إن الله سبحانه وتعالى قد عصم دماء المسلمين بحق الإسلام فكانت حراما على بعضهم البعض, لذلك في الحديث " حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا حماد عن رجل لم يسمه عن الحسن قال خرجت بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة فقال أين تريد قلت أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال , قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار قيل فهذا القاتل فما بال المقتول قال إنه أراد قتل صاحبه " رواه البخاري .
فلذلك الإسلام صان أعراضهم وأموالهم فكان الدخول في دين الإسلام حصنا متينا لهم يتحصنون فيه ومن كان خارج حصن الإسلام فليس له حق في ذلك الإحصان بل هو كافر مستباح الدم والعرض والمال إلا ما كان بيننا وبين غير المسلمين من أمان أو عهد أو هدنة أو ذمة ولم تنتقض أما غير ذلك فهم هدف لكل من يقاتل أو يجاهد في سبيل الله على أي أرض في هذه الحياة الدنيا حتى يلجأ إلى الإسلام فيدخل فيه , ففي الحديث , عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ قَالَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ وَيُقِيْمُوْا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهَمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ تَعَالَى" , رواه البخاري ومسلم .
وهذا الحديث يبين لنا أن نبي هذه الأمة وأتباعه من المسلمين مأمورون بقتال كل من لم يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا وأن جذوة الجهاد يجب أن لا تنطفئ حتى يدخل الإسلام كل بيت ويكون الدين هو المهيمن على حياة الناس في كل أنحاء الأرض , وشرائعه هي المطبقة على الحياة العامة ومن يرفض ذلك يجب جهاده إذا كان في المسلمين طاقة على ذلك , وإلا يجب عليهم المهادنة والدعوة والصبر حتى تعود لهم قوتهم , مع الإعداد بما يفتح الله عليهم من تجهيزات للقتال , ولا يكفي دخول الناس في الإسلام بل يجب عليهم القيام بشرائع الدين كاملة ومنها أركان الإسلام فمن فرط في ركن من أركان الدين وجب على أهل الإيمان قتاله حتى يعود إلى هذا الركن الذي تركه ولا تكون الأخوة بيننا وبينهم حتى يلتزموا بشرائع الدين كاملة .
ومن قبل بأداء الصلاة والصيام ولكن رفض حكم من أحكام الإسلام وهو ثابت بالدليل فإنه يستتاب ثلاثة أيام حتى يختار لنفسه إما الرجوع وقبول أحكام الإسلام كاملة وإما أن يقتل ردة , فمثلا من زعمت أنها مسلمة ولكنها تركت الحجاب الشرعي الذي لا اختلاف عليه كستر شعر الرأس وباقي البدن من نحر وذراع وساق وغيره , فهذه تستتاب ويبين لها أن فعلها هذا ردة عن الدين فإن تابت وإلا كانت من السبي والسبب هو تضييع لحق من حقوق الإسلام , وإن كانت غير مسلمة وخرجت كاشفة شعرها وذراعيها وغيره من عورة فإنها ناقضة للعهد إن كان هناك عهد بيننا وبينهم وإن كانت من أهل الذمة فقد نقضت ذمتها وعليها الالتزام بأحكام الذمة وإلا تؤخذ في السبي ولا تقتل لأنها تعد من الأموال ويجوز بيعها , ولو تمالئ حي من أحياء المسلمين على ترك الأذان والصلاة جماعة وجب قتالهم إذا أصروا على ذلك وإن زعموا أنهم مسلمين .
إلا ترى أنه من زنى وهو محصن جاز قتله ومن فارق الجماعة أي ألب الناس على الإمام كراهة في حكم الإسلام وتطبيق الشريعة وحث على ترك جماعة المسلمين المتوحدين على شريعة الله فهذا يقتل ردة , فعن زياد بن علاقة قال سمعت عرفجة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان " رواه مسلم , وفي حديث أخر , عن عثمان بن أبي شيبة حدثنا يونس بن أبي يعفور عن أبيه عن عرفجة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه " , فلا إحصان في هذا الدين لمن يحارب الإسلام علانية ويندس بين المسلمين ويزعم أنه مسلما .
وهكذا الحدود بيننا وبين الأمم مبنىي على أساس العهود والمواثيق التي يضبطها العلماء العارفين ويوثقها السلطان , وهذه المواثيق يجب أن تكون خالية من أي صغار على المسلمين فإن كان فيه صغار فوجب نبذه وتغييره فإن أبى الكفار ذلك فعلى المسلمين رفع ذلك الصغار بالجهاد في سبيل الله والصبر حتى يفتح الله عليهم ولو طال الزمن فذلك خير لهم من أن يكونوا أذلاء خدما للكافرين .
إن الأمة يجب عليها أن تترك التثاقل إلى الأرض والركون إلى الحياة الدنيا فالعدو لن يهدأ له بال حتى نتخلى عن الجهاد في سبيل الله لأن فيه إزعاج لهم وتشويش على ملذاتهم , فلن يدعوا هذه الأمة حتى يروها مقيدة لا تقدر على الحراك فاشتغلوا أولا بإثارة أبناء المسلمين على أهل الإسلام فأصبح هناك من يطالب بإلغاء الشريعة وهم يزعمون أنهم من أبناء المسلمين وهناك أيضا من يطالب بإلغاء الحجاب عن نساء المسلمين وأخر يطالب بالمساواة بين
المسلم والكافر وهكذا يواجه المسلمين اليوم ( حروب ردة ) من جديد فعليهم القضاء على المرتدين كما فعل أبوبكر رضي الله عنه قبل مواجهة الكفار الأصليين , وهذا لا يكون إلا بالقيام بالجهاد في سبيل الله ومؤازرة كل من يدافع عن الإسلام وأهله .
فإذا استقام الناس ولو ظاهرا على شرائع الإسلام وامتثلوا أحكامه فما يقع منهم من زلات وهفوات منفردة يحاسب عليه الفاعل بمفرده فربما وقع منه جهلا ويبين له فإن أصر على إباحة ما حرم الله فيقتل ردة , وأما إذا تجمهر الناس مطالبين بإلغاء الشريعة أو إباحة الزنى أو شرب الخمور فهؤلاء مرتدين يجب قتالهم وليسوا معصومين الدم ويفرق بينهم وبين نسائهم وليسوا من المسلمين .
إن صيانة الإسلام هو بنشر العلم وتعريف الناس بأحكامه وحدوده فإن بغى عليه أحد ليمنع تطبيق حدوده وإقامة شعائره وجب قتالهم ولو كانوا من أهل البلاد فالإسلام جاء يفرق بين الرجل وعشيرته وبين الابن وأبيه وبين الزوج وزوجه ليتميز الخبيث من الطيب , ولا يقدم ولاء الدم والأرض على ولاء الدين , يقول الله تعالى ( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) المجادلة (22) , فلحمة الوطن تبنى على الدين فلذلك كانت الهجرة إلى المدينة وترك الصحابة الأوطان من أجل الدين وليس من أجل الأرض بل كانت هجرتهم تامة ولم يعودوا إليها حتى بعد الفتح مع أن مكة المكرمة كانت من أحب البقاع إليهم , فنحن المسلمين لا نتجانس ولا نتآخى على أرض إلا مع من كان على شاكلتنا من أهل ديننا يصلي صلاتنا ويستقبل قبلتنا ويحل حلالنا ويحرم حرامنا , ومن كان بيننا من غير المسلمين وقبل أن يعيش بيننا ورضي بالجزية والصغار فله الحقوق التي تكفل له الأمن من سيوفنا , ومن أظهر كلاما أو سعى في مطالبات بإلغاء حكم الله أو شيء من الشريعة فقد نقض العهد وليس هو من أهل الأمان أو من أهل الذمة ويجب قتاله وهو من أهل الحرب المعاندين .
ومن يقول للكفار هم أخواننا في الأرض وإخواننا في الإنسانية فليراجع إيمانه فهو إما منافق أو مداهن يخشى الناس أكثر من خشيته لله فليتق الله ربه فيما يقول , فلا أخوة إلا في الإسلام فكيف يكونون أخوان لك وهم على ملة الكفر ؟ وكيف يكونون أخوة لك وهم يقاتلونك في كل محفل ؟ وكيف يكونون أخوة لك وهم يحاربون دينك ويحرقون كتابك ويسبون نبيك ؟ , إن الجهل بالدين يأتي بالغرائب والعجائب ويقلب الموازين , فلا بد للمسلم من أن يعرف عدوه حتى يحاربه ويعرف أخوه حتى يحبه و ينصره ولا يخلط بينهما من أجل مصالح سياسية أو دنيوية مؤقتة , بل يكون واضحا صادعا بالحق والله متم نوره ولو كره الكافرون .... والحمد لله رب العالمين .