السمو الأخلاقي
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أحبكم إليَّ، وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة: أحسنَكم أخلاقًا، وإن أبغضَكم إليَّ، وأبعدكم مني مجلسًا يوم القيامة: الثَّرْثارون المُتشدِّقون))، قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثَّرْثارون، ما المُتشدِّقون؟ قال: ((المتكبِّرون)).
هذه شهادة فوز ونجاح في الدارينِ من معلِّم الأخلاق الأول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فمن تعلَّق قلبه به عليه السلام وأراد مرافقتَه والقربَ من منزله يوم القيامة، فعليه بمكارم الأخلاق، وجميلها وأزكى خصالها.
عندما ننظر بعمق في هذا الحديث، وفي فقه معانيه، وجميل مدلولاته، نجد أن الأخلاق الراقية هي الدالة إلى كل خير، والمانعة من الوقوع في الشر:
كلمة طيبة، ابتسامة صادقة، تجاوز عمن أخطأ في حقِّك، صلةُ مَن قطعك، الإحسان إلى مَن آذاك، وفاءٌ لمن كان بينك وبينة عشرة طيبة، إصلاحٌ بين الناس، إحسانُ ظنٍّ، إكرام والديك، حسنُ عشرة لزوجك ولأولادك، تقديرٌ وإجلالٌ للكبير، ورحمة للصغير، بذلُ المعروف... كلُّ هذه وغيرها كثير لن نستطيع حصرها في هذه الكلمات من مكارم الأخلاق وجميلها، التي حضَّنا عليها دينُنا، ورغَّبنا فيها.
ولعلَّ التحدِّيَ الذي نواجِهه - وسنجد فيه بعضَ المعاناة - هو الكيفيَّة التي من خلالها نستطيع أن نتخلَّق بكل هذه الصفات من مكارم الأخلاق.
ولعلي أذكر بعضَ الوسائل المعينة والعملية على ذلك:
1- الصحبة الطيبة؛ فهم مفتاحُ كل خير، والواقي من كل شر.
2- الاطِّلاع وقراءة سير النبلاء، وعلى رأسهم سيرة حبيبنا عليه السلام، ومعرفة جوانب الرقي
الأخلاقي لديهم في حديثهم، ومعاملاتهم، ومعاشرتهم الناسَ، ومحاولة محاكاتهم، والتشبه بجميل صفاتهم.
3- المجاهدةُ لتغيير الصفات السلبيَّة إلى صفات إيجابية، وهذا أمر ليس بالهيِّن، ويحتاج إلى صبر، وطولِ نَفَس.
4- نشرُ الأخلاق الحميدة بين الناس، وهي من الطرق التي تعين وتساعد على تثبيت هذه المعاني في النفس.
5- المحاسبةُ الدائمة للنفس، ومراجعة المواقف، وتصحيحُ ما كان منها مجانبًا للأخلاق الحميدة، وتطوير الجيد منها، والرقيُّ به.
ولعلي أختمُ بهذا الحديث الذي يُؤكِّد على ما ذكرناه، ويُوضِّح أهميَّة الأخلاق الحميدة، ويحذر من ضدِّها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحبَّكم إليَّ أحاسنُكم أخلاقًا؛ المُوطَّؤُون أكنافًا، الذين يَألَفُون ويُؤلَفُون، وإن أبغضَكم إليَّ المشَّاؤون بالنميمة، المُفرِّقون بين الأحبة، المُلتمِّسون للبُرَآء العَنَتَ)).
الالوكة