ، وقُطعت به من أرحام ، وأُشعلت به نار العداوات ، وارتُكبت بسببه العديد من التصرفات التي يندم عليها صاحبها ساعة لا ينفع الندم .

إنه غليان في القلب ، وهيجان في المشاعر ، يسري في النفس ، فترى صاحبه محمر الوجه ، تقدح عينيه الشرر ، فبعد أن كان هادئا متزنا ، إذا به يتحول إلى كائن آخر يختلف كلية عن تلك الصورة الهادئة ، كالبركان الثائر الذي يقذف حممه على كل أحد .

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من دعاء : ( اللهم إني أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا ) رواه أحمد ، فإن الغضب إذا اعترى العبد ، فإنه قد يمنعه من قول الحق أو قبوله ، وقد شدّد السلف الصالح رضوان الله عليهم في التحذير من هذا الخلق المشين ، فها هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : " أول الغضب جنون ، وآخره ندم، وربما كان العطب في الغضب " ، ويقول عروة بن الزبير رضي الله عنهما : "مكتوبٌ في الحِكم: يا داود إياك وشدة الغضب ؛ فإن شدة الغضب مفسدة لفؤاد الحكيم " ، وأُثر عن أحد الحكماء أنه قال لابنه : "يا بني ، لا يثبت العقل عند الغضب ، كما لا تثبت روح الحي في التنانير المسجورة، فأقل الناس غضباً أعقلهم "، وقال آخر : " ما تكلمت في غضبي قط ، بما أندم عليه إذا رضيت ".

ومن الصفات التي امتدح الله بها عباده المؤمنين في كتابه ، ما جاء في قوله تعالى : { الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } ( آل عمران : 134 ) ، فهذه الآية تشير إلى أن الناس ينقسمون إلى ثلاثة مراتب : فمنهم من يكظم غيظه ، ويوقفه عند حده ، ومنهم من يعفوا عمن أساء إليه ، ومنهم من يرتقي به سمو خلقه إلى أن يقابل إساءة الغير بالإحسان إليه .


وهذا يقودنا إلى سؤال مهم : ما هي الوسائل التي تحد من الغضب ، وتعين العبد على التحكم بنفسه في تلك الحال ؟ : لقد بينت الشريعة العلاج النافع لذلك من خلال عدة نصوص ، وهو يتلخص فيما يأتي :

أولا : اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء ، فالنفوس بيد الله تعالى ، وهو المعين على تزكيتها ، يقول الله تعالى : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } ( غافر : 60 ) .


ثانيا : التعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فهو الذي يوقد جمرة الغضب في القلب ، يقول الله تعالى : { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله } ( فصلت : 36 ) ، وقد مرّ النبي صلى الله عليه وسلم على رجلين يستبّان ، فأحدهما احمرّ وجهه ، وانتفخت أوداجه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إني لأعلم كلمة ، لو قالها ذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان ، ذهب عنه ما يجد ) ، وعلى الغاضب أن يكثر من ذكر الله تعالى والاستغفار ؛ فإن ذلك يعينه على طمأنينة القلب وذهاب فورة الغضب .


ثالثا : التطلع إلى ما عند الله تعالى من الأجور العظيمة التي أعدها لمن كظم غيظه ، فمن ذلك ما رواه أبو داود بسند حسن ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه ، دعاه الله تبارك وتعالى على رؤوس الخلائق ، حتى يخيره من أي الحور شاء ) .


رابعا : الإمساك عن الكلام ، ويغير من هيئته التي عليها ، بأن يقعد إذا كان واقفا ، ويضطجع إذا كان جالسا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) رواه أبو داود .


خامسا : الابتعاد عن كل ما ما يسبب الغضب ، والتفكر فيما يؤدي إليه.


سادسا : تدريب النفس على الهدوء والسكينة في معالجة القضايا والمشاكل ، في شتى شؤون الدنيا والدين
.


 

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
متجدد, الموضوع, يحدث


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ارجو متابعة هذا الموضوع @حاول تفتكرني@ استراحة وملتقى الاعضاء 4 17-11-2012 07:47 AM
ناقش في الموضوع بكل صراحة أبو رامز منتدى الحوار والنقاشات 2 23-07-2012 03:45 AM
ثبت علمياً .... (((متجدد))) Ghupir JR منتدى الصحة 35 20-12-2011 01:41 PM
رد على الموضوع اذا كنت مسامحني مجموعة إنســـان المنتدى العام 1 13-10-2011 09:56 AM
هل الموضوع المنقول عيب ؟؟؟؟ عاشق الصمت منتدى الحوار والنقاشات 7 07-06-2011 07:54 AM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 02:08 PM

أقسام المنتدى

الاقسام العامة | المنتدى الاسلامي العام | المنتدى العام | منتدى الترحيب والتهاني | الاقسام الرياضية والترفيهية | العاب ومسابقات | الافلام ومقاطع الفيديو | منتدى الرياضة المتنوعة | الاقسام التقنية | الكمبيوتر وبرامجه | الجوالات والاتصالات | الفلاش والفوتوشوب والتصميم | منتدى التربية والتعليم | قسم خدمات الطالب | تعليم البنين والبنات | ملتقــــى الأعضـــــاء (خاص باعضاء المنتدى) | المرحله المتوسطه | منتدى الحقلة الخاص (حقلاويات) | منتدى الاخبار المحلية والعالمية | اخبار وشـؤون قرى الحقلة | اخبار منطقة جازان | الاقسام الأدبية والثقافية | الخواطر وعذب الكلام | منتدى الشعر | عالم القصة والروايات | اخبار الوظائف | منتديات الصحة والمجتمع | منتدى الصحة | منتدى الأسرة | منتدى السيارات | منتدى اللغة الانجليزية | منتدى الحوار والنقاشات | منتدى التراث والشعبيات والحكم والامثال | منتدى التعليم العام | منتدى السفر والسياحة | الثقافه العامه | منتدى تطوير الذات | كرسي الإعتراف | منتدى عالم المرأة | عالم الطفل | المطبخ الشامل | منتدى التصاميم والديكور المنزلي | المكتبة الثقافية العامة | شعراء وشاعرات المنتدى | مول الحقلة للمنتجات | الخيمة الرمضانية | المـرحلـة الابتدائيـة | استراحة وملتقى الاعضاء | المرحله الثانويه | الصور المتنوعة والغرائب والعجائب | المنتدى الاسلامي | منتدى القرآن الكريم والتفسير | سير نبي الرحمة واهم الشخصيات الإسلامية | قصص الرسل والانبياء | قسم الصوتيات والفلاشات الاسلاميه | اخبار مركز القفل | منتدى الابحاث والاستشارات التربوية والفكرية | افلام الانمي | صور ومقاطع فيديو حقلاويات | البلاك بيري / الآيفون / الجالكسي | بوح المشاعر وسطوة القلم(يمنع المنقول ) | مناسك الحج والعمرة | منتدى | ارشيف مسابقات المنتدى | منتدى الحديث والسنة النبوية الشريفة | المنتدى الاقتصادي | منتدى عالم الرجل | اعلانات الزواج ومناسبات منتديات الحقلة | تراث منطقـة جــــازان | كرة القدم السعوديه | منتدى الرياضة | كرة القدم العربيه والعالمية | ديـوان الشـاعـر عمـرين محمـد عريشي | ديـــوان الشــاعـر عـبدة حكمـي | يوميات اعضاء منتديات الحقلة | تصاميم الاعضاء | دروس الفوتوشوب | ارشيف الخيمة الرمضانية ومناسك الحج والعمرة الاعوام السابقة | منتدى الاخبار | نبض اقلام المنتدى | ديـــوان الشــاعـر علـي الـدحيمــي | الاستشارات الطبية | الترحيب بالاعضاء الجدد | قسم الاشغال الايدويه | قسم الاشغال اليدويه | مجلة الحقله الالكترونيه | حصريات مطبخ الحقله | ديوان الشاعر ابوطراد |



Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Ramdan √ BY: ! Omani ! © 2012
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Forum Modifications Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع المواضيع والمُشاركات المطروحه في منتديات الحقلة تُعبّر عن ثقافة كاتبها ووجهة نظره , ولا تُمثل وجهة نظر الإدارة , حيث أن إدارة المنتدى لا تتحمل أدنى مسؤولية عن أي طرح يتم نشره في المنتدى

This Forum used Arshfny Mod by islam servant