إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادي له ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد
لقد تركنا النبي صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فمن أراد السير إلى الله على الطريق الصحيح حتى يصل سالما معافا في دينه وعقيدته ومنهجه فعليه إتباع كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإتباع السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم ومن سار على نهجهم إلى قيام الساعة
هذه مقالة لشيخنا أبو عبد الله النائلي حفظه الله وسدد خطاه عن البدع نشرها في جريدة الشرق القطرية وهي تمهيد لسلسلة مقالات عن البدع التي تحدث في شهر رجب أحببت أن أنشرها في هذا الموقع المبارك حتى تعم الفائدة سائلا المولى عز وجل لي ولشيخي حفظه الله الأجر والإخلاص
بسم الله الرحمن الرحيم
( 1) احذروا البدع فإنها تُضل عن الدين وتُبعد عن رب العالمين
ما يحدث في شهر رجب نموذجا
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
أما بعد :
تكاثرت النصوص من الكتاب و السنة وما جاء عن سلف الأمة في ذم البدع و التحذير منها وبيان ضررها في الدنيا و الآخرة.
ففي البدع إبعاد للمسلمين عن الدين الصحيح ، ونقلهم إلى الدين الباطل وهذا ما يريده الشيطان لأن المبتدع أحب إلى الشيطان من العاصي المرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب ، قال سفيان الثوري –رحمه الله- : " البدعة أحب إلى الشيطان من المعصية ، المعصية يتاب منها و البدعة لا يتاب منها . شرح السنة للبغوي ( 1/216)
فالعاصي يعترف أنه عاص و يرجوا أن يتوب بخلاف المبتدع فإنه يعتبر ما هو عليه من بدعة دين و طاعة يتقرب بها إلى المولى عز وجل .
ولهذا عرف الإمام الشاطبي(790هـ) -رحمه الله- البدعة بقوله : " هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه .الاعتصام ( 1/51)
وقد شرح (رحمه الله ) التعريف، فقال :
" الطريقة في الدين"، فالطريقة والطريق والسبيل والسنن ، هي بمعنى واحد ، وهو ما رسم للسلوك عليه .
وإنما قيدت بالدين ، لأنها فيه تُخترع وإليه يضيفها صاحبها . وأيضاً فلو كانت طريقة مخترعة في الدنيا على الخصوص لم تسمَّ بدعة ، كإحداث الصنائع والبلدان التي لا عهد بها فيما تقدم
"تضاهي الشرعية": يعني أنها تشابه الطريقة الشرعية من غير أن تكون في الحقيقة كذلك ، بل هي مضادة لها من أوجه متعددة :
* منها : التزام الكيفيات والهيئات المعينة ، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً ، وما أشبه ذلك .
* ومنها : التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة ، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته " .
إلى أن قال: " يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى "، هو تمام معنى البدعة إذ هو المقصود بتشريعها ، وذلك أن أصل الدخول فيها يحث على الانقطاع إلى العبادة والترغيب في ذلك ، لأن الله تعالى يقول ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [الذريات:56] ، فكأن المبتدع رأى أن المقصود هذا المعنى ، ولم يتبين له أن ما وضعه الشارع فيه من القوانين والحدود كافٍ ..." الاعتصام للشاطبي (51-54) باختصار
ولو تأملنا ما ذكره هذا الإمام – رحمه الله- يمكننا إبراز النقاط التالية :
1- أن البدعة إحداث في الدين ، فيخرج ما أُحدث ولم يقصد به الدين ، و إنما قصد به تحقيق مصلحة دنيوية ، كإحداث بعض الصناعات و الآلات اليوم من أجل تحقيق مصالح الناس الدنيوية .
2- أن البدعة ليس لها أصل في الشرع يدل عليها ، ولهذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم :" و إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " رواه أبو داود (4607) و الترمذي ( 2676) من حديث العرباض بن سارية ( رضي الله عنه) وصححه الألباني
وقال صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" البخاري ( 2697) ومسلم ( 1718) من حديث عائشة ( رضي الله عنها )
قال ابن رجب – رحمه الله- : ( فكل من أحدث شيئا ونسبه إلى الدين ، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه ، فالدين بريء منه) جامع العلوم و الحكم ( 2/128)
ونصحا للمسلمين قد بين سلفنا الصالح مفاسد البدع و أضرارها ، منها :
1- أخطرها و أعظمها البعد عن الله ، قال أيوب السختياني – رحمه الله- :" ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا ازداد بعدا " . حلية الأولياء لأبي نعيم ( 3/9)
2- الخروج عن إتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )[ آل عمران : 31] ، فمن ابتدع بدعة في الدين يتقرب بها إلى الله فقد خرج عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يشرعها .
3- أيابتداع في الدينإنماهواستدراكعليه،وجرأةقبيحةيناديبهاصاحبهاأنَّالشريعةلمتكف،ولمتكتمل و أن نبينا صلى الله عليه وسلم ترك شيئا من الرسالة لم يبلغه!،فاحتاجالدينإلى إحداثهوابتداعه!!وهذامافهمهأصحابالنبي rوالأئمةمنبعدهم من صنيع المبتدعة؛ فقال ابنمسعود
(رضي الله عنه):"اتبعواولاتبتدعوا؛فقدكفيتم،وكلبدعةضلالة".رواهالدارمي في سننه(211)
و قال إمام دار الهجرة مالك - رحمه الله -:"منابتدعفيالإسلامبدعةيراهاحسنة؛ فقدزعمأنمحمدا rخانالرسالة؛لأناللهيقول] اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [[ المائدة :3] فمالميكنيومئذدينا؛فلايكوناليومدينا". الاعتصام للشاطبي ( 1/64)
قال الإمام الشوكاني – رحمه الله- : " فإذاكاناللهقدأكملدينهقبلأنيقبضنبيهصلى الله عليه وسلمفماهذاالرأيالذي أحدثهأهلهبعدأنأكملاللهدينه؟! إنكانمنالدينفياعتقادهم؛فهولميكملعندهمإلابرأيهم (!) وهذافيهردللقرآن!وإن لميكنمنالدين؛فأيفائدةفيالاشتغالبماليسمنالدين؟!.
وهذهحجة قاهرة،ودليلعظيم،لايمكنلصاحبالرأيأنيدفعهبدافعأبدا،فاجعلهذه الآيةالشريفةأولماتصكبهوجوهأهلالرأي،وترغمبهآنافهم،وتدحض به حججهم".القول المفيد في أدلة الاجتهاد و التقليد ( ص38)
4- حبوط العمل وبطلانه ، وذلك أنه لا بد من تحقق شرطين في العمل ليكون مقبولا عند الله سبحانه : - الإخلاص لله تعالى فيه – والمتابعة فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم
قال تعالى ]فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا [ [ الكهف:110]
قال ابن القيم – رحمه الله- : هذا هو العمل المقبول الذي لا يقبل الله من الأعمال سواه ، وهو أن يكون موافقا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مرادا به وجه الله ". مفتاح دار السعادة ( 1/134)
قال سفيان الثوري –رحمه الله- :" كان الفقهاء يقولون : لا يستقيم قول إلا بعمل ، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية ، ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة ". الإبانة الكبرى لابن بطة ( 1/217)
فعمل المبتدع مردود عليه لقوله صلى الله عليه وسلم :" من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد " رواه البخاري ( 2550) و مسلم ( 1718) من حديث عائشة ( رضي الله عنها)
5- المبتدع تحجب عنه التوبة ما دام مصرا على بدعته ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته " . رواه الطبراني في الأوسط(4/281) من حديث أنس (رضي الله عنه) و حسنه الألباني في صحيح الترغيب ( 54)
6- أما في الآخرة فصاحب البدعة موعود بالطرد و الإبعاد من حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في حديث " إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " رواه البخاري ( 6582) و مسلم (6136) من حديث سهل ابن سعد ( رضي الله عنه)
ومما ينبغي معرفته أيها الأحبة أن العلماء يقسمون البدع إلى أنواع :
فمثلا باعتبار فعلها تنقسم إلى :
بدع فعلية:فهي فعل ما لم يُشرع في الدين تدينا،و أكثر البدع من هذا النوع كمن يصلي أو يصوم في أوقات النهي ، أو يخصص وقتا للعبادة لم يخصصه الشارع .
بدع تركية : وهي ترك المباح أو ما طلب فعله تعبدا كترك النوم أو الزواج أو أكل اللحم تعبدا لله ، فقد جاء عن ابن عباس (رضي الله عنهما ) أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء و أخذتني شهوتي، فحرمت علي اللحم فأنزل الله ]يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم[المائدة : 87][. رواه الترمذي (3054) وصححه العلامة الألباني (رحمه الله)
وتنقسم البدع باعتبار حالها إلى :
- بدع قولية اعتقادية: كمقالات و اعتقادات الخوارج و الرافضة و المرجئة وهي متفاوتة بحسب بعدها عن أصول الدين و قربها
- بدع عملية :وهي التعبد بما لم يشرعه الله ولم يدل عليه دليل من كتاب ولا من سنة ولا إجماع ، وكل عبادة لم يأمر بها الشارع أمر إيجاب أو استحباب فإنها من البدع العملية.
و البدع العملية على أنواع :
- بدعة في أصل العبادة بإحداث عبادة ليس لها أصل في الشرع كإحداث صلاة غير مشروعة أو صيام غير مشروع كما يفعله بعض الناس في شهر رجب.
- ما يكون في الزيادة على العبادة المشروعة كما لو زيد ركعة في صلاة الظهر أو العصر مثلا .
- ما يكون في صفة أداء العبادة بأن تؤدى على صفة غير مشروعة،كأداء الأذكار المشروعة بأصوات جماعية مثلا.
ما يكون بتخصيص وقت للعبادة المشروعة لم يخصصه الشارع كتخصيص يوم النصف من شعبان وليلته بصيام و قيام ، فإن أصل الصيام و القيام مشروع ولكن تخصيصه بوقت من الأوقات يحتاج إلى دليل .
وهذه البدع يتفاوت حكمها فمنها ما هو ضلالة كبدع الفرق المنحرفة عن السنة ومنها ما هو معصية كالتعبد بترك المباح .
ولمزيد من الفائدة أكثر ينظر مقال للعلامة صالح الفوزان (حفظه الله) في أنواع البدع [مجلة الدعوة العدد :1139/9 رمضان 1408هـ]
وهناك تقسيم آخر مشهور عند بعض الناس ! ألا وهو تقسيمالبدعةإلىحسنةوسيئة، فما صحة هذا التقسيم؟ وهل له مستند فيالشرع؟ هذا ما سنجيبكم عنه بعون الله في تتمة المقال ، سائلين الله لنا ولكم العون و السداد .
وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
16-04-2016
