• الآية : قال الله تعالي (لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) الآية (42)
معاني المفردات :
عرضاً العرض ما يعرض للإنسان من منافع الدنيا وشهواتها .( )
(وسفرا قاصدا) هو السفر السهل القريب ( )
(بعدت عليه الشقة) أي بعدت عليهم الغاية وهي المسافة التي لا تقطع إلا بعد تكبد المشقة والتعب وهي مأخوذة من المشقة والعناء. ( )
• التفسير :
لو كان الأمر أمر عرض قريب من إعراض هذه الأرض وأمر سفر قصير الأمد مأمون العاقبة لتبعوك ولكنها الشقة البعيدة التي تتقاصر دونها الهمم الساقطة والعزائم الضعيفة ولكنه الجهد الخطر الذي تجزع منه الأرواح الهزيلة والقلوب المنخوبة ولكنه الأفق العالي الذي تتخاذل دونه النفوس الصغيرة والبنية المهزوله وانه نموذج مكرور في البشرية ذلك الذي ترسمه تلك الكلمات الخالدة (لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ )
فكثيرون هم أولئك الذين يتهاوون في الطريق الصاعد إلي الأفاق الكريمة . كثيرون أولئك الذين يجهدون لطول الطريق فيتخلفون عن الركب ويميلون إلي عرض تافه أو مطلب رخيص . كثيرون تعرفهم البشرية في كل زمان وفي كل مكان فما هي قله عارضه إنما هي نموذج المغرور وإنهم يعيشون علي حاشية الحياة وان خيل لهم إنهم بلغوا منافع ونالوا مطالب واجتنبوا أداء الثمن الغالي فالثمن القليل لا يشتري سوي التافه الرخيص( )
والمنافقون فقد كبر عليهم الأمر ، وعظم فيهم الخطب ، وطفقوا ينتحلون الأعذار الواهية ، ويستأذنونه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في القعود والتخلف فيأذن لهم ، فكان نزول هذه الآيات وما بعدها ؛ لبيان تلك الحال وأحكام تلك الوقائع . وهي لا تفهم إلا بمعرفة أسبابها ، كما كان يعرفها من وقعت منهم ومعهم وفيما بينهم . ومن حكمة الله تعالى في هذا الأسلوب أنه يضطر المؤمنين بعد ذلك العصر إلى البحث عن تاريخه ؛ ليستعينوا به على فهم ما تعبدهم الله تعالى به من الآيات فيعرفوا نشأة دينهم ، وسياسة ملتهم ، وصفة تكوين أمتهم ، ولا شيء أعون للأمم على حفظ حقيقتها كمعرفة تاريخها .
لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك أي : لو كان ما استنفرتهم له ، ودعوتهم إليه أيها الرسول عرضا - وهو ما يعرض للمرء من منفعة ومتاع ، مما لا ثبات له ولا بقاء - قريب المكان والمنال ، ليس في الوصول إليه كبير عناء ، وسفرا قاصدا ، أي : وسطا لا مشقة فيه ، ولا كلال لاتبعوك فيه وأسرعوا بالنفر إليه ؛ لأن حب المنافع المادية والرغبة فيها لاصقة بطبع الإنسان ، وناهيك بها إذا كانت سهلة المأخذ قريبة المنال ، وكان الراغب فيها من غير الموقنين بالآخرة وما فيها من الأجر العظيم للمجاهدين كأولئك المنافقين ولكن بعدت عليهم الشقة التي دعوا إليها وهي تبوك - والشقة : الناحية أو المسافة والطريق التي لا تقطع إلا بتكبد المشقة والتعب - وكبر عليهم التعرض لقتال الروم في ديار ملكهم وهم أكبر دول الأرض الحربية ، فتخلفوا جبنا وحبا بالراحة والسلامة (1)
ولو يعلم أحدهم أنه يجد عظماً ثميناً أو مرماتين (2) حسنتين لشهد العشاء يقول لو علم احدهم انه يجد شيء حاضرا معجلا يأخذه لأتي المسجد من أجله (ولكن بعدت عليهم الشقة)
حكي أبو عبيده وغيره أن الشقة السفر إلي ارض بعيده يقال : منه شُقه شاقه والمراد بذلك كله غزوه تبوك وحكي الكسائي انه يقال شُقه وشِقه .
قال الجوهري : الشُقة بالضم من الثياب ، والشقة أيضا السفر البعيد وربما قالوه بالكسر . والشقة شظية تشظى من لوح أو خشبة . يقال للغضبان : احتد فطارت منه شقه بالكسر (3)
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك