1- أن للحج أشهرًا معلومات؛ لقوله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة، وقال كثير من أهل العلم: هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.
ولا خلاف بين أهل العلم أن الإحرام بالحج لا يصح بعد فجر يوم النحر، كما لا خلاف بينهم أن أعمال الحج لا تنتهي في اليوم العاشر، بل لا تنتهي إلا بعده؛ لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى ﴾ [البقرة: 203].
كما أن بقية الشهر كله محل لأعمال الحج التي لا يفوت وقتها كالطواف والسعي ونحو ذلك.
ففرض الحج والإحرام به في شهرين وعشرة أيام، وأعماله في ثلاثة أشهر.
2- أن الإحرام بالحج لا يصح إلا في أشهره؛ لقوله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ وقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ﴾، وبهذا قال كثير من السلف من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم، منهم ابن عباس، وجابر بن عبدالله رضي الله عنهما [1].
وعلى هذا فمن أحرم بالحج في غير أشهره لم يصح إحرامه ولم ينعقد.
وقال بعض أهل العلم ينعقد ويتحول عمرة.
وذهب جمهور أهل العلم، إلى أن الإحرام بالحج يصح في جميع أشهر السنة، وينعقد مع الكراهة.
وقالوا: معنى الآية ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾؛ أي: الحج الأفضل والأكمل حج أشهر معلومات. أي: أن الإحرام به في هذه الأشهر أفضل من غيرها.
كما احتجوا بأنه أحد النسكين، فيصح الإحرام به في جميع السنة كالعمرة.
وهذا القول ضعيف؛ لأن قوله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ يدل على أن للحج أشهرًا معلومة محدودة، ولو كان الإحرام به مشروعًا طوال السنة، ما كان لهذا التحديد فائدة.
ومثل هذا استدلالهم بالآية: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾، فإن هذا الدليل عليهم، لا لهم، إذ لو كان الإحرام بالحج جائزًا في جميع السنة لم يوقت بالأهلة.
وأما قولهم: إنه أحد النسكين فيصح الإحرام به في جميع السنة كالعمرة، فهذا تعليل في مقابلة الدليل فلا يصح. فالحج جاء تحديده بأشهر معلومة، بخلاف العمرة، وعلى هذا فلا يلزم من صحة الإحرام بالعمرة في جميع السنة صحة الإحرام بالحج كذلك.
3- ظاهر قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾ جواز فرض الحج في جميع الأشهر الثلاثة، لكن دلت السنة على أن الإحرام بالحج لا يصح بعد فجر يوم النحر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عروة بن مُضَرِّس رضي الله عنه: «من شهد صلاتنا هذه- يعني صلاة الفجر في مزدلفة - وقد وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار، فقد تم حجه، وقضى تفثه»[2]، وعلى هذا أجمع أهل العلم.
4- أن الإحرام بالحج، أو العمرة ينعقد بمجرد نية الدخول في النسك؛ لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾؛ أي: نوى الدخول فيه.
7- توكيد حرمة الفسوق والجدال في الحج؛ لحرمة الإحرام والزمان والمكان، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25].
8- الترغيب في فعل الخير، وأنه لن يضيع عند الله- عز وجل- قل أو كثر؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 197]؛ أي: يعلمه- عز وجل- ويحصيه ويجازي عليه.
9- علم الله- عز وجل- بجميع أفعال العباد؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾، وهو- عز وجل- بكل شيء عليم.
10- وجوب الاستعداد بالزاد لسفر الحج والعمرة، والاستغناء عن الناس، فلا يجوز كون الإنسان عالة وكلًّا على الآخرين؛ لقوله تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا﴾.
11- الحث على التزود بتقوى الله- عز وجل- وأنها خير زاد في الحال والمآل والمعاد؛ لقوله تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾.
12- أن أصحاب العقول هم الذين يتقون الله تعالى؛ لهذا خصهم بالأمر والنداء في قوله: ﴿ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾. وفي هذا امتداح لهم، كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18].
14- إثبات ربوبية الله- عز وجل- الخاصة للمتقين، وأن ما يحصل عليه الإنسان في تجارته من كسب وربح- هو من فضل الله- عز وجل- وزيادته؛ لقوله تعالى: ﴿ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾.
15- امتنان الله - عز وجل - على عباده، والتوسعة عليهم، ودفع الحرج عنهم في طلب الفضل منه والرزق في الحج.
وفي هذا ما يظهر بجلاء سماحة الإسلام وسمو مبادئه وأحكامه، وموازنته بين متطلبات الروح والجسد.
16- مشروعية الوقوف بـ«عرفات»، وأنها من مشاعر الحج؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ ﴾، وهو أعظم أركان الحج؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة»[3].
ولم يصفها عز وجل بالحرمة؛ لأنها خارج الحرم.
22- تذكير الله- عز وجل- لعباده- بحالهم في الضلال، قبل هدايته لهم، ليعرفوا قدر نعمة الله- عز وجل- وفضله عليهم، وعلى سائر الخلق، بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وبيان الحق من الباطل، والهدى من الضلال، فيشكروه على ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ﴾.
24- استواء الناس أمام أحكام الله الشرعية؛ لقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ﴾.
25- مشروعية الاستغفار بعد الإفاضة من عرفات، والانتهاء من أعمال الحج ومناسكه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ﴾ وهو ختام الأعمال والأعمار.
26- إثبات صفة المغفرة التامة لله- عز وجل- والرحمة الواسعة؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.
27- مشروعية ذكر الله- عز وجل- بأنواع الذكر كلها- بعد قضاء المناسك شكرًا لله- عز وجل- على ذلك، وإتباعًا للحسنة الحسنة بعدها، وبعدًا عن الغفلة، أو الاغترار بالعمل؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ﴾.
28- وجوب ذكر الله- عز وجل- وتعظيمه أكثر وأشد من تعظيم أي مخلوق من الآباء وغيرهم؛ لقوله تعالى: ﴿ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾.
29- تنزل القرآن في مخاطبة العرب على نحو ما هم عليه من العادات تقريبًا للمعاني لهم، وتأليفًا لقلوبهم، إذ ليس المقصود بقوله: ﴿ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ المساواة بين ذكر الله وذكر الآباء، ولا المقارنة بينهما فحق الله أعظم وأعظم، وذكره- عز وجل- أوجب وألزم.
30- انقسام الناس إلى فريقين: فريق همهم الدنيا، لا يسألون ربهم سواها، معرضين عن الآخرة، والعمل لها، وعن سؤال الله الفوز فيها- وهم عبّاد المادة والدرهم والدينار، فليس لهم في الآخرة من نصيب، إلا النار وبئس القرار؛ لقوله تعالى: ﴿ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾، وفريق وفِّقوا للعمل للدنيا والآخرة، وسؤال ربهم من خيري الدنيا والآخرة، والوقاية من عذاب النار، فلهم جزاء كسبهم، وهو الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
31- الإشارة إلى حقارة الدنيا وعظم مكانة الآخرة.
32- حاجة الإنسان إلى سؤال ربه عز وجل حسنة الدنيا والآخرة، وأن يقيه عذاب النار.
34- إثبات الدار الآخرة، وما فيها من الجنة والنعيم، وعذاب النار والجحيم.
35- أن الله- عز وجل- قد يجيب دعوة كل داع، مسلمًا كان أو كافرًا أو فاسقًا؛ لقوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا ﴾.
لكن ليست إجابته دعاء من دعاه دليلًا على محبته له، وخاصة إذا كان ذلك في أمور الدنيا؛ لأن الله- عز وجل- يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، لكنه لا يعطي الدين إلا من يحب كما قال صلى الله عليه وسلم[4].
36- أن لكل من الناس نصيبًا من كسبه ثوابًا كان أو عقابًا؛ لقوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا ﴾.
37- إثبات الكسب للعبد؛ لقوله تعالى: ﴿ مِمَّا كَسَبُوا ﴾ وفي هذا رد على الجبرية.
38- إثبات قرب القيامة، وسرعة حساب الله- عز وجل- للخلائق؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب ﴾ أي: أن حسابه- عز وجل- سريع لقرب القيامة، كما أنه- عز وجل- يحاسب الخلق على وجه السرعة؛ لعلمه بهم وبأعمالهم، وكمال قدرته.
وقد قال بعض أهل العلم: إنه يحاسبهم في نصف يوم، ويقيل أهل الجنة فيها ذلك اليوم؛ لقوله تعالى: ﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴾ [الفرقان: 24].
39- فضل ذكر الله- عز وجل- في أيام التشريق؛ لقوله- عز وجل: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾، وهذا تخصيص لها بعد التعميم بالأمر بالذكر قبلها في قوله: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ﴾.
40- فضل بعض الأزمنة على بعض وكذا الأمكنة.
41- جواز التعجل في اليوم الثاني عشر من أيام التشريق بعد رمي الجمار، وجواز التأخر إلى اليوم الثالث عشر؛ لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾، وهذا من تيسير الله- عز وجل- على عباده.
42- أن على من أراد التعجل في يومين أن يخرج من مِنى قبل غروب الشمس من اليوم الثاني عشر؛ ليكون تعجله في اليومين؛ لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ ﴾؛ لأن «في» للظرفية.
43- عدم جواز التعجل في يوم واحد، أي في اليوم الحادي عشر، وأن من فعل ذلك فهو آثم؛ لمفهوم قوله تعالى: ﴿ ﴿ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾؛ إذ مفهوم هذا أن من تعجل بأقل منهما فهو آثم لفعله ما لا يجوز.
وهذا بيِّن اللهم إلا على قول من قال: المراد باليومين: يوم العيد واليوم الحادي عشر، وهذا لا يصح إلا على قول من قال المراد بالأيام المعدودات أربعة أيام: يوم العيد، وأيام التشريق الثلاثة. وهذا القول ضعيف. والصحيح أن المراد بالأيام المعدودات أيام التشريق الثلاثة، الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة.
44- أن المعوّل عليه- هو تقوى الله- عز وجل- سواء تعجل الإنسان في يومين، أو تأخر؛ لقوله تعالى: ﴿ لمن اتقى ﴾.
45- وجوب تقوى الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾.