عن عبدالله بن مسعود – رضي
الله عنه – قال: سألت رسول
الله – صلى
الله عليه وسلم – أي العمل أفضل؟ قال: "الصلاة على وقتها". قال: قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين". قال: قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"
** راوي الحديث :
عبدالله بن مسعود رضي
الله تعالى عنه :
هو أبو عبد الرحمن، عبدالله بن مسعود الهذلي، رضي
الله عنه، من السابقين الى الاسلام، هاجر الهجرتين إلى الحبشة والمدينة المنورة، وشهد مع رسول
الله – صلى
الله عليه وسلم – بدرا والمشاهد كلها، وأول من جهر بقراءة القرآن الكريم بمكة المكرمة، قال رسول
الله – صلى
الله عليه وسلم – فيه:" من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبدٍ "، ولازم رسول
الله – صلى
الله عليه وسلم -، فكان صاحب سره، له في كتب الحديث(848) حديثا، شهد فتوح الشام، وسيره عمر رضي
الله عنه إلى الكوفة ليعلمهم أمور دينهم، ثم أمره عثمان – رضي
الله عنه -، على الكوفة، توفي في المدينة سنة 32هـ (653) وهو ابن بضع وستين سنة .
** شرح الحديث :
يحرص المسلم على السعي لكسب مرضاة
الله تعالى تحقيقا لمهمته في الدنيا المتمثلة بقوله تعالى:" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " وكان الصحابة – رضي
الله تعالى عنهم -، يحرصون على كثرة سؤال رسول
الله – صلى
الله عليه وسلم -، لمعرفة أمور دينهمالتي فيها تحقيق عبوديتهم لله تعالى وكسب رضاه. فهذا واحد من هذه النخبة المباركة وهو عبدالله ابن مسعود – رضي
الله عنه، يسأل رسول
الله – صلى
الله عليه وسلم – عن أفضل الأعمال عند
الله تعالى وأكثرها ثوابا، ليداوم على فعلها، ويحافظ عليها. ورسول
الله – صلى
الله عليه وسلم – لا يبخل على سائل يتشوق للمعرفة ويحرص على الاستزادة من الأعمال الصالحة. ومن الأعمال العظيمة التي أشار إليها رسول
الله – صلى
الله عليه وسلم - .
1- الصلاة على وقتها
إن من أفضل الأعمال عند
الله تعالى أداء الصلاة على وقتها، حيث يقف المصلي في صلاته بين يدي خالقه في اليوم خمس مرات يدعوه ويناجيه، فالصلاة هي الصلة الدائمة بين العبد وربه وهي وسيلة الجوارح لشكر
الله تعالى على جميع نعمه؛ فالمصلي يبدي لله تعالى خضوعه المطلق بالقيام بالركوع والسجود وسائر أعمال الصلاة، ويشغل قلبه بإخلاص النية لله تعالى، ويعمل عقله بالتفكير بعظمة الخالق سبحانه .
والصلاة وسيلة مانعة من ارتكاب المعاصي والمنكرات؛ فلا معنى لوقوف المصلي بين يدي المولى عز وجل خاشعا، مستشعرا هيبته وجلاله، وحاجته الدائمة إليه، إن لم تظهر آثار ذلك في نفسه فتصرفه عن ارتكاب المعاصي والفواحش، قال
الله تعالى:" وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ "، كما أن الصلاة وسيلة لتحقيق سكينة النفس وطمأنينتها .
وإذا ما تحققت هذه الأمور في صلاة العبد ورافق ذلك حرصه على أدائها في وقتها، استحق الصلاة أن تكون من أحب الأعمال إلى
الله تعالى، ولذلك كانت الصلاة أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة .
2- بر الوالدين
قرن
الله تعالى الأمر ببر الوالدين بعبادته وتوحيده، فقال عز وجل:" وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " ، كما قرن شكرهما بشكره، فقال
الله سبحانه:" أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ "
وذلك لأن
الله تعالى خلق الطفل الخلقة الأولى في الرحم وأخرجه الى الدنيا ضعيفا عاجزا لا حيلة له ولا قوة، ثم يسر له أبويه فتكفلا بتربيته والعناية به حتى أصبح قادرا على القيام بشؤون نفسه متحملا لمسؤوليته .
وقد عد رسول
الله – صلى
الله عليه وسلم – بر الوالدين من أحب الأعمال إلى
الله تعالى بعد الصلاة، تربية للنفوس، فكما أمر بشكر
الله تعالى على نعمه بالعبادة ومنها الصلاة، أمر بشكر الوالدين على نعمة العناية والتربية بالبر بهما. وكما كانت العبادة وسيلة لتربية النفس، كان بر الوالدين وسيلة لبناء الأسر المتحابة .
ويكون بر الوالدين بطاعتهما، والمداومة على إرضائهما بالأقوال والأفعال، فأما الأقوال فبالقول اللين اللطيف الدال على الرفق والمحبة، وبمناداتهما بأحب الألفاظ إليهما، وتجنب القول الغليظ الموجب للنفرة
قال
الله تعالى:" فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا "
وأما الأفعال فبخدمتهما وقضاء حوائجهما، والإنفاق عليهما، والتواضع لهماوتنفيذ أوامرهما ما لم يكن إثما. قال
الله تعالى:" وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا "
3- الجهاد في سبيل الله
ومعناه بذل الجهد والمال لنصرة الدين وإعلاء كلمة
الله تعالى، ومدافعة العدو. ويعد الجهاد في سبيل
الله تعالى من أفضل الأعمال عند
الله تعالى، لأنه وسيلة لنشر الاسلام بين الناس، وإفساح المجال لهم للتعرف إلى تعاليمه، وذلك بإزالة العقبات البشرية التي تحول دون وصوله للناس مع ترك حرية الاختيار لهم بعد ذلك للدخول فيه. قال
الله تعالى:" لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ "
كما أن الجهاد وسيلة لاستقرار المجتمع وتحقيق الأمن فيه؛ فهو يمكن المسلمين من تنظيم شؤون حياتهم والقيام بمصالح دينهم ودنياهم، دون خوف من سيطرة العدو على أراضيهم، أو دمائهم، أو أعراضهم، أو أموالهم. قال
الله تعالى:" وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا "
وقد وعد
الله تعالى المجاهدين في سبيله بمغفرة الذنوب، ودخول الجنة قال
الله تعالى:" إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ "
ومن أبرز صور الجهاد في سبيل
الله تعالى جهاد المسلم بنفسه في أرض المعركة، وتقديمها رخيصة في سبيل
الله تعالى، وجهاده بماله في إعداد ما يحتاجه الجيش، وقيامه على شؤون أسر الجند المرابطين، وجهاده بلسانه في عرض الدعوة على الناس والدفاع عنها بالكلمة الطيبة والحكمة الرشيدة .
** ما يرشد إليه الحديث :
1- المحافظة على أداء الصلاة في وقتها من أحب الأعمال إلى
الله تعالى .
2- بر الوالدين وسيلة للتقرب إلى
الله تعالى .
3- الجهاد في سبيل
الله تعالى من أفضل الأعمال عند
الله عز وجل .