مع الصيام و الجوع و الظمأ ، تسمو روح المسلم عن الدنايا و تتعلق بمعالي الأمور و تتطلع إلى زيادة الإيمان ، و الذكر خير معين على ذلك.
قال كعب رضي الله عنه : من أكثر ذكر الله برئ من النفاق .
ما أعظمها من منّة و نعمة يعجز الإنسان عن شكرها ، البراءة من النفاق. و يقول ابن رجب رحمه الله معلقاً على هذا الأثر : ( يشهد لهذا المعنى أن الله وصف المنافقين بأنهم :
(( لا يذكرون الله إلا قليلاً )) ، فمن أكثر من ذكر الله ، فقد باينهم - أي : فارقهم - في أوصافهم ، و لهذا ختمت سورة المنافقين بالأمر بذكر الله ) ، قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ))
وكانت أحوال السلف عجيبة في هذا الباب ، فهذا معاذ بن جبل يحرص أشد الحرص على التعاهد و التذاكر في الله عز وجل :
فعن الأسود بن هلال قال : كنا نمشي مع معاذ بن جبل رضي الله عنه ، فقال : اجلسوا بنا نؤمن ساعة.
و قال أبو الدرداء رضي الله عنه : لأن أُكبّر الله مائة مرة أحب إليّ من أن أتصدق بمائة دينار.
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إن أهل السماء ليرَون بيوت أهل الذكر تُضيءُ لهم كما تُضيءُ الكواكبُ لأهل الأرض.
و كان جعفر بن محمد يحدث عن أبيه رحمهما الله ، فقال : فقد أبي بغلةً له فقال : لئن ردّها الله عز وجل لأحمدنّه محامد يرضاها ، فما لبث أن أُتي بها بسرجها و لجامها ، فركبها ، فلما استوى عليها و ضمّ عليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء و قال : الحمد لله . لم يزد عليها ، فقيل له في ذلك ، فقال : و هل تركت أو أبقيت شيئاً ؟ جعلت الحمد كله لله عز وجل.
و قال سعيد بن جبير رحمه الله : الذكر طاعة الله ، فمن أطاع الله ، فقد ذكره ، و من لم يطعه فليس بذاكر ، و إن أكثر التسبيح و تلاوة القرآن.
و عن بكر بن عبد الله رحمه الله : أنه لحق حمّالاً عليه حِمْلُه ، وهو يقول : الحمد لله و أستغفر الله. قال : فانتظرته حتى وضع ما على ظهره ، و قلت له : أما تُحسن غير ذي ؟ قال : بلى ، أحسنُ خيراً كثيراً ؛ أقرأ كتاب الله ، غير أن العبد بين نعمة و ذنب ، فأحمد الله على نعمائه السابغة ، و أستغفره لذنوبي ، فقلت : الحمال أفقه من بكر.
و الأحوال كثيرة في هذا الباب ، فلا تحرم نفسك أيها الغالي - وفقني الله و إياك لمرضاته - من هذه الأجور العظيمة ، و التي لا تكلّفك شيئاً ، فالذكر لا يلزم منه مجهودٌ بدني ، و لا طهارة ، و لا مكان معيّن ، بل إنه الغنيمة الباردة لمن وفقه الله لها.
..~
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك