هذا الحديث متضمن لأصل عظيم من أصول الإيمان الستة ، وهو الإيمان بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ،
عامه وخاصه ، سابقه ولاحقه ، بأن يعترف العبد أن علم الله محيط بكل شيء ، وأنه علم أعمال العباد خيرها وشرها ، وعلم جميع أمورهم وأحوالهم ، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ .
كما قال تعالى : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } [ الحج : 70 ] .
ثم إن الله ينفذ هذه الأقدار في أوقاتها بحسب ما تقتضيه حكمته ومشيئته ، الشاملتان لكل ما كان وما يكون ، الشاملتان للخلق والأمر وأنه مع ذلك ، ومع خلقه للعباد وأفعالهم وصفاتهم ، فقد أعطاهم قدرة وإرادة تقع بها أفعالهم بحسب اختيارهم ، لم يجبرهم عليها ، وهو الذي خلق قدرتهم ومشيئتهم ، وخالق السبب التام خالق للمسبب . فأفعالهم وأقوالهم تقع بقدرتهم ومشيئتهم اللتين خلقهما الله فيهم ، كما خلق بقية قواهم الظاهرة والباطنة .
ولكنه تعالى يسر كلا لما خلق له..
من وجه وجهه وقصده لربه : حبب إليه الإيمان ، وزينه في قلبه ، وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان ، وجعله من الراشدين ، فتمت عليه نعم الله من كل وجه .
ومن وجه وجهه لغير الله ، بل تولى عدوه الشيطان : لم ييسره لهذه الأمور ، بل ولاه الله ما تولى ، وخذله ، ووكله إلى نفسه ، فضل وغوى ، وليس له على ربه حجة ، فإن الله أعطاه جميع الأسباب التي يقدر بها على الهداية ، ولكنه اختار الضلالة على الهدى ، فلا يلومن إلا نفسه .
قال تعالى : { فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } [ الأعراف : 30 ] .
وقال : { يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [ المائدة : 16 ] .
وهذا القدر يأتي على جميع أحوال العبد وأفعاله وصفاته ، حتى العجز والكيس .
وهما الوصفان المتضادان الذي ينال بالأول منهما - وهو العجز - : الخيبة والخسران ، وبالثاني - وهو الكيس - : الجد في طاعة الرحمن .
والمراد هنا : العجز الذي يلام عليه العبد ، وهو عدم الإرادة ، وهو الكسل ، لا العجز الذي هو عدم القدرة . وهذا هو معنى الحديث الآخر « اعملوا ; فكل ميسر لما خلق له » .
أما أهل السعادة : فييسرون لعمل السعادة ، وذلك بكيسهم وتوفيقهم ولطف الله بهم .
والكيس والعاجز هما المذكوران في قوله صلى الله عليه وسلم : « الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز : من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني »
بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
اللهم إنا نعوذ بك من العجز و الكسل ،اللهم قنا شح أنفسنا و ألهمنا رشدنا يا حي يا قيوم
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك