عدد الضغطات : 9,099عدد الضغطات : 6,596عدد الضغطات : 6,318عدد الضغطات : 5,538
التميز خلال 24 ساعة
العضو المميز المراقب المميز المشرف المميز الموضوع المميز القسم المميز
قريبا
قريبا
قريبا

بقلم :
المنتدى الاسلامي العام

العودة   منتديات الحقلة > المنتدى الاسلامي > منتدى القرآن الكريم والتفسير

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: الوجه الاخر لرجل الأعمال سعد التميمي (آخر رد :عميد القوم)       :: احذروا سوء الظن (آخر رد :ابو طراد)       :: من فوائد وفضائل الذكر (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: هل تريد نخلة في الجنة (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: وانت في مفترق الطرق تذكر... (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: غلط يقع فيه بعض المصلين (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: علماء الأزهر (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: رائعة جداً (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: ايمانيات (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: رحله العمر (آخر رد :فاطمة صلاح)      


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 15-10-2017   #11
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم




هو التجلد وحسن الاحتمال . . . . ، وصبرَ على الأمر : احتمله دون جزع ، وصبر عن الشيء : منع نفسه عنه وحبسها ، واصْطَبَر بمعنى صَبَرَ .
والداعية الصابر من يتحمل الجهد والمكابدة ، وصلف المدعوين وجهالتهم ، وأذاهم قولاً وفعلاً ، في سبيل الله ونشر دعوته .
وهذا ما فعله الأنبياء أولو العزم ، فاستحقوا مدح الله سبحانه وتعالى ، وبه أمر الله نبيّه الكريم تأسّياً بهم وسيراً على طريقتهم : { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } (من الآية 35 الأحقاف) .
وقال أيضاً مواسياً نبيَّهُ الكريم عليه الصلاة والسلام : { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) }(الأنعام) .
وكان سيدنا يعقوب من الصابرين ، فسجّل الله سبحانه ذلك له ، فقال : { وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) }(يوسف)، وقال : { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ . . . } (من الآية 83 يوسف) .
والصبر الجميل : التسليم لقضاء الله دون تذمّر ولا فزع ، والرضا به انتظاراً لفَرَجه سبحانه .
وعلى هذا النوع من الصبر حث الإلهُ العظيم نبيَّهُ الكريم . . . فقال : { فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)} (المعارج) .
وللصبر فوائد جمّةٌ أذكر بعضاً منها :

1ـ إنه من الأسباب المعنوية المؤدية إلى النصر ، قال تعالى : { وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ ... }(البقرة) .
وقال في ذلك أيضاً : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) } (الأنفال) .
ويقول سبحانه أيضاً ، آمراً بالصبر في القتال على مناجزة العدو ، كي نحظى بالنصر : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) }(آل عمران) .

2ـ إنه يعين على البلاء والتحمل ، قال تعالى : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ . . . } (من الآية 45 البقرة) .
فالصلاة حين يؤديها المصلي بإتقان ، وإحسان ، فقد أدّى نوعاً من الصبر ، يرفع معنوياته .
وهؤلاء الرسل الكرام ، يقولون للكفار ، الذين يؤذونهم ومن آمن : { . . . وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } (من الآية 12 إبراهيم) .
وقال تعالى : { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) } (الشورى) .

3ـ وفي الصبر والتحمل خير لصاحبه من أن يثأر لنفسه . . فهو مسلم داعية . قال تعالى : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) } (النحل) .
وبعض المسلمين لم ينتظروا خروج الرسول الكريم من حجرته إلى المسجد ، فنادَوه بصوت عال ، وقد أُمروا أن يغضوا من أصواتهم في حضرته ، فقال تعالى معلّماً الصبر والأناة والأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم واحترامه : { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) } (الحجرات) .

4ـ وعاقبة الصبر محمودة (( الجنّة )) ، قال تعالى يبشر المؤمنين الصابرين بالجنة والمآل الطيب : { . . وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) } (الرعد) .

5ـ والصبر يقلب الموازين ، فصبرك على أذى الآخرين ، ودفع السيئة بالحسنة يجعل العدو صديقاً ، ويستلُّ منه سخيمة صدره فينقلب محباً ودوداً . . قال تعالى : { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) } (فصلت) .

6ـ والصبر يورث الأجر ، قال تعالى : { إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) } (هود) .
وحين كشف يوسف لإخوته عن نفسه ، فرأوا ما هو فيه من عزٍّ ومجدٍ ـ وقد كانوا يظنون به الموت أو الأذى ـ قال لهم منبهاً ومعلّماً : { إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } (من الآية 90 يوسف) .
ويقول سبحانه مقرراً الأجر الكبير للصابرين المتوكلين على الله في صبرهم : { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) } (النحل) .
وحين يشتد العذاب على المؤمنين في بلد ما ، عليهم أن يهجروه إلى أرض الله الواسعة ، ويصبروا على الغربة : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } (من الآية 10 الزمر) .

7ـ والصبر على الدعوة يرفع الداعية ، ويجعله قدوة وإماماً ، قال تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) } (السجدة) .
وهذا الرجل الصالح صار معلماً لسيدنا موسى عليه السلام ـ في سورة الكهف ـ واشترط عليه أن يصبر عليه ، فلا يسأله عن شيء حتى يحدث له منه ذكراً ، ويجيبه موسى : { سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا }(من الآية 69 الكهف) ولو لم يكن الرجل صابراً ، لما صار معلماً له ، ولا أمكن أن يأمره بالصبر .

8ـ والصبر يقرب العبد من مولاه ، ويرفع مقامه ، قال تعالى للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمره بالصبر ، والاستعانة بالله ، والاعتماد عليه : { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) } (النحل) .
وأول المتقين ، والمحسنين ، وسيدهم ، رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأين مكان من صبر لحكم ربّه ، وسبّح بحمده في قيامه وصلواته ، في ليله وسَحَرٍه ؟ إنه في رعاية الله ومعيّته ، قال تعالى : { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49) } (الطور) .

9ـ وبالصبر النجاحُ والنصرُ والحفظُ ، قال تعالى واصفاً المنافقين وكرههم للمسلمين ، ومؤكداً نصره للمسلمين إن صبروا واتقوا :{ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) } (آل عمران) .
وسيكون النصر للرسول الكريم ، الذي حقق الصبر ، والتزم التقوى ، وهو أهل لها :
{ فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } (من الآية 49 هود) .
وماذا قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله ـ إن استشهدوا في سبيل الله ـ والحائزون على نصره إن صبروا { قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } (من الآية 246 البقرة) .
ويأمر الله تعالى نبيه الكريم ، وصحبه الأبرار أن يصبروا في القتال ، فما بعد الصبر إلا الظفر : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) } (الأنفال) .

10ـ ومدَدُ الله تعالى للمؤمنين بصبرهم وتقواهم ، قال تعالى مخاطباً رسوله الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ : { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) } (آل عمران) .
وحين صبر المسلمون في معركة بدر ، واستغاثوا ربهم ، وسألوه العون والمدد ، لبّاهم ، وكان عند حسن ظنهم سبحانه جل شأنه ، قال تعالى : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) } (الأنفال) .

11ـ والمسلم الصابر ممدوح . . ومن الذي مدحه ؟ إنه الله تعالى ومَنْ مدحه الله تعالى رفعه ، قال تعالى :
{ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35) } (الحج) .
وقال تعالى يمدح الصابرين على ما أصابهم فيمن مدح : { وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } (من الآية 177 البقرة) .
وقال تعالى يمدح الصابرين الذين قاتلوا مع أنبيائهم في سبيل الله ، وبذلوا كل ما في وسعهم ، ورفضوا الخنوع للعدو الكافر ، فقال سبحانه : { وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) } (آل عمران) .
ومدح الله تعالى بعض أنبيائه لصبرهم ـ وكلهم صابرون ـ : { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) } (الأنبياء) .
ومدح أيوب عليه السلام بصبره على ما ابتلاه الله به : { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } (من الآية 44 ـ ص ) .

وقد يصير الصابر إلى مقامات عليّة بصبره ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الصابرين .

يتبع





 

رد مع اقتباس
قديم 15-10-2017   #12
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم



هو " أساس الملك " وميزان الحياة الطيبة ، وبإقامته في مجالات الحياة يصل الناس إلى حقوقهم ، وينتفي الظلم ، ويعرف كل إنسان حدوده ، وفيه المساواة بين الجميع ، والإصلاح بين الفرقاء.
ويتجلّى العدل في القول ، والعمل ، والحكم .

والله سبحانه وتعالى يعلمنا العدل ، ويأمرنا به ، لأن فعله سبحانه العدل بعينه : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا } (من الآية 115الأنعام) .

قال سبحانه آمراً وناهياً بما يقيم العدل : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} (النحل) .

ويقول سبحانه آمراً بالعدل ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، دون نقص ولا طغيان ، وإنصاف الناس في أوزانهم دون تطفيف ، { وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)} (الرحمن) .

وهدّد من يطفف الميزان بالويل والثبور ، وعظائم الأمور يوم القيامة ، فقال سبحانه : { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) }(المطففين).

والعاقل من يفهم ويعي ، ويجنب نفسه الخسارة الرهيبة التي لا تعوض في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، ويؤكد ذلك في ضرورة الإيفاء في الكيل ، والوزن الصحيح بالعدل والسوية دون خداع ولا احتيال ، فإن فعلوا ذلك وصدقوا نالوا في الآخرة المنزلة العالية ، وفي الدنيا الذكر الحسن : { وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)} (الإسراء).

ـ كما أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أرسل أنبياءه جميعاً لهداية البشرية ، فأنزل معهم الكتب السماوية لهداية الناس ، والقانون الذي يحكم به بين الناس ، وهو ميزان العدل الإلهي ، ليتعاملوا بالعدل والحق في معاملاتهم فقال سبحانه : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ }(من الآية 25 الحديد) .
وإقامةُ العدل والقسط كما ذكرنا يريح العباد ، ويشعرهم بالأمن والأمان .

وإمام الرسل محمد عليه الصلاة والسلام على رأس الانبياء الذين أمرهم الله بالعدل ، والحكم بالحق فقال : { آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ }(من الآية 15 الشورى) .

وتراه سبحانه يؤكد للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الدين الذي أنزله عليه كان لبيان الحق ونشر العدل ، وإحقاق الحق ، { الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ }(من الآية 17 الشورى) .

وعلى الرغم من أن اليهود يكرهون الإسلام ، ونبيّه ، وكتابه ، والمؤمنين فإن هذا كله لا يمنع أنهم إذا جاءوا يحتكمون إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يحكم بينهم ـ إذا رضي ذلك ـ بالعدل { فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }(من الآية 42 المائدة) .

ويأمر الله سبحانه وتعالى أن تكونوا ـ معشر المسلمين ـ . .
1ـ { قَوَّامِينَ لِلَّهِ
2ـ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ
3ـ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا
4ـ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
5ـ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }(من الآية 8 المائدة) . .
ـ ويقارن الله سبحانه وتعالى بين رجلين ، يضرب بهما مثلاً :
أـ { أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ
ب ـ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم }(من الآية 76 النحل) .
إنّ مكانة من يحكم بالعدل ، ويأمر به ، ويتقي الله سبحانه ، مكانة عظيمة يندبنا الله تعالى إلى التسامي إليها ، والعمل لها .

ـ وتعال معي إلى ذلك الاهتمام الواضح بالمرأة ، والزواج بأكثر من واحدة ، وقضيّة الطلاق.
كان العرب يتزوجون ثم يطلقون دون التقيد بعدد الطلقات ، وهذا استعباد للمرأة ، وقهر لها ، فحدد الله تعالى عددها ، ومنع أحداً أن يأكل مهرها فقال :
{ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ
فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ
وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا
وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) }(النحل).
لكنْ إذا طلبت المرأة نفسها أن تفارق زوجها ، ولم تعد تطيق البقاء معه ، تخلّت عن مهرها ، وافتدت نفسها بذلك .

ـ وعلى الرغم من السماح بالتعدد ، فقد نبه القرآن أنه يسمح بالتعدد إذا عُدِل بين النساء ، وإلا فالواحدة أحسن { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً }(من الآية 3 النساء) .
فإن اضطر الإنسان إلى التعدد ـ وهو مباح ـ ولم يستطيع العدل بين نسائه ولو حرص على ذلك ، فليتق الله سبحانه ، وليحاول جهده ألا يميل عن الحق ويجور ، فيترك بعض نسائه وكأنهن مطلقات ، ويميل إلى إحداهن { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ . . . }(من الآية 3 النساء) .

ـ وقد يحدث قتال بين المسلمين أنفسهم فتجور قبيلة على أختها ، فماذا على الحاكم أن يفعل؟ اقرأ الآية الرائعة التالية تجد عدلاً وحزماً ثم رحمة :
أ ـ { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا
ب ـ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ
جـ ـ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) }( الحجرات).
وقد يحكم القاضي بين متخاصمَيْن ، أحدهما قريب له ، فهل يجوز أن يميل إليه في الحكم ، ويميت حقَّ صاحب الحقّ ؟ { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } (من الآية 152 الأنعام) ، فالقاعدة التي ينبغي للحاكم أن يسير عليها قوله تعالى : { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ }(من الآية 58 النساء) ، فبالعدل نرضي ربنا ، فهو الحكم العادل .
والأمثلة على توخّي العدل به وافرة في كتاب الله ، تحثنا على الحكم به ، والالتزام به ، لنكون خير أمة أخرجت للناس .

يتبع







 

رد مع اقتباس
قديم 15-10-2017   #13
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم




يقال : غفر له ذنبه : غطّى عليه وعفى عنه . وصفح عن ذنبه : أعرض عنه .
فالغفران أكثر تسامحاً وعفواً من الصفح ، وفي كلٍّ خيرٌ .
والقرآن الكريم يعلمنا الصفح والغفران ، وأن لا نحمل لأحد في قلوبنا ضغينة ، ولا في نفوسنا كشحاً ، فالدعاة إلى الله أسوتهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي ما كان يغضب لنفسه أبداً ، وكان أبشَّ الناس وجهاً ، لا يقابل الإساءة بالإساءة ، بل يقابلها بالعفو والغفران ما لم تكن في جنب الله سبحانه .
1ـ والله سبحانه وتعالى غفّار الذنوب وستار العيوب ، يعلمنا الغفران فيبدأ بنفسه ، وهو الذي لا يعجزه شيء ، لكنّه يحب أن يغفر لنا .
يقول لنا سبحانه : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }(من الآية 53 الزمر) .
وأمرنا أن نغفر للناس ، ونتشبّه به سبحانه فقال : { وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (من الآية 14 التغابن) .
2ـ بل إنه سبحانه أمر ملائكته الكرام أن يستغفروا لنا ، وهذا من كرمه وفضله سبحانه ، فيقول : { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)} (غافر) .
ويقول سبحانه في استغفار الملائكة للمؤمنين أيضاً : {. . . . وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (من الآية 5 الشورى) .
وهذا يعقوب عليه السلام يعتذر إليه أبناؤه لخطئهم في حقه ، وحق يوسف عليه السلام ، فيقول : { . . . . سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (من الآيةـ98 يوسف) .

وهذا سيدنا أبو بكر الصدّيق حين يرى مِسطحاً نال من السيدة عائشة رضي الله عنها ، وكان يتصدق عليه ، فأقسم أن لا ينفعه بنافعة أبداً ، ولكنَّ الله سبحانه يعلمنا أن نعفو ونغفر ، فينزل آية يَأمره وغيره أن يعفوَ ويصفحَ ، فهذا أولى بالمسلم : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)} (النور) . فقال الصدّيق : بلى يارب ؛ أحب أن تغفر لي .

وفي معركة أحد خالف الرماة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فأمره الله سبحانه أن يعفو عنهم ، ويستغفر لهم ، فهم بشر يخطئون ، والعفو عنهم يجمعهم على حب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والطاعة له ، وتصحيح أخطائهم { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ . . . . } (من الآية 159ـ آل عمران) .

والإنسان إذا عفا عن أخيه ، وصفح عنه ، أحبّه أخوه ، وعظم في عينه ، وكذلك أُمِرَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقبل بيعة النساء ، ويستغفر لهن إذا التزمن التوحيد ، وامتنعن عن السرقة والزنا ، وقتل الأولاد ـ حين تطرح المرأة جنينها أو تمنع نفسها فلا تحبل ـ ويمتنعن عن إلحاق لقيط برجل ليس أباه ، ويلزمن أنفسهن بطاعة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال تعالى: { . . . . فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (من الآية 12ـ الممتحنة) .

وسيدنا يوسف عليه السلام ، كان إخوته سبب بلائه ، وبُعدِه عن والده مدة أربعين سنة ، فلما كشف نفسه لهم ، ورأوا مكانته السامية في مصر ، اعتذروا له طالبين الصفح والغفران ، فعفا عنهم وسأل الله تعالى المغفرة لهم { قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)} (يوسف) .

وما أجمل أن يدعو المسلم لأخيه بظهر الغيب ، ويسأل الله أن يغفر لهما ويجمعهما على ما يحب ويرضى . . إنه الدين الذي جمع قلوب العباد : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)} (الحشر) .
مجتمع فيه تآلف ومحبّة ، كل واحد يرجو فيه الخير له ولأخيه ، هو مجتمع جذوره ذاهبة في الأرض ثباتاً ، وذُراه ذاهبة في السماء سموّاً وعلوّاً .
ـ حتى إن القرآن ليذهب أبعد من هذا ، فمن أساء إليك ، فلا تُسىء إليه إلا بقدر إساءته لك ، والأفضل من هذا الصفحُ والعفوُ والصبرُ الغفران والصفح قال تعالى: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ . . . (النحل) .

ماذا تفعل مع إنسان أساء إليك ، وأنت تريد له الخير ، أتمنع الخير عنه وتقول لا بد من عقابه ، أم تتناسى إساءته ، وكأن شيئاً لم يكن ، أم تقابل إساءته بالإحسان إليه ؟ .

لعل القرآن الكريم يريد لك أيها المسلم الداعية أن تكون أكبر من ردة الفعل ، فلك هدف تصبو إليه . . هذا ما يريده القرآن ، ومنزل القرآن سبحانه وتعالى { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) )) (فصلت) .

وجعل الله تعالى أخذ الحق أمراً لا يُلام الإنسان عليه ، لكنَّ العفو أمر يحبه الله تعالى :
{ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا
فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)} (الشورى) .

لكن حين نعلم أن الله تعالى أعدَّ جنة عرضها السماوات والأرض للمتقين نسأل عن سمات هؤلاء المتقين ، لعلنا نكون منهم :
أ ـ { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
ب ـ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ
جـ ـ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ
د ـ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)
هـ ـ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
إِلَّا اللَّهُ
و ـ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)
زـ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ
الْعَامِلِينَ (136)} (آل عمران)

اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين .

يتبع



 

رد مع اقتباس
قديم 15-10-2017   #14
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم



صفة إيجابيّة يؤديها من كان الصدق ديدنه ، والمروءة والشهامة عُدَّتَه .
ويرفع الالتزام بالوعد صاحبه في أعين الناس ، ويقرّبُه إلى قلوبهم ونفوسهم ، فيعظم فيهم شأنه ، وتُعتمد عندهم كلِمتُه .
وإذا كثر هذا في الناس اطمأنّت أفئدتهم ، وارتاحت نفوسهم .
أما إذا أخلَّ الإنسان بعهده ، وضيّع وعده انقلب أمنه إلى توجُّس وحذرٍ ، وخاف الناس بعضهم بعضاً .

ولذلك يحضنا المولى تبارك وتعالى على حفظ الأمانة وأدائها إلى أهلها { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } (من الآية 58 النساء) .
ويأمرنا بإنفاذ العهد الذي قطعناه على أنفسنا ، قال سبحانه : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) }(النحل) .

ويؤكد سبحانه وتعالى الوفاء بالعهد ـ أيضاً ـ في وصاياه في سورة الإسراء {. . . . وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا } (من الآية 34) .
أما المنافقون فلم يكونوا أهلاً لحفظ العهد مع الله سبحانه وتعالى ، فما هي عقوبتهم يا أخي الكريم ؟!
لقد كان العقاب شديداً: { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)
فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76)
فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)}(التوبة) .

وهل أشدُّ عقاباً من أن يعيش الإنسان منافقاً ، ويلقى الله منافقاً ؟ لقد وفـّى الله سبحانه لهم بما طلبوا حين آتاهم من فضله ، لكنّهم بخلوا وأعرضوا عن الدين القويم ، وشاقـّوا الرسول الكريم ، فنالوا جزاءهم .
ولأهمية إنفاذ العهد نرى الفكرة تتكرر مرة أخرى في قوله تعالى في حق المنافقين في غزوة الأحزاب :
{ وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا
وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ
إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13)
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14)
وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ
وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15)}(الأحزاب) .

والكفار والمنافقون ـ على حد سواء ـ لا يَفون بالعهد . . لماذا ؟ لأن الذي يفي بعهده عاقل لبيب ، يحترم نفسه ، وصادقٌ فيما يقول . . وهذه ليست من صفاتهم ، إنها صفات المؤمنين .
فحين أرسل الله تعالى على فرعون وقومه الدمَ والضفادع َ والقمّل ، وعدوا موسى أن يؤمنوا بالله إن كشف الله الضرّ عنهم ، وعاهدوه على ذلك ، فماذا فعلوا حين كشف الله تعالى عنهم البلاء ؟ نقضوا العهد وأخلّوا به : { وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)}(الزخرف)
والنكث بالعهد صفة المذمومين ومَنْ لا خلاقَ لهم .

ولعلَّ سيدنا أيوب الذي مسّه الضرُّ وكان جسمه عليلاً مدّة طويلة من الزمن ، وابتعد الناس عنه ، وتقزّزوا من رؤيته ، وما كان أحد يدخل عليه ، انشغلت زوجته ـ وهي الإنسان الوحيد الذي ما فارقه ـ فتأخّرت عنه مرة فأقسم لئن شوفي ليجلدنها مئة مرة . . فلما شفاه الله تعالى لم يطاوعه قلبه أن يعاقب زوجته الصابرة المخلصة ، لكنْ ماذا يفعل وكيف يبرّ بقسمه ؟ .
وأراد الله سبحانه وتعالى أن يبرَّ أيوبُ بعهده ، دون أن يؤذي زوجته ، فأمره أن يجمع مئة عود فيضربها ضربة خفيفة ، تكون حلًّا لقسمه : { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)}(ص) .

والله سبحانه وتعالى حذّرنا من الشيطان وأحابيله ، وسماه الغَـَرور ، فَحَذِرَ منه المؤمنون فنجَوْا ، وتبعه الغاوون ، فكانوا معه في جهنم . كان في الدنيا يزيّن لهم المفاسد والأهواء فانغمسوا فيها ، وجرَوا وراءها يلهثون ، فلما التقوا معه في العذاب بانت الحقيقة ، ولكنْ بعد فوات الأوان { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ
وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ
وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي
فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ
مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ
إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ
إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)}(إبراهيم) .

وقد بايع أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائدهم العظيم في صلح الحديبية ، فأعلمهم ربُّ العزة : أنَّ مبايعتهم نبيّهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبايعة لله سبحانه وتعالى ، وأن الذي يحافظ على البيعة له أجر كبير ، أما الذي ينقض البيعة فقد أساء إلى نفسه وظلمها ، يقول الله عزّ وجلّ : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) }(الفتح) .
ويقول سبحانه أيضاً في سورة الفتح نفسها مادحاً المسلمين لالتزامهم بما عاهدوا الله عليه :
{ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا . . . . }(الفتح) .

وقد وعد الله تعالى المؤمنين الجنّة فقال : { هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ (49)
جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50)
مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51)
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52)
هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53)}{ص} .

وفي سورة الأحقاف نجد صورتين متناقضتين ، الأولى للمسلم المؤمن الذي يخاف الله ، ويحبه ، ويرجو ثوابه ، والثانية للكافر الفاسق .

فماذا وعد الله المؤمن ؟
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16) } (الأحقاف) .

وبماذا وعد الكافر ؟
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)}(الأحقاف) .

فمِنْ أي النوعين تريد أن تكون أيها الإنسان العاقل ؟ .
ويوم القيامة ينبت الناس من الأرض كما ينبت البقل ، والمؤمنون متيقنون سابقاً ولاحقاً أن الله سبحانه سيجمعهم يوم القيامة ، أما الكفار فإنهم يتساءلون خائفين : { قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)}(يس) .
فوعد الله حق ، لأنه سبحانه هو الحق { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا } (من الآية 122 النساء) ،
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ } (من الآية 9 آل عمران) .

يتبع



 

رد مع اقتباس
قديم 15-10-2017   #15
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم



يقول الله تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا . . . . }(إبراهيم) .

هكذا تفعل الكلمة الطيبة في نفوس السامعين ، تدخل القلوب دون استئذان ، ويتبوأ صاحبها المكانة المقبولة في نفوسهم ، ويستمعون له ، ويحبونه ، أما الكلمة الخبيثة ، فعلى العكس من ذلك تنفـّر الناس من صاحبها ، ويجدونه ثقيلاً على أنفسهم ، ثقيلاً على قلوبهم .

فحين عاتب الله عزّ وجلّ نبيّه وحبيبه محمداً عليه الصلاة والسلام حين أذن للمنافقين أن لا يخرجوا معه في غزوة تبوك بدأه بكلمة يفيفة على النفس ، محببة لدى المخاطَب ، فقال سبحانه : { عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)} (التوبة) فكان العفو قبل العتاب .

وحين عاتبه في أمر ابن أم مكتوم ، لم يخاطبه مباشرة بل حدّثه بضمير الغائب ، فقال :
{ عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) }(عبس) ، ولم يقل عبستَ وتوليتَ أن جاءك الأعمى . . . فإذا كان رب العزّة يتحبب إلى خلقه ، ويتودد إليهم ـ وهو الودود الرحيم ـ أفلا ينبغي لنا أن نسلك هذا الطريق الذلول لنصل إلى قلوب الناس ؟ ، والمؤمن ألوف مألوف .

والله سبحانه رؤوف بعباده حريص على إيمانهم ، يتحبب إليهم برفقٍ قائلاً : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) }(الزمر) .

ويقول : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)}(العنكبوت) .

ويخاطب رسوله الكريم : { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)}(الحجر) ، { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }(من الآية 53 الإسراء) . وهل أروع من تحبب المولى إلى عباده؟!

ويخاطب موسى عليه السلام حين أمره أن يترك مصر إلى سيناء بالمؤمنين: { فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23)}(الدخان) . فتجيب إلينا بكلمة { عبادي } .

وهذا لقمان الحكيم الذي أكرمه الله سبحانه وتعالى بالهداية ، فشكره على نعمته ، فزاده منها ، يقول لولده متحبباً متقرباً ينصحه : { يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }(من الآية 13 لقمان) ،
{ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) ،
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)}(لقمان) .
فكرَّرَ كلمة { يا بُنَيَّ } وهي كلمة لطيفة أنيسةٌ تدخل القلوب وتستقرّ بها .

وحين يأمرنا الله تعالى ببرّ الوالدين ، يتلطف معنا ، فلا يستعمل صيغة الأمر كي لا يستثقله الإنسان فينفر منه ، بل يأتي بصيغة الماضي والتذكير بالفضل : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ . . . } (من الآية 14 لقمان) ،
{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا . . . . }(من الآية 15 الأحقاف) .
{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا . . . . }(من الآية 8 العنكبوت) .
وتراه سبحانه وتعالى كثيراً ما يستعيض عن الأمر بالوصية :
[ { ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }(من الآية 151 الأنعام) ،
{ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }(من الآية 152 الأنعام) ،
{ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }(من الآية 153 الأنعام) ] .

ـ هذا يوسف عليه السلام يخاطب أباه بأدب ولطف وتحبب ، فيستعمل كلمة { أَبَتِ } { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا . . . } (من الآية 4 يوسف) .
{ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ . . . } (من الآية 100 يوسف) .

ـ وإبراهيم الخليل يتلفظ بالكلمة نفسها لأبيه الكافر ، متقرباً إليه ، يدعوه إلى الإيمان ويتحبب مكرراً هذه الكلمة التي يعشقها الآباء ، ناصحاً وواعظاً :
{ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ
أ ـ { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42)}
ب ـ { يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)} .
جـ ـ { يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44)} .
د ـ { يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)} (مريم) .

ـ وهذا ابنه إسماعيل الذبيح يخفف عن أبيه لواعجه ، ويساعده على الاستسلام لأمر الله ، وطاعته .
{ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }(من الآية 102 الصافات) .

وهذه البنت الواعية ، الموقّرة لأبيها تعرض عليه بأدب أن يستأجر موسى عليه السلام بالكلمة نفسها .
{ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }(من الآية 26 القصص) .

والأمثلة في هذا الباب كثيرة .

كما أن الأنبياء عليهم الصلوات والسلام جميعاً ، على الرغم من أذى أقوامهم لهم ، وسوء معاملتهم إياهم ، تجدهم حين يخاطبونهم ، يتوددون إليهم ويتقربون بقولهم : (( يا قوم )) ، وفي القرآن عشرات الأمثلة من هذا التودد منها :

أ ـ قول موسى عليه السلام : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ
فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20)}(المائدة) .

ب ـ قول إبراهيم عليه السلام : { فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ }(من الآية 78 الأنعام) .

جـ ـ قول نوح عليه السلام : { فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } (من الآية 59 الأعراف) .

د ـ قول هود عليه السلام : { قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ } (من الآية 65 الأعراف) .

هـ ـ قول صالح عليه السلام : { قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ
رَبِّكُمْ } (من الآية 73 الأعراف) .

و ـ قول شعيب عليه السلام : { قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ
رَبِّكُمْ . . }(من الآية 26 الأعراف) .

ز ـ الرجل الصالح في سورة يس : { وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا
الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) }(يس) .

حتى إنَّ فرعون ذلك المتكبر المتغطرس ، حين أراد أن يتقرب إلى الغوغاء من شعبه ليضلهم { قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ }(من الآية 51 الزخرف} .

فحريٌّ بنا أن نكون من أتباع الأنبياء ، محبين لقومنا ، ندعوهم إلى العودة إلى الله سبحانه وتعالى بلطف وتحبب .

وهذا ربُّ العزة يمدح النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)}(القلم)} ، { وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ }(من الآية 159 آل عمران) .

ولنا فيه عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة ، وفي إخوانه عليهم الصلوات جميعاً .

يتبع






 

رد مع اقتباس
قديم 15-10-2017   #16
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم



يقول الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه . . )) .
هذه دعوة إلى الخير ، ومساعدة الناس ، لما في المساعدة من إغاثة للملهوف ، وتخفيفٍ عن المكروب ، وعونٍ للمحتاج . وهي تدل على الأخوّة الصادقة في المجتمع الموحّد . وعلى التماسك القوي بين أفراده ، واللّحمة المتينة بين أنسجته ، فتزيد أواصره قوّةً ، وروابطه شدة .
والقرآن الكريم سرد لنا بعضاً من صور المساعدة الفردية ، والمساعدة الجماعية ، لتكون لنا قدوة ودافعاً إلى التكاتف والمحبة .

ـ فهذا سيدنا موسى عليه السلام يفرُّ هارباً من الظالمين الفراعنة ، ويسأل الله تعالى أن ينجيه منهم ، وينطلق متجهاً إلى الشام ، يرجو ربّه أن يهديه سواء السبيل ، فيصل آمناً إلى مدين ......{ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)}(القصص) .
فشهامته على الرغم من خوفه ، وغربته ، وجوعه ، أبت أن يرى فتاتين تنزويان عن الرجال ، منتظرتين أن ينتهوا من سقاية أغنامهم ومواشيهم ، فتسقيان . وتعجَّب أن لا يكون لهما راعٍ ، فسألهما ، فعرف أنهما ابنتان لرجل هرم ، لا يقوى على السرح بالماشية ورعيها ، وليس في الأسرة رجال ، وليس في المقدور استئجار الرعيان ، فاضطرتا إلى فعل ذلك ، فتقدّم موسى فسقى الماشية بهمة وقوة ونشاط قبل الرعاة ، ودفع بها إلى الفتاتين ، فعادتا مبكرتين على غير عادتهما ، فسألهما والدهما عن السبب ، فأخبرتاه بما جرى ، فاستدعاه وزوّجه إحداهما ، ليعمل عنده في رعي الغنم . . .

ـ وبذل المساعدة تتأثر بها النفوس ، والتصرف الحكيم يعدّل الموازين ، فتصفو القلوب ، وتأرز الأفئدة لصانع المعروف ، وتنقلب العداوة قرباً وصداقة ، والبغض محبة ووداداً . . قال تعالى :
أ ـ { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ
ب ـ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
جـ ـ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
د ـ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا
هـ ـ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)}(فصلت) .

فالحسنة فعل تستحسنه النفوس وترجوه ، وتأنس إليه وتعظم صاحبه ، والسيئة فعل تستقبحه وتنفر منه ، وتكرهه وصاحبَه ، فإذا العدوّ القالي يصبح صاحباً ، وحبيباً ، مما تقدم له من عون ، وصفح ، ووجه بشوش ، وابتسامة جذّابة .

ـ وهذا ذو القرنين ـ رضي الله عنه ـ مكّن الله له في الأرض ، شرقها وغربها ، فلم يتكبر ويتجبّر ، إنما كان مثالاً يُحتذى في البرّ والخير ، فلما فرغ من نشر الدعوة في الشرق والغرب ، انطلق إلى الشمال ، حيث الجبال الشاهقة ، حتى إذا وصل إلى منطقة بين حاجزين عظيمين ، بمنقطع بلاد الترك وجد قوماً متخلفين ، لا يكادون يعرفون لساناً غير لسانهم ، إلا بمشقة وعسر ، لبعدهم عن مخالطة غيرهم ، ولم يفهم كلامهم إلا بترجمان ، ولعل اعتداء قبيلتي يأجوج مأجوج الدائم وتجبرهم كان يخيف هؤلاء فلما رأوا ذا القرنين قادماً بجيشه العظيم حسبوه غازيا متجبراً كتلكما القبيلتين فانعقد لسان القوم من الخوف ابتداءً ، فلما اطمأنوا إليه أخبروه أن قبيلتي (( يأجوج ومأجوج )) قوم مفسدون ، بالقتل والسلب والنهب ، يخرجون في الربيع فلا يتركون أخضر إلا أكلوه ، ولا يابساً إلا احتملوه ، وسألوه أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سداً يمنع غائلة المفسدين ، وأعلنوا أنهم سيتحملون التكلفة .
فلم يأخذ منهم شيئاً ، فالله تعالى بسط له القدرة والمال ، فما يحتاجهم إلا بالرجال العاملين ، وبنى لهم السدَّ الحصين العالي المتين من الحديد المصهور ، والنحاس المذاب ، الذي صبه عليه فصار جبلاً صلداً ملتصقاً بعضه ببعض ، فما استطاعوا نقبه لصلابته وثخانته ، ولا أن يعلوه ويتسوّروه لملاسته ونعومته ،قال تعالى: { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)}(الكهف) . إن الأمان بسط ألسنتهم وحرك بالتفكير عقولهم .

ـ وهؤلاء الأنصار أهل المدينة المنوّرة من الأوس والخزرج ـ رضي الله عنهم ـ يحجون مكة ، ويؤمن العشرات منهم برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ويبايعونه على نصرته ، ونصرة المؤمنين من أهل مكة وغيرهم ، إن أقبل إليهم . . وهكذا كان . . فانتقل الرسول الكريم وأصحابه إلى المدينة ، فاستقبلهم إخوانهم من أهلها إستقبالاً حسناً ، شهد به القرآن الكريم ومدحهم بذلك ، فقد آمنوا بالله ورسوله ، وأكرموا المسلمين المهاجرين فأسكنوهم ديارهم ، وقاسموهم أموالهم ، وفضّلوهم في الغنائم على أنفسهم دون شحّ ، ولم يجدوا في أنفسهم غيظاً وحسداً مما أخذوا فاشتدت الألفة بينهم ، والحب والأخوة ، فأسسوا مجتمعاً طيباً ، ينتشر عبقه على مدى الدهور وكرَّ العصور { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} (الحشر) .

ـ وقد أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بأداء زكاة أموالهم للمحتاجين من إخوانهم ، وجعل أداءها ركناً من أركان الإسلام ، فأفاد أموراً كثيرة منها :
1ـ بناء مجتمع متكامل متراحم ، تسوده مشاعر المحبّة والالفة .
2ـ مَحْوُ الضغائن من قلوب الفقراء نحو الأغنياء . . .
3ـ تقليص الهوّة بين أفراد المجتمع وطبقاتهم ، فلا يكون أغنياءُ مترفون ولا فقراءُ مُعْدَمون .

فأمر الله تعالى أن تدفع الزكاة في عديد من المصارف ، وحدّد الأهم فالأقل أهميّة لتحقّق وجود ذلك المجتمع المتجانس المتآلف { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(60)}(التوبة) .
وأمرنا أن نعطي الأقرب أولاً ـ فالأقربون أولى بالمعروف ـ ثم المسكين ، فهو عفيف اليد واللسان ، لا يسأل أحداً ، لكنَّ حياته ناطقة بمعاناته ، ثم ابن السبيل الذي انقطع عن بلده ولم يجد ما يبلّغه دياره ، قال تعالى : { فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ } ثم أعقبه بقوله : { ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)}(الروم) .

وهذا الرجل الصالح معلم سيدنا موسى ، يساعد الناس بأمر من الله تعالى ، وبطريقة لا نعرفها ، فهو يخرق السفينة ، وأهلها لا يعرفون ، فحين تقع في يد الملك ، ويريد أخذها منهم يرى الخرق ، فتعافها نفسه ويتركها .
ويقتل الغلام ، لأن الله يعلم أن هذا الفتى إن عاش وصار رجلاً فسيرهق أبويه طغياناً وكفراً ، فيبدلهما الله خيراً منه فتاة تصير زوجة نبي من أنبياء الله ،
ثم يبني الجدار في القرية على الرغم من امتناع أهلها أن يَقْروهما لأن صاحبي هذا الجدار ما يزالان طفلين ، وقد ينهدم الجدار وتحته كنز لهما ، فيضيع هذا الكنز بأيدي الجشعين . ويبقى الجدار ويظل الكنز خبيئاً تحته ، حتى يكبرا ، ويشتد عودهما ، وينتفعا بالمال . . سبحان الله . . . (عد الى القصة في سورة الكهف)

إن المسلم يبذل ما في جهده لمساعدة إخوانه في بقاع الأرض كلها ليحقق معنى الأخوّة الإسلامية .

يتبع








 

رد مع اقتباس
قديم 15-10-2017   #17
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم




النصيحة ، الوعظ بودٍّ وإخلاص .. والحضُّ : الحمل على الشيء والإغراء به ، والحث عليه

والقرآن الكريم حرص على النصيحة ، فهي أسلوب يدفع إلى فعل الخير ، وركوب الطريق الصحيح ، فعلاً كان أم تفكيراً ، بطريقة تدع المنصوح راغباً دون شعور بالمساءة .
وللنصيحة والحضّ عليها أساليب عدة ، سلكها القرآن ، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :

1ـ الشرط : قال تعالى : وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) }(البقرة) ، وقال سبحانه : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)} (النساء) .
فالقرآن في هاتين الآيتين الكريمتين ينبه إلى أن النفس العظيمة تطلب الشيء النفيس الباقي ، وذلك باللجوء إلى الله تعالى وحده سبحانه ، والإيمان به ، وطلب الدار الآخرة .
ونرى موسى عليه السلام ، ينصح قومه بالتوكل على الله : { إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ }(من الآية 84 يونس) ،
وعلى هذا الأساس نرى الله سبحانه وتعالى يحضّ نبيه الكريم ، على التوكل على الله ، والاكتفاء به حسيباً : { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)} (التوبة ) .
وأسلوب الشرط في إسداء النصيحة والحضّ على الخير كثير في القرآن الكريم .

2ـ لولا التحضيضيّة : { فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ }(من الآية 16 هود) .
فهلاّ . . . ولكنْ كان أولئك بعيدين عن التعقل والفهم ، ولم يكن منهم أول ألباب وعقول .
. . . وفي حديث الإفك ، حضّ على التفكير للوصول إلى معرفة الحقيقة : { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)} (النور) .
وحضهم على التزام شرع الله في الوصول إلى الحق ،
وعودة إلى أول السورة نجد أنه ينبغي المجيء بأربعة شهداء لإثبات زنا المرأة : { لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) }(النور) .

3ـ النداء والأمر والنهي : وقد تجتمع في كثير من الآيات ، بل في أكثرها . . ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)}(البقرة) .
فاليهود يقصدون من كلمة " راعنا " المسبّة ، والشتيمة ، كما أنها قد توهم الجفاء ، أو التنقيص في مقام يقتضي إظهار المودّة والتعظيم .
ومن الأمثلة على ذلك أيضاً قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)}(الأنفال) .
وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21)}(الأنفال) .
4ـ ويجتمع النداء والنهي في القرآن كثيراً : ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ }(من الآية 11 الحجرات) ، وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ . . . }(من الآية 264 البقرة) .

5ـ ويجتمع النداء والأمر أيضاً : ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)}(البقرة) ، وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ . .}(من الآية 6 التحريم} .

6ـ ونرى المقارنة والاستفهام مجتمعَيْن : كقوله تعالى : { مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)}(هود) ، وكأنه سبحانه يقول لأهل العقول : تذكروا وعوا . . .
ومنها الاستفهام بـ (( هل )) كقوله تعالى : { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)}(هود) .
ومنها الاستفهام بـ (( مَنْ )) كقوله تعالى : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً . . . . }(من الآية 245 البقرة) .
ومنها الاستفهام بـ (( الهمزة )) كقوله تعالى : { أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)}(المائدة) .

7ـ وقد نجد الأمر وحده : كقوله تعالى : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) }(البقرة) .

8ـ وقد نرى النهي والأمر معاً : كقوله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106)}(النساء) .

9ـ الإخبار: في قصة السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت نجد الأفكار التالية التي يسمعها الرجل العاقل اللبيب فيمتنع أن يكون مثل أصحابها :
أ ـ نبذ فريق من الذين أوتوا كتاب الله وراء ظهورهم .
ب ـ جاءهم الحق ، فتناسوه كأنهم لا يعلمون .
جـ ـ اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان .
د ـ لم يكفر سليمان ، والشياطين كفروا .
هـ ـ المتعامل بالسحر ما له في الآخرة من خلاق .
فكان هذا الإخبار نصيحة وحضاً على التزام الطريق الصحيح .
قال تعالى : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) }(البقرة) .
وكذلك الإخبار في قوله تعالى : (( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) ))(آل عمران) .

10ـ الوصية : وهي أسلوب رفيع في النصيحة والحضّ عليها .
وقد ذكرت في القرآن الكريم أكثر من ثلاثين مرة في صيغ عديدة فيها الأدب العالي والأخلاق الرفيعة . . فمن أمثلتها :
أ ـ ما وصى به الأنبياء أولادهم في التزام التوحيد . . قال تعالى : { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)}(البقرة) .

ب ـ ما وصّى به الله تعالى أولي العزم من الرسل حين شرع لهم ، قال تعالى: { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ . . . }(من الآية 13 الشورى) .

جـ ـ وفي ثلاث آيات من سورة الأنعام نجد وصايا متتالية ، مصابيحَ هداية تنير للسالكين دروب الهداية ، وسبل النجاة ، قال تعالى :
{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ
1ـ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا
2ـ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
3ـ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ
4ـ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
5ـ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)} .
6ـ { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
7ـ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
8ـ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى
9ـ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) } .
10ـ { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ
وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} (الأنعام) .

وأساليب النصح في القرأن الكريم كثيرة ، كثيرة . . . بحسب اللبيب أن يراجع الآيات الكريمة بتفحص وإمعان ، ليجد فيها ما يساعده على الوصول إلى قلب السامع والمخاطب . . .

يتبع


 

رد مع اقتباس
قديم 15-10-2017   #18
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم



لماذا يستشير أحدنا غيره ، وهل من فائدة في المشورة ؟ .
إذا استشرت فقد طلبت النصح ، لتصل إلى وجه الصواب ، وتستنير برأي الآخرين .
ففي الاستشارة ـ إذاً ـ فوائد كثيرة منها :

1ـ الاستنصاح للوصول إلى الوجه الأكثر كمالاً .
2ـ عدم الانفراد بالرأي ، فالانفراد يعدُّ خطلاً وضعفاً .
3ـ تحميل الآخرين مسؤولية اتخاذ القرار ، والمشاركة فيه .
4ـ بناء مجتمع متماسك ، يشعر كل واحد فيه أنه لبنة مفيدة .

والشورى ركن مهم من أركان المجتمع الإسلامي ، حضّ عليه ديننا العظيم ، فقال تعالى: { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ }(من الآية 38 الشورى) فلا ينفرد في القرار أحد ، ويتعاون الجميع على إنضاجه وإبرامه ، ليكون أكثر إحكاماً وسداداً .

ـ وقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرة المشورة لأصحابه ، في أمور الحياة سلمِها وحربها وقد مدح الله تعالى رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، باللطف في معاملة أصحابه ، فالتفّوا حوله واجتمعوا عليه ، على الرغم من أخطاء الكثيرين منهم ، ولو لم يكن كذلك لتركوه ونفروا منه ، وقد أمره الله سبحانه ـ والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدوتنا ـ أن يعفو عنهم ويتجاوز عن إساءاتهم ، ويطلب لهم المغفرة من الله تعالى ، ويستشيرهم في جميع أموره ، ليقتدي بفعله الناس { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)}(آل عمران) .

ـ وكان التشاور ـ وما يزال ـ من شيم المجتمع الإسلامي حتى في الأمور العادية ، فإن طلق رجل امرأته ، وله منها ولد ترضعه ، فاتفقا ـ ليذهب كل واحد في سبيله فتتزوج هذه المطلقة ـ على فطامه قبل انقضاء الحولين، ورأيا في ذلك مصلحة للولد بعد التشاور لم يكونا آثمين { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا }(من الآية 233 البقرة) (الفصال:الفطام).
فهذا مثال وإن كان مهماً فهو بالنسبة إلى غيره من الأمور يعتبر عادياً ، ومع ذلك فقد استحسن فيه التشاور ، فما خاب من استشار .

ـ والمشورة ترتفع بالمستوى الإنساني إلى درجة عالية ، لا ينفرد بها المسلمون فقط ، إنما هي سمة عامة بالمجتمع الذي يريد أفراده الحياة الطيبة ، والوصول إلى المكانة اللائقة ، والطريق الصحيح الموصل إلى الغاية الصحيحة .
فهذه ملكة سبأ ، يأتيها من سليمان عليه السلام ، كتاب يلقيه عليها الهدهد ، ففتحه فإذا أوله بسم الله الرحمن الرحيم ، ومضمونه دعوة إلى توحيد الله والانقياد لأمره وطرح التكبر ، والسفر إلى الشام مع وجهاء قومها مسلمين طائعين موحدين فجمعت كبار قومها وأهل الرأي والمشورة قائلة : { يَا أَيُّهَا الْمَلَؤُاْ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ }(من الآية 32 النمل).
فبغير حضورهم ومشورتهم لا تقطع بأمر ، ولا تقضي بتصرف وعمل .
قال القرطبي : ( أخذَتْ في حسن الأدب مع قومها ، ومشاورتهم في أمرها في كل ما يعرض لها ، فراجعها الملأ بما يُقر عينها ، فأعلموها بقوتهم وبأسهم ، ثم سلموا الأمر بعد المشورة إليها ، وهذه محاورة حسنة من الجميع ) .
قال الحسن البصري : ( فوضوا أمرهم إلى امرأة ـ نعم إلى امرأة ـ فلما قالوا لها ما قالوا كانت هي أحزم منهم رأياً وعلماً ، فقالت : { قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)}(النمل) وهكذا فعلت ثم رأت الحقَّ أحقَّ أن يُتبع ، فذهبت إليه ، وآمنت به ، وتزوجته ، فكانت من الناجين في الدنيا والآخرة ، وكانت فألاً حسناً لقومها ، وهادية لهم إلى الإيمان بحسن عملها .

ـ وفعل فرعون ما فعلت ملكة سبأ من المشورة ، لكنّه بجبروته وتكبّره حاد عن الطريق وسقط في الحضيض .
فحين جاء موسى وهارون يدعوانه وقومَه وبني إسرائيل إلى الإيمان بالله ، جادلهما فرعون ، وحاول إرهابهما وتخويفهما ، فردّ عليه موسى ردّاً عقلانياً يدلُّ على الإيمان العميق بالرسالة التي كُلّف بها ، وقارعه الحجةَ بالحجة . فلما أفلس هدّدَه بالاعتقال والسجن . . فما كان من موسى إلا أن أظهر آيتيه اللتين زوّده الله تعالى بهما ـ إلقاء العصا ، فتنقلب حيّة تسعى ، وإدخال اليد في فتحة القميص وإخراجها بيضاء تلمع وتضيء ـ ، فلما رأى فرعون هاتين الآيتين بُهِتَ أول الأمر ، ثم استعان بالأعوان ، لا ليدلّوه على الطريق الصحيح ، والدين القويم ، إنما ليعينوه بمكرهم ، ودهائهم على التصدي لهذا النبي الذي يملك سلاحاً قوياً كاد يعصف بفرعون وعرشه ، فلم يقل ما قالته ملكة سبأ : { أَفْتُونِي فِي أَمْرِي } ، طالبة النصح والرشاد بل أعلن كفره بموسى ابتداءً ، فحرّض هؤلاء عليه حين قال : { قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)}(الشعراء) ، فكان كما أراد فرعون ، فقد فهموا أنّه لا يريد نصيحة حين أوهم أنه يستشيرهم ، وعرفوا مرماه ، وكانوا كما قال تعالى ذامّاً إياهم : { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54)}(الزخرف) ، فقالوا له ما وافقه وأرضاه وزاد في طغيانه وضلاله { قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)}(الشعراء) .
وكانت النتيجة أن الله سبحانه وتعالى أغرقه وجنوده في اليم ، جزاءً وفاقاً على كفره وطغيانه وفساده { وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)}(الذاريات) ، فآمن ساعة لا ينفع الإيمان ، آمن وهو يغرق { حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)}(يونس) فكان من الهالكين . . .

ـ وهذان سيّدانا إبراهيم وإسماعيل يضربان المثل الأعلى ، في الاستشارة وإن لم تكن استشارة حقيقية . . . فكيف ؟ .
لما ترعرع إسماعيل وشبَّ وبلغ السنّ الذي يمكنه أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه قال له حين أُمر في المنام بذبحه : { يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى }(من الآية 102 الصافات) .
ورؤيا الأنبياء وحيٌ فعيونهم تنام ، ولا تنام قلوبهم ، فلما سأل إبراهيم ابنه : ما رأيك في الذي رأيت ، لم يكن يشاوره ليرجع إلى رأيه فهذا أمرٌ حتمٌ من الله وما سأله إلا ليعلم ما عنده ، فيثبت قلبه ، ويوطن نفسه على الصبر ، فأجابه ابنه بأحسن جواب : { قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }(من الآية 102 الصافات) . وهذا جواب أولي الحلم والصبر والامتثال إلى أمر الله والرضا بقضاء الله . .

جعلنا الله تعالى من أهل هؤلاء الكرام لتفوز برضا الله سبحانه وننجو من عذابه ، بل قل : لنكون من أهل الله .

يتبع


 

رد مع اقتباس
قديم 15-10-2017   #19
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم




عتب عليه وعاتبه : لامه وخاطبه مخاطبة الإدلال ، طالباً حُسْن مراجعته ، ومذكّراً إياه بما كرهه منه .
ويقال : يُعاتَب مَنْ تـُرجَى عنده العتبى : مَنْ يرجى عنده الرجوع عن الذنب والإساءة . والعتاب الذي عوتب به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم يدل دلالة قاطعة ـ من ضمن الدلائل الأخرى ـ على أن هذا الكتاب العظيم من عند الله سبحانه وتعالى ـ { ...لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }( 37)}(ق)ـ وإلا فكيف يعاتب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا كان القرآن ـ كما يدّعي السفهاء ـ من عند رسول الله ؟! .

والعتاب أسلوب من أساليب التربية فيه :

1ـ إظهار عدم الرضا من تصرف ، كان غيره أولى أن يُتصرَّف به .
2ـ فيه مسحة كبيرة من حب واحترام صادرةٌ ممن عاتب .
3ـ فيه استمرار للعلاقة بين مَنْ عاتب ومن عوتب .
4ـ فيه رغبة في تصحيح الخطأ دون جرح مشاعر المعاتَب .

وسأقدّم إن شاء الله صوراً من عتاب الله تعالى نبيّه الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم صوراً من عتاب الله سبحانه المؤمنين الصالحين :

1ـ فقد قال الله سبحانه وتعالى معاتباً نبيّه الكريم متلطفاً في عتابه :
{ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)}(التوبة) .
ففي غزوة تبوك استثقل المنافقون الخروج مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لبعد الشُقّة ، فقال أناس منهم : استأذنوا رسول الله فإن أذن لكم فاقعدوا ، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا . . فقد كانوا مصرّين على القعود عن الغزو ، وإن لم يؤذن لهم . . . وقدّم الله تعالى العفو على العتاب إكراماً لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائلاً : عفا الله عنك ، ثم قال : هلا تركتهم حتى يظهر لك الصادقُ منهم في عذره من الكاذب المنافق ، ولم أذنت لهؤلاء المنافقين في التخلف عن الخروج لمجرّد الاعتذار ؟ .
ثم أكد الله سبحانه وتعالى أن الذي يستأذن كراهية الجهاد في سبيل الله ليس مؤمناً بالله واليوم الآخر ، فالمؤمن يجود بالنفس والنفيس في سبيل الله ، مخلص في إيمانه مُتقٍ للرحمن .

ـ ويقول الله سبحانه وتعالى في قصة أسرى بدر حين اختلفت آراء المسلمين في مصيرهم ، فقال بعضهم نقتلهم ، وكان منهم الفاروق عمر ـ رضي الله عنه ـ حتى يعلم المشركون أنْ لا هوادة مع الكافرين الذين يحادون الله ورسوله ، وقال بعض المسلمين ـ ومنهم الصديق رضي الله عنه ـ بل نـُبقي عليهم فيفتدون أنفسهم ، ولعلّ الله يهديهم إلى الدين القويم ، ويخرج من أصلابهم من يجاهد في سبيل الله .
وكان الرسول الكريم الرحيم بالناس مع الفريق الثاني ، ثم نزلت الآيات تعاتب الرسول صلى الله عليه وسلم لإبقائه على الأسرى : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) }(الأنفال) ، فلا ينبغي للنبي أن يأخذ الفداء من الأسرى إلا بعد أن يكثر القتل في المشركين ، ويبالغ فيهم ، فالفداء حطام الدنيا الزائل ، والله يريد لنا العز الباقي ، ثواب الآخرة . ولولا أن الله تعالى كتب على نفسه أن لا يأخذ المجتهد في خطئه لمسَّ المسلمين عذابٌ أليم .
وروي أن هذه الآية لما نزلت قال رسول الله صلى الله علبه وسلم : ( لو نزل العذاب لما نجا منه غير عمر ) .
ويقول الله تعالى مؤكداً ما سبق المعنى نفسَه في سورة القتال : { فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا . .}((من الآية 4(محمد/القتال)) .

ـ جاء عبد الله بن أم مكتوم إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يطلب منه أن يعلمه مما علمه الله ، ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشغول مع جماعة من كبراء قريش يدعوهم إلى الإسلام ، فعبس رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجهُهُ وأعرض عنه فنزل القرآن الكريم بالعتاب : { عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) . . . }(عبس) .
وجاء الحديث بلغة الغائب تلطفاً برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن الأعمى ـ ابن أم مكتوم ـ حين جاءه وهو يحاور المشركين كره الرسول مجيئه حتى لا يقطع حديثاً كان يظن أن المشركين ـ من ورائه ـ يمكن أن يؤمنوا .
وابن أم مكتوم كان يريد أن يتعلم ، ويتطهر من ذنوبه بما يتلقّاه من موعظة الرسول الكريم . ولعله يريد أن يتعظ بما يسمع فكان الأولى أن يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليه ويهتم به ، أما الكفار فهؤلاء لا يريدون الإيمان والتطهر من دنس الكفر والعصيان ، وليس الرسول صلى الله عليه وسلم مطالباً بهدايتهم إنما عليه البلاغ فقط .

2ـ وفي حديث الإفك يعاتب الله سبحانه وتعالى المؤمنين ، حين سمعوا هذا الافتراء على الصدّيقة عائشة زوجة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم ينفوا هذه التهمة ـ وكان أولى بهم أن يظنوا الخير فيها ـ وهي المرأة الحصان الطاهرة زوجة نبيهم ، وهلاّ قاسوا الأمر عليهم ؟ فهل يفعل الرجل المسلم ما ظنوه في أخيهم صفوان بن المعطل ؟! وهل تفعل المرأة المسلمة ما ظنوه في أمهم عائشة ؟!! .
والله تعالى أمرهم أن لا ينشروا أمثال هذه الافتراءات ، بل عليهم أن يسألوا المفترين الطاعنين عن أربعة شهداء ، يشهدون أنهم رأوا رأي العين ما افترَوه على السيدة عائشة ، وإلا فهم كاذبون ، والله تعالى يشهد على كذبهم ، قال تعالى :
{ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)}(النور) .

وأترك للأخ القارىء أن يعود للآيات التي تلي الآيتين السابقتين ، ليرى ذلك العتاب الذي ساقه الله تعالى مرشداً وهادياً المسلمين أن لا يتأثروا بالشائعات ، وأن يتحكموا بعاطفتهم وأن يحكّموا عقولهم قبل أن يُصدِروا آراءهم وينغمسوا فيما أراد المنافقون لهم من سوء .

ـ وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قائماً على المنبر يخطب يوم الجمعة ، فأقبلت عير من الشام بطعام قدم بها ( دحية الكلبي ) وكان أصاب أهلَ المدينة جوعٌ وغلاء سِعْر ـ وكانت عادتهم أن تدخل العير المدينة بالطبل والصياح سروراً بها ـ فلما دخلت العير كذلكَّ انفضَّ أهل المسجد إليها ، وتركوا رسول الله قائماً على المنبر ، لم يبقَ معه سوى اثني عشر رجلاً ، فنزلت الآية تدل على أن ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة ، فليطلبوا الرزق من الله وليبتغوا مرضاته :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
1ـ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)
2ـ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
3ـ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا
4ـ قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)}(الجمعة) .
فكانت هذه الآيات عتاباً مرشداً ، وتأنيباً خفيفاً مناسباً ، يعلّم المسلمين ملازمة الخير الأبدي والفضل الدائم .

ـ نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى. . . لما تطاول عليهم الزمن بدّلوا كتاب الله الذي بين أيديهم ، ونبذوه وراء ظهورهم واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ، فعند ذلك قست قلوبهم ، فلا يقبلون موعظة ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد ، فعاتبهم قائلاً : أما حان للمؤمنين أن ترق قلوبهم وتلين لمواعظ الله ، ولما نزل به الكتاب من الآيات الواضحة ؟ . . . { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)}(الحديد) .
فقال المؤمنون الصادقون : (( لقد آنَ لنا يا رب لقد آنَ )) .

والعتاب من المحب للمحبوب يفتح القلوب للخير ، والأفئدة للصواب والعقول للحق ، دون استثارة أو حنق .

يتبع




 

رد مع اقتباس
قديم 15-10-2017   #20
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (12:32 AM)
 المشاركات : 210,276 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب من أساليب التربية في القرآن الكريم




ما أبلغ القول : (( رحم الله امرأ عرف حدّه ، فوقف عنده )) .
هذا دعاء لإنسان حفظ نفسه ، وُجودَه وغيبته ، وامتنع عن الخوض في أمر لا يخصه ، فاستراح من تجريح الناس وانتقاداتهم ، سلبيّة كانت أم إيجابيّة ، ولم يترك لهم مجالاً ينفذون منه إليه . وقد قيل قديماً : ( من تدخّل فيما لا يعنيه وجد ما لا يرضيه ) .
ولكننا هنا ـ أيضاً ـ نلفت النظر إلى آداب إسلامية ، وقيم إيمانيّة هي :

1ـ أن يفكر الإنسان فيما حوله ، ويتدبّر ما يراه دون أن يقحم نفسه في أمور لم تطلب منه ، ولا تعود بالنفع على مجتمعه .
2ـ أن ينأى بنفسه عن المواقف المحرجة ، فإن كان لا بد فاعلاً كأنْ يناط به مهمّة ما ، فليتدخل بمقدار ما تسمح له الحاجة ، على أن يتسلح بالأسباب ، ويقدّم الأعذار التي توضح موقفه .
3ـ أن يوطن نفسه على ردود فعل قد تناله بما لا يسرّه ، فيتحمَّلُها بصبر ويستوعبها بحكمة ، ويمتصها بوعي ، ثم يوجهها الوجهة المناسبة ، أو يتغاضى عنها كأْنْ لم تكنْ ، فهو إذ ذاك يمتلك الموقف مبرئاً نفسه أو موضحاً موقفه .

وباب هذا الأسلوب القرآني التعليمي قوله تعالى : { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}(الإسراء) .
وقوله سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ }(من الآية 101 المائدة) فكل شيء يأتي في الوقت المناسب للأمر المناسب .
ولا ينبغي أن نفرض رأينا فيما لا نعرفه فهؤلاء المشركون استنكروا أن يكون سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً واقترحوا أحد هذين الرجلين (( الوليد بن المغيرة )) في مكة ، أو (( عروة بن مسعود الثقفي )) في الطائف رسولاً إليهم من ربهم فهما من كبار عظماء مكة والطائف ، ومحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقير يتيم ، ظناً منهم أن العظيم ذو الجاه والمال ، وفاتهم أن العظيم عند الله له مقاييس العظمة التي تؤهله لرضى الله سبحانه وتعالى من سموٍّ الروح ، وعظمة النفس ، وامتلاك نواصي الخير ، وليس لأحد أن يقترح الرجل الذي يريده ،قال تعالى :
{ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)}(الزخرف) .
وليس لأحد حتى الرسول عليه الصلاة والسلام أن يزيد فيما كلّف به أو يتقوّل ما لم يؤمر به { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)(الحاقة) .
ولم يدّع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يفعل ما يشاء ، أو يعلم الغيب فله حدود لا يتخطاها { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ }(من الآية 50 الأنعام) ،
{ مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70)}(ص) .
ولما كذّبوا بما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أَوعدهم العذابَ ، فتحدَّوْه قائلين قل لربك يرسل علينا عذابه ، فكان جواب القرآن الكريم : { قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)}(الأنعام) .
فليس لرسول الله ـ صلى الله علي وسلم ـ أن يحاسبهم ، أو يستعجل لهم العذاب ، أو ينأى عنهم ويهجرهم ، فهو مرسل يفعل ما يؤمر ، وينفذ أوامر ربه ، قال تعالى : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ . . }(من الآية 128 آل عمران) ، وقال سبحانه : { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّاالْبَلَاغُ }(من الآية 48 الشورى) ، وقال سبحانه منبهاً رسوله أنه منذر ومبلغ فقط : { قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)}(الأحقاف) .
وما دور الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا الإنذار فهو مرسل فقط لا يستطيع أن يفرض على الناس الإيمان ، فهو هبة من الله سبحانه وتعالى للناس ، قال تعالى : { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)}(الغاشية) ،
وقال سبحانه : { قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22)}(الجن) ،
وقال سبحانه : { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ }(من الآية 6 الشورى) ،
وقال تعالى: (( إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23)}(فاطر) .
وحين رأى المشركون أن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذين آمنوا به ، من ضعفاء مكة وعبيدها قالوا له : اطردهم من مجلسك لنأتيك ، فنحن لا نجلس مع هؤلاء !! فما كان من القرآن الكريم إلا أن أعلن عكس ما يريدون فقال سبحانه :
{ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
أ ـ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ
ب ـ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ
جـ ـ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)} (الأنعام) .
بل إنه سبحانه عظّم هؤلاء المؤمنين وأمر رسوله الكريم أن يتباسط لهم ، ويكرمهم فقال :
{ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ . . .}(من الآية 54 الأنعام) .
وأمر الله رسوله ـ وهو قدوتنا وعلينا أن نفعل مثلما يفعل لنكون قريبين منه ـ أن لا ينظر إلى متاع الدنيا وان لا يتمنّاه فهو فتنة فقال : (( وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)}(طه) .
وهؤلاء الناس تجادلوا في عدد أهل الكهف ، وما يُجدي معرفة عددهم ؟ وهل ترفع هذه المعرفة صاحبها ؟ لا . . . ما هو إلا مراء لا غنىّ فيه (( سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)}(الكهف) .
ولعلَّ من الإعظام لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، أن ننوّه إلى أنه عليه الصلاة والسلام كان حريصاً على إيمان الجميع ، خوفاً عليهم من نار جهنّم وراغباً أن يكونوا من أهل الجنّة فهو رؤوف بالمسلمين ، رحيم بهم { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)}(التوبة) .
فتراه يهتم إن رآهم معرضين ، حزيناً كاسف البال ، فينبه الله سبحانه بلطف إلى أنه لن يؤمن إلا القليل ، فلا يهلك نفسه حزناً عليهم ، ولا يتحسر عليهم { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)}(الكهف) ، { فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ }(من الآية 8 فاطر) .

وأعظِم بهذا الرسول الحبيب ،
اللهم شفـّعه فينا واحشرنا تحت لوائه اللهم آمين .

يتبع






 

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أساليب, من, التربية, القرآن, الكريم, في, كتاب


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أساليب وطرق تدريس التربية الإسلامية آسيل منتدى التعليم العام 9 21-04-2016 04:11 PM
اسباب نزول القرآن الكريم ، فضل سور القرآن الكريم ، سبب تسمية كل سورة من سور القرآن ا مصراوي منتدى القرآن الكريم والتفسير 71 22-12-2015 03:03 PM
من أساليب التربية النبوية ابو يحيى سير نبي الرحمة واهم الشخصيات الإسلامية 14 06-12-2015 08:27 PM
القرآن الكريم كتاب الله المنـزل نجود منتدى القرآن الكريم والتفسير 3 09-09-2015 12:16 PM
من أساليب التربية النبوية ابو يحيى سير نبي الرحمة واهم الشخصيات الإسلامية 2 23-05-2013 02:07 PM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 11:14 AM

أقسام المنتدى

الاقسام العامة | المنتدى الاسلامي العام | المنتدى العام | منتدى الترحيب والتهاني | الاقسام الرياضية والترفيهية | العاب ومسابقات | الافلام ومقاطع الفيديو | منتدى الرياضة المتنوعة | الاقسام التقنية | الكمبيوتر وبرامجه | الجوالات والاتصالات | الفلاش والفوتوشوب والتصميم | منتدى التربية والتعليم | قسم خدمات الطالب | تعليم البنين والبنات | ملتقــــى الأعضـــــاء (خاص باعضاء المنتدى) | المرحله المتوسطه | منتدى الحقلة الخاص (حقلاويات) | منتدى الاخبار المحلية والعالمية | اخبار وشـؤون قرى الحقلة | اخبار منطقة جازان | الاقسام الأدبية والثقافية | الخواطر وعذب الكلام | منتدى الشعر | عالم القصة والروايات | اخبار الوظائف | منتديات الصحة والمجتمع | منتدى الصحة | منتدى الأسرة | منتدى السيارات | منتدى اللغة الانجليزية | منتدى الحوار والنقاشات | منتدى التراث والشعبيات والحكم والامثال | منتدى التعليم العام | منتدى السفر والسياحة | الثقافه العامه | منتدى تطوير الذات | كرسي الإعتراف | منتدى عالم المرأة | عالم الطفل | المطبخ الشامل | منتدى التصاميم والديكور المنزلي | المكتبة الثقافية العامة | شعراء وشاعرات المنتدى | مول الحقلة للمنتجات | الخيمة الرمضانية | المـرحلـة الابتدائيـة | استراحة وملتقى الاعضاء | المرحله الثانويه | الصور المتنوعة والغرائب والعجائب | المنتدى الاسلامي | منتدى القرآن الكريم والتفسير | سير نبي الرحمة واهم الشخصيات الإسلامية | قصص الرسل والانبياء | قسم الصوتيات والفلاشات الاسلاميه | اخبار مركز القفل | منتدى الابحاث والاستشارات التربوية والفكرية | افلام الانمي | صور ومقاطع فيديو حقلاويات | البلاك بيري / الآيفون / الجالكسي | بوح المشاعر وسطوة القلم(يمنع المنقول ) | مناسك الحج والعمرة | منتدى | ارشيف مسابقات المنتدى | منتدى الحديث والسنة النبوية الشريفة | المنتدى الاقتصادي | منتدى عالم الرجل | اعلانات الزواج ومناسبات منتديات الحقلة | تراث منطقـة جــــازان | كرة القدم السعوديه | منتدى الرياضة | كرة القدم العربيه والعالمية | ديـوان الشـاعـر عمـرين محمـد عريشي | ديـــوان الشــاعـر عـبدة حكمـي | يوميات اعضاء منتديات الحقلة | تصاميم الاعضاء | دروس الفوتوشوب | ارشيف الخيمة الرمضانية ومناسك الحج والعمرة الاعوام السابقة | منتدى الاخبار | نبض اقلام المنتدى | ديـــوان الشــاعـر علـي الـدحيمــي | الاستشارات الطبية | الترحيب بالاعضاء الجدد | قسم الاشغال الايدويه | قسم الاشغال اليدويه | مجلة الحقله الالكترونيه | حصريات مطبخ الحقله | ديوان الشاعر ابوطراد |



Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Ramdan √ BY: ! Omani ! © 2012
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Forum Modifications Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع المواضيع والمُشاركات المطروحه في منتديات الحقلة تُعبّر عن ثقافة كاتبها ووجهة نظره , ولا تُمثل وجهة نظر الإدارة , حيث أن إدارة المنتدى لا تتحمل أدنى مسؤولية عن أي طرح يتم نشره في المنتدى

This Forum used Arshfny Mod by islam servant